أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ابداح - 27 يوماً في بغداد















المزيد.....

27 يوماً في بغداد


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 4610 - 2014 / 10 / 21 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


27 يوماً في بغداد

ما إن أنهيت أخر اختبار لامتحانات شهادة الثانوية العامة ، في شهر تموز/7 من عام 1990م، حتى أسرعت لحزم حقائبي وتهيأت للسفر إلى الكويت، حيث كنت أنوي قضاء إجازتي في منزل العائلة، بالعاصمة الكويتية، فقد والدي كان يعمل في شركة ( بيت التمويل الكويتي) بوظيفة مسؤول مبيعات آنذك، ولكني قبل ذلك بدأت أنتظرت بفارغ الصبر نتائج الإمتحانات للحصول على شهادة الثانوية العامة، وبعد اسبوعين تقريباً ظهرت النتائج، وحصلت على معدل 71% في القسم الأدبي، لم يكن المعدل محققاً لطموحي ولكني على أية فقد حصلت على شهادة الثانوية العامة.
بعد توديع حارمن أفراد عائلة بيت جدي لوالدتي في عمان، مصحوبة بقائمة من النصائح السريعة من قِبل خالتي الكبيرة، توجهت في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 1/8/1990م، لأحد مكاتب سفريات النقل البري في منطقة وسط البلد في العاصمة الأردنية عمان، وقطعت لنفسي تذكرة سفر إلى الكويت مرورا بالعراق، وقد كان موعد الإنطلاق الساعة الثانية عشر ونصف ظهراً، نظرت إلى الساعة وكانت حينها حوالي التاسعة صباحاً ، فقررت التجول بأسواق وسط البلد ، كي أضيّع بعض الوقت، ولم أقم بشراء أي شيء يذكر، لأنني كنت قد اشتريت الهدايا قبل موعد سفري بأيام ، وكان من أهمها أربعة شراشف مصرية ( أغطية أسرّة)، كانت والدتي قد أوصتني عليها، إضافة لبعض الهدايا البسيطة الأخرى لبقية أفراد عائلتي.
وفي الساعة الحادية عشر عدت لمقر شركة النقليات ، وكان الناس قد تجمعوا بأعداد كبيرة أمام مبنى الشركة، فجلستُ على أحد الكراسي الموجودة في الساحة الضيقة لمبنى الشركة ، وكنت قد لاحظت وجود العديد من العائلات العراقية المسافرة، ولكن ما لفت نظري هو وجود فتاة تبدو في السابعة أو الثامنة عشر من عمرها تجلس في الكرسي المقابل لي ، بصحبة امرأة مسنة ، وقد افترضت بأن تلك السيدة هي والدتها أو ربما جدتها، والتي كانت ترتدي العباية العراقية السوداء الواسعة المميزة، والتي تبدو أنها تتسع لأمرأتين معاً، ولم تكن تلك السيدة تضع خمارا أو برقعاً، أما الفتاة فلم تكن ترتدي عباءة أو حتى حجاب على رأسها، بل كانت ترتدي بنطال جينز أزرق غامق، وقميص أبيض مشجر بزهورمختلفة الألوان ، كما كانت تنتعل صندلاً بلاستيكياً أحمر فاقع اللون، وتمسك في يدها زهرة جورية حمراء واحدة، تلوح بها في براءة، وهي تتحدث مع والدتها.
