أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 7-13















المزيد.....

عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 7-13


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4742 - 2015 / 3 / 8 - 08:39
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الذات و الموضوع و المعرفة
نعود الآن إلى نص الأستاذ وليد يوسف عطو المحترم . فبعد دراستهما المعمقة و المستفيضة لأعمال ماركس و إنجلز كافة ، يتصدى الأستاذان المحترمان : وليد يوسف عطو و هشام عمر النور للأخذ على عاتقيهما المهمة الضخمة المتمثلة بشرح أركان النظرية الماركسية لقراء الحوار المتمدن الكرام و للعالم ، و كل ذلك خدمة منهما للبشرية و إلتزاماً مخلصاً منهما بالحقائق الناصعة و أصول و معايير البحث العلمي الأصيل . و لكونهما يؤمنان بأن من أهم مميزات خدمة البشرية و الحقيقة في مهمة شرح الماركسية للعالم تتمثل بضرورة عدم تكليف نفسيهما "زحمة" إقتباس و لا حرف واحد من كل أعمال ماركس و إنجلز ، لذا نجدهما يقرران دوغماتياً و بتقوى كهنوتية متجردة ما يلي بصددها :
"سقوط الحتمية التاريخية . تقوم نظرية المعرفة الماركسية ,بحسب د . هشام عمر النور في كتابه : ( تجاوز الماركسية الى النظرية النقدية ) – ط 1 – 2012 – رؤية للنشر والتوزيع ,على فلسفة الهوية والتطابق Theory of truth correspondence , فالحقيقة تصور مطابق للواقع ,لذا فانها تستند على التقابل بين الذات والموضوع, فالتصور ينشا في الذات لكنه يجب ان يكون مطابقا للواقع , اي لموضوع ما . لذلك فان نظرية المعرفة الماركسية تقوم على منطق ثنائي يجعلها تتسم بالدوغمائية ,فالمعرفة اما ان تكون صائبة او خاطئة , ذاتية او موضوعية . وقد اختارت الماركسية لنفسها ان تكون دائما صائبة وموضوعية وكلانية مطلقة ."
إنتهى .
في الحلقات السابقة ، أوضحت - بالنصوص الموثقة و ليس بالمزاعم العارية من الصحة - كيف أن الماركسية تنسف الأساس الذي تقوم عليه كل الفلسفة الحتمية - القائلة بأن كل الأحداث في الكون ، بضمنها الأفعال البشرية ، تحتمها أخيراً أسباب كائنة خارج إرادة الإنسان - بالتزامها مبدأ أن البشر المحكومين بالظروف و الإمكانيات المحيطة بهم هم الذين يصنعون تاريخهم و ليست العلل و المعلولات ، و أن كل التاريخ ليس هو إلا " نشاط الإنسان ملاحقاً أهدافه " حسبما يقول ماركس و إنجلز في "العائلة المقدسة" . كما أوضحت كيف أن الذي يؤمن بالحتمية و يكرسها كسيف مسلط على أعناق كل البشر إنما هم المؤدلجون لديمومة النظام الرأسمالي (من طراز عطو و عمر النور و هابرماس و شركاه) ممن يروجون لخرافة أبديته الحتمية المدمرة لكل شيء على وجه الكرة الأرضية .
و علاوة على ذلك ، فقد دللت - بالنصوص الموثقة أيضاً - أن الماركسية تحارب كل نوع من أنواع الدوغماتية في ضوء كونها تدمغ الدوغماتية كعقيدة أرثوذكسية جامدة و التي لا بد لها أن "تنتهي إلى لا شيء" مثلما يبيِّن إنجلز في نصه السابق الذي أوردته . و استعرضت كيف أن الماركسية لا يمكن أن يجمعها أي جامع مع الإدعاء بكلانية الصحة ، لكونها - على العكس من ذلك تماماً - تؤكد حاجتها "إلى أكوام من الدراسات" الجديدة ، مثلما يبيَّن إنجلز ، لتسديد النقص فيها ؛ و لأن اعتمادها للمنهج الجدلي يستلزم بالضرورة الأخذ بنسبية طبيعة كل الفكر - بضمنه الماركسية - و بالتالي ، وعي حاجته الضرورية و المستمرة للتطوير .
