أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد حسن - الماركسية والإصلاحية - الفصل الثاني - الجزء الثاني - إشكالية كريس هارمن – الإصلاحيين والتحالف















المزيد.....



الماركسية والإصلاحية - الفصل الثاني - الجزء الثاني - إشكالية كريس هارمن – الإصلاحيين والتحالف


احمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4929 - 2015 / 9 / 18 - 14:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في المقطع الأخير من هارمن نكتشف انه ليس الأساس الطبقي للحركة هو مفتاح تحليله، بل التناقض بين الحركة.. والأساس الطبقي لكوادرها الأساسية.
نحن إذا أمام ثنائية … الحركة .. وكوادرها الأساسية، وان كنا لا نعرف بدقة ما المقصود بتلك الحركة التي تتناقض مع كوادرها، هل هي الأفكار، أم الشريحة القائدة في الحركات، أم ارتباك وتناقض صور نشاط الحركة أو صور نشاط كوادرها. يصعب تحديد ذلك رغم أهميته في تحليل السيد هارمن. يمكن ان نستنج – بقدر من حسن النية – انه يقصد اختلاف أو تناقض قواعد الحركة عن الكتلة القيادية فيها، لنري.
في الفقرة الثانية من الاستشهاد يقع هارمن في خطأ شائع، وهو اعتبار البرجوازية الصغيرة " طبقة اجتماعية " انه ينظر إليها كوحدة اجتماعية متجانسة، ( طبقة ) علي الأقل في أهدافها الكلية ومصالحها العامة، أو لماذا يا تري نحددها كطبقة؟
… ثم ينسب شعبويتها وتناقض مواقفها إلي عجزها (كطبقة أن تتبع سياسة متماسكة مستقلة خاصة بها).
ونجد أيضا – اتفاقا مع ذلك التصور – هذا المقطع من مقال تحت اسم ( الإسلام المسلح.. أزمة الرأسمالية والمد الرجعي) في جريدة الاشتراكية الثورية العدد الصادر في يناير 1994 لكاتب بإسم عزيز جاد:
" البرجوازية الصغيرة، كطبقة تلعب أدوارًا وسيطة داخل عملية الإنتاج، فلن يكون لها أبدًا مشروعها السياسي المستقل، حيث تعبر عن مشروع البرجوازية ، طالما كانت البرجوازية مهيمنة ومسيطرة ومنتصرة وسوف تتحرك لتتبنى مشروع البروليتاريا الثوري في لحظة الثورة العمالية، عندما تكون البروليتاريا قادرة على فرض سلطتها.”

البرجوازية الصغيرة ، تلك المعضلة :
لا يجمع البرجوازية الصغيرة بمفهوم طبقة اكثر مما يجمع الفلاحين – بشرائحهم المختلفة – بمفهوم الطبقة. ثمة تبسيط شائع في الفكر الماركسي، موروث غالبا عن لينين، وهو نسبة كل المتناقضات إلى البرجوازية الصغيرة، واعتبارها جميعا لصيقة بها كمكون في تركيبها، إنها المندفعة، والمترددة، العناصر المثقفة، والتي ﻻ-;- تري سوى تحت قدميها، الكسولة، ونافذة الصبر، المحافظة، والمتطرفة، وهى غالبا وفى كل الأحوال "ضيقة الأفق".
هذا التبسيط يكون أشكاليا بدرجة اكبر حين يتم تعميمه، فلم يعرف التاريخ لتلك الشرائح البينية المسماة " البرجوازية الصغيرة " موقفا موحدا – سواء متماسك أو مستقل – ولا أيدلوجيا خاصة بها. لا يوجد ما يسمى بالأيدلوجيا البرجوازية الصغيرة إلا بمعني مجازي ، فالموقع الملتبس بين الملاك والعاملين ، وحتى بين صغار الملاك وكبار الملاك، بين ماسح أحذية وأستاذ جامعي، لا ينتج أيدلوجيا طبقية منسجمة، في الحقيقة لأنه توجد بنية طبقية خاصة بالبرجوازية الصغيرة التي تمتد من المعدمين حتي صغار الملاك، والتي يجمع قطاع منها بين وضعين متناقضين، مالك صغير وعامل لدي آخرين، فالطبقة مفهوم اجتماعي يتضمن مصلحة تاريخية خاصة وايدلوجيا خاصة، ويفترض توافق مصالحها الكلية، أن المكون الأيدلوجي للبرجوازية الصغيرة هو جملة استعارات أيدلوجية تستمدها شرائحها الدنيا من العمال، وشرائحها الأعلى تستمد أيضا مكوناتها الفكرية والأيدلوجية من الطبقة الوسطي والرأسمالية الكبيرة، تلك الاستعارات الأيدلوجية يتم تحويرها على ضوء شروط اجتماعية متباينة ولا يمكن فصلها عن منابعها الاجتماعية والعناصر الفاعلة في التأثير عليها، أو فصل مواقفها عن مجمل ظروف الصراع، وسيختلف ذلك دائما في الريف عنه في المدن، وفى الملاك الصغار عنه في الطلاب أو الموظفين أو صغار المهنيين أو الباعة الصغار،وفي المهنيين عنه في صغار الباعة، في الطلاب عنه في أصحاب الورش والحوانيت الصغيرة، وتخضع عملية التحوير الايديولوجي للشرط الموقعي، تلبي حاجة البرجوازي الصغير في تلك الشريحة أو في هذا الموقع لتفسير فردي أو مهني تعويضي، وتحمل أيضا تطلعاته نحو المستقبل، مثال الطلاب وإنتاج أوهام الاستبدال النخبوي، التي تجعلهم يعارضون " قادة الدولة " كنخب تقليدية قديمة" ويتطلعون للحلول محلها، أو النرجسية المهنية لدي المهنيين في اغلب قطاعاتهم، وسيصادفنا معطى اكثر تعقيدا، غالبا يظهر في أصحاب الملكيات الدنيا، حيث يضطرون للعمل بأجر في ذات الوقت، فتزدوج صفتهم ومصالحهم الطبقية حسب الحال، إن المكون الأيدلوجي لدي تلك العناصر عبارة عن عناصر فكرية محورة، بعد أن تم استعارتها من الأيدلوجيات الأساسية الكبرى، وهو خليط عريض جدا من الأفكار الغير منسجمة والأهداف المتناقضة.
إن التحليل المستند إلى البرجوازية الصغيرة " كطبقة " بجملتها هكذا، فضلا عن كونه غير صحيح من الناحية المنهجية، غالبا ما يقدم حلا سهلا " تبسيطيا وتعميميا " لمشكلات معقدة، تلك إشكالية ليس محل نقاشها هنا بالتفصيل، لكن يبدو إنها تقف إلى حد كبير خلف مشكلات كراس السيد هارمن، فقد حل بها تعقيدات ضخمة بما حرره من تدقيق النظر في التباينات والظروف المختلفة، وبدرجة شديدة من الاتساع والتعميم.

كيف يرى كريس هارمن إصلاحية الإسلاميين :
يستند البعض إلى تحليل هارمن للإسلاميين الذي يصورهم فيهم كقوي إصلاحية، وذلك لخلق روابط وعمل مشترك معهم، مؤسسين ذلك علي الشعار الذي اطلقه (مع الإسلاميين أحيانا، ضد الدولة دائما)، ويهمنا في المقام الأول أن نتعرف إلى أي حد يساند تحليل هارمن موقف مثل موقف الاشتراكيين الثوريين أو تيارهم الأممي في هذا الميل الكارثي للتحالف مع الإسلاميين.
إصلاحية الإسلاميين كما يراها هارمن :
1 - تعبر الطبيعة المتناقضة للحركة الإسلامية عن نفسها في الطريقة التي تفهم بها تطبيق "العودة إلى القرآن". فمن الممكن أن ترى ذلك من خلال (إصلاح "قيم" المجتمع القائم)، قاصدة ببساطة العودة إلى الممارسات الدينية، بينما تترك الأبنية الرئيسية للمجتمع كما هي.
2 - بدأ الأخوان المسلمون الجدد في العمل بصورة شبه شرعية حول مجلة الدعوة في أواخر الستينات، مديرة ظهرها إلى أي وجهة نظر تدعو للإطاحة بالنظام المصري. وبدلا من ذلك حددت هدفها في "إصلاح المجتمع المصري نحو الخط الإسلامي "بواسطة الضغط من الداخل. ويجب أن تكون المهمة، كما وضعها المرشد العام للإخوان في كتاب له من السجن أن يكونوا "دعاة لا قضاة". كان ذلك يعنى في الممارسة تبنى اتجاه "إصلاح إسلامي"، والسعي للوقوف بجانب نظام السادات. وفي المقابل استخدم النظام الإسلاميين للتعامل مع أولئك الذين اعتبرهم في ذلك الوقت أعدائه الرئيسيين - أي اليسار: " تعامل النظام بحماس مع الجناح الإصلاحي من الحركات الإسلامية - متجمعا حول مجلته الشهرية " الدعوة " وفي أحواش الجامعات من خلال الجمعيات الإسلامية - حيث طهر الإسلاميون الجامعات من أي شئ فيه رائحة الناصرية أو الشيوعية ".
