أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - لعنة فرخندة















المزيد.....

لعنة فرخندة


زينب علي

الحوار المتمدن-العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 00:01
المحور: الادب والفن
    


مدينة مليئة بالدخان الذي لون الأبنية في كل مكان باللون الأسود. تبدو وكأنها مدينة أشباح خالية من البشر الا ذلك المخلوق الذي يحمل سوطه الاسود الطويل ويضرب في كل اتجاه فيرتد الغبار المحمل بالرماد لينتشر مرة اخرى في أبنية المدينة ويتغلغل في أجزاءها الصغيرة ويتغلغل في طعامهم وشرابهم. هياكل بشرية مخيفة, أشباه بشر وكأنهم بقايا أجساد أصيبت بالجرب, مشغولون بحك أجسادهم النتنة التي تفوح منها رائحة تخمر الجراثيم المتعشعشة في جراحهم التي يبدوا انها لا تندمل, . تنهال من أجسادهم مادة صفراء ممزوجة بخيط من الدماء تخرج من التقرحات العديدة التي تسكن جلودهم.
مكان خاوي تسمع همهمة الوحشة كأنها همهمات أشباح يطوفون المدينة المنكوبة. مئذنة خاوية هناك, مصبوغة بسواد الدخان. ترجلت إليها وانا احمل كامرتي مرتجفا. شعرت بقشعريرة حادة وارتشف جسدي جرعة برد رغم انني كنت ارتدي معطفا ثقيلا.كان خائفا لدرجة اني سمعت ضربات قلبي المضطرب خوفا.اقتربت من باب المسجد المقلوع الباب وانا ارتعد وأتأهب للهرب وكأن عفريت سيلتهمني كلما اقتربت أكثر. تراءى لي شبحا ابيض يجلس وحيدا ويلملم الأوراق المصبوغة بالسواد في وسط الفناء ذي اللون ألدخاني. باب مقلوعة ومرمية جانبا . وقفت متسمرا هناك, يهتز عودي رعبا.
_ هل لي ان ادخل؟
رافع رأسه الملفوف بعصابة بيضاء متسخة ونظر اليه بعينيه الدامعتين. كان جالس يلملم الأشياء المبعثرة المتكسرة والأوراق المنثورة الممزقة. بدا مندهشا لرؤيتي المشوشة بعينيه الضعيفتين.
_ من؟ من؟ من انت.. وكيف وصلت الى هنا.
قدمت اكثر بخطى حذرة وأجبت بصوت مرتجف:
_ انا أسف اذا كنت أزعجتك. انا صحفي وقد تعطلت مركبتي خارج المدينة فتركتها هناك في الطريق وترجلت باتجاه مدينتكم الا إنني فوجئت بما رايته. هل احترقت مدينتكم بأكملها؟ هل أصيب الناس بمرض جلدي معدي؟
كانت كلماتي تحكي اندهاشي لغرابة ما رايته. انها مدينة من رماد واهلها شبه أشباح يملئ أجسادهم القيح. كانوا يرمقونني بنظرات اعينهم الجاحظة بسبب تقعر وجوههم فخفت منهم واقتربت من المسجد لاختبئ.
_ اه,, تفضل يا ولدي اجلس.
مد يده فرأيت القبح يتصبب. لم استطع ان اخفي اشمئزازي الذي لاحظه الشيخ فقال وهو ينظر ليديه المليئة بالجروح:
_ انها لعنة فرخندة. جميع أهالي المدينة أصيبوا باللعنة, حتى من لم يشارك بالجريمة.
دُهشت لما يتفوه به هذا الشيخ الهزيل المصبوغ بالدخان و الذي يبدو انه فقد ذاكرته وبدأ يهذي بما يمر بذاكرته من حكايات جدته. رددت باستغراب:
_ لعنة فرخندة!! ههههه , عفوا لم اسمع جيدا.. ماذا تعني بلعنة فرخندة؟
كنت أتكلم باستهزاء وسخرية لغرابة كلام هذا الرجل المسن المتهرئ البشرة. ظننت لوهلة انه يفسر مرض معدي انتشر في المدينة من شخص لاخر ب ( لعنة ) متأسيا بالأساطير والخرافات التي تلقاها عن والديه وأجداده عبر السنين الطويلة وإثناء جلساتهم حول موقد النار في ليلة شتاء بارد.
رمقني بنظرة غاضبة ومد يده إمامي وكأنه يحاول لكمي حتى اقتربت من وجهي وكأن سخريتي أثارت غضبه فأراد ان يثبت صحة كلامه.
