أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي محمود سعيد ل - الحوار المتمدن -: المقلٍّد دون المقلًّد دائماً، ولكل طريقته، والمهم في نظري الصدق في التعبير















المزيد.....


الروائي محمود سعيد ل - الحوار المتمدن -: المقلٍّد دون المقلًّد دائماً، ولكل طريقته، والمهم في نظري الصدق في التعبير


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1355 - 2005 / 10 / 22 - 10:55
المحور: مقابلات و حوارات
    


( الجزء الأول )
محمود سعيد قاص وروائي عراقي من مدينة البصرة. أصدر عدداً من المجموعات القصصية والروايات من بينها " بور سعيد وقصص أخرى " 1957، و " زنقة بن بركة " التي فازت بجائزة أفضل رواية عراقية عام 1994، ورواية " الإيقاع والهاجس " و" الضالان "، و " قبل الحب، بعد الحب " و " أنا الذي رأى "، والتي صدرت ترجمتها الإنكليزية في لندن. وقد كتب بعض الأدباء والنقاد عن وراية " زنقة بن بركة " على وجه التحديد لأهميتها من الناحيتين الفنية والفكرية. فقد قال عنها الناقد باسم عبد الحميد حمودي " " زنقة بن بركة " رواية عن الألم العربي المستمر، صنعها على نحو مدهش محمود سعيد لتكون علامة الرواية العربية المعاصرة. ". كما قال عنها الناقد علي جواد الطاهر " هي رواية بارعة تميزت بروحها وإرتفاعها عن التقليد الجامد، وسموها عن الافتعال باسم التجديد. ". كما نالت رواية " الضالان " إهتمام العديد من النقاد العراقيين. يقيم الروائي محمود سعيد في شيكاغو. في هذا اللقاء الذي تنشره " القدس العربي " يسلّط الروائي العراقي محمود سعيد الضوء على أبرز المحاور في تجربته الروائية، والمصادر التي كان يمتح منها موضوعاته، وثيمات أعماله الفنية، وقد حاولنا التركيز على أدب السجون والمعتقلات لأنه من بين الأدباء العراقيين القلائل الذين تناولا هذه التجربة الحساسة في عمل روائي متكامل رفضته العديد من دور النشر العربية ما لم يدخل عليه بعض التغييرات، ويحذف منه ما يخص النظام العراقي السابق. وقد بادرناه بالسؤال التالي:
*ألا تعتقد أن شخصية " مصطفى على نعمان " في روايتك " أنا الذي رأى " هي امتداد أو صدى لشخصية " رجب إسماعيل " في " شرق المتوسط " لعبد الرحمن منيف، أم أنها ابنة مناخ السجون والمعتقلات العراقية المتشابهة في القمع والقهر والاضطهاد والتعذيب الوحشي؟
-لم أقرأ "شرق المتوسط" مع الأسف الشديد، وسبب ذلك أن صدروها جاء بعد رفض روايتين لي قدمتهما للرقابة العراقية "الإيقاع والهاجس 1968" و "زنقة بن بركة 1970" وكان الأستاذ عبد الرحمن منيف وقت صدور روايته "شرق المتوسط" رئيساً لتحرير مجلة الأقلام العراقية، وسمعت عن الرواية من قبل جار لي عضو في حزب البعث لا علاقة له البتة بالأدب والرواية والفن، كان يعرف شيئاً عن اهتماماتي الأدبية، وسألني حينئذ إن كنت قرأت كتاب " شرق المتوسط "، فسألته عم يتكلم هذا الكتاب، قال إنه لأديب مشهور هو عبد الرحمن منيف، ثم قرأت تنويهاً في الأقلام عنها، واستنتجت أن ذلك الجار الأمي مكلف بشكل ما بالترويج للرواية، وفق أمر حزبي لا غير، لأن معظم كتاب الرواية والقصة في الشعر آنئذ لم يكونوا قريبين من البعث، وكان هذا كان سبب صدودي عن قراءتها. بعدئذ جاءت الأخبار أن عبد الرحمن منيف انشق عن حزب البعث، وأنه غادر العراق فسرني موقفه ذاك، وعندما أصدر مدن الملح قرأتها كلها، لكن نفسي مازالت تصد عن قراءة "شرق المتوسط" بالرغم من أنني اقتنيت الكتاب وهو موجود في مكتبتي في العراق. ولذلك فلا أعرف من هو السيد رجب إسماعيل وماذا حدث له، وإن ظهر هناك تشابه بين شخصية الراوي في أنا الذي رأى وشخصية رجب فليس ذلك إلا من قبيل المصادفة، والعفوية لا غير.