3 - فالأهم بالنسبة لهذه " الإصلاحية " الإسلامية هو تغيير أخلاقيات المجتمع، بدلا من تغيير المجتمع نفسه. وليس الأهم هو إعادة بناء المجتمع الإسلامي (الأمة) من خلال تحويل المجتمع، ولكن فرض أشكال معينة من السلوك داخل المجتمع القائم. وعدوها ليس الدولة أو " الطغاة " المحليين، ولكن قوى خارجية يعتقدون أنها تقضى على القيم الدينية -وهى في نظر "الدعوة " " اليهودية والصليبية " (أي المسيحيين بما فيهم الأقباط) و" الشيوعية " و" العلمانية ". ويتضمن الجهاد للتعامل مع هؤلاء صراعا لفرض الشريعة (النظام التشريعي الذي يحدده الفقهاء الملمون من القرآن والتراث الإسلامي). فهي معركة لدفع الدولة الحالية إلى فرض شكل معين من الثقافة على المجتمع، بدلا من كونها معركة للإطاحة بالدولة.
بغض النظر عن أن هارمن – في تلك النقطة – لا يقدم إشارة أو تفسيرا لتصادم هؤلاء الساعين الي " تغيير أخلاقيات المجتمع " مع الإسلامين الذين كانوا قد بدئوا فعلا بتطبيق ذلك التغيير الأخلاقي في الجماعات والأحياء ، عن طريق جماعات الأمر بالمعروف وغيرها ، مثل الجماعة الأسلامية تحديدا ، صداما وصل الي حد الأشتباك والمعارك وبيانات التشهير، الذي ربما يؤدي لكشف دور "أمني" آخر للإخوان، حتي في مواجهة فرق أسلامية أخري وليس فقط في مواجهة اليسار، لا زلنا نتذكر هتاف الناصريين في جامعة القاهرة اثناء مظاهرات الاحتجاج علي قوات تحرير الكويت بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حين شاهدوا مظاهرة عناصر من جماعة الجهاد " يا جهاد فينك فينك فينك ، الإخوان بينا وبينك ". حيث حاول الإخوان تثبيط المظاهرات كليا، واشتباكات بنى سويف بين الإخوان والجماعة الإسلامية، لنواصل.
4 - تتناسب "الإصلاحية في الحركة الإسلامية "مع احتياجات طبقات اجتماعية هامة معينة -أي أصحاب الأراضي التقليديين والتجار، والبرجوازية الإسلامية الجديدة (مثل أعضاء الأخوان المسلمين الذين أصبحوا مليونيرا ت في السعودية. وذلك القطاع من الطبقة الوسطى الإسلامية الجديدة الذين حظوا بالتحرك لأعلى. ولكنها لا ترضى الشرائح الأخرى الذين تطلعوا إلى الحركة الإسلامية - أي الطلاب والخريجين الفقراء، أو فقراء الحضر. وكلما سعت جبهة الإنقاذ والأخوان المسلمون إلى المساومة، كلما تطلعت هذه الشرائح إلى اتجاه آخر، معتقدين أن أي تنازل عن مطلب إدخال إسلام السنوات الأولى يعد خيانة.
ذلك هو مضمون الإصلاحية التي يشير إليها كريس هارمن عند الإسلاميين ، صحيح انه يتعرض أيضا إلي قطاع راديكالي منهم، لكننا هنا نناقش ما يسميه بالإصلاحية الإسلامية .
أ - إنها إصلاح في مجال الأخلاق (تغيير أخلاقيات المجتمع، بدلا من تغيير المجتمع نفسه. )، ولكن فرض أشكال معينة من السلوك داخل المجتمع القائم.
ب - وهدف هذا الإصلاح هو ( فرض أشكال معينة من السلوك داخل المجتمع القائم، لكنها بالمقابل (تترك الأبنية الرئيسية للمجتمع كما هي) وإذا لم نفهم الابنية بمعني حرفي فالمقصود هو إنها لا تحدث تغييرا في بنية العلاقات الاقتصادية أو علاقات العمل أو أنماط توزيع الثروة ، ولا تهتم أيضا بإحداث تغيير في بنية الدولة ، وما تستهدفه في البنية التشريعية هو أن تضفي عليها قشرة دينية وأخلاقية فحسب.
هذه الإصلاحية الإسلامية – يرى هارمن - تتناسب مع احتياجات طبقات اجتماعية معينة، أصحاب الأراضي التقليديين والتجار، والبرجوازية الإسلامية الجديدة (مثل أعضاء الأخوان المسلمين الذين أصبحوا مليونيرا ت في السعودية). وذلك القطاع من الطبقة الوسطى الإسلامية الجديدة الذين حظوا بالتحرك لأعلى.
إن تمحور إصلاحية الإسلاميين حول " القشرة الأخلاقية " في المجتمع، وفرض السلوك الديني عليه، يدفع الإسلاميين الإصلاحيين إلى " العداء مع كل ما هو حديث وتقدمي في المجتمع" الراهن، حقوق النساء، الحريات الشخصية، النظام الديموقراطي " الذي ﻻ-;- يقبلون فيه سوى آلية التصويت" اليسار والعلمانيين،الفن والموسيقي والرقص، فضلا عن كل ماهو "غير إسلامي" مثل الأقليات الدينية أو القومية ... الخ .
لن نناقش هنا القطاع الراديكالي ( الجهادي ) من الحركة الإسلامية، ثمة فروق بينهما – مثل محاولة فرض الشريعة وا خلاقها بالقوة، أو توجيه العداء أيضا ناحية السلطة المحلية ( الطاغية- التي لا تحكم بما انزل الله )- ونقصر النقاش هنا على القسم الأول الذي يهتم به عمليا السيد هارمن في نتائج تحليله. .
أنه – في تصنيفه للإسلاميين – وزعهم إلى انتماءات وسطى وبرجوازية صغيرة وملاك كبار وفقراء وأشباه معدمين.خص هارمن " الأثرياء والوسطى وقسم من البرجوازية الصغيرة" بالنزعة الإصلاحية، وترك للآخرين التذمر وتبنى النزعة الراديكالية (الجهادية) ... لتطبيق ذات الأهداف تقريبا.
السؤال الجوهري – في إطار تلك الكتابة – هو لماذا، وعلى أي أساس وصف القسم الأول بالإصلاحيين ؟
أن انطلقنا من التفكير الماركسي فلن يخرج الإصلاحيين عن القسمين الذين اشرنا اليهم في بداية مقالنا ، الإصلاحية اليسارية والإصلاحية البرجوازية، وﻻ-;- يسعى أيا من الإصلاحين البرجوازيين إلي المساس بالابنية القائمة، على الأقل هياكل توزيع الدخل عن طريق إصلاح ضريبي أو تأميم بدرجة أو أخري أو حتى تشريع خدمي هنا أو هناك، بينما تسعي الإصلاحية الاجتماعية إلي مثل هذا المساس المحدود، هناك إصلاحات أضخم قد تطبقها حركات إصلاحية جاءت عن طريق نضال وطني مثلا أو حتى معارك انتخابية في ظرف احتداد شديد للتناقضات الاجتماعية. الإصلاحية إذا سواء كمنهج، أو كبرامج عمل وأهداف، لم ترتبط أبدا بالدين أو النزعة الأخلاقية، وإلا اعتبرنا كل مدرس دين، كل طالب مؤسسة دينية، كل أستاذ في المدارس يدرس تربية أو أخلاق، وكذلك قساوسة الكنائس، وكل واعظ أو خطيب . . إصلاحي ؟ لأنه يستهدف الأمور نفسها حتى لو لم يشكل تنظيما لتحقيقها، علينا بنفس الدرجة أن نعتبر الكاثوليك -الذين يدعون الفقراء إلى الالتزام بالأخلاق الطيبة، ويقومون بأعمال خيرية في ذات الوقت- حركة أصلاحية بامتياز.
وفقا لهارمن نفسه نحن أمام حركة رجعية بامتياز، ﻻ-;- تقدم أي تصور عن إصلاح حقيقي لصالح الجماهير، أو حتي لصالح الطبقة المسيطرة، وبالمقابل تقدم هجوما على أي إصلاح نجم تاريخيا عن نضالات كبيرة للجماهير والثورات، فهي ضد المواطنة والتفكير الحر والحقوق الشخصية والحريات العامة والإبداع الفني وحرية البحث العلمي. إنها بوضوح حركة ارتكاس وليست حركة إصلاح.