_ هذه لعنة فرخندة. الا ترى؟
شعرت بالخجل لانني اهنت هذا الرجل العجوز بسخريتي واستخفافي بكلامة فتصنعت الجدية, رغم اني لم اقتنع بالخرافة التي تسكن عقله.
_ اجل اجل انني ارى,, ولكن الا تخبرني ماهي لعنة فرخندة ولما حلت بجميع اهالي المدينة.
_ اوووه
عاد ليلملم مجموعة الاوراق المصبوغة برماد حريق التهم المدينة وجعلها فاحمة مظلمة ثم أكمل حديثة ولازالت اوراقه في يده.
_ ماذا عساني ان أخبرك يا ولدي... وكيف ابدأ حديثي.
كنت صامت انتظر ان يكمل حديثه بشغف. بينما اخذ يجمع كومة الأوراق ويضعها في كيس كان قد التقطه من الأكوام المغطاة بالرماد, وكأنه يجمع بقايا مدينة مبعثرة. وضعه بجانبه والتفت الي صامتا, كأنه يعيد ترتيب ذاكرته المبعثرة وينفض عنها رماد اللعنة ليقرا حروفها بوضوح.
_ماذا يا شيخ؟ تكلم اريد ان اعرف.
_ افكر يا بني هل ابدا من البداية حيث الزلازل والبراكين بانتظار شرارة ثورتها, ام من النهاية حيث إمطار اللعنة هطلت على مدينتنا وجعلتنا مسخ مشوهي الموطن والأجساد.
ارتفع صوتي وكأني استنجده ليتكلم.
_ ابدأ من البداية.. انا أسمعك.
_ اسمع يا ولدي,, نحن نعيش في مدينة يسكنها المنافقون, الكاذبون, والعرافون الذين يعتاشون على خداع الفقراء ومعدومي المعرفة. مدينة يسكنها اناس عقولهم فارغة الا من خطب ومواعظ يبثها المنافقون ليحتفظوا بسلطتهم ونفوذهم. ومازال هناك عقول فارغة يتم حشوها بتراهاتهم, فهم يضمنون قوتهم وجبروتهم.
فرغت عقول الناس الا من تحريم الجمال والمحبة وابتعدوا عن تحريك عقولهم وسلموها للأسياد, اسياد الرذيلة, الذين اقنعوا الناس بأنهم يملكون زمام الأمور وان باستطاعتهم جلب الحظ , وتزويج من لم تتزوج وحل مشاكل الزوجين. ومقابل غباء البشر هناك خبث العرافين ومكرهم. أوهموا البسطاء بأنهم مُنحوا السلطة من الرب لحل مشاكل العباد..
سكت لبرهة وكأنه يستعيد ماعلق بذاكرته.
_ أكمل وماذا حصل؟
_ اجتمع الفقراء بملابسهم الممزقة والرقيقة التي لا تحميهم من هجمات الشتاء الباردة وبطونهم فارغة, اثروا ان يروا طالعهم المجهول بما امتلكوه من مال على ان يشتروا الخبز ليشبعوا بطونهم من جوع قاتل. تردد بعضهم لأشهر وسنين على العراف الماكر ليرى لما تأخر حظه, فيوهمه العراف بأنه ارتكب ذنب جعل الله يرجع يده المملوءة بالمكافآت.
مرت فرخندة مع والدتها وأخيها حيث العراف وطابور المساكين المغلوب على أمرهم والمحشوة عقولهم بخرافات المتلونين. رأت ما الم قلبها وجعلها تغضب وتثور.
سكت الشيخ واطرق رأسه للأرض ولمعت دمعة في طرف عينه.
_ ماذا فعلت فرخندة؟
_ غضبت فرخندة لرؤيتها امرأة ممزقة الملابس ترتجف من شدة البرد تقف هناك قرب العراف ليعمل لها (التعاويذ) لتبعد عنها الشيطان وتمكنها من الزواج. سمعت فرخندة المرأة وهي تقول له بان نقودها نفذت على تعويذاته من غير ان تحصل على شيء.
_ وماذا حصل؟
_ اقتربت فرخندة منهما فخلعت معطفها ووضعته على جسد المرأة المرتجف ثم بعثرت تعاويذ العراف المليئة بالكذب وهددته بعذاب الله لأنه يدعي بأنه يحل مشاكل هؤلاء الفقراء البسطاء ويوهمهم بالأكاذيب مقابل قوت يومهم.
نظر الي بحزن وقال
_ قالت له ( كان الأولى بك ان تعود الى رشدك وتمتنع عن خداع الناس بتعاويذك المليئة بالباطل, ان ما أصابهم ليس كما أوهمتهم انت بأنهم خطاءون ومذنبون, بل لأنك تخدعهم وتسرق أموالهم, فانتظر غضب الله لما تفعله بهؤلاء المساكين)
