أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد حسن - الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الثاني















المزيد.....


الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الثاني


احمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 13 - 02:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


2 – لماذا؟

لماذا تستبعد الماركسية تلك الإصلاحية البرجوازية من حساباتها ، ولا تستبعد الإصلاحية الاجتماعية - الاشتراكية الديموقراطية أو ما يماثلها - من حساباتها؟
أن خلافاتهم داخل البيت الرأسمالي هي خلافات حول توزيع الحصص وتولي المراكز ، واحيانا حول سبل الدفاع عن النظام الرأسمالي أو طرق استقراره ، كيف تدار المباراة ضد الجماهير وأحزابها الراديكالية، ما هي الشروط الأنسب لمواجهة أزمة السلطة والدولة وحلها دون مساس بالأرباح والعلاقات الاجتماعية، أن الماركسية تنظر إلي الإصلاحية البرجوازية كعدو طبقي في جميع الأحوال يجب تعميق الصراع ضده، تعبئة الجماهير في مواجهته، تحرير الجماهير من هيمنته الأيدلوجية وخداعه، التناقض بينه وبين الاشتراكيين تعبير عن التناقص بين العمل وراس المال، بين المستغلين ومستغليهم. أن كل تطور الحركة الجماهيرية وتقريب لحظة الثورة الاجتماعية مشروط بتعميق الصراع ضد هذا المعسكر بأكمله، أحزابه الحاكمة وأحزابه المعارضة، الاستقلال التام ودائما عنهم، التحذير الدائم من خداعهم وأكاذيبهم، الوقوف بوجه جذري ضد جوهر سياستهم.
أما الإصلاحيين الاجتماعين مشكلتهم انهم يحملون تصور خاطئ عن الطريق المؤدي للاشتراكية، انهم لا يعادونها، وهم القوى الأقرب - في انعطافات الصراع - للانضمام للمعسكر الطبقي للعمال، انهم الطبعة الناعمة للاشتراكية التي تحتاج في أوقات احتدام الصراع إلي طبعة خشنة تزيحها من المقدمة. تلك الاشتراكية التدرجية والسلمية لهؤلاء لا تمنع انهم يحملون تصورات وسياسات معادية - بدرجة أو أخري - للرأسمالية، يسعون أحيانا إلي ما يسميه ارنست ماندل .. تطبيق إصلاحات بنوية مضادة للرأسمالية. طبعا لا نقول أو نتوهم أن طريقتهم تفضي إلى اشتراكية ما. لكنهم الجناح الرخو والمحافظ للطبقة العاملة. والفارق كبير وجوهري بين الحركة العمالية وأحزابها – إصلاحية أو ثورية – من جهة، وكل تمثيلات النظام الرأسمالي في الجهة المقابلة .. سيتوحد كل وسط وإصلاحيي الرأسمالية إذا ما فكرت الجماهير أن تنتزع السلطة لنفسها ، أو حتى أن تحصل علي قدر كبير من حافظة الأرباح الرأسمالية ، قد تقف الإصلاحية الاجتماعية في المنتصف وتسعي لتقديم حلول وسط ، وقد تندفع أجزاء كبيره منها يسارا و إلي الأمام تحت ضغط الجماهير ، لكن في أسوأ أحوال خيانة الإصلاحية الاجتماعية ، لن ينتقل للوقوف بجانب الرأسماليين منها إلا عدد محدود من القيادات الأشد انتهازية أو جبنا "2 " ، وعلي العكس ، سيتوحد كل قوي رأس المال – إصلاحيه أو وسطيه، مع الدولة ومع النظام ضد الحركة الجماهيرية اذا وضعت على اجندة اعمالها التاريخية ثورة اجتماعية تطيح بالنظام الراسمالي ، او حتى اذا بدت بوادر لذلك في حركتها بأى قدر .
في السياسية كل خطوة تمهد إلى ما بعدها، فإن علمت الجماهير أن تثق في حزب برجوازي اليوم، انت تسلمها إلى جلاد الغد، وتفقد ثقتها فيك إلى الأبد .
===========