*هل تعتقد أن مصطلح " أدب السجون والمعتقلات " سينتعش في العراق بعد زوال النظام الدكتاتوري الذي جثم على صدور العراقيين طوال خمس وثلاثين عاماً؟ ومنْ هم من وجهة نظرك أفضل من يمثلون هذا الاتجاه، أي من هم أفضل الروائيين العراقيين الذين استنطقوا معاناة هذا الشعب المُصادر والمقصي والمهمش؟

-لا أدري فالجواب على ذلك مركون برحم الغيب، لكني لا أستطيع كتابة شيء آخر عن السجون ومعاناتها، ومما قرأت وسمعت بعد الغزو الأمريكي للوطن اتضح لي أن ما لاقيناه زمن الديكتاتورية أشبه بـ("زلاطة" كما يقول العراقيون) بالمقارنة بما يحدث الآن، فللحقيقة والتاريخ أقول إن زبانية صدام لم يلجؤوا إلى الاعتداءات الجنسية، واغتصاب ا لقاصرين ذكوراً وإناثاً قط، ولم أسمع عن أي حادثة جرت في السجون آنئذ، والحادثة الوحيدة التي سمعت بها ذكرتها في " أنا الذي رأى " وهي أن أحد محققي المخابرات أمر أحد المعتقلين أن يغتصب معتقلاً آخر، لكنه رفض، وكان يتصور أنه برفضه سيعرض نفسه لمزيد من العقاب لكنه ولمفاجأته وجد أن لا شيء ترتب على ذلك الرفض، ثم فوجئ ثانية بنقله إلى الأمن العامة، وكان يظن أنهم سيعيدون تعذيبه هناك، لكنهم لم يفعلوا. أما الآن فحدث ولا حرج، فقد جرى اغتصاب فتاة عذراء كم قبل عشرات الجنود الأمريكان، واغتصب أفراد عائلات أمام ذويهم. وانتحر العشرات، ومات تحت التعذيب مئات الأبرياء. ثم تناقلت الأخبار في أمريكا أن رجلاً في الأربعينات قتل تحت التعذيب لأنه رفض أن يتعرى، مثل هذا الشيء لم يحدث أيام الطاغية، وقبل أيام فقط أي في 13/8/2005 أمرت الحكومة الأمريكية بمنع نشر صور معذًّبين المعتقلات الأمريكية في الصحف، أو الإشارة إليها في التلفزيون أو الإذاعات الأهلية، وتبدى لكل المراقبين أن ما يجري الآن يجعل ما لقيناه قبل احتلال العراق منذ زمن نوري السعيد وحتى سقوط الديكتاتور أشبه فقاعة على سطح محيط لا نهائي. لذلك فإنني قمين بأن ما سيكتب في المستقبل عن السجون سيفوق ما كتبنا، وأن أدب المعتقلات سينتعش بعد الكشف عن انتهاك وجرائم ومخازي الأمريكان والمتعاونين معهم. إن ما جرى بعد احتلال العراق أثّر في نفسي كثيراً لأني خدعت بدعاية التخلص من الطاغية، وكنت آمل أن لا تعود تلك المآسي مرة ثانية، وأن يتحرر مواطنونا من الخوف وتسلط الأمن والمخابرات والاستخبارات، لكننا رأينا العكس، إذ تفاقمت الأمور أكثر وأكثر. في أمريكا يدعي المسؤولون "وهم كاذبون" أنهم لا يعتقلون عن الهوى، بل نتيجة لتقارير مخبرين ومتعاونين ممن رافقوا الجيش الأمريكي قبل أن يدخل إلى العراق. إن هذه الحجة مرفوضة جملة وتفصيلاً، فلقد تزلزلت الأرض تحت أقدام قادة قوات الاحتلال عند نشر أول صورة تعذيب في أبو غريب وعلموا أن انتهاكاتهم وجرائمهم وتجاوزاتهم في سبيلها للكشف، فعمدوا إلى خطوة مهمة فضحتهم وعرتهم، وكانت إطلاق نصف المعتقلين في أبو غريب "أكثر من خمسة آلاف" في اليوم الأول من نشر أول صورة للتعذيب البشع. وكان من المقدر لمن أطلق سراحهم أن يبقوا في السجن إلى ما شاء قادة الاحتلال، لكن سلطات الاحتلال الجائر خشيت من لجان حقوق الإنسان أن تكتشف الجرائم والتعسف والظلم فاستبقوا الحوادث. وهنا يثور سؤال مهم، إن كانوا يعلمون أن المطلق سراحهم أبرياء فلماذا اعتقلوهم إذن؟ وإن كان نصف المعتقلين أبرياء فكم بريء في النصف الثاني؟ وهل هذا يعني أن الاعتقال كان عشوائياً أو على الشبهة أو الهوية؟ إن كان كذلك فهذا يعني أن كل المعتقلين أبرياء. أما من أطلق سراحه فإن كانوا أبرياء فلم لم يعوضوهم عن مدة الاعتقال كما يفعلون في أمريكا؟ وإن كانوا كما يدعون أنهم اعتقلوهم بوشاية المتعاونين معهم فلماذا لم يعاقبوا هؤلاء المتعاونين؟ أنها أسئلة سيجيب عليها المستقبل.