ثم التفتت لطابور المنتظرين وقالت لهم( هل حقق لكم شيئا؟ هل وعدكم بشي وحدث فعلا؟ انتم تتركون الله وتتبعون رجلا ماكرا ها انا أبعثر تعاويذه فلا يحدث لي مكروه. أما آن لكم أن تثوروا على هؤلاء الماكرين الذي يمتصون دماءكم).
سكت لبرهة ماسحا دموعه.
_ كلام جميل.. وما الذي حصل بعد ذلك.
_ قام العراف وصاح بأعلى صوته( انظروا هذه الفاجرة الكافرة انها تمزق كتاب الله.. لقد مزقت القران)
_ ماذا!!
_ نعم,, ما ان صاح الرجل حتى اجتمع الذئاب عليها من كل جانب.. كذئاب على فريسة وديعة.. فجردوها من حجابها وضربوها بالأحجار الصغيرة والكبيرة والعصي والأعمدة.
_اااااه .. أحقا؟!
_ كانت تصرخ وستغيث بأنها لم تفعل شيئا وإنها بريئة.. انه كاذب.
لكن صوتها تلاشى وسط صراخ الغاضبين وأصوات التكبير والضرب واحتكاك الخشب و وقعات الحجر كما يتلاشى دخان سيجارة في طريقه للاعلى, ثم سحقوا جسدها بسيارة ليساووها مع الأرض.
_ ماهذا؟ وأنت لم سكت؟
_ انا لم اسكت صرخت ووقفت امامها كي امنعهم ولكن صوتي كان كوقع ابرة في ضوضاء مدينة. سحبوني للأرض وضربوني حتى أغمي علي.
_ مستحيل ان يكونوا بشر.
_ نحن تجردنا من الإنسانية يوم خدعنا بعضنا باسم الدين.
_ وماذا حصل ؟ كيف احترقت المدينة وتقرحت أبدانكم؟
_ استمروا بوحشيتهم وبشاعة إنسانيتهم,, ماذا عساي ان أقول؟ بشاعة حيونتهم؟ لم ارى حيوان يقتل أخاه الحيوان بهذه الطريقة.
مسح دموعه وأكمل بصوته المتقطع بالبكاء.
_ أشعلوا النار في جثتها الطاهرة وهم يكبرون ويذكرون اسم الله على قبح جريمتهم وما ان اشتعلت النار وارتفع الدخان وهم يكبرون ويكبرون سعداء بما عملوه لوجه الله من غير ان يروا الجريمة. اااه...
_ ماذا حصل؟
_ ارتفع الدخان وكأنه دخان حريق كبير, حريق مدينة, مدينة كبيرة لا جثة صغيرة. ارتفع وارتفع حتى غطى سماء المدينة, فلم يعد الناس يروا بعضهم بعضا. فقدوا الرؤية في هذا الظلام الدامس واخذوا يركضون في كل جانب ويتصادمون وبدا الصراخ والبكاء الأصوات تتعالى بان هذه لعنة فرخندة. تعالت أصوات الفقراء بأنها كانت بريئة. (فرخندة بريئة.. فرخندة مزقت التعويذات الكاذبة).. وسط هذا الليل الحالك من الدخان, امطرت السماء مطرا اسود ثقيل. صاح صوت في وسط اللعنة( سوف لا تقام صلاة في مسجد أبدا) انه غضب الله لروح فرخندة النقية. وقع الناس كالموتى بلا حراك وصوت أنينهم ندم ووجع.
_ وبعد؟؟
_ أشرقت شمس صباح اليوم الثاني على مدينة ترتدي أبنيتها وجدرانها السواد حزنا على فرخندة وعلى أجساد ملفوفة بسواد اللعنة و يسيل منها الدم والقيح. منذ ذلك اليوم لم تقام صلاة في هذه المساجد الخاوية.
_ عجيب.. أيعقل هذا.
_ وهل يذهب دمها سدى؟
_ولكن ماذا عنك انت لم تفعل شيء لها. لماذا اصيب جسدك باللعنة؟
_ عندما يثقب احدهم السفينة, يغرق الركاب جميعهم.ِ



#زينب_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب تحت شجرة
- بائع السجائر
- وعدتك يا امي
- ليس هو
- نداء ايزيدية مسبية( لاتحزني)
- ابن حرام
- جمعة الغضب لاتشمل اليزيديات
- انا امراة,, اذا انا قادرة
- حوار مع احداهن
- برمجة المراة
- مواجهة مع رجل صالح
- قصة قصيرة (بسمة)
- في يوم المرأة.. كيف نحتفل ونحن سبايا
- إسرائيل و-شرعنة- انتهاك القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - لعنة فرخندة