حتى الإصلاح الديني له مدلول محدد مثل الذي نجده في اللوثرية أو الكالفنية والمعمدانية البروتستانية في المسيحية، أو لدي الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي وعلي عبد الرازق أو الرشديين أو المعتزلة في الإسلام، أو القرائين والهاسكلاه في اليهودية. إنها حركات تستهدف ليس إلي قلب الدين أو المجتمع، ولكن إلى إحداث قدر من الموائمة الزمنية و العقلية للدين، تحديث بنيته بما يوافق العقل أو العصر، وليس تثبيت تلك البنية في ( القران دستورنا والرسول زعيمنا ). رغم إنها لم تستهدف المساس بالبنية القائمة للنظام الاجتماعي أو الدولة.
أي إصلاحية تلك التي استخدمت مباشرة كعصابات قمع في الجامعات والمحافظات والأحياء؟ إصلاحية كل ما تعرفه عن الإصلاح هو اسمه وأية في القران (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) يرددها الجميع طول الوقت، وانه ينصب على السلوك بكبحه وتدينيه والسيطرة علي شهوات الجسد وإقامة الشعائر ... الخ.
أن هارمن يستدل في جزء من كلامه بانهم يقومون بعمل جمعيات أو أعمال خيرية، إذا لنعتبر الكنائس حركة إصلاحية بامتياز، خاصة اليسوعية، ولنعتبر بعض رجال أعمال دولة مبارك إصلاحيين أيضا لنفس السبب.
لن نستغرق في تلك التفاصيل .. أن هارمن وقد وجد نفسه أمام واقع حركة ذات مضمون رجعى وتوجهات رجعية، إلا إنها تمثل نوعا من الاحتجاج على شروط الواقع، وأنها ﻻ-;- تنحصر في نطاق طبقي واحد، وأنها ترفع شعارات معادية للغرب أو الإمبريالية. وأن كل ذلك يتم بطريقة متناقضة وبمضامين رجعي ، أراد أن يستخلص لها جوهرا في تحليله، لم يكن ممكنا أن يصفها بالثورية أو الوطنية أو ما شابه، وﻻ-;- حتى بالإصلاحية التي يعرفها عصرنا وتعرفها العلوم السياسية والاجتماعية (دعك من الماركسية مؤقتا)، قام بوضع تعريفه هذا للإسلاميين. تعريف يناقض تماما مضمون نشاطهم الفعلي، واضطر أن يقوم بعدد من الحركات الفكرية البهلوانية جيئة وذهابا، وكذلك ألعاب المنطق، في محاولة لإعطاء هذا التحليل - انهم إصلاحيين - أساسا ما.
نحن ﻻ-;- نلوم هارمن .. انه مشكورا قد اجتهد – كأوربي يساري – في محاولة معرفة ظاهرة شديدة التعقيد والتنوع في واقع مغاير لواقعه، وتجلياتها في أوربا تختلف تماما عن تجلياتها في الشرق الإسلامي، في أوربا يشكل الإسلاميون أقليات تتعرض بقدر أو آخر إلي التمييز أو النظرة العنصرية، إسلام أوربا يمكن أن ينجب مالكوم اكس. ويمكن جذب قطاع من المسلميين بإظهار التضامن معهم والدفاع عن حقوقهم ضمن نشاط ديموقراطي عام مناهض للتمييز والعنصرية. إسلام الشرق في مراحله المتأخرة أتي بابن تيمية وابن عبد الوهاب وحسن البنا وسيد قطب وعمر عبد الرحمن. هؤلاء وجه مغاير تماما ورجعي ﻻ-;- يعرف من الإصلاح إلا الرجوع إلى السلف وقيمهم الدينية ومحاربة الكفر والعلمانية والشيوعيين وكل غير المسلمين، تطبيقا لمبدأ (وقاتلوهم حتي ﻻ-;- تكون فتنة ويكون الدين كله لله). من تلك الجذور نبتت معظم التنظيمات والحركات الإسلامية الحديثة، حتي الإخوان ليسوا سلميين إلا مؤقتا، ولا يزال المصحف معلقا على السيفين في راياتهم، ولم يتوقفوا عن ترديد الشعار الجهادي – الموت في سبيل الله غاية أمانينا -.
أن إسلام الأثرياء في الحقبة النفطية - بعد 1973- قد خلق عندهم ميل محافظ ومهادن حفاظا علي ثرواتهم، وفكروا في استيلاء متدرج علي السلطة يبدأ من مشاركة في الحكومات والنقابات، لكنهم لم يتخلوا عن تربية أعضاءهم علي فكرة الجهاد وإقامة حكم الشريعة في أي لحظة، هذا الحكم الذي يعصف كليا بفكرة النظام الديموقراطي، ويخلق تراتبية في المواطنة بين المسلم وغير المسلم، لكنهم .. وفقا لتوازنات الواقع، وكون خطابهم الدعائي جاذب لكتل جماهيرية ولا يناقض التربية أو الأيدلوجية المهيمنة، قبلوا فكرة صناديق الانتخاب الديموقراطية، وليس فكرة الديموقراطية ذاتها، وذلك كمدخل لهدم الديموقراطية، تماما كما فعلت الحركة الفاشية التي يحملون الكثير من سماتها، ولا تعد التجربة التركية نقضا لهذا المعنى، فلها شروط مغايرة تماما ﻻ-;- يقاس عليها. وللوضع المصري وكثرة تياراته الجهادية، والتربية الجهادية لقواعد الإخوان نفسها، ما يفضي بالضرورة لنتائج مغايرة لا يمكن تجاهلها.
أن الوسائل الخيرية للحركات الإسلامية ليست أيضا تساوي نهجا إصلاحيا علي الإطلاق، إنها مجرد وسيلة لكسب أنصار وتجنيد أعضاء، وأيضا هي وسيلة للإثراء وجمع الأموال عن طريق جمع الصدقات والزكاة والتبرعات، ويكثر استخدامها في المواسم الانتخابية – كوسيلة لرشوة وجذب الفقراء للتصويت لهم – وتخبو فورا بعد ذلك. وهي أيضا وسيلة تجارية وتنافسية أحيانا في المستوصفات والمدارس تشبه حركة رأسمال متوسط يسعى عن طريق خفض السعر إلي جذب المزيد من الطلب على ما يقدمه. احد اشهر السبل التنافسية لتوسيع الطلب علي منتج صغير أو متوسط. بينما في مشاريعهم الكبيرة وبنوكهم وشركاتهم العقارية أو غيرها، ﻻ-;- يحتاجون إلي تلك الألية الاقتصادية في المنافسة، و قد تختلف المسميات بصورة خادعة لإعطاء " شكلا " إسلاميا لنشاطهم، ، فيسمون الفوائد البنكية في بنوكهم مشاركة أو مرابحة تلك بالمناسبة أهم صور الإصلاح المالي للإسلاميين، تجنب الاقتصاد الربوي ، أي الفوائد البنكية علي القروض، والإصلاح هو إعطائها هذا الاسم " المرابحة " مع اعتصار أعنف للمقترضين.
أن جذب الفقراء في مصر عن طريق مساعدات (خيرية) معينة وسيلة تلجأ إليها أيضا الكنائس ورجال الأعمال وأعضاء الحزب الحاكم والحركات الإسلامية بما فيها الموالية تماما للدولة.
أن هارمن يحطم تماما معنى ودلالة (إصلاحية) في حديثه عن الإصلاحية الإسلامية، ويعطيها معني مناقض تماما لها بقصرها على (الأخلاق والسلوك) أو حتي الأعمال الخيرية. فجمعيات الإحسان كانت دائما – في صورتها الأنقى، وليس في تلك الصورة الملتبسة – وسيلة لتخفيف غضب وتذمر الفقراء، واحيانا للتطهر الرمزي من استغلالهم واعتصارهم. ولم تعتبر في أي وقت حركات إصلاحية بأي معني ، إنها جمعيات إحسان فحسب، وظيفتها تخفيف التوتر الطبقي بمنح بعض الصدقات للفقراء، ولم تطرح ذات يوم إصلاحا "سياسيا أو اقتصاديا" من نوع ما علي جدول أعمالها.