“ 2 “ – لقد ساعد البلاشفة بقوة انفصالهم المبكر عن اصلاحيو الإممية الثانية الذين اخذوا جانب براجوازيتهم القومية فى الحرب ، وكذلك نقدهم المبكر للحلول الوسط وللاصالحية كاتجاه ، وقبل اي شيئ تمسكهم بمبدأ العمل المستقل عن كل التيارات ( الاشتراكية ) الاصلاحية . وان كانت روسيا نفسها لم تشهد تيارات اصلاحية شبيهية بأوربا ،لكنها شهدت نزعات شبيهة مثل البرونشتياينة التى سعت لحصر نضال العمال في المطالب الاقتصادية وابعادهم عن العمل السياسي ، كما شهدت اصلاحية نقابات جابون القس الاصلاحي المتعاون مع اجهزة شرطة القيصر ، وايضا الميول الاصلاحية العامة الناجمة عن تصور ان المرحلة هي مرحلة نضال ديموقراطى عام بجانب البرجوازية وليس ضدها . لكن درس البلاشفة الاكبر في نقد الاصلاحية تمثل في مبدأ السير المنفصل ، وفي التعامل مع الحزب الاشتراكي الثوري الكيرنسكى .



3- متى -

لا تسعي الماركسية إلى التحالف مع الإصلاحيين الاجتماعيين ( مرادف الاشتراكية الديموقراطية ، أو الجناح المحافظ في معسكر الاشتراكية أيا كان الاسم الذي يتخذه) فهي تصر علي التمسك باستقلال رايتها حتى عن هؤلاء، إنها تسعى لدفع الجماهير بعيدا عنهم، لعزل نفوذهم داخل الحركة الجماهيرية، والتحالف معهم سيعطيهم مصداقية، وسيجعل نقد الماركسيين الثوريين لهم فاقدا للمصداقية، لكن الماركسية لا تخوض ضدهم صراعا، ولا تعتبرهم أعداء من حيث المبدأ، فهم بالنسبة للماركسية رفاق درب متخبطين ومترددين ويسببون تشويشا وارتباكا داخل معسكر الثورة، لذلك يجب إزاحتهم إلى الخلف وليس القضاء عليهم … وفي الأوقات العادية للصراع الطبقي، يسعى الماركسيون لخوض حرب أيدلوجية مع الإصلاحيين علي الهيمنة الفكرية وسط صفوف العمال، ويحاولون دفع الإصلاحيين إلى الأمام، إلي تبنى مواقف اكثر جذرية واتساق، ويتقدمونهم لضرب الأمثلة علي ما يجب عمله أمام الجماهير، تلك السياسية الكفيلة بجذب العناصر الأفضل من صفوفهم إلى معسكر الثوريين، صراع على التقدم في صفوف (وأمام) الجماهير الطبقية التي يستهدفونها معا، أو المتواجدين بينها معا. دون تورط في تحالفات تخدم القادة الإصلاحيين أو تسمح لهم بتحسين صورتهم أمام الجماهير، فالقيادة الإصلاحية مستعدة دائما للتفاهم مع البرجوازية وليس للقطع معها أو تعميق النضال ضدها، ومستعدة أيضا لكبح نضال الجماهير عند حدود مكاسب محدودة في إطار الممكن فحسب، وليس دفع وإزاحة حدود هذا الممكن بنضالات اشد، سيبلع الإصلاحيين دائما طعم التنازلات المؤقتة التي قد يقدمها البرجوازيين تحت ضغط جماهيري، وتفاديا لتصاعد أو توسع هذا الضغط إلى درجة حرجة لا تتحملها البرجوازية، فان القادة الإصلاحيين هم الوسيط الذهبي في مثل تلك الظروف، لذلك يجب عزل نفوذهم ، ويجب أيضا عدم تحمل نتيجة انتهازيتهم أمام الجماهير، فرغم انهم جزء من القوى المعادية للرأسمالية، لكنهم في ذات الوقت طوق النجاة الأخير للنظام، عندما تتأزم الأمور ولا تتمكن الوسائل التقليدية للرأسمالية من حلها، فإن الإصلاحيين مستعدون دائما للقيام بهذا الدور، هم لا يفكرون في أطاحه جذرية بالرأسمالية، بالنسبة لهم " يكفي الحصول على قدر من الإصلاحات اليوم ونستكمل غدا ".
" نعلم أن آمالنا في ثورة عمالية قريبة في أوروبا لم تتحقق. لماذا؟ ليس بسبب انعدام الإرادة عند الجماهير العاملة. بل على العكس، فبعد حرب 1914-1918، بدأت البروليتاريا، في كل بلدان أوروبا، في خوض الصراع ضد البرجوازية الامبريالية وبينت أنها مستعدة تماما لحسم السلطة. من الذي أوقفها؟ إنهم قادتها، البيروقراطيون العماليون المحافظون، أي هؤلاء السادة من طينة لويس وجوهو، أساتذة لومباردو توليدانو.
” تروتسكي " الاسباب التاريخية للستالينية "