*في " قصة مخطوطة " التي تلقي فيها الضوء على إشكالات نشر روايتك " أنا الذي رأى " تؤكد بأنك أول من تحدث عن خمس فظائع أو تفرّد في الكتابة عنها وهي " إعدام الأطفال في السجون العراقية، وذكر المقابر الجماعية، والإشارة إلى النشاط الكيمياوي، وإعدام أسرى الحرب الإيرانيين أو مص دمائهم، والكشف عن الغموض الذي كان يلف حياة والد صدام حسين " كيف تسنى لك التأكد من هذه المعلومات، ولماذا لم تكتب مقالات تفصيلية تعري فيها هذه الفظائع؟ وفيما يتعلق بحياة والد صدام فكيف سنحت لك الفرصة للحصول على هذه المعلومات؟
-لو كنت أعلم أن شيئاً كهذا سيحدث لما وافقت على ترجمة كتابي "أنا الذي رأى" إلى الإنكليزية، لكن سبق السيف العذل، كما يقول العرب. أنا لا أريد بأي شكل من الأشكال أن يستخدم كتابي كإحدى ذرائع متعددة تضاف إلى أكاذيب مبرري الاحتلال، فالاحتلال احتلال بغض النظر على البرقع الذي يخفي تقاطيع المحتل.
أما الشق الثاني من السؤال فأعتقد أن ما كتب عن السجون في العراق وبقية الدول العربية قليل جداً، فلم أطلع على أي رواية لعراقي غيري، وعندما سمعت أن رواية كتبت عن السجون المصرية زمن عبد الناصر حاولت اقتنائها وبحثت عنها طويلاً في معرض القاهرة الدولي للكتاب في بداية هذه السنة لكني لم افلح في العثور عليها مع الأسف، وقد كتب صنع الله إبراهيم قبل مدة رواية: "شرف" عن السجون، وتختلف كثيراً عن روايتي بأسلوبها الفوتوغرافي التفصيلي الدقيق الذي يميز طريقة صنع الله في السرد عن غيره من الروائيين العرب. ولعلي لا أبالغ إذ قلت إن السجون متشابهة في جميع أنحاء العالم، يستوي فيها دول العالم الأول والثاني والمتخلف، وربما لا أكشف جديداً حينما أقول إن ما يحدث في السجون الأمريكية يفوق في بعض النواحي ما يحدث في غيرها، ففي سجوننا يلجأ السجان إلى التجويع، التعذيب، السب الشتم.. الخ، وكل ذلك يحدث في السجون الأمريكية، لكنهم يفعلون فيها ما يقشعر له الجلد، فهناك اغتصاب للسجين مهما بلغ من العمر، وهناك انتهاك مستمر للإنسانية وهناك أفظع من كل ذلك فقدان المستقبل، ولهذا رصدت منظمات حقوق الإنسان وجمعيات إنسانية أخرى جوائز قيمة لأي سجين يكتب عما يجري خلف القضبان في أمريكا، ولعل القارئ العربي يدرك فظاعة السجون الأمريكية من تقارير تنشر بشكل مستمر في الصحف الأمريكية مباشرة وغير مباشرة، وقبل ثلاثة أشهر نشرت الصحف الأمريكية قصة سجين قضى في السجن ربع قرن كامل ثم أثبت اختبار الـ DNA أنه بريء، ويجري كشف عشرات مثل ذلك كل سنة في كل ولاية أمريكية، لا بل يجري كشف براءة الكثير ممن نفذ فيهم حكم الإعدام. إن مثل هذه الحوادث جعلت المواطن الأمريكي يكره أفراد السلطة التنفيذية، المحاكم، المحققين، المحامين، الشرطة، مسؤولي