أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مصطفى مجدي الجمال - انزلاقات السيسي















المزيد.....

انزلاقات السيسي


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 4775 - 2015 / 4 / 12 - 09:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


يبدو أن عبد الفتاح السيسي – كشخص- على وشك أن يحسم أمره بالإعلان عن الانضمام الصريح إلى قوى الثورة المضادة. ولا يخلو من الوجاهة رأي البعض أن السيسي يقود من الأصل عملية التفاف على الثورة بدعم من جهات متعددة، مثل البيروقراطية المصرية وشرائح الرأسمالية الكبيرة (بالتعبيرات السياسية المتعددة للاثنتين من تيارات تسلطية وسلفية وليبرالية وقومية بل وبعض القوى الثورية المترددة).. فلدى هؤلاء من الشواهد التي تثير الانزعاج، وإن كان مكبوتًا في بعض الحالات بسبب خشية الاصطفاف إلى جانب جماعة الإخوان، والرغبة في إنقاذ الدولة المصرية من الفشل "مهما غلا الثمن"..

فعلى المستوى الأمني يبدو النظام مشتتًا- عن حق- في اتجاهات عدة.. بينما كان منتظرًا منه أن يركز مجهوده الأكبر على محاربة الإرهابيين، ومكافحة الجريمة وفوضى الشارع المصري، إلا أنه أرهق نفسه في حملات اعتقال عشوائية شملت حتى أعداءً للإخوان، وإقدام معظم القضاة على إصدار أحكام ثقيلة الوطأة وبالجملة بروح انتقامية وفي تزيُّد على السلطة نفسها، وكأن هذه اليد الثقيلة لن تترك نتائج سلبية.

وفيما يتعلق بالحريات وإرساء الديمقراطية فإننا نعيش نكسات متتالية يصعب حصرها، وهي الممارسات التي تستفيد للأسف من شعور متزايد حتى وسط الطبقات الشعبية (وبتغذية منهجية من الإعلام الرسمي والخاص) بالإحباط من "النشاط" الثوري وتحميله مسئولية التردي الذي يعيشه المواطنون على كافة المستويات..

فرؤوس نظام مبارك التي انزوت لفترة لم تَطل عادت لتُطل بوقاحة، خاصة بعد مهرجان البراءات التي يصدرها القضاء بحقهم فيما يظهر أيضًا كنوع من الانتقام من الثورة.. بينما شباب الثورة يحاكَم محاكمات متعسفة وتوقع عليه أحكام غرائبية على أتفه "المخالفات".. ناهيك عن القمع العنيف للتظاهرات والاعتصامات العمالية.. أما التشريعات المعادية للحريات ومختلف الحقوق الطبيعية فهي تتكاثر وتزداد تعسفًا..

وإذا كانت السلطة الحالية في حالة عداء وثأر مع جماعة الإخوان فإن الشائعات والمعلومات تتواتر في الآن نفسه عن عملية مصالحة بطيئة بين النخبة الحاكمة وبعض نخبة جماعة الإخوان عبر فترة "تأديب" وإعادة صياغة شروط العلاقة بين الطرفين.. والأخطر من ذلك هو التحالف والهامش المتسع للجماعات السلفية التي يمكن أن تحقق مكاسب برلمانية كبيرة أيضًا.. ولسنا بحاجة لتأكيد أن السلفية الوهابية الوافدة خلال العقود الأربعة الأخيرة قد استطاعت اختراق سائر المجتمع والأزهر نفسه، مما ينذر بتفاقم ما نشاهده الآن من دعوات ظلامية تشكل الأساس المادي والبشري والفكري للإرهاب وللاحتقان الطائفي.. خاصة مع تدحرج المنطقة بأكملها صوب صراع مذهبي خطير..

ولا يمر يوم إلا وتصدر تشريعات أو تتخذ إجراءات لتدليل رأس المال المصري والعربي والدولي، ويعلن عن مشروعات عملاقة لم يسبق أن نوقشت في أي محفل مجتمعي أو علمي.. وبالمقابل يجري تفريغ شعارات العدالة الاجتماعية من محتواها ولا يبدو أن الموازنة العامة ستلتزم بالنسب المنصوص عليها دستوريًا لصالح الخدمات العامة..

