أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - قمصان شفافة















المزيد.....

قمصان شفافة


فاتن واصل

الحوار المتمدن-العدد: 4987 - 2015 / 11 / 16 - 14:38
المحور: الادب والفن
    


ألقيت بجسدي المرهق على الأريكة أسفل النافذة ألتقط أنفاساً من النسمات الشحيحة الباردة، بعد يوم طويل حار مشبع برطوبة ثقيلة كانت كفيلة بسحب الأكسيجين من الأجواء.

شعرت باسترخاء وأنا أريح ساقيّ على ظهر الأريكة فغلبني النعاس لا أعرف لكم من الوقت. ما أدركه جيداً أني سمعت خربشات فوق الجلسة الخشبية للنافذة، تبعها نقرة في إصبع قدمي آلمتني بشدة، فتحت عيني واستيقظت بفزع، فتبينت في الظلام كائناً بهيئة غريبة يقف على النافذة، حدقت فيه بإمعان، فإذا به طائر لم أستطع تحديد نوعه، فلا هو بغراب، أو حتى بصقر.. مُعرّى الجسد والجناحين من الريش ، وبقع بنية اللون تنتشر على جلده، وقطرات من الدم تتساقط من منقاره الخطافي الذي يشبه منقار الصقر كأنه فرغ لتوه من التهام فريسته، فسحبت قدمي بسرعة و فتشت في إصبع قدمي عن أثر جرح، فلم أتبين شيئاً في عتمة الغرفة، وظل الألم مستمراً.
لوّحت بيدي في الهواء من بعيد :
ششششش .. هشششششش .. إمش.. هشش
خشيت أن يدخل الشقة فلا أستطيع أن أصرفه، وشعور بالتقزز يملأ نفسي من منظره البشع. ظل واقفاً يلوي رقبته ويحملق في وجهي بعين واحدة واسعة، تنطلق منها نظرات نارية ملأتني بالخوف فتراجعت للخلف تحسباً لأي هجوم منه أو محاولة انقضاض.
أردت أن أصرخ بأعلى صوت لكني لم أستطع .. اِنحشر الصوت في حلقي، فبدأت أدبّ على الأرض بقدمي الحافيتين، صدر عنهما صوت مكتوم لم يسمعه أحد لإنقاذي.
فجأة لمحت طابوراً من ديدان سوداء رفيعة يخرج من أصبع قدمي الذي يؤلمني، فتوقفت عن الحركة تماماً .. ماذا يحدث ؟ ظننت لوهلة أني جننت، فالديدان تسير مسرعة في طابور، يبدأ من عندي وينتهي عند منقار الطائر، فلم أعد أدرك بعد لحظات هل هي تتجه من عندي إلى عنده أم العكس ؟
انقطع فجأة خيط الدود، وقفت ساهمة لا أجرؤ على الحركة، والطائر مازال يحدّق إليّ بعين واحدة شريرة.. ثم صرخ صرخة مدوية ترددت في الفضاء الليلي الساكن، أفزعتني فارتميت على الأرض مغشياً علي.

أفقت فوجدت نفسي مازلت على الأرض، واختفى الطائر وكل صوت، والهدوء يسود كل الأرجاء، وقفت ونظرت حولي وعبر النافذة، فلم ألحظ شيئا غير عادي في الخارج أو في الداخل.
كان مظهره العدواني وبقع الدم المتناثرة على منقاره وجسده الموحية بشراسته وضراوته قد أرعبني، فأخدت أتجوّل في أركان المنزل بحذر، وتعمدت أن أصدِر ضجيجاً خشية أن يكون قد تسرب إلى الداخل عندما فقدت الوعي، فمن المؤكد أن يصدِر صوتاً يدل عليه.. خاصة أنه ليس ضئيل الجسم، فحجمه يصل لحجم الديك الرومي مع فارق أنه ليس لديه تلك الزائدة اللحمية التي تتدلى من رأس الديك.