السجون والعاملين فيها كرهاً لا حد له. وصدف مرة أن استوقفني شرطي وشرطية بالرغم من أنني لم أفعل شيئاً مخالفاً وكنت أسير ببطء شديد، لكن سحنتي وملامحي الشرق أوسطية "العربية بالذات" بدأت تثير العاملين في هذا الحقل وغيره من أجهزة الأمن بعد الحادي عشر من سبتمبر "أيلول"، وفي مثل هذه الأمور توقعت أن يختلق الشرطيان سبباً غير معقول لإيقاع العقوبة بي، وهذا يحدث دائماً وأبداً، كنت قبل تلك الحادثة بمدة لا تتجاوز الشهر في حفلة موسيقية في حديقة عامة في الهواء الطلق، وحينما انتهت الحفلة وتوجهت لمنزلي وكان ذلك في نحو التاسعة مساء، أوقفني شرطي، ولم أكن أدري أنه كان يراقبني منذ أن كنت في الحفلة فقد رأيت سيارته قرب سيارتي لكني لم أهتم لأنني لم أفعل شيئاً، وحينما حدق ببطاقة هويتي ورأى اسمي عربيا مسلماً سألني لماذا لم أفتح أضواء السيارة؟ وعندما قلت له ها أنت تشاهد الضوء مفتوحاً، قال لي أنني عندما غادرت الحفلة لم أنر الأضواء وأنني فتحته حينما رأيت سيارة الشرطة ورائي. كيف أثبت أنني على حق وأنه على باطل وبيده كل السلطة، وعبثاً يقبل مثل هذا العنصري أي نقاش. لكني رفضت دعواه بصلابة. انفعلت، قلت له لا تستطيع إثبات ذلك في المحكمة مهما فعلت. قال لي حسناً سأعاقبك عقوبة بسيطة، سأكتب مخالفة هي أنك وقفت في مكان ممنوع ("خمسة وعشرون دولاراً" بينما عقوبة عدما إنارة الأضواء 75" دولاراً" ) رضيت بالعقوبة، وأرسلت المبلغ للشرطة لعلمي أنني بالرغم من ألمي لا أستطيع إثبات حقي، فكلامي مقابل كلامه فقط، وهو موظف حكومي وأنا شخص عادي، وهو مواطن أمريكي وأنا عربي مسلم "إرهابي"
تذكرت تلك الحادثة عندما أوقفني الشرطيان، وتوقعت أنني سأعاقب من دون شك لسبب ما، وسأدفع ثمن مخالفة لم أرتكبها كما يحدث مثل ذلك عشرات المرات في كل سنة، لكن أنقذت بشكل لم أتوقعه، فقد لمحت فتاة أفريقية أمريكية "سوداء" في العشرينات، كانت تسير في منتصف الشارع حيث الشرطيان واقفان يدققان برخصة السير العائدة لي، وما أن حاذتهما وأصبحت على بعد نصف متر منهما حتى توجهت إلى الشرطية بكلمة نابية شديدة الوقع: "بيتش ، مذر فكر، "كلبة، قحبة، أمك… كذا وكذا" لا عمل لكم غير تصيد الأبرياء." كدت أنفجر ضحكاً، لكني ضبطت نفسي، ظننت أن معركة ستنشب بين الشرطيين والفتاة إثر ذلك السباب العميق، لكن الشرطية التي وجهت إليها تلك الإهانة التفت إلى زميلها الشرطي وقد "انخطف" لونها، سألته بعفوية واستخذاء: هل فعلت لها شيئاً؟ فدعر الشرطي عينيه، وأغمضهما، وظهرت على تقاطيعه علامات عدم الاهتمام. وعندما لم ترَ الشرطية تأييداً لها من زميلها التفت إلي، ناولتني رخصة السوق، قالت لي: كن حريصاً، انتبه إلى طريقة سياقة السيارة. فانفلت لكن بسرعة أكبر من السابق وأنا مبتهج لتدخل الفتاة، وحينما أخذت أسأل نفسي لماذا خلا رد فعل الشرطية من العنف على غير العادة؟ لكني لاحظت أن معظم الواقفين في الشارع من سكان تلك المنطقة كانوا من الأفارقة الأمريكيين "السود" المغضوب عليهم، وهم مشهورون بالعنف والتمرد، وربما لو ردت الشرطية على الفتاة لتدخل هؤلاء ولخلقت مشكلة أكبر. لكن السخط على الجهاز الأمني لا يقتصر على السود حسب، بل يشمل الشعب الأمريكي كله بوتائر مختلفة فقد نشر استطلاع رأي "في لوس أنجلس سنة 2000" وافق فيه المشتركون على زيادة الضرائب بشرط أن لا تصرف على جهاز الشرطة أو بناء سجون جديدة، ولعل مثل هذا الاستطلاع لا يثير القارئ العربي، لكنه مهم جداً لدى المواطن الأمريكي، فزيادة الضريبة أمر حساس جداً، ويلهب مشاعر الجميع، معظم المواطنين الأمريكان يرفضون زيادة الضريبة حتى لو كانت واحداً في الألف لا بالمئة، فكيف يوافقون على زيادة مقترحة؟ لكنهم وافقوا على زيادة الضريبة "وتلك معجزة" على أن لا تصرف على أجهزة قمعية تكوي المواطنين كل يوم. على أن أفظع ما يلاقيه السجين في الولايات المتحدة هو اضطراره للعودة للسجن شاء أم أبى وقد ذكرت ذلك في روايتي الضالان. تحدثت في " أنا الذي رأى " عما رأيت ثم تكشف بعدئذ لي أن الرواية كشفت ممارسات لم يسحب عنها الغطاء إلا بعد احتلال العراق منها إعدام الأطفال وغيرها لكن هل أستطيع أن أثبت ذلك؟ لا، بطل الرواية شاهد يرى ويسمع ويكتب ما يرى ويسمع، ومن المستحيل أن يثبت ذلك سجين في زنزانة، إذ أن ذلك ليس من واجباته، أما اقتراحك بكتابة مقالات تفصيلية تعري من قام بتلك الفظائع فذلك يتطلب مواهب لا تتوافر فيّ، فأنا لا أجيد كتابة المقالة، ولا أطيق كتابتها، وربما سيكتب آخرون مختصون في كتابة المقالة في نفس الموضع، فلكل اختصاصه.
* بالمناسبة هل أن " قصة مخطوطة " هي امتداد للرواية وجزء منها أم أنها مقالاً منفصلاً كتبته لتوضيح ملابسات نشر هذه الرواية، ومهما يكن الأمر فأود أن أستوضح منك التالي: هل تعتقد أن هناك شيخاً، أي شيخ، في العراق كان قادراً على عدم استقبال صدام حسين أو عدم الرد على تحيته، ألا تعتقد أن هذا الكلام فيه من المبالغة الكثير، وخصوصاً نحن العراقيين كنا نعرف قسوة هذا الرجل وحجم ظلمه الذي يمتد إلى الأهل والأقرباء الأبعدين والعشيرة ربما، هل هذه الواقعة حقيقية أم لا؟

- قصة مخطوطة كتبتها الآن، وهي محاولة تذكر فاشل، أقول تذكر لأني حاولت جهدي إعادة كتابة فصلين أرغمتني الرقابة السورية على حذفهما مع الأسف الشديد، وكان الرقيب "الشاعر محمد بو خضور"، لكني لم أنجح، إضافة إلى ما عانيته من إحباط بعد فشل محاولاتي العديدة لنشر الرواية في الأردن وسوريا.