في النضال اليومي تكون الدعاية والتنظيم التراكمي للجماهير هي الوسائل المطلوبة، والملائمة في مواجهة معارك جزئية هنا أو هناك، مطلبية أو احتجاجية، والتعبئة في تلك المعارك لازمة لتكتيل قوى المستقبل في اتجاه مسار معين، ثوري أو إصلاحي، الطريقة التي تخاض بها المعارك، والشعارات التي ترفع أثناءها، مقدمات تمهد لتحديد اتجاه هذا المسار.
يحاول الإصلاحين دائما التدخل لإيجاد الحل الوسط عبر التفاهم مع النظام أو مع رجال الأعمال، يدربون الجماهير على هذا السقف المنخفض للنضالات، أن جماهير غير واعية بما يكفي وغير منظمة بما يكفي تصل إلى أن تتماها وتعتاد علي أساليب وأهداف الإصلاحيين، لذلك يجب أن نفصل الجماهير عن تأثير الإصلاحيين، وذلك بتصعيد النضال المطلبي أو الاقتصادي لحدود أبعد، بتعليم الجماهير أن تثق بقوتها هي وليس بالوسطاء، زرع الثقة داخلها إنها تستطيع إنجاز اكثر مما يطرحه الوسيط الإصلاحي، ومن ثم تعليمها أن تتجاوز افق الإصلاحين، هذا النضال – من اجل تطوير حركة الجماهير وعزل نفوذ الإصلاحيين - لا معني له أن لم نخضه مستقلين، لا عمل مشترك معهم، بل سنعمل على عزل تأثيرهم ونفوذهم في قلب المعارك الجماهيرية، لا قوائم مرشحين مشتركين في النقابات أو البرلمان، لا اتفاق في غرف مغلقة علي دعاية مشتركة أو بيانات مشتركة، هذا الخلط للرايات أو الشعارات يذيب فورا موقف الماركسيين ومصداقيتهم، ويساعد على زرع الثقة في الإصلاحيين ومنهجهم، ويعود الجماهير علي قبول الحلول الوسطى الآن وفي المستقبل.
ما نقصده بالتصعيد ، أو الحلول الوسطى ، ليس هو التطرف يسارا في كل الأحوال، فتحديد " ما يجب " عمليا يرتبط بمجمل ظروف كل معركة على حدا، مدى استعداد العمال مثلا، ماهي قدرتهم على زيادة الضغط، ماهو حجم قوتهم، ما هي درجة تماسكهم، وعلى الجانب المقابل ما هي جوانب قوة أو ضعف الخصم، قدرته على التحمل، وجود داعمين له من عدمه … وفق حسابات كل معركة يمكن تحديد النقطة التي نحدد - ونقبل - عندها السقف الأعلى للحل الإصلاحي .. فلا يمكن الانتظار حتى إسقاط الرأسمالية مثلا للحصول علي زيادة في الأجور أو إيجاد تحسين ما في ظروف العمل، الاشتراكية بالقطع لا ترفض تحقيق قدر أو آخر من الإصلاحات في مجري النضال ، إنها تريد اقصي إصلاحات ممكنة عن طريق نضال الجماهير وتنظيمها ورفعة ثقتها في قدرتها، أن يكون الإصلاح ناتج عن خطوة متقدمة في تعبئة وتجهيز الجماهير للثورة، ذلك يختلف بالقطع عن الخوف من الجماهير وتصاعد نضالاتها عند الإصلاحيين، الخوف من فقد مكانة الوسيط الاجتماعي التي توفر لهم بعض الامتيازات، والاستعداد المستمر لقبول اقرب الحلول الوسط مع تقديم الشكر للعدو على تكرمه.
ليس مطلوب ابدآ أي عمل مشترك مع الإصلاحين في النضال اليومي، فنحن وهم نحاول أن ندفع الجماهير في اتجاهات متعاكسة، طريق التكيف والحلول الوسط، وطريق عدم التكيف والتصعيد في اتجاه الاستعداد للثورة، من المؤكدا انه سيكون هناك نقاط تقاطع، نقاط نلتقي فيها للحظة ( حول قضية ما او مطلب ما ) في مجري النضال، لكننا لن نكتف ايدينا ، حتي في تلك اللحظة ، بأي اتفاق واسع أو تحالف معهم، فهو ليس ضروريا من جهة، ليس لازما، ويحدث تلقائيا بصفة مؤقتة بسبب العمل في وقت واحد علي قضية معينة، ويقيدنا من جهة أخري، ويثير تشويشا وخلطا من جهة ثالثة، وسنمضي بعيدا عنهم – وخلفنا بعض جمهورهم أيضا – في أول تطور تالي للحظة التقاطع، وسنعمل على إيجاده فورا بتكتيك اكثر ثورية، حتى لا يجر الإصلاحين الجماهير إلى مستنقعهم ، أننا بوضوح نريد أن نضعهم خلفنا ، لا بجوارنا ولا أمامنا .