أخذتُ أصوّر الفتاة تصويراً بعينيّ ، إعجاباً بها، وأنا أتأمل ذلك الجمال العراقي الرباني حقاً، فشعرها ذو التجعيدة الخفيفة، بني اللون يستريح على كتيفيها ، وتتدلى غرة جريئة على جبينها، ولها وجنتان بيضاويتان على غير عادة البشرة العراقية السمراء، قلت بنفسي: يا الله ما أجمل عينيها، لو أنها تنظر إلي فقط !، يا ترى من بين كافة الشباب المنتظرين معنا، وتسائلت من سيكون سعيد الحظ ، ويحظى بفرصة التعرف عليها والتقرب منها في هذه الرحلة ؟
قلت في نفسي بثقة كبيرة: من المؤكد أنه ليس أنا، فلست ممن يجيد الحوار مع الفتيات ولم يسبق لي أصلاً مصاحبة أي فتاة من قبل، بل حتى لاأعرف كيف يبدأ الحوار معهن أصلاً، ولطالما كنت أغار وأحسد زملائي في المدرسة كلما رأيت أحد منهم مع فتاة ، وخصوصاً بعد انتهاء الدوام المدرسي وأثناء عودتنا للمنزل، كان بعض زملائي الوسيمين يتواعدون مع صديقاتهم سراً وعلانية أحياناً في الشوارع أو الحدائق العامة، وكنت دوماً أكتب رسائل عشق وبعض قصائد نثر غزلية، وبالطبع كانت كلها موجهة لفتاة أحلام وهمية رسمتها في خيالي فقط ، ولم ألتق بها في الواقع.
في ساحة الإنتظار الضيقة لمبنى شركة النقليات، كان الوقت يمضي ولم أشعر به، فقد كنت أعيش وقفة سكون هادئة مع نفسي، تدعى لحظة الأمل، فصلت بيني وعما كان يدور حولي من صخب وحوارات ،وفي برهة شعرت بأني قد تحولت من صائد لطريدة ، وكأن تلك الفتاة العراقية كانت قد قرأت أفكاري، أولاحظت أن شخصاً ما معجباً بها حد الفتون، فإلتفتت إليّ أخيراً، وأيقظني إلتقاء عيناي بعيناها الواسعتان بلون العسل ، فكانت لحظة قد توقف فيها الزمن، وربما من شدة سروري بتلك النظرة الساحرة، أرسلت لها ألف رسالة إعجاب بعيناي فقط ، فالتقطتها كلها بعينيها وقرأتها ثم وبكل عفوية ابتسمت لي!. وسأحتفظ لنفسي بجمال ذلك الشعور الذي انتباني في تلك اللحظة بالذات فهو شعور لايمكن وصفه حقاً .
لم تكد تمضي بضع دقائق سعيدة، حتى وصل باص ركاب طويل جداً، أزرق اللون كتب على جوانبه بخط أبيض عريض ( سفريات الفرات)، وكان شكل الباص الخارجي نظيفاً، يلمع وكأنه قد خرج للتو من محطة لغسيل السيارات، ثم توقف مباشرة أمام مبنى شركة السفريات ، وترجل منه السائق وهو يحمل بيده أوراقاً ودفتراً يبدو كدفتر وصولات أو فواتير، وتوجه نحو مكاتب الشركة، وبعدها بقليل خرج نفس السائق متوجهاً للباص ومعه شخصاً آخر، ثم قام بفتح باب سفلي بجانب الباص، يرتفع للأعلى، ودعى الجميع لوضع شنطهم وأغراضهم الثقيلة فيها، وإبقاء الشنط الصغيرة والأغراض الشخصية خفيفة الوزن معنا، وبطبيعة الحال لم أكن سوى شنطة واحدة كبيرة ، وثانية يدوية أضع فيها أوراقي الشخصية وجواز السفر، حينما أردت النهوض والتوجه نحو الباص، تقدم نحوي رجلا مسناً ، بدى عراقياً من لهجته، سلم علي بيديه الإثنتان وكأنه يعرفني ، وقال : يا ولدي ! أريد أوصيك على زوجتي وابنتي ، هم مسافرين معك في الرحلة ؟ ، فقلت له : ولايهمك عمي، إن شاء الله أفعل ذلك ، ثم أشار بيده لأشخاص بين الجموع ، وقادني إليهم ، وكم كانت المفاجأة سارة حقاً ، فقد كانت زوجته وابنته ، هي تلك السيدة المسنة التي تحدثت معكم عنها، وابنته هي صاحبة تلك الإبتسامة !.
