أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - حرام - وسيأتي














المزيد.....

حرام - وسيأتي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 16:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قال لي: إنَّ الموسيقى حرام.

قلت له: مستحيل، أنت فقط لم تفهم النص ومراد الشريعة، هذا إذا كان هناك نص وأراد الشارع أصلاً.

قال لي: كيف؟

قلت له: بسيطة، دع الخلاف على تفسير النصوص الغامضة وتكلف ما لا يوجد أصلاً، ولننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى. القيم الثلاثة الخالدة الأبدية: الحق، الخير، الجمال، هو اكتشاف اغريقي ولكنه موجود في كل الأديان وبلا استثناء تقريباً. فنحن نسمع في خطبة يوم الجمعة كل اسبوع، وبدون ملل أو كلل، الخطيب يردد على مسامع الناس: (إن الله يأمر بالعدل)، وما العدل إلا تجلي واضح ومباشر لمبدأ الحق يردده البشر جميعاً، هذه واحدة. ثم نسمع منه أيضاً كل اسبوع: (والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)، وهذا تجلي واضح ومباشر لمبدأ الخير وضرورة تعاليه، هذه الثانية. ثم الحديث الشهير المنسوب للنبي محمد الذي يردده كل الملسمون ثم لا يعملون به: (إن الله جميل يحب الجمال)، وهذا تجلي ما بعده تجلي لتعالي قيمة الجمال ومصدرها المطلق، وهذه الثالثة هي التي اريدها. إذ الجمال احساس، يتشارك في تذوقه الناس كلهم ومن دون استثناء أي عِرق أو أصل أو مذهب أو دين. فلو قلت لأي انسان أن السيمفونية الأربعين لـ (موتزارت)، مثلاً، هي قبيحة، لقابلك بالاستهجان والرفض. بل أنت نفسك لا تستطيع أن تنكر أنها جميلة إذا استمعت لها. وبما أن الموسيقى، على الأقل جزء كبير منها، شيء جميل، وذلك باعتراف البداهة الإنسانية الفطرية المشتركة، وبما أن الله جميل يحب الجمال، فكيف يحرم ما هو جميل؟! هذا لا يستقيم مع منطق الأمور وبداهتها.

سكت قليلاً ثم قال: انتهيت؟

قلت مبتسماً ابتسامة النصر: نعم.

قال: غصباً عليك حرام.

:-)

هذا الحوار أعلاه أذكرني حادثة مشابهة في عام 1999، في شهر يوليو بالتحديد، عندما كنت في مدينة مانشستر البريطانية أمشي بالقرب من جامعتها الشهيرة. في نفس الوقت كان بعض الأشخاص في هذه المدينة يروجون لنبوءة نستروداموس (Nostradamus)، المتنبئ الفرنسي الشهير من القرن السادس عشر، وهي [لا أذكر من رباعيته إلا بيتين]:

In the year 1999 and in the seven months
The great king of terror shall come from the sky

وترجمتها (في سنة 1999 وفي الشهر السابع، سيأتي ملك الرعب العظيم من السماء)

وكان بعض هؤلاء المؤمنين بنبوءاته، على اختلاف دوافعهم، يقفون في الشوارع أو يكتبون دعوة للتوبة والرجوع على لوحة كبيرة يحملونها عالياً أو يتوعدون المارة بدمار شامل. إلا أنه في أحد المرات استوقفني مجموعة من الشباب وأعطوني أوراقاً تدعو إلى الدين المسيحي وإلى قراءة الكتاب المقدس مع دعوة إلى لقاء في أحد الصالات حيث تقام فعاليات لمدة نصف يوم للدعوة للدين المسيحي مع وعد بإعطائي نسخة مجانية من الكتاب المقدس إذا لبيت دعوتهم لي. وكانوا يردودن (Jesus will come soon) (يسوع سيأتي قريباً). كانوا بالفعل مقتنعين تمام الاقتناع بأن وقت قدوم إلههم يسوع قد اقترب، وأنه حتى النبوءات [أعتقد أنهم كانوا يقصدون نبوءة نستروداموس أعلاه] قد أكدت بأن قدومه قريب:

قلت: وما أدراكم أن يسوع سيأتي قريباً؟

قال أحدهم: هو قال بأنه سيأتي. اقرأ الإنجيل.

قلت: وما أدراك أنه صادق؟

قالوا بنبرة واحدة: هو الرب، كيف لا يكون صادقاً؟!

قلت: وما أدراكم أنه الرب؟

قال أحدهم: هو قال ذلك، إنه في الإنجيل.

قلت: وما أدراك أنه صادق في ادعائه هذا؟

قالوا [يتكلمون بثقة المؤمن]: قلنا لك، هو الرب، هو قال أنه الرب، جاء لخلاصنا، الإنجيل قال ذلك. أنت لم تقرأ الإنجيل.

قلت: حسناً حسناً، اسمعوا. اذهبوا الآن وافتحوا "عهدكم الجديد" على إنجيل متى [24: 33-35] حيث يقول يسوع (هكذا أنتم أيضاً، متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب على الأبواب. الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله)، ثم افتحوه على إنجيل مرقس [13: 29-30] حيث يؤكد يسوع لمستمعيه (متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أنه قريب على الأبواب. الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله)، ثم افتحوه مرة ثالثة على إنجيل لوقا [21: 31-32] حيث نراه مقتنع تمام الاقتناع أمام تلامذته ليقول لهم (متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أن ملكوت الله قريب. الحق أقول لكم: إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل). ومات يسوع واختفى وذهب جيله [اعترضوا هنا على كلمة "اختفى"]. ثم إذا انتهيتم من هذا كله، افتحوا على رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي [4: 15-17]، وسترون بولس يقول لأتباع كنيسته، مثلكم تماماً اليوم الذين تقولون لي بأن يسوع سيأتي قريباً: (إننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب، لا نسبق الراقدين. لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء). ثم مات بولس ولم يطر في الهواء لملاقاة إلهه المنتظر القادم على سحابة بيضاء وبصوت بوق. ومضت أجيال بعدها أجيال وأجيال، ومات الجميع وأتى مليارات بعدهم، وانتظروا كما أنتم تنتظرون تماماً، ثم ماتوا، وأتى أبناءهم وأحفادهم، وانتظروا تماماً مثلكم، ثم ماتوا، وأتت ذريتهم، الذين هم أنتم الآن، الواقفين أمامي، تؤكدون لي بأن يسوع سيأتي قريباً، مع أنه كل صاحب "تمييز بسيط" سيعلم تماماً أنه لن يأتي. لا اليوم، ولا غداً، ولا بعد قرن، ولا بعد عشرة آلاف قرن.

ساد صمت بينهم لفترة، ثم قال أحدهم بنبرة عالية: يسوع سيأتي قريباً.

:-)



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغالطات يسوع المنطقية - 4
- مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
- مغالطات يسوع المنطقية - 3
- مغالطات يسوع المنطقية - 2
- مغالطات يسوع المنطقية - 1
- الإزدواجية العقلانية المسيحية
- في مسألة كلبية يسوع
- في مسألة عري يسوع
- نصوص كذب يسوع
- غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
- التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
- الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
- نصوص التوحش الإسرائيلي
- منطق السقوط المعكوس
- جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
- يسوع والمرأة السورية – 6
- أكره أن أودع أحداً
- حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
- يسوع والمرأة السورية – 5
- أنتم صنعتم داعش


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - حرام - وسيأتي