نأتي الآن إلى فريتي الإستاذ وليد يوسف عطو و شركاه : 1. "تقوم نظرية المعرفة الماركسية على فلسفة الهوية والتطابق ، فالحقيقة تصور مطابق للواقع" ؛ و 2. "أن نظرية المعرفة الماركسية تقوم على منطق ثنائي يجعلها تتسم بالدوغمائية , فالمعرفة اما ان تكون صائبة او خاطئة , ذاتية او موضوعية " .
عندما يعكف الإنسان المطلع على تاريخ الفلسفة على مطالعة "التحفة" أعلاه ، يستطيع الاستنتاج حالاً بأن الأستاذ وليد يوسف عطو المحترم إنما يتحدث هنا عن أرسطو ؛ و ليس عن ماركس و إنجلز اللذين عاشا بعده بأكثر من ألفي سنة بعد أن تم تجاوز المنطق الأرسطي برمته لمحدوديته و فشله في تفسير كل الحقائق الواقعية . يعلم أي مطلع على الماركسية أن ماركس و إنجلز يعتمدان طريقة المنطق الجدلي القائم أساساً على نفي صحة قانون الهوية الأرسطي - الذي يفشل في قول أي شيء مفيد (الماء هو الماء) - بـتطبيق "حركة الرفع الديالكتي" الهيجلية عليه للكشف عن خوائه ؛ و رفضهما تجريد الحقيقة شكلياً إلى المقولات الثنائية المتعاكسة قطبياً : الصح و الخطأ ، و الذات و الموضوع عبر ربطهما لجدلية نفي النفي دينامياً بواقع الممارسة العملية في الزمكان .
فلسفة الهوية ! الدوغماتية ! المعرفة : إما صح ، أو خطأ ، و لا يوجد بين - بين ! هذه هي السكولاستية الجديدة تذر قرنها من جديد على لسان الأستاذ وليد يوسف عطو و شركاه المحترمين . مسكين ماركس و إنجلز : كل الحماقات التي أفنيا عمريهما في الكشف للبشرية عن طبيعتها و التي حذراها من عقابيلها تنقلب هنا إلى تهم مجانية ضدهما بلا دستور .
و لكن ما هي "الطريقة الجدلية" لهيجل ؟ في الفصل الثاني من كتابة "بؤس الفلسفة" (1847: 48) يشرح ماركس هذه الطريقة بالقول [الأقواس من عندي] :
ما أن تستطيع أن تطرح نفسها ، فإن هذه المقولة ، هذه الفكرة ، بالتضاد مع ذاتها ، تنشطر إلى فكرتين متناقضتين - الإيجابية و السلبية ، النَعَمْ و اللا . و الصراع بين هذين العنصرين المتضادين المؤلفَين للمقولة المضادة [النقيضة] يشكل الحركة الديالكتية . النَعَمْ [ مثلاً : نعم ، الذات تتطابق مع الموضوع ] يصبح : لا [ لا ، الذات لا تتطابق مع الموضوع ] ، و اللا يصبح : نَعَم ، و النَعَم يصبح : نَعَمْ و لا معاً ، و اللا تصبح : لا و نعم ، المتضادات توازن بعضها ، تحيِّد بعضها ، و تشلُّ بعضها . و التحام هاتين الفكرتين المتضادتين يؤلف فكرة جديدة ، و التي هي التركيب بينهما . و هذه الفكرة تنشطر مرة أخرى إلى فكرتين متضادتين ، و اللتين بدورهما تلتحمان في تركيب جديد . و من هذا المخاض تولد مجموعة من الأفكار ، و مجموعة الأفكار هذه تتبع نفس الحركة الديالكتية التي مرت بها المقولة البسيطة [ الأولى التي نشأت منها مجموعة الأفكار هذه ] ، فتحصل على مجموعة مضادة لها كمقولة نقيضة . و من هاتين المجموعتين من الأفكار تتولد مجموعة جديدة من الأفكار المناقضة لهما . و مثلما تتولد المجموعة من الحركة الديالكتية للمقولات البسيطة [ الأولى ] ، كذلك تتولد من الحركة الديالكتية للمجموعات : السلسلة ، و تتولد من الحركة الديالكتية للسلسلة : المنظومة كلها ."