هل هي مجرد صدفة سعيدة ونادرة، لست أدري، لكنها حتماً لم تكن متوقعة ، فمن كافة هؤلاء الشباب المتواجدين في الساحة ، اختارني هذا الرجل كي يوصيني على زوجته وابنته ؟ ، ربما لم يشاهدني وأنا أراقب ابنته فقال في نفسه يبدو عليه شاباً جيداً ومؤدباً، على أية حال ، قدمني لعائلته قائلاً : أم علاوي ! هذا الأخ ... فتدخلت قائلا : محمد ، فقال : إي والنعم .. وأكمل قائلأ: اللهم صل على محمد وآل محمد ، أم علاوي هذا الأخ محمد رح يكون معكم بالرحلة ، إذا أحتجتِ شي أطلبي منه ، فقالت أم علاوي: هلا بيك ابني الله يحفظك ويسلمك ، ثم أشار الرجل للفتاة قائلا: وهاي بنتي ولم يذكر اسمها، فقمت بالنظر لها وسلمت عليها رافعاً حاجبي الأيمن لأعلى بمكر، وكأني أقول لها الآن بت مسؤولا عنك أيتها الجميلة !، فابتسمت بحياء وردت علي السلام بصوت هاديء وجميل فقالت : وعليكم السلام ثم أنزلت عينيها للأسفل ، وبعدها توجهنا جميعنا إلى الباص ووضعنا أمتعتنا في الموقع المخصص لها ، وقد ساعدتهم في نقل شنطهم ، والتي بلغت ثلاثة شنط من الحجم الكبير، إضافة إلى شوال من القماش الأبيض دائري الشكل وثقيل جداً، وبدى لي أنه يحتوي على مواد غذائية ومعلبات ، ثم بعدها صعدنا جميعنا للباص ، وكان رقم مقعدي المطبوع على التذكرة هو (43) ، فبحثت عنه ، وكان المقعد موجوداً في وسط الباص تقريباً ، وأما السيدة العراقية ( أم علاوي) وابنتها، فقد جلستا في مقدمة يسار الباص تماماً، وخلف السائق مباشرة، وكان أبو علاوي قد صعد إلى الباص لتوديع زوجته وابنته ، وبعدها أشار لي بيده مودعاً وغادر.
انطلق الباص في الموعد المحدد له ، تنفست الصعداء ، واسندت ظهري على المقعد ، وأخذت أراقب شوارع وأسواق عمان الجميلة والسيارات والمّارة وكل شيء فيها ،كسائح أجنبي يراها لأول مرة ! ، وهذه ثاني مرة أسافر فيها وحدي منذ أن قدمت للأردن من أجل الدراسة قبل عام واحد فقط، وها أنا ذا الآن أسافر مجدداً وحدي ، فالسفر متعة ومغامرة جميلة ومشوقة ، يتعلم من خلالها الإنسان أشياء كثيرة ، كالإعتماد على الذات ، والإطلاع على الحضارات والثقافات والعادات الشعبية الأخرى ، وبين فترة وأخرى كنت أنظر إلى الفتاة وأمها، وقد تقلصت الخيارات وانحصرت جميع الأفكار في عقلي حول طبيعة النظرة والتعامل الذي ينبغي علي أن أظهره تجاه تلك الفتاة وأمها ، فهما الآن بعهدتي وحمايتي، كأمانة يجب الحفاظ عليهما ورعايتهما ما استطعت لذلك سبيلاً، لحين وصولهما لبغداد سالمين، وعليه فلم أستطع التفكير بالفتاة إلا من هذا الجانب الأخلاقي ، وليس باعتبارها فرصة ذهبية للتعرف عليها ومغازلتها كما قد يفعل باقي الشباب.