أغلقت جميع النوافذ والشرفات رغم حرارة الجو، حتى لا أترك أي منفذ لهذا الضاري إلى الداخل.ذلك الكائن الذي أتى لزيارتي في هذه الليلة مصادفةً أو قدراً حتمياً.
أضأت المصباح الكهربائي بجوار فراشي وفتشت الغرفة جيداً قبل أن أنا، وكيف سأنام وهذه المخاوف تملكتني
جلست القرفصاء في الفراش وتفحصت إصبع قدمي مرة أخرى، فوجدت ندبة صغيرة بنية اللون، اقتربت أكثر لأتحقق هل هذا جرح حديث أم أنه مجرد ندبة قديمة لم ألحظها من قبل، فبدت لي كما لو كانت حفرة غائرة، والألم لا يزال مستمراً.
فجأة شعرت وكأن يداً تسحبني من رأسي وتدفع بي عنوة داخل هذه الحفرة، قاومت بكل قوتي بأن دفعت الفراش بذراعي دون جدوى، فقوة السحب من داخل الحفرة والدفع الخارجي كانت أكبر من أي مقاومة.
بعد لحظات لا أعرف مقدارها، وجدت أني انزلقت داخل عالم غريب، أقف في حديقة، فيها أشجار ومقاعد كثيرة، يجلس عليها أناس تعرفت على بعضهم.. لكن الغالبية العظمى مجهولون بالنسبة لي، يرتدون قمصاناً شفافة تظهِر ما وراءها من تفاصيل أجسادهم، فخجلت، ولكن حين مررت بجوارهم وجدت أنهم لا يرونني، فأخذت أحملق في أعضائهم بلا خجل، وتركت لنفسي العنان أن أقترب وأتفحص هذه الأعضاء، كما لو كنت أقف في سوق وأسعى لاختيار الأفضل، ضحكت من نفسي، خاصة وأنهم كانوا مستسلمين كتماثيل بلا روح، والأغلب أنهم لا يشعرون بوجودي من الأساس.
صوت واحد كان مسموعاً يزعجني بشدة ويدمر أعصابي، إنه صوت دقات عقرب الثواني في ساعة صغيرة ملقاة بإهمال على أحد المقاعد، كان يشبه دقات طبول الحرب، يهدر بقوة وكأنه ينذر بخطر قادم يهدد حياتي.
عدوت بعيداً بقدر الممكن لكي أتخلص من هذا الضجيج غير المحتمل، فوصلت إلى مكان خالٍ من الأشجار ومن الناس، يبدو كصحراء شاسعة مترامية على مدى الرؤية، ثم توقفت حيث وجدت بقعة يغلي ماء أسود فيها ويتصاعد منه دخان .. نظرت داخل البقعة فلم أرَ خيالي وكأنه ليس لي أي وجود، ثم لمحت خيال الطائر وهو يحلق فوق بقعة الماء بجلده المبقع بقطرات الدم وشكله المقزز المخيف، وكان يحمل بمنقاره قميصاً شفافاً رماه على رأسي، وأنا أراقب صورته في المياه. تأملت القميص فوجدته لا يختلف كثيراً عما يرتديه الناس الذين قابلتهم في بداية رحلتي ثم همست لنفسي:
هذا القميص فيه حتفي.. لو ارتديته فسوف أصبح كرواد هذا المكان.. فلن أرى الناس من حولي، ولن أشعر بوجودهم، وسوف أستسلم كهؤلاء، تمثال بلا روح لعبث الزوار الجدد بأعضائي بلا شكوى أو رفض مني أو غضب ثم تداركت حين تذكرت:

