أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابداح - القبور الآمنة !














المزيد.....

القبور الآمنة !


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 03:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قريبا سنحرر فلسطين ، نحن الرجال الذين يعتمد عليه الوطن، وتعتمد عليهم أمهاتنا وأخواتنا وأطفالنا، وحبيبتي الساكنة في قلبي ، ترى ما عساها تفعل الآن في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟ ، هل هي نائمة ، أم سهرانة مثلي تحت ضوء القمر، في شرفة منزلها، تتأمل أضواء شوارع العاصمة عمّان الرائعة ، وهل هي يا ترى تذكرني وتفكر بي مثل ما افكر بها الآن، ذلك ما كان يدور في عقلي من افكار، وأنا قابع في خندق ترابي طويل ، حفرناه على عجل، وكنت وقتها ضمن سرية مشاة مكونة من أحد عشر جندياً، نرابط في ذلك الخندق بكامل عتادنا العسكري، بجانب الحدود الإسرائيلية الأردنية، في منطقة الأغوار قرب نهر الأردن، وأذكر بإن الجو كان رائعاً جدا مع أننا في شهر ديسمبر/ كانون الثاني عام 1990م ، وهو منتصف الشتاء، ولكن منطقة الأغوار هي من أخفض مناطق الكرة الأرضية، ويعتبر الجو فيها بهذا الوقت كجو الربيع تماماً، والقمر كان بدرا مكتملاً.
ها قد أتى صاروخ آخر!!، إنتبهوا !! صرخ الضابط المسؤول عنا وهو برتبة (رائد)،وكنا ندعوه الرائد ( زعل) لأنه دائما مقطب الحاجب وعصبي المزاج بسبب أو دون سبب، ولكنه كان رجلاً وطنياً ناصرياً، محباً لصدام حسين، وعلى أية حال أخذنا نراقب قدوم الصاروخ مسرعاً من ناحية الشمال الشرقي لجبال السلط ، ومتجها غرباً نحو جبال القدس ، وبدا لنا كمذنّب أبيض أسطوري ولكن دون تلك الهالة الطويلة التي تكون خلف المذنب عادة، ثم لم يلبث أن بدأ بالسقوط باتجاه مدن إسرائيل وشيئاً فشيئاً اختفي خلف جبال القدس ، وأذكر بأنا كنا نقول الله أكبر ، يا الله ، الله يحميك يا صدام حسين ، أضرب إسرائيل كمان ، وغيرها من العبارات الحماسية، ولم يكن يعلم أحد وقتها أن أمام كل صاروخ أطلقه صدام تجاه إسرائيل، سيموت ربع مليون عراقي لاحقاً.
يالها من حرب عجيبة ، فبعد حوالي اسبوعين من تلك الليلة، وعند الساعة الثانية صباحاً، ونحن مرابطين في قبورنا الآمنة، سمعنا صراخا عالياً جداً، صادر من خيمة قائد سريتنا، إنه صوت نعلمه جيدا ولكنه صوت مختلف هذه المرة، فقال أحد زملاءنا في الخندق : يبدو أن أمه قد ماتت!، فقد سمعت بأن أخيه أستاذ المدرسة أتى إلى المعسكر وأخبره بأن والدته مريضة جدا وتريد أن تراه قبل موتها، ولكنه رفض أن يأخذ إجازة طارئة لرؤية والدته المحتضرة، وفضل البقاء في الخطوط الأمامية، بسبب ظروف الحرب والغزو الأمريكي للعراق، فقاطعه زميل آخر قائلاً: آه.. أكيد أمه ماتت غضبانة عليه.. خلي الوطنية تنفعه ، فقلت له لاتتحدث هكذا فانت لاتعلم ظروفه، ونحن نحترمه ليس لأنه قائدنا فقط، وإنما لأنه إنسان جيد رغم عصبيته الرائد ( زعل) ، وفيما نحن نتجادل حول هذا الأمر، فإذا بشبح طويل القامة يقف فوق رؤوسنا على حافة الخندق، ولم نكد نراه جيداً لولا سيجارته التي لمعت جمرا احمر مضيء، على إثر نفساً عميقاً أخذه منها، فصرخت به فوراً وأنا اعلم من هو، فقلت له : مين ! وكان علي أن أفعل ذلك وأن اسأله عن (سر الليل) أو كلمة السر، وهو أمر متبع بين افراد الجيش أثناء الحراسة، كي يتعرف الجنود على بعضهم ولضمان عدوم وجود دخيل بينهم، فقال بهدوء هذا أنا (فلان) أي الرائد (زعل)، استرح ، فقلنا له جميعنا هلا سيدى ، ونحن نتوقع أن يخبرنا عن وفاة والدته، سلم علينا ثم وقف فوق رؤوسنا قليلاً ، ثم أخذ نفساً آخر من سيجارته، وقال بصوت متعب، وكأن في نبرة صوته حزناً وألماً عميقاً ، قال :الآن وفي هذه اللحظات أخوانكم ببغداد يُقصفون من قبل الطيران الحربي الأمريكي والإسرائيلي !!
رفع راسه وتأمل قليلا في النجوم الساطعة ، ثم دار وعاد إلى خيمته، وسط صمت تام، فلم نكن ندري ما نقول له وقتها ، وأذكر بعد هذا المشهد الحزين مباشرة، ظهرت ثلاثة صواريخ عراقية دفعة واحدة من ناحية الشمال ، متجهة نحو إسرائيل ، انفجر أحدها في السماء أمام أعيننا مصدرا وهجاً هائلاً، قبل تخطيه جبال القدس بسبب إصابته بصاروخ مضادات الدفاع الجوي الإسرائيلي ، وإثنان نجحا في السقوط بإسرائيل.
ولم يطل الوقت حتى صمتت صواريخ صدام ، فلم نعد نراها تضيء السماء ليلاً ، بل بدأت تتحدث صرخات الموت والدمار والألم والمأساة العراقية، ونحن نسمع الأخبار من راديو الترانزستور القديم، وقابعون في قبورنا الآمنة والتي تدعى الخنادق.
من كتاب : الأشياء الخفية ، محمد ابداح، تحت الطبع ، دار الوراق، عمان الأردن.



