أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح الدين محسن - - مها - زهرة الياسمين البيضاء















المزيد.....

- مها - زهرة الياسمين البيضاء


صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي

(Salah El Din Mohssein‏)


الحوار المتمدن-العدد: 1340 - 2005 / 10 / 7 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


من أجمل وأحب الروائح عندي، رائحة زهرة الياسمين ، وهي زهرة جميلة ورقيقة للغاية ، بيضاء في لون القشدة أو اللبن الحليب ..
لذا فقد رأيت أن أصف " مها " بطلة هذه القصة بزهرة الياسمين اليبضاء .. ولعل القاريء يكتشف في نهاية قصتي عن مها ، أنها فعلا
تسنحق هذا الوصف ، وسوف نري :
بينما كنت في الثانية والثلاثين من العمر ، كانت الفتاة الصغيرة " مها " في السادسة عشر من عمرها ، كان ذلك من حوالي 22 سنة بداية
معرفتي بها - علي الورق - ، فقد تعلمت منها أشياء ثمينة لم أكن أعرفها .. معلومات أدبية وثقافية ..، ولكن حتي الآن لم أرها ولا مرة واحدة فقد بقيت صداقتنا علي الورق فقط ، بالمراسلة ، ولمدة 3 سنوات، تقريبا
والبداية كانت حينما كنت أعمل باحدي الدول العربية ، وأنشر بعض تجاربي في الشعر – بالفصحي والعامية – وبعض المقالات السياسية باحدي المجلات العربية – الصادرة من لندن - ، وكنت متعودا حينها علي سماع نشرة أخبار الساعة السابعة مساء كل يوم من اذاعة " مونت كارلو "
وعقب النشرة مباشرة أقوم بتحويل مؤشر الراديو لاذاعة أخري، حيث كنت أكتفي من تلك الاذاعة بسماع نشرة الأخبار ..
ولكن في تلك الليلة انشغلت بشيء كنت أكتبه فلم أحول مؤشر الراديو ، وفجأة انتبهت الي صوت المذيع وهو يقول : " والصديقة مها ، تهوي
كذا وكذا وكذا ، وراح يعدد هوايات كثيرة واهتمامات علمية وثقافية لا يمكن أن تتجمع الا في عالم موسوعي من طراز العلماء القدامي الذين قلما يتكرر أحدهم الآن ...، وذهلت عندما أضاف : ومها .. عمرها ستة عشر ربيعا .. ، ثم ذكر عنوانها فاذا هي مصرية من القاهرة – حي الهرم بالجيزة - فأرسلت اليها خطابا قلت لها فيه أنني لم أرسل اليها لغرض المراسلة لفارق السن الكبير بيننا حيث أ ن عمري ضعف عمرها ، ولكن
وحسب لأدعوها لأن تركز في شيء معين لأننا نعيش في عصر يحبذ التخصص ، حيث أتوقع لها شأنا عظيما ..
وجاءني منها رد بالشكر ، طالبة التعرف بي ، فكتبت لها أنني محب للثقافة وأكتب الشعر .. فجاءني خطاب منها يؤكد علي حبها للشعر ، وان كانت لا تكتبه وذكرت لي عددا من الشعراء الذين قرأت لهم – وهم شعراء عالميون – مثل طاغور – شاعر الهند العظيم – وشاعر تركيا الكبير " ناظم حكمت " ، بابلو نيرودا – شاعر شيلي - ، وكتبت لي قصيدة أعجبتها لأحدهم وهو " بابلو نيرودا " .. !
وبالطبع كانت دهشتي كبيرة من أن تقرأ فتاة مصرية عمرها 16 عاما لمثل هؤلاء الشعراء الفطاحل بينما اعتدنا ممن هن في مثل سنها
علي ألا يشغل بالهن سوي نجم وسيم من نجوم السينما أو الغناء ، أو لاعب كرة رشيق من نجوم كرة القدم ، ولا يستحوذ علي اهتمام من هن في سنها سوي فستان جميل آخر موضة ، أو تسريحة شعر جديدة أو فيلم سينمائي أو اجازة صيف بأحد الشواطيء ..
ومن هنا اعتبرت نفسي أمام حالة صداقة محترمة جديرة بتواصل الحديث والحوار الثقافي الراقي معها ، ارسلت في ردي علي خطابها
أحدثها عن حبي للغناء الراقي وكذلك الموسيقي وذكرت لها بعض المفضلين عندي من المطربين والمطربات ، مع مقارنة بين أغنية مصرية
تافهة المعني – الجوز الخيل والعربية ، سوق يا أسطي لحد الصبحية.. – وان كانت جميلة فنيا وبين أغنية أخري تغنيها " هدي حداد "
شقيقة الفنانة الكبيرة " فيروز " – أغنية : رزق الله ع العربيات- التي تصور معاناة فئة كادحة في سبيل العيش ، كلمات هادفة ، وفي
نفس الوقت لحن وغناء ناجح ورائع ..
فجاءني في ردها أنها تشاركني هواية حب الأغاني ، وأن لديها مكتبة غنائية ، موسيقية قوامها 300 شريط كاسيت من الأغاني والموسيقي
بالانجليزية والفرنسية – في وقت كان اجمالي ما أمتلكه من شرائط الأغاني لا يزيد عن 20 شريطا معظمه بالعربية - ولم تكتفي بالقول وانما أضافت " واسمح لي بأن أكتب لك احدي الأغاني التي أحبها بالانجليزية ، وكتبتها لي بالخطاب .