خرجنا من العاصمة عمان ، ومررنا بمدن ومحافظات الأردن ، الواحدة تلو الأخر ، كمدينة الزرقاء والمفرق ثم مدينة الأزرق ذات الغالبية الدرزية ، ثم مدينة الصفاوي ، حتى وصلنا إلى مدينة الرويشد فتوقفنا فيها للإستراحة، وهي تبعد عن العاصمة عمان حوالي 460 كيلو متر، وفور توقف الباص في ساحة واسعة بمدينة الرويشد ، واستطعت أن أرى ثلاثة مطاعم على الأقل فيها، وجميعها تضع مناقل ضخمة للشواء أمامها ، ولايمكن لأي شخص أن يتجاهل منظرها ودخان شواء اللحم يتصاعد منها فضلا عن الروائح الزكية المصاحبة لذلك، قمت من مقعدي متحمساً ثم توجهت لأم علاوي وسألتها ان كانت بحاجة لشي ما ، وأخبرتها بأني ذاهب لمطعم الإستراحة ، فشكرتني وقالت أنها أحضرت معها طعامها ، فنزلت من الباص وقصدت أقرب مطعماً للباص، وطلبت وجبتي كباب مشوي، ثم اخترت طاولة في ساحة المطعم وجلست أنتظر.
وبعد أقل من عشرة دقائق أحضر العامل الوجبتين، أخذت طبقاً من الكباب ووضعت عليه رغيفين كبيرين من الخبز، وتوجهت للباص ، فلم أستطع الأكل دون أقدم شيئا لأم علاوي وابنتها، سلمت عليها وعرضت عليها طبق الكباب المشوي، وكنت ادعو في نفسي أن توافق على أخذ الوجبة ، وألا تعيدني خائباً ، وقد استجاب الله لدعائي ، فقد بدت على أم علاوي علامات الفرح، مع أنها قالت لي: يا ابني ليش غلبت حالك هيش ( الكاف تنطق بالشين في اللهجة العراقية)، والله مافي داعي تكلف نفسك، فقلت لها : يا أمي والله ما استطعت أن اكل وحدي وانتم لاتشاركونني الطعام ، فتناولت الطبق مني شاكرة، ولا أستطيع أن اخفي سعادتي بهذا الشعور كوني أصبحت رجلاً مسؤولاً عن سيدة مسنة وابنتها ولو مؤقتاً ، فهذا شعور رائع حقاً ، كما لاأنكر بأنني نظرت للفتاة وجهاً لوجه وأملت أن تنظر لي كي أرى مجدداً تلك الإبتسامة الرائعة من عينيها الساحرتان، ويا لحظي القوي، فقد فعلت ونظرت إلي مبتسمة وأنا اقدم الطبق لوالدتها ، فكانت تلك النظرة كافية بالنسبة لي كي أجدد حماسي ونشاطي ، وأكي أكتسب مزيداً من الثقة بنفسي.
غادرت الباص متوجها لطاولتي ، وبدأت أتناول طعامي ، وبعدها بقليل اقترب مني رجلاً مسافراً معنا، وهو يبدو في الأربعينيات من عمره ، سلم علي ، فرددت السلام ودعوته لتناول الطعام معي، فشكرني وقال بأنه قد سبقني وتناول طعامه، جلس على الكرسي في الطرف المقابل لي من الطاولة، ودار حوار بسيط بيننا عرفت منه أنه أردني، ويملك مشغلاً للأمنيوم في بغداد ، وأخبرته بأنني ذاهب لزيارة أهلي في الكويت، وأثناء ذلك شاهدت أم علاوي وابنتها تنزلان من الباص وتتوجهان نحو المطعم ، وعلى الإغلب تبحثان عن الحمام ، وكانت الفتاة تنظر لي ثم تمضي مع والدتها، وعندها قال الرجل لي : لقد شاهدتك تحضر طعاماً للعراقية ، فاعتقدت في البداية بأنك ابنها أو قريباً لها ، ولكن عندما تحدثت معك وجدت بأن لهجتك أردنية، فقاطعته قائلاً: إن عائلتهم أصدقاء لأهلي ، ونحن نعرفهم جيداً، وبأن هذه السيدة العراقية بمثابة والدتي ، هذا كل ما في الأمر، وحينها هز الرجل رأسه قائلا: آه لقد فهمت، حسناً بالتوفيق، ثم وقف متوجهاً للباص، وفي الحقيقة لم أكن أرغب في الحديث معه عن هذا الأمر أصلاً، فلم يرق لي فضوله وتطفله، فضلاً عن أني لا أحب التحدث في الأمور الخاصة وتحديداً مع الغرباء.