هذا في أحوال النضال اليومي العادية ومعاركها، لا جبهات ولا تحالفات ولا دعاية أو تكتيكات وسطية، وأيضا لا نعمل " بحماقة " علي تصعيد في ظرف غير ملائم حتى لو بادر إليه الإصلاحين، ولا نثير صراعات طفولية معهم دون ضرورة لذلك، فيجب أن لا نظهر كاستفزازيين أمام الجماهير، أو نسعى لرفع سقف الحركة أو المطالب في ظروف غير مناسبة لمجرد المنافسة معهم، ولا ننسي رغم هذا التناقض بيننا وبينهم انهم ليسوا العدو الطبقي، وانهم جزء من القوى الطبقية التي تهمنا ، الجزء المحافظ فيها.
إلا أن ذلك قد يختلف عند لحظات مصيرية فارقة في تاريخ النضال الجماهيري ومستقبلها، في الانعطافات الكبري في الصراع الطبقي، حيث يكون مصير الجماهير العمالية وقوى الثورة الاجتماعية على المحك، النماذج التي يقدمها التاريخ - للحالات الاستثنائية – التي يجب علينا فيها العمل المشترك، وبلا تردد، مع الإصلاحيين الاجتماعيين، هي حالات الدفاع الطبقي فقط … حيث تكون الطبقة العاملة معرضة لهجوم قوى من قوى مضادة يمكن أن يعصف بها وبنضالها لعشرات السنين. مثال أن يكون العمال قد أقاموا مجالس حكم وسلطة من اسفل ( لجان ادراة ذاتية مثلا ) في مجري الصراع، وأنها تتعرض لهجوم مضاد من القوى البرجوازية … لننزل عن ذلك درجة .. حتى في الحالات التي تكون فيها الجماهير … بقوى مختلطة غير متبلورة طبقيا، قد أقامت المتاريس وشكلت لجان أحياء للإدارة الذاتية. وأنها تتعرض لهجوم مضاد، فورا وبلا تردد علينا التحالف مع عضوية وفرق الإصلاحيين للدفاع عن اللجان والمتاريس، و حتى الوقوف مع كل يقف في ذات الجانب خلف المتاريس، والانفصال عنهم فورا ما أن يزول الخطر، ليحاول كل منا أن يدفع الجماهير إلى اتجاهه الخاص، ولا يجوز الخلط بين ما أقوله هنا وبين حالة الدفاع عن المتاريس في حالة جماهيرية تلقائية لا تلعب التيارات السياسية – لضعفها وعدم وجود قواعد جماهيرية لها – أي دور مؤثر في الأحداث، وهى حالة التحرير مثلا والأحياء الشعبية أو حتى العديد من الثورات العربية، هذا التواجد معا خلف المتاريس لا يشبه بأي حال حالة القوى السياسية والطبقية المنظمة، وفرق الدفاع – واحيانا المليشيات العمالية أو الحزبية الخاصة بها. في الحالة الثانية ثمة معنى وضرورة عملية لتوحيد قيادة قوى الدفاع وتنظيم العمليات