تشير روزا لوكسمبورج ضمنيا إلي ما تقصده الماركسية بالإصلاحيين في مقدمة كتابها "إصلاح اجتماعي أم ثورة":
"أيمكن أن تكون الاشتراكية الديموقراطية ضد الإصلاحات؟ هل يمكننا أن نعارض الإصلاحات الاجتماعية بالثورة الاجتماعية، أي بتحويل النظام القائم: هدفنا النهائي؟ كلا بالتأكيد. فالنضال اليومي من أجل الإصلاحات، ومن أجل تحسين وضع العمال ضمن إطار النظام الاجتماعي القائم، ومن أجل المؤسسات الديموقراطية هو سبيل الاشتراكية الديموقراطية الوحيد إلى خوض الحرب الطبقية البروليتارية باتجاه الهدف النهائي –الاستيلاء على السلطة السياسية وإلغاء العمل المأجور. وتعتقد الاشتراكية الديموقراطية أن هناك صلة لا تنفصم تربط بين الإصلاحات الاجتماعية والثورة، فالنضال من أجل الإصلاحات وسيلة الاشتراكية الديموقراطية والثورة الاجتماعية غايتها" .
أن تحليل هارمن في تلك النقطة ﻻ-;- يستند إلي الماركسية بأي درجة، وربما ﻻ-;- يستند سوى لرغبة في الاجتهاد فحسب، محاولة مضنية فى لي القضيب ليناسب الصورة التي يسعى لرسمها.
هذا الشعار الإشكالي ...
ثمة مسافة في تحليل هارمن بين مفهوم – الإصلاحية الإسلامية – وشعاره الشهير (مع الإسلاميين أحيانا، ضد الدولة دائما) مسافة تكفي تماما للفصل بينهم، إذ ﻻ-;- يربط فعليا بين شعاره، وتحليله، فإ صلاحيتهم ليست بالضرورة هي المقدمة التي يستنتج منها شعاره.
أن هارمن بعد أن اجتهد في محاولة تصوير الإسلاميين كحركة إصلاحية بمضمون ديني، بدلا من أن يتسق حتى مع مؤدي تحليله فيعتبرها (حركة دينية رجعية بقشرة إصلاحية) يصل في نهاية كراسه إلى هذا الشعار الإشكالي، لقد وضعه وبشكل متعسف في خاتمة الكراس، لكن ارتباكاته وتناقضاته ﻻ-;-زمته أيضا في هذه الخاتمة..
فهو يقدم عناصر معادلة لا يمكن أن ينتج عنها تلك أل(مع الإسلاميين)، ﻻ-;- أحيانا وﻻ-;- دائما. إنه يشعر في كراسه بالإشكالية التي تواجهه، لكنه يحاول تفاديها بوضع عناصر معقدة ومتناقضة.
يقول هارمن:
"لقد أخطأ الاشتراكيون بالنظر إلى الحركات الإسلامية على أنها أوتوماتيكيا "رجعية " و"فاشية " أو أنها أوتوماتيكيا " معادية للإمبريالية " و"تقدمية " أن الحركة الإسلامية الراديكالية، بمشروعها في إعادة تشكيل المجتمع على النموذج الذي أقامه محمد في القرن السابع بالجزيرة العربية، في الواقع هي "يوطوبيا " نابعة من قطاع بائس من الطبقة الوسطى الجديدة."
يسعى هارمن هنا إلي التأكيد علي تعقيد الظاهرة، ونفي فكرة الفاشية أو التقدمية، لكنه يصنع إشكالية جدية بالإحالة إلي اليوتوبيا كرافعة لتحليله، ثمة تاريخ خاص ببرجوازيات الشرق لم يفضي إلي ثورات اجتماعية برجوازية ومرحلة تنوير برجوازي في مواجهة أفكار العصور الوسطى، هذا التطور المشوه جعل الدين يحيا ضمن بنية الفكر البرجوازي الشرقي، حتي الحديث منه.
اليوتوبيا مرتبطة بتاريخ قديم مقطوع، وليس بتاريخ مدمج في الحاضر ومعاش بدرجة أو بأخري. صحيح انه يمثل رغبة في العودة لماضي ذهبي، لكن هذا الماضي لم يتم القطع معه، انه "معاش" في بنية الحاضر، ماثل في ألاف المظاهر والمفاهيم التي قد تتحور أحيانا لكنها لم تغب أوتنتفي، لقد كانت حاضرة في ال"اشتراكية العربية" لنظم البعث وناصر والقذافي، وهي حاضرة أيضا في دول الخليج الرجعية، وحاضرة في الممارسات الشعبية والخطابات الإعلامية. ليست تلك أيضا قضيتنا الرئيسية فلن نقف عندها كثيرا .
أن هارمن يستخدم فكرة اليوتوبيا في مدي أبعد:
" لا يمكن للاشتراكيين اعتبار طوبيي البرجوازية الصغيرة كأعدائنا الأساسيين .. فهم ليسوا المسئولين عن النظام الرأسمالي العالمي أي قمع ألاف الملايين من البشر من أجل الاتجاه الأعمى للتراكم، ونهب قارات بكاملها بواسطة البنوك، أو الأليات التي دفعت إلى سلسلة من الحروب البشعة منذ إعلان "النظام العالمي الجديد " ولم يكونوا مسئولين عن فظائع حرب الخليج الأولى، التي بدأت بمحاولة صدام حسين للتقرب من الولايات المتحدة ومشايخ الخليج، وانتهت بتدخل الولايات المتحدة المباشر لصالح العراق.ولا يقع عليهم اللوم بالنسبة للمذابح في لبنان، حيث خلق الاكتساح المزدوج، أي تدخل سوريا ضد اليسار والاحتلال الإسرائيلي، الظروف التي شكلت العسكرية الشيعية. ولا يقع عليهم اللوم في حرب الخليج الثانية، مع "القذف الموجه " إلى مستشفيات بغداد وذبح 80000 شخص عند هروبهم من الكويت إلى البصرة. وسوف يستمر الفقر والبؤس والقمع والتعدي على حقوق الإنسان في بلاد مثل مصر والجزائر حتى لو اختفي الإسلاميون غدا. لهذه الأسباب لا يمكن للاشتراكيين تأييد الدولة ضد الإسلاميين."
هارمن هنا يهرب بشكل فج حتى من عناصر تحليله... وان كنا ﻻ-;- نعرف في هذا التحليل ما يقصده بـ (الطبقة الوسطي الجديدة) و "البرجوازية الصغيرة"، فهو يستخدم هذه وتلك ويحل كل منهم محل الأخري بدون اختلاف أو ضوابط. انه أولا يعتبر المشكلة مع الإسلاميين هكذا كونهم طوبيين، ولن نعاديهم لهذا السبب، وكأنه يتحدث عن شاعر يحن إلي أطلال روما القديمة، أو حركة أدبية رومانسية تتغني باطلانطا الضائعة، وليس عن حركات سياسية واجتماعية مؤثرة بقوة في مجرى الصراع.
وثانيا يعقد مقارنة تهدف لتبرئتهم من جرائم دولية لم يتهمهم بها احد، دون أن يتعرض حتي للجرائم التي اتهمهم هو بها في بدايات كراسه ... لنري مجددا :
- لا يقاتلون فقط ضد تلك الطبقات والدول التي تستغل وتسيطر على الجماهير. انهم يحاربون أيضا ضد العلمانية، وضد النساء اللاتي يرفضن تقبل الآراء الإسلامية عن ” الاحتشام “، وضد اليسار، وفي حالات هامة، ضد الأقليات العرقية والدينية. لقد أسس الإسلاميون الجزائريون قاعدتهم في الجامعات في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من خلال تنظيم ” حملات عقابية ” ضد اليسار بالموافقة الضمنية للبوليس، وأول شخص قتلوه لم يكن موظفا بالدولة ولكن عضوا في منظمة تروتسكية وقاموا بحركة أخرى هي رفض مجلة هارد روك، والمثلية الجنسية، والمخدرات وموسيقى البونك في معرض الكتاب الإسلام في 1985، في المدن الجزائرية التي يشكلون القطاع الأقوى فيها، ويقومون بتنظيم هجوم فعلى على النساء اللاتي يجرؤن على كشف جزء من أجسادهن، وقد كانت المظاهرة العلنية الأولي لجبهة الإنفاذ الجزائرية في 1989 ردا على مظاهرات ” العلمانيين ” و” النسويين ” ضد العنف الإسلامي، الذي كانت النساء أولى ضحاياه. أن عداء الحركة الإسلامية لا يتجه فقط ضد الدولة ورأس المال الأجنبي، ولكن أيضا ضد أكثر من مليون مواطن جزائري لم يكن خطأهم أنهم تربوا على الفرنسية كلغتهم الأولى، وكذلك 10% من السكان البربر الذين لا يتحدثون العربية. …...... وكذلك في مصر، تقتل الجماعات الإسلامية المسلحة العلمانيين والإسلاميين الذين يختلفون معهم بشكل حاد، ويحفزون المسلمين على كراهية و، ضمنيا، تطهير 10% من السكان تصادف أن يكونوا مسيحيين أقباط. وفي إيران أعدم جناح الخومينى في الحركة الإسلامية حوالى 100 شخص ” بتهم جنسية ” مثل المثلية الجنسية، والزنا في 1979-1981، وطردوا النساء من النظام القضائي، ونظموا عصابات إجرامية حزب الله الإيراني لمهاجمة النساء المتبرجات ومهاجمة الجناح اليساري، وقتلوا الآلاف في حملة لقمع مجاهدي الشعب الإسلامي اليساريين. وفي أفغانستان، حولت المنظمات الإسلامية، التي أشعلت حربا دموية طويلة ضد الاحتلال الروسي لبلدهم، أسلحتهم الثقيلة نحو بعضهم البعض بمجرد رحيل الروس، محولين مناطق بكاملها في كابول إلى حطام.