وعن ولعي بزيارة المتحف الجيولوجي ،بالقاهرة وقتما كان موجودا بالقرب من مبني مجلس الشعب قبل نقله الي طريق كورنيش المعادي ذاك المتحف الذي كنت أقضي به ساعات طوال ، أتأمل ما سطره الزمن علي الأشجار المتحجرة والحيوانات التي تحولت الي هياكل عظمية متحجرة ، ولاسيما المنقرضة منها كالديناصورات والماموث ، أو مشاهدة بعض أجزاء الشهب والنيازك التي سقطت فوق الأرض ، أو قطعة من صخور القمر أهداها لمصر عالم الفضاء المصري الأمريكي " د. فاروق الباز " . ، وردت علي " مها " معبرة عن حبها واهتمامها بعلم الجيولوجيا ، وأنها قد قرأت كتبا - وليس كتابا واحدا - عن الصخور المتحولة -!!
وأصارحكم ،بأنني لم تسعدني الظروف حتي الآن بقراءة كتاب واحد . من تلك الكتب التي قرأتها " مها ، وهي لم تكمل العشرين من عمرها ..
عدت الي القاهرة وتزوجت، وراسلتني " مها "علي عنوان السكن ، ولم تكن زوجتي تفتح الخطاب وانما تسلمني اياه وهي تبتسم بما يعني
انها تفهم أن هذا الخطاب ليس من رجل وانما من الجنس اللطيف ، اذ كان الخط فوق المظروف واضحا أنه نسائي ، وكنت بدوري أفتح الخطاب أمامها وأقرأه ، ثم أتركه مفتوحا ، لتقرأه هي ان شاءت ، حيث لم يكن به بالطبع سوي ثقافة راقية ، ولاسيما أن مها كانت توقع في نهاية الخطاب توقيعا لا يفصح عن اسمها بوضوح .
وكنت أحتاج لجهد لقراءة رسائل مها نظرا لصغر الخط ، وما يتصف به من بساطة وعفوية طفولية مما حداني لأن أبعث اليها قائلا " كبري خطك شوية يا مها ، واضغطي علي القلم حتي تظهر الحروف ، كأنك تكتبين بجناح فراشة وتخشين عليه أن يتهشم .."
ورغم الجدية البالغة والصرامة في شخصية " مها " ، والتي سوف نبينها فيما بعد، الا أن بها الجانب الطفولي الذي عبرت لي عنه ذات مرة عندما سألتها عما اذا كانت تجيد الرسم ، مثل أمها التي قالت لي انها تعمل مدرسة للرسم " انها ترسم رسوم أقرب الي أن تكون مخصصة للأطفا ل
.. أما في العيد فقد كانت ترسل لي كارت التهنئة عبارة عن قطط صغيرة وجميلة تفيض ببراءة الطفولة ..
وعندما حدثتها عن حبي للآثار وكثرة ترددي عليها بمختلف المواقع الأثرية ،جاءني منها خطاب هو أقرب الي أن يكون محاضرة في الآثارحدثتني فيه عن المتحف وتأثير الذبذبات وعادم السيارات علي سلامةالآثارالمصري والخطورة التي تتعرض لها الآثار به، قبل أن
يبدأو في بناء متحف كبير بعيد عن التلوث خارج القاهرة – كان ذلك عام 1982 ، وتقريبا بدء في اقامة متحف كبير للآثار في مدينة6 أكتوبر ، وهي مدينة جديدة وبعيدة عن التلوث - في عام 2000 -لكونه يعرضها للتلف ،وكذلك حدثتني " مها " عن خطورة ارسال قطع من الآثار المصرية للعرض بالخارج - والتأمين لا قيمة له حيث لا تقدر بثمن - ، وضربت لي مثلا علي ما تعرضت له الآثار من التلف بتمثال الالهة سخمت " احدي آلهة قدماء المصريين ، وهي معلومة كانت جديدة بالنسبة لي ، لم أعرفها الا من مها ابنة الستة عشر ربيعا
وكانت رسائل مها تتوقف فجأة ..! أرسل اليها خطاباتي فلا يصلني رد .. ، وبعد عدة شهور يأتيني الرد مقرونا باعتذار لأن سبب توقف
، خطاباتها – وبدون سابق اخطار – هو بدء الدراسة ... ثم تعود للمراسلة بعد نهاية العام الدراسي وبداية الاجازة الصيفية ، لتواصل معي آخر نقاش كان قد دار بيننا بالخطابات منذ شهور !
أما عن آخر أخبار " مها "" التي وصلتني منها منذ ما يقرب من عشرين عاما ، فهو أنها قد دخلت الجامعة - كلية الحقوق - مما أحزنني جدا وقتها اذ كنت أتمني أن تلتحق بكلية عملية ، كالطب أو العلوم أو الهندسة ، لأنني كنت أتوقع أن تصبح عالمة كبيرةتقدم للانسانية اختراعا عظيما أو كشفا جليلا يخدم البشرية .. الا أنها ردت علي عندما عبرت لها عن ذلك قائلة ما معناه :أن العلوم الانسانية - كالحقوق - ليست قليلة الأهمية..
..!...
بقي أ تعرف عزيزي القاريء أن المرة الأولي التي سمعت فيها اسم الأديب العالمي " غابرييل غارسيا ماركيز " أديب أمريكا اللآتينية الكبير والحائز علي جائزة نوبل _ قبل حصوله عليها - ، كان من احدي رسائل " مها " .. اذ أثنت عليه وقالت انها تقرأ له رواية" مائةعام من العزلة ".. ، ثم سمعت بعد ذلك عن هذا الأديب من أحد المثقفين الأصدقاء ، وقرأتها، مثلما قرأها صديقي ولكن : بعد أن قرأتها مها .. .. ، وبعد ذلك بعامين حصل ماركيز علي جائزة نوبل عن تلك الرواية ..
"وبعد .. أولستم معي في أن " مها .. والتي لم أرها حتي الآن هي :زهرة ياسمين رقيقة وفواحة بيضاء بلون القشدة واللبن الحليب ؟!!
============
كتبت عام 2000 في السجن السياسي بالقاهرة