غير أن أخطر الظواهر على الإطلاق في هذا الجانب هي التوسع الهائل في دور أجهزة الخدمات المدنية والهندسية بالقوات المسلحة في الاقتصاد والمشروعات الكبرى والصغرى على السواء، وبمستويات غير مسبوقة. ورغم أن هذه الممارسات غير نادرة في نموذج "الدولة التنموية" المعروف، فإنه يثير تساؤلات مشروعة تتعلق بالجدوى والكفاءة والشفافية والنزاهة.. ولا يمكن أن نتصور أن إحدى مؤسسات الدولة بالذات خالية تمامًا من سائر عيوب المؤسسات الأخرى.

كما أن الممارسات والمخططات الاقتصادية كلها تسير على ذات نهج الليبرالية الجديدة المستمر منذ السبعينيات، ولم يفضِ إلا إلى تدمير منظومة الإنتاج الوطني وإفقار غالبية الشعب وتفشي البطالة والتضخم، وارتهان القرار الوطني، وبالأحرى تمليكه، للمؤسسات المالية الدولية والبنوك والشركات والدول الكبرى.. ومن ثم فإن الشروط التي تعقد على أساسها القروض أو توقع العقود تأتي تعبيرًا عن هذا الاختلال في عدم الملكية الناجعة للقرار الوطني..

بديهي إن تحقيق تنمية حقيقية يتطلب أولاً تعبئة المدخرات والفائض الاقتصادي الوطني، وإشراك الشعب في وضع أولويات وخطط التنمية، وضبط السوق والتجارة الخارجية والجهاز المصرفي، وضرب الاحتكارات (خاصة في الإعلام والاتصالات والمقاولات والتجارة وبعض الصناعات..) وتصفية الأنشطة الطفيلية والمضاربية ومكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية.. وإنهاء عمليات التراكم الرأسمالي للبليونيرات بالاعتماد على جهاز الدولة (أو باستحلابه) وعلاقات المصاهرات والشللية وشبكات المصالح والزبونية السياسية. وهي الطريق التي لا نجد أي مؤشرات على أن السيسي يفكر في اللجوء إليها..

لكن التطور الأخطر يلوح الآن في الاستدراج إلى حروب إقليمية دون هدف واضح أكثر من الانسياق لضغوط واعتبارات خارجية، بعضها مالي، أو الرغبة في تعظيم شرعية النظام دوليًا. والأسوأ أن تظهر الدولة المصرية بتصنيف التابع الإقليمي، خاصة وأن المبررات التي تساق مثلاً للانجرار إلى محرقة اليمن (كحماية باب المندب) لا تبدو مقنعة بالمرة. ولم تقف الأمور عند هذا الحد فقرار المشاركة في العمليات الخارجية (من حيث المبدأ وحجمًا وزمنًا ونوعًا) يُتخذ بعيدًا تمامًا عن أعين المجتمع، مع الاكتفاء بتعبئة بلهاء من بعض الأبواق الإعلامية..

ليس في كل ما سبق أي مفاجأة.. فهو مثل النبأ المنطقي السيئ الذي ينتظره المرء كقدر محتوم، ولكن لا مانع أن تداعبه الآمال في ظهور معجزة، لعل مبعثها تجلي "لحظة بونابرتية" يمكن فيها أن يتخلص الزعيم من قيود الطبقة إلى حد ما، وأن يحاول حماية الرأسمالية من نفسها.. خاصة وأن "الزعيم" الذي جاءت به انتفاضة شعبية لا بد أن يتمتع بالذكاء الكافي لإدراك مغزى الدور الشعبي في تصعيده..

لكن أغلب الظن أن عبد الفتاح السيسي يحكم بعقلية تكتيكية ويصرف أموره أولاً بأول، وحسب الأحوال، وبالأحرى هو يدير أزمة الطبقة الحاكمة، لا أكثر، بما يستلزم تقديم بعض المكاسب أو "التنازلات" للطبقات المحكومة.. ويضطلع بتحقيق التوازنات والتصفيات والتسويات بين أجنحة الطبقة الحاكمة.. وبوجه عام يحافظ على بقاء الدولة وحماية المجتمع من التفكك أو الصراعات الأهلية..