الدفاعية على نحو مشترك، وتشكيل الجبهة المتحدة بيننا لقيادة المعارك فعلا. بينما في الحالة الثانية لا يوجد لا فرق دفاع ولا أحزاب ذات قاعدة جماهيرية ولا نفوذ يذكر على الجماهير المتراصة تلقائيا خلف المتاريس وتخوض معاركها كيفما اتفق بدون ادني تدبير أو تنظيم، فلو سحبنا مثلا مليشيات العمال – الخاضعة لقيادة البلاشفة، والحزب البلشفي بقواه ونفوذه، بالإضافة إلى قوى الحزب الاشتراكي الثوري ( كيرنسكى ) وقواعده ومليشياته، فضلا عن السوفيتيات التي ينتظم فيها فعلا العمال ( من مختلف التيارات الثورية والإصلاحية ) بقوتهم من الصورة في الثورة الروسية، لكان الحديث عن الجبهة العمالية المتحدة التي دعا إليها البلاشفة نكتة مبتذلة، ولكان انتصار قوات كورنيلوف محققا.
ذلك هو مثال الصورة الأولي الذي قدمه التاريخ، وشروط تحققه.
الصورة الثانية هي أيضا دفاعية، في مواجهة هجوم الفاشية المسلح والدموي على منظمات ونقابات العمال واليساريين وغيرهم. لم تكن الفاشية هجوما على الديموقراطية البرجوازية إلا من الناحية الشكلية فقط، بغض النظر عن مناقشة تلك التفاصيل فقد كان لا زما وهاما أن تتوحد كل القوى المعادية للرأسمالية في مواجهة الهجوم الفاشي، الفوضويون، الاشتراكية الديموقراطية، الشيوعيون والتروتسكيون ، كل أجنحة المعسكر الطبقي للعمال، وان يوحدوا وينظموا عمليات الدفاع، يشكلوا قيادة موحدة للميلشيات والفرق، الجبهة المتحدة لقوى اليسار والعمال في مواجهة الفاشية، التي قد لا تقف عند حدود التخلص من الفاشية فحسب في حال نجاحها، لقد خانت الستالينية تلك الاستراتيجية وتوحدت مع الحكومات الديموقراطية الغربية، وا فشلت إمكانية قيام تلك الجبهة اليسارية والعمالية مع الاشتراكية الإصلاحية، ولعبت دورا مرعبا في إعادة السلطة للحكومات الرأسمالية التقليدية.
ليس هنا أيضا مجال تقييم دور الستالينية، أن ما نشير إليه هو محاولة الإجابة علي سؤال متى يجب التحالف مع الإصلاحيين، لأي هدف، وتحت أي شروط. وضمن تلك الجبهة ستندفع العناصر الأكثر إخلاصا إلى تجذير مواقفها والتحرك يسارا بعيد عن القيادة الإصلاحية، أن أرادت الأخيرة أن تمارس دورها كمجرد وسيط مع الرأسماليين، وان تقف بالنضال عند تسوية ما مع الرأسماليين، وربما امكن تقويم تلك القيادة ولو بالسلاح.