انه يغفل تلك الوقائع ، ومدلولها، عمدا، وذلك لأنه يمهد لاعتبارهم حليف بدرجة ما في بعض الظروف، ومن ثم يقرر" انهم، هؤلاء الطوبيين من البرجوازية الصغيرة، ليسوا أعداءنا الأساسيين" ياله من موقف درامي.
إن هذا التحديد للرئيسي والثانوي في الصراع يعود بصفة رئيسية إلي ماو، وللأمانة رغم مشكلات الفكرة الماوية، لكنه لم يضع تعميما أو تثبيتا هكذا لما هو رئيسي أو ثانوي كما يفعل السيد هارمن، فعندما تقتل الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر العلمانيين والإسلاميين الذين يختلفون معهم – كما يؤكد- لن اعتبرهم مجرد طوبيين، أو أن عدائي الرئيسي مع الإمبريالية ومع الدولة وليس معهم "الإمبريالية والدولة!!!!" ...أني هنا أتساءل بصوت مسموع، ماذا ترك هارمن للوطنية الستالينية يا تري .. هل بالصدفة المحضة أشار هارمن في شعاره وكذلك في تحليله إلي" الدولة" كعدو وليس" الطبقة" الرأسمالية؟، وعندما " نظموا عصابات إجرامية – حزب الله الإيراني – لمهاجمة النساء المتبرجات ومهاجمة الجناح اليساري، وقتلوا الآلاف في حملة لقمع مجاهدي الشعب الإسلامي اليساريين." ألن اكون مصابا بالاختلال العقلي إذا نظرت اليهم كطوبيين تائهين، واعتبرتهم ليسوا أعداءا رئيسين.
يقفز هارمن محذرا بعد ذلك "لهذه الأسباب لا يمكن للاشتراكيين تأييد الدولة ضد الإسلاميين. ومن يفعلون ذلك، على أساس أن الإسلاميين يهددون المبادئ العلمانية، يسهلون فقط على الإسلاميين أن يصفوا اليسار كجزء من مؤامرة "الطغاة العلمانيين " "الكافرين "."
ثمة خلط مبني علي قراءة انتقائية، هذا الخلط هو بين اليسار المؤيد للدولة .. مثل التجمع تحديدا وقتذاك، في المعركة ضد الإسلاميين، وبين رفض ومواجهة الإسلاميين من منظور مستقل عن الدولة، هذا الخلط يهدر تماما التحدي والنقاش المنضبط منهجيا. فقد قام الإسلاميين في الجامعات المصرية بالاعتداء على طلاب كل تيارات اليسار اعتداءات وحشية، حتي لو كان ذلك بسبب عرض مجموعة من المقالات أو بسبب إعداد عرض مسرحي، فرضوا الرعب علي السكان في الأحياء الشعبية، هل يرتبط ذلك باليسار المؤيد للدولة، وهل يمكن هنا قبول هذا الخلط.. وهل كان خطاب اليسار بوجه عام يدور حول تهديد النمط العلماني، هذا تبسيط أكثر من مخل للمسألة، وماذا عن المسيحين، هل سلم المسيحيون من تلك التهم الإسلامية الجاهزة (مؤامرة "الطغاة العلمانيين" "الكافرين") واكثر منها بإضافة تهم العمالة للغرب والاستقواء بالدول الصليبية الأجنبية، والتأمر لهدم الإسلام .. الخ.
هل يأخذ هارمن من أقوال الإسلاميين أساسا لتحليله... حتى لا يقولوا علينا كذا، أليس فيما يقوله ابتزازا لحساب فكرته السياسية وليس تحليلا علميا أو تكتيك مبني علي فهم آليات الصراع الأيدلوجي / الطبقي، في دول الشرق، تلك هي الدعاية الأشهر للإسلاميين ضد خصومهم جميعا، انهم علمانيون، ومن ثم معادون للإسلام.
نحن .. مجرد كوننا يسار وشيوعيين، متهمون سلفا عند الإسلاميين بالعداء للإسلام والكفر والتأمر .. الخ. فهل نتخلى أيضا عن يساريتنا حتى ﻻ-;- نسهل عليهم اتهامنا؟. أي ابتزاز فارغ يلجأ إليه السيد هارمن.
أنه يستشعر مجددا أزمة تحليله الذي سعي إلي تبرئة الإسلاميين، والتحذير من اعتبارهم أعداء، فيستدرك قائلا:
" ولكن الاشتراكيين " لا يمكن أن يؤيدوا الإسلاميين" أيضا، فهذا يعنى المطالبة باستبدال أحد أشكال الاضطهاد بشكل آخر، وأن يردوا على عنف الدولة بالتخلي عن الدفاع عن الأقليات العرقية والدينية والنساء والمثليين جنسيا، وأن يشاركوا في التأمر على كبش الفداء الذي يجعل استمرار الاستغلال الرأسمالي ممكنا دون اعتراض بشرط أن يتخذ شكلا " إسلاميا ". وسوف يعنى التخلي عن هدف السياسة الاشتراكية المستقلة المبنية على تنظيم العمال في صراعهم لكل المقهورين والمستغلين وراءهم، لصالح حركة تذيليه لطوباوية البرجوازية الصغيرة التي لا يمكنها أن حتى أن تنجح بشروطها الخاصة."
حسنا ... نتفق تماما وكليا مع السيد هارمن في هذا الاستدراك، يضيف:
" الإسلاميون ليسوا حلفاءنا، فهم يمثلون طبقة تحاول السيطرة على الطبقة العاملة وبقدر نجاحها تجر العمال إما في اتجاه مغامرة عبثية وكارثية أو في أتجاه الاستسلام الرجعى للنظام القائم أو غالبا في الاتجاه الأول ثم الثاني."
انهم هنا ﻻ-;- يمثلون (يوطوبيا البرجوازية الصغيرة) بل يمثلون (طبقة تحاول السيطرة على الطبقة العاملة) يقودن العمال في اتجاه كارثة، أو في اتجاه الاستسلام الرجعى للنظام القائم .. لن نسأل ما هي تلك الطبقة بسبب الاستبدالات الطبقية الكثيرة في تحليل هارمن، المهم انه يقرر انهم ليسوا حلفاءنا.
لن نؤيدهم، ليسوا حلفائنا. حسنا لا نختلف في ذلك، لكنه يذهب أبعد من ذلك:
" ولكن هذا لا يعنى أن نأخذ موقفا سلبيا رافضا للإسلاميين: " وذلك لأنهم "نموا على أساس مجموعات اجتماعية كبيرة تعانى في ظل المجتمع القائم" ومن ثم يتوقع هارمن أنه " يمكن تنظيم شعورهم بالتمرد لصالح أهداف تقدمية".
هو هنا اقرب إلي الحالم منه إلي المحلل الماركسي، انه يقدم رغبة أو أمنية، أن ينظم شعورهم .. الخ. متجاهلا كل عناصر تحليله السابقة – لن نعيد ذكرها لتفادي التكرار، وحتي لن نناقش باستفاضة (طوباوية) ذلك الهدف، سنمضي في تحليله مؤقتا لنري ما يرمي إليه. انه يضع عدة شروط لتحقيق ذلك الهدف، لنري تلك الشروط.
1 - وجود قيادة ناتجة عن ارتفاع مستوى الصراع العمالي.
أي أن يكون هناك أولا مستوى متقدم من النضالات العمالية ، وان يكون قد وصل لدرجة أسفرت عن تبلور قيادة ناجمة عنه.
2 - بعد هذا الارتفاع في مستوى الصراع بقليل يمكن أن يتأثر العديد من الأفراد الذين تجذبهم الرؤى الراديكالية في الحركة الإسلامية بالاشتراكيين.
أي أن تلك الرغبة لن تحدث تلقائيا عند هذا المستوي ، ولكن " بعد أن " يظهر العمال وقيادتهم العضوية تلك قدرتهم علي تحدي النظام، عندها يمكن أن يتأثر (العديد من الأفراد ) في الحركة الإسلامية ، بالاشتراكيين.