تركيزك على حادثة وفاة والد صدام، ورغبتك في التثبت من وجودها أمر يخطر على البال، لكن الموضوع لا لبس فيه في رأيي، فبالنسبة لي سجلت ما سمعت من أحد أبناء قبيلة العبيدات، وهي قبيلة كبيرة جداً، وقوية، ومحترمة، وعندما يتحدث أحد أبنائها بشيء يخص القبيلة فالغالب مما يتوقع منه قول الصدق، لأني مطلع على شؤون بعض قبائل العرب في الشمال، فهم على الأغلب بسيطون صريحون لا يعرفون اللف والدوران، ولعلك تدرك أن ما حدث في الرواية هو خبر تنطبق عليه القاعدة المنطقية الكبرى في الفلسفة: (كل خبر يحتمل الصدق والكذب)، ويشمل ما تطويه هذه القاعدة الواضحة العامة ما ورد في الماضي جميعه من تراث ومن ضمنه الكتب المقدسة، وقد يثبت عكس ما ذكرت في المستقبل "عن والد صدام"، وإن حدث ذلك فلن يسيء إلى الرواية قط. إن ما يثير القال والقيل في حياة والد صدام التناقض الكبير الموجود في الواقع. فما نشر عنه لا يدرج على قدمين، وما نعرفه عنه قليل جداً. ركز الإعلام على والدته "أم المناضلين" وعلى زوجته "ساجدة طلفاح" وعلى ولديه وبقية أفراد عائلته، لكنه أغفل ذكر أي شيء عن والده، فلماذا؟ وأتمنى أن تظهر الحقيقة حتى لو كانت مناقضة لما سردت، سأفرح إن كشف شيء حقيقي مثبت عكس ما رويت، فلا يهمني شيء مثل الوصول إلى الحقيقة. ولا أظن أن ذلك سيضر بالرواية كما أسلفت، لأنها ليست مقالة تاريخية، رواية حسب. غاية الراوي في الرواية أن يقول ما شهد وما سمع، وعلى الكتاب المتتبعين اقتفاء ما كتب، وتثبيته أو نفيه، ولعلك قرأت بعض الروايات العالمية: باودلينو، اسم الوردة، شيفرة دافنجي، المسيح يصلب مرتين..الخ، حيث يختلط الخيال بالحقيقة فلا تعود تفرق بينهما. إن إحدى أعظم أحجار الزاوية في تراث الهنود الحمر خطبة رائعة مؤثرة عميقة الأهداف، آسرة، شديدة الوقع، ألقاها أحد زعمائهم الأبطال المشهورين: "سياتل" إذ ترجمت إلى معظم لغات العالم، وترجمها إلى العربية مشكوراً الأستاذ منير العكش، وكتب في إيحاء منها محمود درويش قصائد رائعة، ثم ثبت بعدئذ أنها مزورة بالرغم من أنها كانت تستوحي أشياء حقيقية من تراث الهنود الحمر الرائع. وشبيه بذلك اللغط الذي دار حول خطبة طارق بن زياد المتميزة المتألقة حينما عبر مضيق جبل طارق.
أما سؤالك "هل تعتقد أن هناك شيخاً، أي شيخ، في العراق كان قادراً على عدم استقبال صدام حسين أو عدم الرد على تحيته" فهو سؤال جيد. اسمح لي أن أسرد شيئاً. في زمن الحادثة كان صدام نائباً للرئيس، وكان يريد أن يخلق حوله نوعاً السمعة الحسنة تمحو بعض وقائع تاريخه البشع تمهيداً لتوليه السلطة، وقبل أن يمسك كافة الخيوط بيديه، فطفق يقلد المرحوم الشهيد عبد الكريم قاسم. أخذ يزور الأحياء الشعبية، وأمر بتوزيع أرقام تلفونه لجميع الناس، وشجعهم عن طريق عملائه للاتصال به وطرح مشكلاتهم، وربما لو عامل العبيدات "جيران أهله" بقسوة لعرّض ما كان يريد بناءه إلى الشك والاهتزاز، ولخلق مشاكل لا أول لها ولا آخر، فمن المعروف له وللآخرين "وهو شيء مهم يرعاه أبناء العشائر" أن قبيلة عبيد هي إحدى أقوى القبائل في الشمال، بينما ينحدر صدام من عشيرة ضعيفة جداً جداً، ولابد أنه استشار عشيرته في التصرف الأمثل فنصحوه بالمصالحة مهما كان الثمن، ومعاقبة قبيلة العبيدات على رفضهم لاستقباله ربما كان سيثير لا العبيدات حسب بل قبيلة شمر والجبور التي كانت علاقتهما من القوة بعبيد إلى درجة لا يمكن تجاهله، ولابد "أيضاُ" أن يثير بقية القبائل الأخرى.