إنتهى نص ماركس .
و لكن ماركس لا يكتفي بطريقة هيجل أعلاه في التحليل . كيف ، و لماذا ؟ الجواب : عن طريق إخضاعه لها للممارسة العملية (البراكسيس) على أرض الواقع لتجاوز ميتافيزيقيتها النظرية . لماذا ؟ لكي تستطيع النظرية ليس فقط تفسير العالم ، بل و تغييره أيضاً إنطلاقاً من وقائعه المعطاة .
في أطروحته الثانية عن فيورباخ يقول ماركس :
"إن مسألة ما إذا كانت الحقيقة الموضوعية يمكن أسنادها للفكر البشري هي ليست مسألة نظرية بل هي مسألة عملية . على الإنسان أن يبرهن الحقيقة ، أي الواقع و المقدرة لهذا الجانب من تفكيره ، من خلال الممارسة . و الخلاف حول واقعية أو لا واقعية التفكير بمعزل عن الممارسة هو مسألة سكولاستية بحتة . "
إنتهى نص الأطروحة .
إذن ، فالماركسية في مقاربتها للذات و الموضوع ترفض ليس فقط مبدأ التقابل و التطابق بينهما مثلما يُزعم لنا ، بل و ترفض كذلك تحليلهما بعيداً عن الممارسة الزمكانية على أرض الواقع . هذا يعني أن الماركسية تشترط منذ البداية وجوب دراسة مقولة "الذات" و "الموضوع" الثنائية كمقولة لعلاقات ثلاثية ضمن كلٍ واحد : 1. الذات ، 2. الموضوع ، 3. الممارسة . فبقدر تعلق الأمر بالإنسان ، فإن ماركس يصب كل اهتمامه ليس على المفاهيم النظرية . كلما يتحدث ماركس عن الإنسان نجد أن تعريفه للجوهر البشري للإنسان يرتبط دوماً بالممارسة العملية ؛ بقدرة الإنسان على تحقيق قواه الذاتية من خلال نشاطاته ، و أهمها تحقيق قدرته على الخلق و الإبداع و الإنتاج في وحدة موضوعية مع الطبيعة التي هو جزء لا يتجزأ منها .
أنظروا إلى عبقرية ماركس المتفردة في الربط الجدلي بين العامل (الذات) ، و الممارسة (العمل) ، و الموضوع (السلعة) . و كيف أن ارتكاز كل المعالجة للعلاقات القائمة بين هذه العناصر الثلاثة على ديالكتيك وظيفة الممارسة (العمل) هو المنهج القادر على الكشف عن سر حقيقة : الحركة الديالكتية التي ترفع الممارسة (العمل) إلى الذات (العامل) و إلى الموضوع (السلعة) معاً ؛ و ترفع الموضوع (السلعة) إلى الذات (العامل) ؛ و من ثم ترفع الممارسة إلى الممارسة نفسها (العمل) معاً . يقول ماركس في مخطوطاته الاقتصادية و الفلسفية (1844):
"يصبح العامل هو الأفقر كلما تزايد انتاجه للثروة و كلما ازدادت قوة و حجم إنتاجه . إن العامل يصبح البضاعة الأرخص باضطراد كلما خلق سلعاً أكثر . و يتناسب تناقص القيمة لعالم البشر تناسباً مباشراً مع تزايد القيمة لعالم الأشياء . و لا يكتفي العمل بإنتاج السلع فقط ؛ بل هو ينتج نفسه و ينتج العامل كسلعة - و هذا يحصل بنفس المعدل الذي ينتج فيه العمل السلع بشكل عام ."