بغض النظر عن طوباوية تصوره، لكنه يضع هنا شروطا مقبولة ومنطقية، أن المد العمالي الصاعد إلي درجة يبلور معها قيادة طبقية، ويتحدى فيها النظام، يمكن أن يؤثر في (بعض الأفراد) من الحركة الإسلامية. أن هارمن ينفي ويرفض ضمنيا أن يأتي ذلك نتيجة لنشاط نخب ماركسية، أو حتى مستوي منخفض من نضالات الطبقة العاملة، انه يشير لقدرة اجتماعية للعمال استعرضت نفسها في مجري الصراع وبدت قادرة علي جذب أنصار من خارجها، علي سبيل المثال أن يكون حده الأدنى مثال عمال المحلة في 2008 ، وطبعا اعلي من ذلك أيضا.
بل أنه يضع أمام الاشتراكيين شرط ثالث جوهري :
3 - أن يربط الاشتراكيين بين الاستقلال السياسي التام عن كافة أشكال الحركة الإسلامية، مع الاستعداد لانتهاز فرص جذب الإسلاميين الأفراد إلى أشكال راديكالية حقيقية من الصراع بجانبهم.
أنه يربط كل ذلك بأن يحافظ الاشتراكيين علي (الاستقلال السياسي التام عن كافة أشكال الحركة الإسلامية). ﻻ-;- تحالف مطلقا مع أيا منها تحت أي شرط، فكل التركيز هنا يجب أن ينصب علي بناء الحركة العمالية ودفعها، ونتيجة لذلك سيتكون لدى ( بعض الأفراد من الإسلاميين ) ميل للمشاركة في هذا النضال الاجتماعي خلف العمال، وكل المطلوب من الاشتراكيين أن يستغلوا تلك الفرصة لجذبهم.
نحن هنا ﻻ-;- يمكن أن نختلف علي شروط هارمن هذه، فهي تتطلب" أولا " العمل علي رفع وتيرة النضال العمالي إلى حدود كبيرة، و" ثانيا " تبلور قيادة ثورية عمالية أو مرتبطة بالعمال نجمت عن هذا المستوى المتقدم من النضال، وﻻ-;- يبني أوهام ضخمة حتي في تلك الحالة، انه يري فقط وجود إمكانية – في حال تحقق تلك الشروط- جذب إسلاميين أفراد، إلى أشكال راديكالية حقيقية من الصراع بجانبهم. مثلا لدعم النضال العمالي . في تلك الحالة المتقدمة من الصراع الطبقي لن يقتصر الأمر فقط علي أفراد من الإسلاميين، بل سيتسع أيضا ( واكثر بكثير ) لجذب عناصر من الديموقراطيين والقوميين وحتى بعض الليبراليين، للمشاركة في دعم العمال في نضالهم وتبني مطالبهم. هذا ما أظهرته فعلا معارك عمال المحلة على تواضعها. عدد تافه جدا جاء من معسكر الإسلاميين –ﻻ-;- يصل لأصابع اليد الواحدة - ، وعدد ضخم من الأنصار جاء من صفوف تجمعات البرجوازية الصغيرة الديموقراطية وغيرهم.
يسعى هارمن لدعم أطروحته تلك ببيان أن الإسلامين الراديكاليون أيضا متناقضون فيما بينهم، يظهر ذلك في حلبة الاستقطابات والصراعات الدولية، بين السعودية وإيران مثلا، أو حماس ومنظمة التحرير. أو باكستان وأمريكا، وتظهر مواقف متعارضة ومساومات أحيانا حول تطبيق الشريعة مباشرة .
وانه يتجاذبها اتجاهان، الخروج كليا علي المجتمع – متمسكة بمشروعها " تطبيق تام للشريعة "، أو قبول بتعايش معه والعمل علي تطبيق متدرج للإسلام.
وفي حال تصاعد النضالات العمالية يمكن أن يميل (بعض الشباب الإسلامي الراديكالي) لدعم نضال العمال، بينما يسعى الكبار والممولون لتحطيمه، وسيكتفي قادة الإسلاميون بانحياز لأصحاب العمل ونصح العمال بالصبر. وبالنسبة للقادة الإسلاميين سيجذبهم (تطور الرأسمالية) نفسه إلي إجراء تحويرات علي أفكارهم كلما وجدوا انفسهم قريبين من الإمساك بالسلطة. يقرر:
" لا تستطيع الأيديولوجية الإسلامية تجميد التطور الاقتصادي وبالتالي التطور الاجتماعي اكثر مما تستطيع أي أيديولوجية أخرى. ولذلك فمرة بعد مرة ستظهر التوترات العنيفة داخلها وتعبر عن نفسها من خلال منازعات أيديولوجية عنيفة بين أنصارها."
ويري هارمن أن الإسلاميين :
... وبرغم أنهم يصطفون بقوة في مواجهة " العلمانيين " سواء من اليسار أوالبرجوازية، سوف يجادلون بعضهم البعض بعنف، بالضبط ... وهذا الجدال سوف يبدأ في زرع شكوك خفية في أذهان بعضهم على الأفل. . يستطيع الاشتراكيون الاستفادة من هذه التناقضات لدفع بعض الإسلاميين الأكثر راديكالية إلى مراجعة انتمائهم للأفكار والمنظمات الإسلامية."
1. نتوقف هنا ... فهو هنا يراهن علي عامل آخر غير النضال العمالي، انه " تطور الرأسمالية " ويضع تخمين عام مخالف للواقع "الشباب الإسلامي عادة ذكى ويهتم بمنتجات المجتمع الحديث فهم يقرأون الكتب والصحف ويشاهدون التلفزيون، وبالتالي يعرفون كل الانقسامات والصدامات داخل حركاتهم الخاصة." ﻻ-;- يعرف السيد هارمن بالطبع أن عدد كبير من الحركات الإسلامية تحرم مشاهدة التليفزيون أصلا، ومن يجيزه منهم يهتم بمشاهدة قنوات إسلامية أو سماع خطب وقران، وان الذكاء يحتاج إلي تدريب الذهن علي التفكير وعلي النقد والملاحظة، وانهم يميلون إلي تطبيق واتباع تعاليم جاهزة سلفا محاطة بقداسة وتحريم لا تقبل نقاشا، وهو ما يحاصر ويحصر الملكات الذهنية أصلا، والكتب التي يهتمون بقراءتها هي كتب علوم الحديث وتفاسير القران ونادرا ما يجرؤ احدهم علي قراءة ما ينقد معتقداته الدينية أو يجعله يتشكك فيها، وان العلم (النافع) بالنسبة لهم، هو علوم التفاسير الدينية وقصص النبي وأصحابه، وانه ﻻ-;- وجه للمقارنة بينهم وبين (أنصار الروس وأنصار الصين من عالم الحركات الستالينية) فالإسلاميين يعتبرون الشكوك والنقاش نوعا من الفتنه عليهم الانصراف عنها، وان الجدال مكروه في الإسلام. واغلب المنازعات التي شهدناها بين تلك الفرق الإسلامية كانت بين تطرف وتطرف اشد منه، مثلا بين الجماعة الإسلامية والجهاد حول خلافة الضرير وخلافة الأسير، أو بين جماعة المسلمين وغيرهم حول التكفير ودرجاته، أو حول قضية الولاء والبراء التكفيرية ... الخ.
انه نوعا من التباري حول التمسك بالشريعة وليس الخروج عنها أو حتى قراءتها نقديا. إن الرهان علي خلافات فكرية بين الإسلامين – ناجمة عن التطور الرأسمالي ومشاهدة التليفزيون- كي يدفع الاشتراكيون بعض الأشد راديكالية لمراجعة انتمائهم (للأفكار والمنظمات الإسلامية) هو فعلا ( فضلا عن سذاجته) باب مختلف عن تطور النضال العمالي، وباب طوباوي تماما ﻻ-;- يعرف شيئا عن الإسلاميين وخلافاتهم، وبوجه خاص ما يسمي بالإسلام الراديكالي، والذي ترتبط راديكاليته بالقتال ضد الكفار ومنكري الشريعة والأقباط والغرب الصليبي .. الخ. لكن حتي في هذا المدخل (الفكري / الساذج ) لكسب ( بعض الإسلاميين) يقرر أن ذلك لا ينجح إلا إذا ... " استطعنا تأسيس منظمة مستقلة خاصة بنا، والتي لا تتذيل الإسلاميين أو الدولة".