صورة استثنائية … هل تغير جوهر الموقف ؟

يستخدم البعض كتابات تروتسكى حول الجبهة المتحدة – في شروط ضعف – للتدليل على انه ليس شرطا أن يكون الثوريون حزبا منخرطا ذو نفوذ حتى يدخل الجبهة المتحدة مع آخرين.

نورد هنا المقطع كاملا الذي تستخدم فيه نصوص تروتسكى …
” هل يعتبر وجود حزب عمالي ثوري كبير نسبيا شرطا ضروريا لاتباع تكتيك الجبهة المتحدة؟
كان تروتسكى قد أكد في مقال كتبه في مارس 1922 على ضرورة اقتصار استخدام تكتيك الجبهة المتحدة على الظروف التي يوجد فيها حزب عمالي ثوري يهيمن على أقلية ذات شأن من الطبقة العاملة (إلى جانب حزب إصلاحي يمثل القيادة السياسية لأغلبية الطبقة العاملة). : تروتسكى أكد في هذا المقال أنه :
" .. في الظروف التي لا يزال فيها الحزب الشيوعي منظمة غير ذات أهمية عددية، أي عندما تكون مسألة سلوكه في النضال الجماهيري غير ذات أهمية محورية من الناحيتين العملية والتنظيمية".

"تروتسكى - 2 مارس 1922 مقالة “ نقاط عامة حول الجبهة المتحدة” (جزء من التقرير الذي قدمه حول مسألة الشيوعية الفرنسية في الأممية الشيوعية الثالثة)”
"
ولكن تروتسكى عاد وعدّل مواقفه في الثلاثينات مع التغير الهائل في الظروف. ففي 1934 خاض تروتسكى نضالاً شاقاً من أجل دفع تنظيم عصبة الشيوعيين الفرنسي، الذي كان آنذاك تنظيماً صغير الحجم وغير مرتبط بالطبقة العاملة، لأن "يجد لنفسه مكاناً في الجبهة المتحدة بين الستالينيين والإصلاحيين". رأى تروتسكى بلا أي لبس أن هذا هو الطريق الوحيد لكي يتجاوز هذا التنظيم الصغير الذي يتميز "بالارتباط الأمين والجاد بالمبادئ الثورية"، أزمة "تطلعه إلى الحركة العمالية من الخارج".
الأسلوب الذي رأى تروتسكى في ذلك الوقت أنه الأنسب لتحقيق هدف انضمام "عصبة الشيوعيين" إلى الجبهة المتحدة كان دخول العصبة، كتكتل مستقل، إلى أحد حزبي الجبهة ـ بالتحديد الحزب الاشتراكي الفرنسي:
"نحن [بالانضمام للحزب الاشتراكي] لا نستسلم للأممية الثانية. نحن فقط نعترف بأمانة أن منظمتنا أضعف من أن تجد لنفسها دوراً عملياً مستقلاً في النضالات التي تلوح أمامنا. وفي نفس الوقت نحن لا نريد أن نبقى على الهامش".
لم ينف تروتسكى أن هذا الخيار يتضمن خطر "التحلل أو التكيف الانتهازي". ولكنه أصر أنه "من السذاجة الاعتقاد بأن العزلة ستؤدي إلى الإفلات من هذا الخطر".
لأنه لم يكن "تروتسكياً أرثوذكسياً"، أسقط تروتسكى في الثلاثينات الاشتراط بأن الجبهة المتحدة تكون مشروعة فقط عندما يوجد حزب عمالي ثوري يهيمن على قسم هام، ولكنه غير حاسم، من الطبقة العاملة. وذلك بالضبط لأن الظرف الموضوعي تغير ولم يعد للثوريين أي تأثير في أوساط العمال. بالطبع في هذا السياق
لم يكن الهدف من دخول الجبهة هو تهيئة فرصة مناسبة للحزب الثوري للتحول من وضع الأقلية إلى وضع الأغلبية في الطبقة العاملة وإنما كان:
أولاً .. مواجهة خطر الفاشية بغض النظر عن وجود أو عدم وجود الثوريين كقوة مؤثرة في الجبهة.
ثانياً .. توفير شرط مناسب لنمو المنظمة الثورية الصغيرة وتوسيع ارتباطها بالجماهير العمالية.