يشرح لنا ماركس في النص أعلاه كيف أن الممارسة (المغيَّبة أصلاً في المقولة السكولاستية الجامدة : تطابق الذات مع الموضوع) تجعل الموضوع يتعاظم في القوة و القيمة ليصبح أكبر من الذات المنتجة له (أي أن الموضوع لا يتطابق مع الذات) ، و العكس صحيح (أي أن الذات لا تتطابق مع الموضوع) ، في حين أن الممارسة (العنصر المغيب سكولاستياً) تنتج نفسها علاوة على إنتاجها للذات و للموضوع معاً .
من أين إذن جاء الأستاذ وليد يوسف عطو المحترم بتوكيده الدوغماتي بكون الماركسية تقول بالتطابق بين الذات و الموضوع ؟ في نفس المخطوطات ، يقول ماركس موضحا علاقة الإنسان (الذات) بالطبيعة (الموضوع) عبر (مملكة الممارسة) :
"الإنسان هو مخلوق نوعي [ أي : المخلوق المميز للنوع البشري] ، ليس فقط لأنه يتبنى - عملياً و نظرياً - النوع البشري (نوعه هو بالإضافة لأنواع الأشياء الأخرى) كموضوع له ، بل و كذلك - و هذه هي مجرد الطريقة الأخرى للتعبير عن ذلك - لأنه يتعامل مع نفسه كنوع فعلي حي لكونه يتعامل مع نفسه كمخلوق عالمي [أي : المخلوق الذي يجسد النوع البشري كله] ، و بالتالي فهو مخلوق حر .
تتوقف حياة الأنواع ، للإنسان و الحيوان على حد سواء ، جسدياً ، على حقيقة أن الإنسان (مثل الحيوان) يحيى على الطبيعة العضوية ؛ و كلما كبرت عالمية الإنسان (أو الحيوان) كلما كبرت عالمية المجال للطبيعة غير العضوية التي يحيى عليها الإنسان . فمثلما أن النباتات و الحيوانات و الأحجار و الهواء و الضياء إلخ تمثل نظرياً جزءاً من الوعي البشري ، تارة كموضوعات للعلم الطبيعي ، و تارة كموضوعات للفن - فإن طبيعة الإنسان الروحية غير العضوية ، و تغذيته الروحية التي ينبغي له تهيئتها أولاً لجعلها مقبولة الطعم و قابلة للهضم - فإنها أيضاً تؤلف جزءاً من الحياة البشرية و النشاط البشري في مملكة الممارسة . جسدياً ، لا يحيا الإنسان إلا على منتجات الطبيعة هذه ، سواء اتخذت شكل الطعام ، أو التدفئة ، أو الملابس ، أو المسكن ، إلخ . عالمية الإنسان تظهر عملياً بالضبط في العالمية التي تجعل كل الطبيعة هي الجسد غير العضوي للإنسان - الطبيعة بقدر كونها هي نفسها ليست جسماً بشرياً . يحيا الإنسان في الطبيعة ، و هذا يعني أن الطبيعة هي جسده الذي يتوجب عليه أن يتبادل معه باستمرار لكي لا يموت . إن كون الحياة الجسدية و الروحية للإنسان مرتبطة بالطبيعة يعني ببساطة أن الطبيعة ترتبط مع نفسها ، لأن الإنسان هو جزء من الطبيعة . "
إنتهى .