انتهت مدة الإستراحة والتي بلغت نحو خمسة وثلاثين دقيقة ، وبعدها انطلقنا نحو الحدود الأردنية والعراقية ، وبعد ساعة ونصف تقريباً وصلنا الحدود الأردنية، ثم بدا سائق الباص بجمع وثائق سفرنا ، وانطلق بها نحو مكتب الجمارك ، ونزلنا جميعنا من الباص ، وبدأ موظفي الجمارك بتفتيش الأمتعة في الباص، وكان موظفي الجمارك الأردنية حقيقة على مستوى عال جداً من الإحترافية والأخلاق والإنضباط ، فلم نشعر بأي شيء غير عادي ، وتم التفتيش بسرعة وبكل يسر وسهولة، وبعد ساعة تقريباً عاد السائق ومعه وثائق سفرنا وقام بتوزيعها علينا ، ولكن كانت المفاجأة بأن السائق لم يكن يحمل معه جواز سفري ، فقد انتهى من توزيع كافة الوثائق على جميع الركاب ، باستثنائي أنا ، ثم قال لي أنت جوازك محجوز لدى مكتب الأمن العسكري!! ، فاذهب بسرعة لأنه يريد مقابلتك ، وفي الحقيقة كانت تلك صدمة مرعبة لي ، فلم أكن أعلم سبب ذلك .
توجهت إلى مكتب الجمارك، وفي رأسي ألف سؤال وسؤال ، فماذا يريدون مني ، ولم أنا بالذات من بين كافة هؤلاء الركاب ، هل سيحتجزوني، هل هو خطأ أو تشابه في الأسامي كما كنت أشاهد في الأفلام، هل سيعتقلوني ، ظلت تلك الأسئلة تدور في رأسي حتى وصلت لمكتب الجمارك ، فسالت أحد الموظفين عن مكتب الأمن العسكري، فدلني عليه ، وبعد وصولي أدخلوني على مكتب ضابط برتبة ملازم، فأمرني بأن أجلس، ثم سألني قائلاً: إلى أين أنت ذاهب في العراق، وماذا ستفعل هناك ؟ فأخبرته بأنني ذاهب لزيارة أهلي في الكويت مروراً بالعراق فقط، وبأنني اردني ووالدي كذلك، وأخبرته بأن أبي يعمل في الكويت ومقيم هناك ، وبأنني أصلا كنت مقيماً في الكويت مع عائلتي ، ولكنني أنهيت دراسة الثانوية العامة في الأردن ، وقد عرضت عليه صورة عن شهادة الثانوية العامة كإثبات لصحة كلامي، ثم سالته عن سبب استدعائي عندهم وحجز جواز سفري، فقال سأخبرك ولكن عليك أن تجيب على أسئلتي أولا ، فوافقت ، فسألني إن كان لي أقارب في العراق فأجبته بالنفي ، ثم سألني إن كنت أنوي الدراسة في العراق، وهل سأدرس على نفقتي الخاصة أم على نفقة حزب البعث العراقي ، فقلت له بأنني سأدرس في الأردن ، كما أخبرته بأنني لاأعرف أصلا ماذا يعني بحزب البعث العراقي ! .