" تلك الخطوة طرحت فقط لحالات معينة – في البداية فرنسا (ومن هنا أتت تسميته “المنعطف الفرنسي”) – ولكنها عممت في التطبيق. كانت الحجة هي أن الاشتراكيين الديمقراطيين يتجهون إلي اليسار وهكذا يخلقون مناخ أفضل للعمل الثوري، وأنهم يجذبون شرائح جديدة من الطبقة العاملة وهكذا يمثلون مناخا بروليتاريا أكثر بما لا يدعو للمقارنة من مجال الحركة المتوفر للمجموعات التروتسكية المعزولة.
كانت النظرة الأساسية إلي هذه العملية علي أنها خطوة قصيرة الأجل: الدخول في تلك الأحزاب، ثم صراع عنيف مع الوسطيين والإصلاحيين، ثم الانشقاق وخلق الحزب. “إن الدخول في حزب إصلاحي أو وسطي في حد ذاته لا يشمل منظور طويل الأمد. إنها فقط مرحلة يمكن أن تختصر تحت ظروف معينة إلي واقعة عرضية” (24).
انظر دينكين هالاس – ماركسية تروتسكى – الفصل الرابع
بدون تردد نوافق تماما علي تصور تروتسكى … لكن يجب أولا التأكيد على عدد من الأمور الأساسية. أن الجبهة تظل داخل المعسكر العريض للطبقة العاملة ، وليست جبهة طبقات مختلفة، فلا يجب قبول تحالف مع حزب برجوازي أو حركة رجعية – إسلامية أو ليبرالية أو غيرهم - خارج الطبقة العاملة.. لننظر إلى مكونات الجبهة كما يؤكد عليها تروتسكى .. الشيوعية الستالينية، الحزب الاشتراكي، وباقي القوي اليسارية …
هذا من جهة ، ومن جهة أخري لا يزال هذا التحالف مشروطا بظرف الدفاع الثوري (.. مواجهة خطر الفاشية بغض النظر عن وجود أو عدم وجود الثوريين كقوة مؤثرة في الجبهة)
الهدف الثاني لدي تروتسكى .. وهو أيضا مشروط بالطبيعة الطبقية للجبهة المتحدة، فخطر الفاشية – أو أي خطر داهم وعام يتهدد الطبقة العاملة ومنظماتها - نتصدى له بالضرورة سواء كنا أفراد أو أحزاب أو منظمات صغيرة.
بل أن الهدف الثاني الذي حدده تروتسكى لا يرتبط بشروط الخطر فحسب، انه أيضا يمكن ان يكون احد وسائل بناء المنظمة الثورية، ولوجها إلي أبواب مصانع وخلق قدر من النفوذ لها، وهو تكتيك معتبر في أحوال الضعف أو المراحل الأولى من بناء الحزب بغض النظر عن احتدام ظروف الصراع . انه تكتيك عمل بنائي " مقبول بدرجة ما " حتي في الظروف العادية. لكنه لا يعتبر هنا تحالفا بأي صورة، إنما هو" دخول مؤقت" بهدف توسيع نفوذ وكسب أنصار ومتعاطفين. بغض النظر عن المشكلات التى اظهرتها " الدخولية " بعد ذلك .
وهذا التصور الذي طرحه تروتسكى في هذا السياق، هو تكتيك تمليه ضرورة عاجلة وملحة علي ( المنظمة الثورية الصغيرة ) ، وينطوي علي مجازفة، أن تتعرض المنظمة في حالتها الضعيفة تلك – و تحت ضغط الإصلاحيين وقوتهم - إلي الذوبان، أو تضطر للسير خلف الإصلاحيين بسبب الاختلال الضخم في موازين القوى بينهم، وعلي الأقل ستكون فرصها في التأثير علي قواعد الإصلاحيين ( في حالة غياب نضال عمالي مؤثر يمكن التفاعل معه) شبه معدومة، وسيظهرون كمجرد ملحق صغير بحزب ضخم لن يتأثر بعدم بمشاركة هذا الملحق، ولن يستطيع الثوريون فرض أساليبهم عليه، أو استعراض تميزهم السياسي أمام قواعده، أو منافسة القيادة الإصلاحية في تحديد وجهة النضال أو شعاراته، والبديهي أن الإصلاحين سيتمكنون بسهولة من فرض طرق عملهم وشعاراتهم .
.يشير " سابي سجال " في مقال منشور في مجلة “الاشتراكي” الشهرية البريطانية، في مايو 2000 … الي مايلي :