رأينا الآن مشكلات التحليل عند هارمن، وتلك المحاولة المضطربة لتفادي أزمة تحليله، والشروط التي يضعها من اجل هدف شديد التواضع (جذب بعض الأفراد من حركات الإسلاميين) وهي شروط نوافقه عليها، وأيضا تحفظه علي تأييد الإسلاميين فذلك يعنى - المطالبة باستبدال أحد أشكال الاضطهاد بشكل آخر- وأن يردوا على عنف الدولة بالتخلي عن الدفاع عن الأقليات العرقية والدينية والنساء والمثليين جنسيا، وأن يشاركوا في التأمر على كبش الفداء الذي يجعل استمرار الاستغلال الرأسمالي ممكنا دون اعتراض بشرط أن يتخذ شكلا " إسلاميا ".... وسوف يعنى "التخلي عن هدف السياسة الاشتراكية المستقلة" المبنية على تنظيم العمال في صراعهم لكل المقهورين والمستغلين وراءهم، لصالح حركة تذيليه لطوباوية البرجوازية الصغيرة التي لا يمكنها أن حتى أن تنجح بشروطها الخاصة.) . والمهام المباشرة التي علي الاشتراكيين القيام بها ، الخاصة بدفع الطبقة العاملة ... الخ .
إلا أن ذلك لم يمنع هارمن من أن يثير التباسا آخر لدي قراءه ، إذ يقرر في قفزة مفاجئة ....."سوف نجد انفسنا في بعض القضايا " في نفس الجانب مع الإسلاميين ضد الدولة والإمبريالية." ويضرب مثالا لتلك الحالة
"كان ذلك مثلا في عدد من البلاد أثناء حرب الخليج الثانية. ويجب أن يكون صحيحا في بلاد مثل فرنسا وبريطانيا عندما نكون في مواجهة التميز العنصري"
وأخيرا يبلور شعاره النهائي .... عندما يكون الإسلاميون في المعارضة، فأن شعارنا يجب أن يكون
"مع الإسلاميين أحيانا، ودائما ضد الدولة ".
وان كان يبدي هنا شرطا إضافيا ... غالبا استبدل به مجمل الشروط التي أشار إليها سابقا ... وهو حق النقد .. " حتى في ذلك الوقت، تستمر معارضتنا للإسلاميين حول قضايا أساسية. فنحن مع الحق في نقد الدين كما أننا مع الحق في ممارسته، ونحن مع حق عدم ارتداء الحجاب كما أننا مع حق الشابات في البلاد العنصرية مثل فرنسا في ارتدائه إذا رغبن في ذلك، ونحن ضد التميز الذي تمارسه المؤسسات الكبيرة في بلاد مثل الجزائر ضد من يتحدثون العربية، ولكننا أيضا ضد التمييز ضد البربر وتلك القطاعات من العمال وفقراء الطبقة الوسطى الذين تربوا على التحدث بالفرنسية. والاهم من ذلك، نحن ضد أي إجراء يضع قطاعا من المقهورين والمستغلين في مواجهة قطاع أخر على أساس أصول دينية أو عرقية. ويعنى ذلك أننا كما ندافع عن الإسلاميين ضد الدولة سوف ندافع أيضا عن اضطهاد النساء والبربر والأقباط والمثليين جنسيا ضد بعض الإسلاميين."
يستطرد:
" وعندما نجد أنفسا في نفس الجانب مع الإسلاميين، فأن جزءا من مهمتنا الجدال الشديد معهم " ؟! " وتحديهم ليس فقط في موقف منظماتهم من المرأة والأقليات ولكن أيضا عن المسألة الجوهرية ما إذا كان المطلوب هو التصدق من الأغنياء أو الإطاحة بالعلاقات الطبقية القائمة."
انه –وقد أزاح إلي الخلف شروط تطور الحركة العمالية وتبلور قيادتها- كمقدمة ضرورية لجذب أفراد من الإسلاميين، استبدل تلك الشروط ب "حق النقد ".
يبدو السيد هارمن محلقا عاليا تماما في هذا الشرط (الثقافي) ، "حق نقد الدين" إذ يتغافل عن واقع أن، من جرؤ وناقش الدين، تعرض للقتل أو إباحة دمه ( فرج فوده وسليمان رشدي ونجيب محفوظ وغيرهم) أن (الدفاع عن الدين) هو محور تماسك تلك الحركات، وحدتها مبنية علي تقديس الدين، والعمل علي تطبيقه، وتكفير من يحرف فيه أو ينكر المعلوم من الدين بالضرورة، الرد بكل عنف علي من ينقده أو يمس قدسيته، تلك هي المادة الأسمنتية للربط بين العناصر المتنافرة اجتماعيا في الحركات الإسلامية، هارمن في تصوره هذا يبدو وكانه قادم من كوكب آخر ... اضف إلي ذلك حقوق المثليين أو خلع الحجاب... الخ.
ليس هذا الشرط سوي تجريد ثقافي ﻻ-;- يلامس الواقع –الشرقي الإسلامي- ولا يفهمه، فضلا عن كونه إزاحة لما هو جوهري ... تقدم النضال العمالي ..الخ. إلي الخلف. هذا الشرط ينقلنا من ارض النضال الطبقي إلي وهم المساومة الثقافية (المستحيلة) مع العقيدة الدينية ومتشددي هذه العقيدة.
أن نناقش فكرة أن "نجد انفسنا في بعض القضايا" في نفس الجانب مع الإسلاميين" بالنظر إلي تأكيدات هارمن ﻻ-;- يمكن أن "يستخلص من ذلك التحالف معهم" كما فعل بعض رفاقه، انه يشدد على انهم .. ليسوا حلفائنا، وعلي أننا – ﻻ-;- يمكن أن نؤيدهم.
إذا المقصود ليس سوى أن تتقاطع المواقف في نقطة أو أخري "أحيانا"، الأمثلة التي ضربها (التدخل الإمبريالي في الخليج، أو التمييز العنصري في دول الغرب الأوربي) دالة، ويمكن أن نضيف إليها مكافحة تشريع قمعي مثل الطوارئ في مصر سابقا أو قانون تنظيم التظاهر حاليا، إجراء ماس بالحريات العامة .. في النقابات مثلا. في كل تلك الأحوال سنناضل ضد الدولة، وفي بعض تلك الأحوال سيقاوم الإسلاميون أيضا.
يشير ماركس إلى (التلاقي المؤقت في الأهداف) … ماركس – انجلز – 1850 عريضة المجلس المركزي إلى عصبة الشيوعين. عن حزب الديموقراطيين البرجوازي الصغير الألماني
" إذا كان الأمر يتعلق بمحاربة خصم مشترك فليس هنالك حاجة لأية وحدة خاصة. فمتى وجدت ضرورة مكافحة خصم كهذا، تتطابق مصالح الحزبين مؤقتا وفي المستقبل وكما حصل حتى اليوم ستتحقق هذه الوحدة المتوقعة فقط للحظة من تلقاء نفسها."
إذا لن يتغير أي شيئ في الموقف أو أسلوب العمل، لن نتحالف أو نتفق معهم علي شئ، نحن نضرب منفصلين تماما، ولو كان ذلك في اتجاه واحد، فما الحاجة للتأكيد علي حقنا في النقد...الخ. نحن حتى نستخدم خطابات نقدية مختلفة، ونحفر بنقدنا مجري غير الذي يحفرونه، وربما بالتعارض والصراع مع ما يحفرونه.
لقد التقط البعض عبارة (مع) على أن المقصود بها التحالف، ﻻ-;- شك أنه لم يدعو ابدا في كراسه هذا إلى تحالف معهم، وحتى لم يدعو إلي تأيدهم، انه فقط الانطلاق من نضالنا الديموقراطي الجذري ما يجعلنا نقف بوجه التمييز العنصري، أو الانتهاكات البوليسية، وليس أي نوع من التنسيق أو الاتفاق مع الإسلاميين، ما من معنى إذا لتلك المساومة الثقافية حول حق النقد، أن الموقف الماركسي المتسق هو الشروط التي حددها هارمن، والمرتبطة بتطور النضال العمالي، وان ﻻ-;- نرفض ساعتها من يأتي لدعمه والالتحاق به من الإسلاميين (أو غيرهم أيضا) والذي لن يزيد – وفقا لتقديره- وهو تقدير صحيح غالبا، عن بضعة أفراد.