فقال: حسناً هل تعلم بأنك الآن ضمن السن القانوني للخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش العربي الأردني، فقلت له نعم ويشرفني ذلك، فقال: هل ذهبت للقيادة العامة للجيش الأردني للحصول على تصريح للسفر ؟ فأجبته: لا، فلم أكن أعلم بأن علي أن أفعل ذلك؟ ، وخصوصاً بأنني أملك دفتر تأجيل الخدمة العسكرية ومكتوب فيه أن سبب التأجيل هو إكمال الدراسة الجامعية، فقلت له أنظر له جيداً أرجوك !، هذا دفتر تأجيل الخدمة العسكرية ( وهو بالمناسبة دفتراً صغيراً لونه أخضر صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، ويحوي المعلومات الأساسية عن المكلف بالخدمة العسكرية، ويسجل فيه سبب تأجيل الخدمة العسكرية لحامله) فتصفح وريقاته قليلاً، ثم ضحك مني بسخرية وقال صحيح هذا دفتر تأجيل الخدمة العسكرية وهو مكتوب فيه كما تقول أن سبب التأجيل هو الدراسة ، ولكن ذلك لايكفي، فيجب أن تحصل على ورقة مستقلة من القيادة العامة، تدعى تصريح للسفر، ولذا عليك العودة الآن إلى عمان للحصول على ذلك التصريح!! ، فأنت لن تستطيع الخروج من الأردن بدونه، ثم أعاد جواز السفر لي ، وأشار لي بالإنصراف من مكتبه !!
وقفت في الممر للحظات كي أستوعب ما حدث ، وقلت في نفسي تلك مشكلة كبيرة حقاً ، ماذا عساي أن أفعل الآن ، هل أعود إلى عمان ، نظرت إلى دفتر الخدمة العسكرية الخاص بي ، ثم خطرت لي فكرة ، سأحاول مرة أخرى لعلي أتمكن من إقناع الضابط بمنحي تصريح سفر، وفي هذه اللحظة حضر إلي سائق الباص العراقي وسألني: ها عيني ! شصار وياك ؟ أنطوك موافقة لو في مشكلة ؟ وأكمل قائلاً: لازم تشوف حالك عشان ما نتأخر العالم كلها طلعت في الباص ( يقصد الركاب) وجاهزين للتحرك إلى العراق، فقلت له: انتظر قليلاً ، سأذهب لمكتب المسؤول ، فقال لي : أسرع سننتظرك في الباص، شكرته لتعاونه معي، ثم توجهت لمكتب الضابط ، وسألته إن كان بإمكانه مساعدتي بأن يصدر لي تصريح سفر مؤقت مقابل تعهدي بأنني وفور وصولي للكويت، سوف أقوم بمراجعة مكتب الملحق العسكري، في السفارة الأردنية في العاصمة الكويتية من أجل إصدار الوثيقة المطلوبة، نظر الملازم إلى دفتري الأخضر وهو يقلب صفحاته بيديه ، ويرفع حاجبه اليمين تارة ثم ينزله تارة أخرى، وأنا في حالة ترقب وتفرّس بتعابير وجهه ، وقد تمنيت لو كنت عالم نفس، كي أفسّر حركات حواجبه، وأعرف بماذا يُفكر بالضبط ، ولكنني ربما تمكنت من قراءة تعابير حواجبه والتي أوحت لي بأنه قد يرى اقتراحي منطقياً نوعاً ما، ولست أدري فقد ارتفعت معنوياتي كثيراً وارتحت نفسياً لهذا التفسير ، وأقنعت نفسي بأنني سأحصل على تصريح السفر.
يتبع ..



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدن الحقد
- دونك
- الطاحونة الخضراء
- ما وراء الدم ج3
- ماوراء الدم ج2
- ما وراء الدم
- حُكام الديجتال
- أرى طيفك
- متفق عليه !
- تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل
- أسرار الطفولة
- قانون الطوائف المسيحية في الأردن- زواج وطلاق وفق الشريعة الإ ...
- صاح الوجد بقلبي
- أعداء الله
- المتنزه الإلهي
- القبور الآمنة !
- حبل من الله وحبل من الناس
- عناق الأديان!
- الحدائق البشرية
- فخ الانسحاب الإسرائيلي من غزة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ابداح - 27 يوماً في بغداد