في عرف القبائل الشمالية كما شاهدت تقليد مشهور، "كنت أكثر التردد على تلك المناطق ولست أدري إن كان هناك مثل هذا التقليد معروفاً في جنوب العراق". في الشمال العربي يعمل ويحترم تقليد يعتبر شيخ أي قبيلة مساوٍ، وموازٍ لأي شيخ آخر بغض النظر إلى عدد أفراد تلك القبيلة وغناها ونفوذها، وعندما اغتيل شيخ العبيد بتلك الطريقة المؤلمة والهمجية تضامنت بقية القبائل مع العبيدات، وعندما نقول بقية القبائل فذلك يعني امتداداً قبلياً "عربيا" جغرافياً يصل إلى سوريا وفلسطين شرقاً ومصر "جنوباً" وينحدر حتى السعودية. ومن الواضح وحتى الآن أن أفراد هذه القبائل لا يعترفون بالحدود بين الدول العربية، فعندما يتكلم أحد شيوخ شمر عن ملك السعودية أو أمير الكويت لا يقول الملك فهد أو الأمير صباح بل يقول الشيخ فهد، وبعضهم يقول ابن عمي الشيخ فهد، وحينما تضيق بهم الأمور يشدون الرحال إلى السعودية أو الكويت أو قطر أو الإمارات، ويدخلون على المسؤولين لا كأفراد عاديين بل كأنداد. ومن المناسب الإشارة إلى حادثة إنهاء الاقتتال بين قبيلتي شمر وألبو متيوت في الخمسينات فلم يعم السلام بينهما ولم تفض الاشتباكات إلا بعد توسط وفد من رؤساء قبائل مصر والجزيرة العربية والخليج وبلاد الشام، ولابد أن صدام أو عشيرته الصغيرة تعرف ذلك. إن هذه القبائل لا تعرف الانشقاقات الدينية والمذهبية، وقد سمعت شيخ مشايخ طي "غازي الحنش وهو من الموصل ومعتقل الآن لدى الجيش الأمريكي" أنه ما إن عرفت قبائل كربلاء والنجف والديوانية والسماوة بأنه متوجه للذهاب للحج في سيارته من بغداد "في التسعينات" حتى هبوا لاستقباله، وأصروا على ضيافته ثم رافقه وفد كون موكباً تاريخياً لم يتوقعه فقد رافقه أكثر من خمسمئة سيارة حتى "عرعر" حدود المملكة السعودية، وأن القائمين على الحدود في كلا الجانبين سهلوا أمره ومن معه "من دون تفتيش أو إبطاء"، وحدث مثل ذلك عند إيابه من الحج. ولعل هذا يفسر كيف استطاع صدام في الفترة الأخيرة من حكمه شراء ولاء القبائل.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتقال سبعة أشخاص بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في هول ...
- لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتل ...
- البرلمان الهولندي يدرس اقتراح منع ارتداء الحجاب الكلي في الد ...
- وزيرة الهجرة والاندماج الهولندية تقترح منع ارتداء البرقع
- مسجد الحسن الثاني تحفة الدار البيضاء
- الشاعر والروائي فاضل العزاوي: المنفيون ذخيرة احتياطية كبيرة ...
- المخرج الأرميني أتوم إيغويان، الباحث عن المساحات المحجوبة في ...
- الفنان - التعبيري التجريدي - آرشيل غوركي وتقنية الرسم الآلي
- المخرج سيرغي باراجدانوف: ساحر السينما الروسية الذي أثار المش ...
- تركيا والطريق الطويلة إلى الاتحاد الأوروبي أو الجنة المفقودة
- قراءة نقدية للملحمة المُضادة - هكذا شطح الكائن مستقبلئذ - لل ...
- الناقد السينمائي عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: من غي ...
- هل أن المثقف العراقي مُطالب بأن يذهب إلى حتفه بقديمه؟
- المخرج باز شمعون ل - الحوار المتمدن -: أعشق سينما الحقيقة، و ...
- المخرج السينمائي قاسم حول لمجلة - العربي -: السينمائي يحتاج ...
- مسرحية - سنغافورة - للمخرج البرتغالي باولو كاسترو: كل المُتل ...
- - الدودة الصغيرة - المسرحية الراقصة للمخرجة الفنلندية إيفا م ...
- شرودر يرفض الإقرار بالهزيمة، وأنجيلا تطمح أن تكون أول مستشار ...
- مسرحية -موت في حجرة التمريض - لمارك فورتل: الخطاب البصري في ...
- الشعر العراقي في المنفى: المخيلة الطليقة التي فلتت من ذاكرة ...


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي محمود سعيد ل - الحوار المتمدن -: المقلٍّد دون المقلًّد دائماً، ولكل طريقته، والمهم في نظري الصدق في التعبير