ولعل الهاجس الأخير (حماية الدولة والمجتمع) هو أهم تراجع و"اعتدال" مستويات الاحتجاج الشعبي ضد هذه الممارسة أو تلك.. لكن الرئيس سيخطئ خطأً بشعًا إذا تصور أن الشعبية رصيد ثابت أو قابل للزيادة فقط.. ومثلما هو حريص على مراعاة الطابع المحافظ للقيادات العليا في المؤسسة العسكرية فمن باب أولى أن يراعي أيضًا القطاعات الشعبية الواسعة التي تعاني من نيران الغلاء والبطالة والفساد وتدهور الخدمات...الخ. ولعل استجابته- كرئيس- للمطالب الشعبية هي التي يمكن أن تحميه حماية حقيقية وتقلل من ضغوط المؤسسة والضغوط الخارجية عليه كي ينتهج سياسات معينة.

إن فعلَ الرئيس هذا فإنه لن يكون نتاج موقف أيديولوجي منه خلاصته الإيمان بالشعب أو التعبير عن مصالحه، وإنما على أساس نفعي بحت لبناء كاريزما تاريخية أو على الأقل التخفف من الضغوط وربما خروج آمن من السلطة.

بالطبع هناك من سيلقنونني الدروس عن الجوهر الطبقي للنظام، وعدم الاكتراث بالدور الفردي للزعماء والرؤساء.. وأنا أعتبرها بالمناسبة دروسًا جيدة.. ولكن لا بد من إدراك أننا إزاء ظرف استثنائي.. وأن هذا الرئيس ليس له ماضٍ سياسي ولا حزب سياسي.. بل إنه يغير مجموعات مستشاريه بمعدلات سريعة (وإن كان اتجاه التغيير عمومًا صوب المزيد من اليمينية)..

وهناك عامل مهم آخر وراء ما نشاهده الآن من ارتداد.. ألا وهو العامل الخاص بتراجع التعبئة الثورية، وتفكك جبهة القوى الديمقراطية، والمزاج الجماهيري السائد الذي يتسم بالبحث عن الأمن والاستقرار بأسرع ما يمكن وبأي ثمن..

إن انزلاقات السيسي على مختلف الأصعدة لن تشكل مفاجأة.. أما المفاجأة الحقيقية فستكون عدم قدرة القوى التقدمية والديمقراطية على ممارسة الضغوط على النظام من أجل مكاسب إصلاحية للشعب، ناهيك عن عدم قدرتها على توحيد صفوفها على طريق تعبئة الشعب من أجل تغيير ثوري جذري..

الخلاصة أن الأمور كلها - ثورة وإصلاحًا- تتوقف علينا نحن أساسًا



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحقة الثوار.. هدية ثمينة للإرهاب
- عندما نامت أمي
- أعزائي الثوار.. احذروا الجرّاي
- جرثومة اسمها النمو الذاتي
- الحزب الثوري بين الفندقة والحندقة
- عرفت عبد الغفار شكر
- يا يساريي مصر اتحدوا
- رؤوف عباس وخطى مشاها سريعا
- ثوار الجزيرة
- لا وطنية بدون العداء لأمريكا وأتباعها
- الاستقلال عن التسلط وفزاعاته
- الكراهية العربية المتبادلة مكسب صهيوني مجاني
- وطنيون لأننا نريد التحول الديمقراطي والاجتماعي
- لا تجعلوا انتخابات الرئاسة تفقد الثوار وحدتهم
- صحافة آخر زمن
- انتخاب رئيس أم الانتصار لمنهج ثوري؟
- تثقيف خالٍ من الكهنوت والتسطيح
- تداعيات الذاكرة على هامش سقوط بغداد
- نداء شبه أخير
- اضحك مع نزع الملكية الفكرية


المزيد.....




- أضرار البنية التحتية وأزمة الغذاء.. أرقام صادمة من غزة
- بلينكن يكشف نسبة صادمة حول معاناة سكان غزة من انعدام الأمن ا ...
- الخارجية الفلسطينية: إسرائيل بدأت تدمير رفح ولم تنتظر إذنا م ...
- تقرير: الجيش الإسرائيلي يشكل فريقا خاصا لتحديد مواقع الأنفاق ...
- باشينيان يحذر من حرب قد تبدأ في غضون أسبوع
- ماسك يسخر من بوينغ!
- تعليقات من مصر على فوز بوتين
- 5 أشخاص و5 مفاتيح .. أين اختفى كنز أفغانستان الأسطوري؟
- أمام حشد في أوروبا.. سيدة أوكرانية تفسر لماذا كان بوتين على ...
- صناع مسلسل مصري يعتذرون بعد اتهامهم بالسخرية من آلام الفلسطي ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مصطفى مجدي الجمال - انزلاقات السيسي