( أكد تروتسكي على ضرورة أن تتشكل الجبهة المتحدة من تنظيمات متماثلة في الحجم. فعلى الشركاء المختلفين أن يقدموا شيئًا، مهما كان صغيرًا، للحملة المشتركة، مما يعني ضرورة أن يكونوا ممثلين عن قوى حقيقية، وليس مجرد إحصائيات على الورق. لذا، حين كان حزب العمال البريطاني في صفوف المعارضة، كانت من العبث الدعوة لجبهة متحدة مع الحزب ككل. لأن التفاوت في الحجم والتأثير بين الأطراف المشاركة في الجبهة المتحدة يجعلها تبدو مناورة دعائية ذاتية، أكثر من كونها استراتيجية عمل حقيقية.).
هذه " الدخولية " - التي يخلطون بينا وبين " الجبهة المتحدة " هي مجازفة يقبلها الثوريين في الانعطافات الحرجة ، دفاعا عن مستقبل الحركة العمالية، وفي الظروف العادية يظل غرض الدخولية محدودا، والمراهنة علي نتائجها ثانوي، والمحاولات النضالية خارج سياقها هي الأهم بالنسبة للمنظمة، انه هدف بسيط، جذب بعض الأعضاء الذين يقفون في منتصف المسافة بين المنهج الإصلاحي ( الاجتماعي أو الاشتراكي الديموقراطي ) والمنهج الثوري، إلي المنهج الثوري، ويجب أن نلاحظ أن هؤلاء المستهدفين قطعوا فعلا نصف المسافة، برغبتهم في تغيير الرأسمالية أو إدخال تعديلات عميقة علي نظامها لصالح الجماهير، انهم إصلاحيي الحركة العمالية، فبوجه عام نحن نسعى إلي أوسع الروابط الممكنة بين أجنحة واتجاهات الحركة العمالية، نسعى إلي تطبيق مبادئ البيان الشيوعي في هذا الشأن، واستقلالنا التنظيمي والسياسي عن كتلتها المحافظة أو الإصلاحية هدفه تطوير نضالات العمال، تحريرهم من النزعة المحافظة التي يمثلها الإصلاحين داخلهم، ومن ثم غير متصور طرح هذا الموقف بالنسبة للأحزاب أو الحركات التي تسعي لتثبيت الرأسمالية والحفاظ علي النظام، خط الدفاع الثاني للنظام البرجوازي منهجا وسلوكا، وليسوا مطلقا ضمن معسكر الحركة العمالية، تلك فروق جوهرية بالنسبة لنا، ما لم توضع في الاعتبار نكون قد مسخنا الماركسية تماما، حولناها إلي مجرد حركة برجوازية صغيرة تقفز من معسكر إلى آخر بحثا عن أي دور ، ونكون قد عبرنا الحدود الطبقية والسياسية الفاصلة بينها وبين أعداءنا الطبقيين، مسخنا تماما تلك الحدود.
ومن جهة أخري لا يغير هذا الموقف ( الخاص بالعمل المشترك ) ، في جميع الأحوال ، من النقاط التي أثرناها بخصوص طبيعة الإصلاحين الذين تعنيهم الماركسية بخطابها، ولا بالظروف ( الاستثنائية ) الخاصة ببناء تحالف معهم ،فهو ليس مقبول دائما في كل أحوال النضال، ليس تكتيكا للدعاية أو العمل اليومي، ليس مجرد وسيلة من وسائل كسب أنصار أو تجنيد عضوية، ويجب تحديد حدود ووظيفة هذا التحالف، والتمسك مع ذلك بجوهرية مبدأ استقلال السياسات والرايات.



#احمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الاول
- كيف تعمل الأيدلوجيا في ظروف الثورة
- في ذكري احمد سيف
- القتل من اجل الارباح
- الماركسية ونظرية الثورة - رد على مقال خليل كلفت
- موجة مرت في مساء غريب
- غوص
- سؤال الثورة المصرية الآن
- لست وطنيا واعترف
- الإفيهات والنقد السطحى
- الثورة المصرية - دراما ثورة لم تنتصر
- نشيد القساوسة
- الجانب الدرامى فى ثورة لم تنتصر - جدلية اﻻ-;-حباط وال ...
- موجزاً عن تاريخ قرية كري بري
- حياة مدنية على شواطئ دجلة
- الديمقراطية والفوضى


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد حسن - الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الثاني