و الأن نصل إلى الإجابة على أهم سؤال بالنسبة للماركسية ، لماذا و كيف يجب تغيير الواقع ؟ الجواب : لكون الحقيقة البشرية يستحيل أن تتحقق موضوعياً في ظل سيادة الملكية الخاصة التي تغرب الإنسان بسلخه بقوة القانون عن ثمار عمله ، خالقة له واقعاً غريباً عن جوهره الإنساني ، و الحل يكمن في إلغاء الملكية الخاصة . يقول ماركس في مخطوطاته نفسها :
"لما كانت الملكية الخاصة هي التعبير الحسي الوحيد لحقيقة أن الإنسان يصبح موضوعاً لنفسه و يصبح في نفس الوقت موضوعاً غريباً و غير إنساني لنفسه بحيث أن تعبيره عن الحياة و تغريبه للحياة و تحققه كإنسان يصبح هو الخسران للواقع ، و يصبح الواقع غريباً ؛ لذا ، فإن الإلغاء الإيجابي للملكية الخاصة - أي التملك الحسي للجوهر البشري و للحياة الإنسانية ، للإنسان الموضوعي و لنتاج أعماله البشرية من الإنسان و للإنسان - لا يجب فهمه فقط بمعنى الاستهلاك المباشر من جانب واحد ، و لا كتملك و حيازة . الإنسان يتملك جوهره الكامل بطريقة تكاملية كانسان تام . إن كل الأحاسيس البشرية بصدد العالم - البصر و السمع و الشم و التذوق و التلمس و التفكير و التأمل و الحاجة و الفعل و الحب - باختصار كل الأعضاء الشخصية - و مثلها الأعضاء ذات الشكل المشترك المباشر ، في مقاربتها الموضوعية ، أو في مقاربتها للشيء - هي التملك لذلك الشيء ؛ و هذا التملك للواقع البشري و مقاربتها للشيء هو التثبيت (confirmation) للحقيقة البشرية .. "
أنتهى .
ما الذي سيحصل للذات و الموضوع و الممارسة بعد إلغاء الملكية الخاصة ؟ يقول ماركس في نفس المكان :
لقد رأينا ، على إفتراض إلغاء الملكية الخاصة ، كيف أن الإنسان ينتج الإنسان ، ينتج ذاته و البشر الآخرين ، و كيف أن الموضوع - الذي هو النشاط المباشر لشخصية الإنسان - يصبح هو في نفس الوقت وجوده من أجل البشر الآخرين ، و هو وجودهم من أجله . و بالمثل أيضاً ، فإن كلاً من العمل المادي و الإنسان كذات هما نقطتا البداية علاوة على كونهما النتيجة للحركة [الديالكتية] ( حيث أن الضرورة التاريخية للملكية الخاصة تتمثل بالضبط في حقيقة أن العمل و الإنسان يجب أن يكونا هما نقطة البداية هذه ) . إذن ، السمة الاجتماعية هي السمة العامة للحركة كلها كحركة ؛ فمثلما ينتج المجتمع بنفسه الإنسان كإنسان ، كذلك ينتجها الإنسان بنفسه . إن الجوهر البشري للطبيعة يتواجد فقط من أجل الإنسان الاجتماعي ، لأن الطبيعة تتواجد هنا فقط من أجل وجود الإنسان كوثاق مع البشر الآخرين ، كوجود له من أجل الآخرين و كوجود للآخرين من أجله ، كعنصر حيوي للحقيقة البشرية .."
إنتهى .
يتضح من كل هذا أن الماركسية ترفض فهم الذات و الموضوع كمفهومين مستقلين متقابلين ثابتين ، بل تعتبر أن العلاقة بين الذات و الموضوع لا يمكن حلها بدون ربطهما بالممارسة أولاً ، و أن هذا الثلاثي (الذات ، الموضوع ، الممارسة) يؤلف معاً كلاً جوهرياً واحداً غير قابل للتجزئة ، ثانياً .
فهل يجوز للباحث المنصف - إزاء كل هذه الحقائق النصية ، و غيرها بالمئات - أن يمسخ هذا العمق الماركسي في التحليل و الاستناج إلى كاريكاتير المقابلة السكولاستية المجردة و الميتة بين الذات و الموضوع بمعزل عن الممارسة ، مثلما يفعل الأستاذ وليد يوسف عطو و هشام عمر النور و شركاه ؟
المعرفة و دوغما ثنائية : الصح و الخطأ .