وبنفس المنطق المستقل يمكن فعلا أن نجد انفسنا نحن والدولة أحيانا في مواجهة الإسلاميين، لا نعني بأي حال التحالف أو الاتفاق مع الدولة البرجوازية، لنأخذ مثالا شهيرا للتوضيح، إثارة الإسلاميين لقضية دعاوي الحسبة في الثمانينات والتسعينات، واستخدامها لأهداف رجعية ضد مفكرين وكتاب وصحفيين، تلك الدعاوي أرقت كل القوي خارج الإسلاميين، وبوجه خاص الكتاب التقدميين، وسعت الدولة إلي إغلاقها بنص قانوني يمنع دعاوى الحسبة، أو في تشريع خاص بالمرأة، مثل قضايا الطلاق وحق الخلع، كان الإسلاميون في اقصي يمين الهجوم على الحقوق الاجتماعية، وكان لازما الدفاع عن هذا التشريع المنحاز للمرأة – رغم قصوره وعدم كفايته – بهذا المعنى كنا بجانب تشريع الدولة، تقاطعنا في نقطة مع الدولة، وكان ذلك ضد الإسلاميين، وبخصوص حقوق المسيحيين أيضا، ابسط مثال هو بناء دور عبادة، الذي يقف الإسلاميين ضده بشدة، وﻻ-;- تجد الدولة البرجوازية غضاضة في إجراء تعديلات توسع من حق المسيحيين في هذا الأمر، ﻻ-;- شك أننا سنكون في جانب حقوق المسيحين – وهو الجانب الذي قد توجد به الدولة، وضد الإسلاميين، وتقاطعنا أحيانا في نقاط مع الإسلاميين ضد الدولة، إلا أننا في جميع الأحوال لم -ولن نكون مع الدولة-، ولم- ولن نكون – مع الإسلاميين، ولن نتوقف في الحالتين عن ممارسة صراعنا ضدهما معا على حسب ظروف الحال، دون ادني حاجة إلى اتفاق أو شروط أو مساومة أو تحالف من أي نوع، والفارق كبير جدا بين (مع) و (بجانب). فالأولي علي الأقل تثير لبسا وتفتح باب الشيطان لعقد تحالفات أو تأييد، والثانية – وبالفهم الماركسي - تغلق هذا الباب، الثانية تشير فقط إلي تقاطع عرضي، هجوم متزامن، أو هكذا حددت الماركسية الأمر.
الخلاصة ... انه رغم ارتباكات كراس "النبي والبروليتاريا" لكنه نفى بوضوح فكرة التحالف مع الإسلاميين، أو تأييدهم، وقد أثار لبسا ضخما باعتبارهم إصلاحيين، وبتصوره المفارق عنهم في بعض النقاط، وبشعاره الختامي. لكنه ﻻ-;- شك وضع في طيات كتابه الشروط الماركسية والطبقية التي تجاهلها رفاقه كليا، ورغم التباسات الشعار الخاص بـ أحيانا مع الإسلاميين، إلا أن الأكثر انتهازية من رفاقه، شدوا هذا الشعار إلي اكثر التفسيرات يمينية، وتحت اسم تبني مبادئ الكتاب، داسوا بأحذيتهم على جوهر الموقف الماركسي الذي أشار أليه الكاتب.
المثير للدهشه هو إثارة كل ذلك الغبار من اجل هدف تافه فعلا، كسب بضعة أفراد من الإسلاميين، لماذا تحديدا الإسلاميين، ألا يصدق هذا التحليل علي قطاعات من الناصريين أو القوميين مثلا، ألا يمكن – وأيضا يجب – أن نتوجه اكثر إلى الأقليات المسيحية التي تعاني اضطهادا من الدولة ومن الإسلاميين في ذات الوقت، أن نسعى لفصلهم عن القيادات الكنسية وجذبهم إلى الصراع الطبقي، أليست المكاسب المتعلقة بجذب أنصار أو أعضاء اكبر بكثير خارج الإسلاميين، أم أن جمهور وقوي الصراع الطبقي انحصر في تلك الحركات الرجعية شبه الفاشية والمعادية للعمال والنساء والأقليات غير الإسلامية.
إن الفارق بين السيناريوهين الذين وضعهما هارمن خطير ... سيناريو يبدأ بالضرورة من باب النضال العمالي وتطوره، وﻻ-;- يحتاج هذا السيناريو إلى التفكير في – الأفراد الإسلاميين – الذين سيشدهم هذا المستوى المرتفع من النضال الطبقي العمالي، فهم – وغيرهم من التيارات الديموقراطية أو المتدنين المسيحين بدرجة اكبر وغالبا بأعداد اكبر – سينجذبون إلى المعركة بجوار العمال، وبعضهم بلا شك بجوار الرأسماليين أو الدولة، إن ارتفاع آليات الصراع والفرز علي أساس طبقي هو هنا العامل الرئيس في إعادة استقطاب وتكتيل المعسكرات الطبقية والسياسية، وليس العمل الهامشي لنخب يسارية ضعيفة بجانب منظمات دينية " رجعية " كبيرة في ظروف انحطاط في النضال الطبقي، ليست الدعاية المجردة والمساومات الثقافية الساذجة، فلن نحتاج في لحظات الصعود الطبقي لفكرة" نقد الدين" أو ممارسته، حيث سيكون المطروح هو نقد الرأسمالية، وحشد جميع أعداءها في مواجهتها.
السيناريو الثاني الذي لم يتضمن شرط تطور النضال العمالي هو الذي احتاج إلى مساومة ثقافية ساذجة ... ( سوف نجد انفسنا في بعض القضايا في نفس الجانب مع الإسلاميين ضد الدولة والإمبريالية. ) هذا السيناريو غير مرتبط بالأول ، ليس بالضرورة هو – تطور النضال العمالي – وإنما فقط وجود " بعض القضايا " احتجاج مثلا علي تشريع يمنع التظاهر أو الاجتماع العلني، مظاهرة ضد التدخل في العراق، نضالات ديموقراطية متجزئة، سنكون "في نفس الجانب " الذي يوجد به الإسلاميين. لو كان المقصود هنا إننا قد نتخذ نفس الموقف في قضية ما، مع تحركنا باستقلال عنهم ﻻ-;- مشكلة علي الإطلاق، ولا توجد ضرورة أصلا للإشارة إلى ذلك. هارمن ﻻ-;- يقصد ذلك، الفقرة التالية مباشرة يقول فيها ..." وعندما نجد أنفسا في نفس الجانب" مع الإسلاميين " ، فأن جزءا من مهمتنا الجدال الشديد معهم وتحديهم ليس فقط في موقف منظماتهم من المرأة والأقليات ولكن أيضا عن المسألة الجوهرية ما إذا كان المطلوب هو التصدق من الأغنياء أو الإطاحة بالعلاقات الطبقية القائمة" ...... الجدال معهم ، وماذا أيضا عن إقامة حلقات نقاش مشتركة وأبحاث والرد عليها ... نحن لا نجادل إلا من هو بجوارنا بالمعنى الفكري والمادي للكلمة، وليس من هو علي الشاطئ الأخر من النهر، تلك إشارة واضحة إلى عمل مشترك وليس إلى تقاطع في نقطة،لذلك احتاج هارمن إلى شروط أخرى غير نضال العمال. والي حتى إخفاء إمكانية أو هدف التحالف داخل عبارات مطاطية يسمح تأويلها بتبرير التحالف معهم.
انهم سيناريوهان متعارضان ، احدهما ماركسي وطبقي بوضوح، والأخر نخبوي ومراوغ. ذلك ما قدمه كريس هارمن.



#احمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية والإصلاحية - الفصل الثاني - الجزء الاول - إشكالية ...
- الماركسية ومفهوم الاصلاحية - كيف ؟ - خاتمة الفصل الأول -
- الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الثاني
- الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الاول
- كيف تعمل الأيدلوجيا في ظروف الثورة
- في ذكري احمد سيف
- القتل من اجل الارباح
- الماركسية ونظرية الثورة - رد على مقال خليل كلفت
- موجة مرت في مساء غريب
- غوص
- سؤال الثورة المصرية الآن
- لست وطنيا واعترف
- الإفيهات والنقد السطحى
- الثورة المصرية - دراما ثورة لم تنتصر
- نشيد القساوسة
- الجانب الدرامى فى ثورة لم تنتصر - جدلية اﻻ-;-حباط وال ...
- موجزاً عن تاريخ قرية كري بري
- حياة مدنية على شواطئ دجلة
- الديمقراطية والفوضى


المزيد.....




- بـ4 دقائق.. استمتع بجولة سريعة ومثيرة على سفوح جبال القوقاز ...
- الإمارات.. تأجيل قضية -تنظيم العدالة والكرامة الإرهابي- إلى ...
- لحظة سقوط حافلة ركاب في نهر النيفا بسان بطرسبوغ
- علماء الفلك الروس يسجلون أعنف انفجار شمسي في 25 عاما ويحذرون ...
- نقطة حوار: هل تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟
- حصانٌ محاصر على سطح منزل في البرازيل بسبب الفيضانات المميتة ...
- -لا أعرف إذا كنا قد انتشلنا جثثهم أم لا -
- بعد الأمر الحكومي بإغلاق مكاتب القناة في إسرائيل.. الجزيرة: ...
- مقاتلات فرنسية ترسم العلم الروسي في سماء مرسيليا.. خطأ أم خد ...
- كيم جونغ أون يحضر جنازة رئيس الدعاية الكورية الشمالية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد حسن - الماركسية والإصلاحية - الفصل الثاني - الجزء الثاني - إشكالية كريس هارمن – الإصلاحيين والتحالف