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبل من الله وحبل من الناس
- عناق الأديان!
- الحدائق البشرية
- فخ الانسحاب الإسرائيلي من غزة
- عقيدة القتل في الأديان السماوية
- الأشياء الحقيقية
- إن الله لاينصر الأغبياء
- التجربة الإلهية !
- سمّار الكلجية !
- نشأة العبودية
- عبودية الأجر
- عباس
- أول مسابقة في التاريخ لملكات الجمال
- السماء لاتمطر حظاً ولكن الأرض تلد الأقوياء
- قصة جعلة
- على حسب وداد قلبي
- حلم سجين
- قوة الأفكار
- تحقيق الذات
- ثامن أيام الخلق


المزيد.....




- نهشا المعدن بأنيابهما الحادة.. شاهد ما فعله كلبان طاردا قطة ...
- وسط موجة مقلقة من -كسر العظام-.. بورتوريكو تعلن وباء حمى الض ...
- بعد 62 عاما.. إقلاع آخر طائرة تحمل خطابات بريد محلي بألمانيا ...
- روديغر يدافع عن اتخاذه إجراء قانونيا ضد منتقدي منشوره
- للحد من الشذوذ.. معسكر أمريكي لتنمية -الرجولة- في 3 أيام! ف ...
- قرود البابون تكشف عن بلاد -بونت- المفقودة!
- مصر.. إقامة صلاة المغرب في كنيسة بالصعيد (فيديو)
- مصادر لـRT: الحكومة الفلسطينية ستؤدي اليمين الدستورية الأحد ...
- دراسة: العالم سيخسر -ثانية كبيسة- في غضون 5 سنوات بسبب دوران ...
- صورة مذهلة للثقب الأسود في قلب مجرتنا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابداح - القبور الآمنة !