أني أصبحت فعلاً بلا وجود.. إذ لم أستطع رؤية خيالي على سطح مياه البحيرة السوداء..! ترى هل متُّ ؟ أهذه هي الآخرة ؟ أأكون في مرحلة انتظار قرار المحكمين النهائي ليقضوا ببراءتي فأدخل الجنة ؟ أو بذنوبي فأدخل النار؟
حط الطائر الغريب على الأرض في الجهة المقابلة لي من بحيرة المياه السوداء، لوى رقبته ونظر بعينه المخيفة نفس النظرة النارية التي كان يطلقها علي وقتما كان واقفاً على حافة النافذة.. صرخ الطائر صرخة مدوية، انفجرت معها نافورة مياه سوداء من وسط البحيرة وانبعثت معها رائحة نتنة، فتبينت على الفور أنها مياه مجار.. تراجعت مشمئزة خوفاً من أن يتناثر الرذاذ على جسدي.. وكنت في ذهول .. تكررت الصرخات ومع كل صرخة منها تنفجر النافورة وتنبعث الرائحة.
ارتسمت خطوط سوداء رفيعة في الرمال المحيطة بالبحيرة، تتلوى وتتجه إلى جميع الاتجاهات كالأشعة، تنطلق من مركز البحيرة المستديرة، وعندما اقتربت مني تبينت أنها نفس الديدان السوداء التي كانت تخرج من إصبعي وتتجه لمنقار الطائر وإن كانت أكبر حجماً من ذي قبل وأسرع في حركتها، بدأت في التراجع إلى الخلف هرباً لكن يبدو أنني كنت الهدف، فتجمعت وتركزت في اتجاهي.. تسمرت قدماي في الأرض رعباً.. اقتربت الديدان أكثر وبدأت تزحف على جسدي، منها ما يلتف ليقيد ساقي ومنها ما يكبّل حركتي، أصرخ وأستغيث بذوي القمصان الشفافة دون جدوى.. فهم لا يرون أو يسمعون.. وفجأة بدؤوا يتوافدون إلى حيث نطاق البحيرة، ولكن عند حدود ما، وقبل أن يتخطوها يسقطون وينسلون من قمصانهم الشفافة، ويتحولون إلى أفاع صغيرة تزحف، تاركة قمصانها ملقاة على الرمال متجهة نحو البحيرة في مرح واحتفال، وتختفي فيها، ثم تخرج منها أكبر حجماً وأشد غلظة وأحلك سواداً من حالها قبل أن تغطس فيها، وقد نبت لكل منها نابان.
يقف الطائر مزهواً يلوّح بجناحه العاري وجلده المبقع بالدم والقذارة وآثار المياه السوداء على قدميه بأظافرهما المخلبية التي تنغرس بضراوة في الرمال أسفله كمن يبارك أبناءه
تتجه الأفاعي فور خروجها من البحيرة نحو الطائر، فيمنحهم نقرة في الرأس فينبطحن زاحفات من بين ساقيه، عائدين إلى قمصانهم الشفافة، وبمجرد ارتدائها يتحولون ويلتفتون نحوي وكأنهم فجأة كلهم أصبحوا يروني ويلحظون وجودي وكأنهم يتوعدوني:
استني عليا.. لما تجيلي.. لما أشوفك أدمرك.. أسحقك..!! حتركعي.. حتخضعي .. وتسجدي.. اكتمي صوتك .. انظري في الأرض.
ظللت أنظر نحوهم وجسدي مقيد بـالديدان، التي تتحول مع مرور ذوي القمصان الشفافة بجواري وتهديدهم لي إلى أسلاك شائكة، يزداد ضغطها فتنغرس في جسدي الذي أصبح ينزف من كل جزء فيه.
زعق الطائر زعقة انتصار ولوى رقبته وحدجني بعينه ينطلق منها الشرار.. لكني لم أخفْ ولم أضعف بل قررت أنـ .. وقبل أن أقرر اختفت البحيرة والطائر والقيود !! وبقيت وحدي في صحراء ليس فيها سوى الرمال.
بدأت السير على غير هدى ونال مني التعب ما نال، لكن خفت أن أجلس لأرتاح فيأتي الليل وأفقد حتى الرؤية وهي كل ما تبقى لي وسط هذا التيه، فظللت أمشي وأمشي وأمشي.
لمحت مجموعة من ذوي القمصان الشفافة يجلسون فوق أرائك في المكان المشجر الذي انزلقت إليه وقت أن وصلت إلى هنا، لم يلحظوني بالرغم من تهديداتهم، فقد كانوا منشغلين في جذب قطع من اللحم النئيء، فتابعت طريقي..

ألقيت بجسدي المرهق على الأريكة أسفل النافذة ألتقط أنفاساً من النسمات ....... كفيلة بسحب الأكسيجين من الأجواء وإشاعة الخمول في جسدي وعقلي......استرخيت تماما وغلبني النعاس ..... سمعت خربشات ......تبعها نقرة ... ألم شديد، تبينت في الظلام كائناً ظهر واقفاً بهيئة غريبة على النافذة...... فلم أتبين شيئاً.................. ولكن مع ذلك ظل الألم مستمراً.



#فاتن_واصل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وضع متميز
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الأخير)
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الثالث عشر )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الثاني عشر )
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء الحادي عشر)
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء العاشر )
- والقلب يعشق سراً . ( الجزء التاسع )
- والقلب يعشق سراً . ( الجزء الثامن )
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء السابع )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء السادس )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الخامس )
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء الرابع )
- والقلب يعشق سراً ( الجزء الثالث )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الثاني )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الأول )
- مشهد لم يحدث في جنازة عائلية
- الأمنية الأخيرة
- مفكرة صغيرة
- أوضة ضلمة
- عمِّي الشيخ عماد


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - قمصان شفافة