هذه القصة هي ضمن مجموعة قصص - لم تنشر بعد - تتألف من 30 قصة ، عن أشخاص قابلتهم في حياتي ، وجدت أن أنقل بعضا منها للقاريء



#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)       Salah_El_Din_Mohssein‏#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر دولي لرعاية الأديان وحمايتها
- العروبة والاسلام يتآمران علي العراق وشعبه
- كيف نختار رئيسا للجمهورية ؟
- لماذا لا يفرجوا عن : عبود الزمر ، وصفحة من مذكراتي في السجن. ...
- تضامنوا مع المعارض المصري : أيمن نور
- .. اصلاح الأمم المتحدة ، وفرض علمانية الحكم
- دخول العرب مصر .. غزو أم فتح ؟!
- ماذا بعد رئيس لمصر بالتزوير؟! (3)
- ماذا بعد رئيس بالتزوير لمصر ؟!!
- ماذا بعد رئيس بالتزوير لمصر ؟!
- التكفير الثقافي، ومصحف أمل دنقل- (!)
- انه يقول! كيف يقول ؟ ولماذا يقول؟!
- تابع - قائمة أعوان مبارك - ، بعد صدام ..
- تقارب معارضين مصريين من الاخوان المسلمين .. بين النظرية ، وا ...
- الفرعونية ليست أطلال أحجار ومومياوات محنطة
- درس سقوط انتفاضة يناير 1977 في مصر
- لا ديموقراطية مع : ريا ، وسكينة !!
- تأملات في حكم سعودي باعدام صبي عمره 15 سنة
- قائمة أعوان مبارك - بعد صدام ..
- لا تظلموا حسني مبارك


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح الدين محسن - - مها - زهرة الياسمين البيضاء