مثلما ترفض الماركسية التجريد الثنائي الميت لتقابل الذات و الموضوع ، كذلك هي ترفض أي تصور ثنائي دوغماتي ثابت للمعرفة باعتبارها إما صح أو خطأ ، لكونها لا تعترف بسكونية و لا جمود أي ظاهرة فكرية أو اجتماعية . هذه الثنائية الأرسطية الشائخة غريبة تماماً عن جوهر الماركسية التي تفهم الصح و الخطأ كسيرورتين معرفيتين نسبيتين و متغيرتين يحددهما مستوى تطور الممارسة العملية لتاريخ العلوم للبشر جميعاً . يقول إنجلز في "ضد دوهرنغ" :
" و لكن الإنسان الذي يطبق مقياس الحقيقة الأصلية و الثابتة و الأخيرة و النهائية على المعرفة التي ، بطبيعتها بالذات ، يجب إما أن تبقى نسبية على مدى عدة أجيال لكي يصار إلى استكمالها خطوة فخطوة فحسب ، أو التي - مثلما في علم الكونيات و طبقات الأرض و تاريخ البشرية - يجب أن تتضمن ثغرات و أن تكون غير كاملة بسبب عدم كفاية المواد التاريخية - مثل هذا الإنسان لا يثبت بذلك سوى جهله و ضلاله ، حتى لو لم يكن الشيء الفعلي وراء كل هذا ، كما في هذه الحالة ، ادعاء العصمة الشخصية . الصح و الخطأ ، مثل كل المفاهيم المتحركة في تضاديات قطبية ، لا يمتلكان المصداقية المطلقة إلا في حقل محدود جداً مثلما شاهدنا تواً ، و مثلما كان حتى الهير دوهرنغ سيدركه لو كان قد إطلع على أبسط مبادئ علم الديالكتيك التي تعالج بالضبط عدم صلاحية جميع الأضداد القطبية . فما أن نطبق الأطروحة النقيضة بين الصح و الخطأ خارج نطاق ذلك الميدان الضيق المشار إليه آنفاً حتى يصبحان نسبيين ، و بالتالي غير صالحين للتعبير العلمي الدقيق ، و إذا ما حاولنا تطبيقهما كحقيقتين مطلقتين خارج نطاق ذلك الحقل ، فسنجد أنفسنا مدحورين فعلاً ، حيث سيتحول كلا القطبين إلى ضديهما ، فيصبح الخطأ صحاً و الصح خطأ . "
إنتهى .
يوضح أنجلز في النص أعلاه كيف أن المعرفة البشرية للحقائق هي - بطبيعتها - نسبية و غير كاملة ، و أن الصح يمكن أن ينقلب إلى خطأ و العكس صحيح من خلال تطور المعارف البشرية . و لكن الواضح من الكلام المذكور سابقاً للأستاذ وليد يوسف عطو المحترم أن إنجلز لا يفهم بالماركسية ! طيب ، من هو الذي يفهم فعلاً بالماركسية ، إذن ؟ من الواضح و المفروغ منه هو أن الفهيمة بالماركسية إنما ه, كل من السيد وليد يوسف عطو و هشام عمر النور اللذين يقرران : " ان نظرية المعرفة الماركسية تقوم على منطق ثنائي يجعلها تتسم بالدوغمائية ,فالمعرفة اما ان تكون صائبة او خاطئة , ذاتية او موضوعية " . آمين !
هنا يحضرني قول المتنبي :
ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ *** وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنْعَمُ
يتبع ، لطفاً .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 6-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 5-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 4-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 3-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 2-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 1-13
- حسين علوان حسين - الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي - في حوا ...
- القليل من الدعم اللوجستي فقط
- ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 5-5
- أقوى العلماء تأثيراً ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب ...
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 3- 5
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 2 - 5
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 1 - 5
- كيف حرر - الحوار المتمدن - المؤلف ؟
- العبقري آينشتاين يجيب : لماذا الإشتراكية ؟
- نمط الإنتاج الأنديزي : ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إن ...
- الفقيد عالم سبيط النيلي و اللغة الموحدة : المنهج و النتائج
- قصة قدموس مثالاً للملحمة التاريخية / 3 - الأخيرة
- أم آسيا
- قصة قدموس مثالاً للملحمة التاريخية / 2


المزيد.....




- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 7-13