أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الرحيم العطري - من يضع الملح فوق جراح البيضاء؟















المزيد.....

من يضع الملح فوق جراح البيضاء؟


عبد الرحيم العطري

الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 10:49
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



رياح الإقصاء قد تلهب نارا تحت الرماد!
عبد الرحيم العطري
لا يمكن لأي كان في هذا الظرف العصيب، إلا أن يدين بشدة هذا العمل الإجرامي الوحشي الذي استهدف البيضاء في ليلها الهادر، ولا يمكن لكل الذين مازال الإنسان الغائر فيهم مستيقظا إلا أن يستنكروا هذه الحقارة وهذا الموت الرخيص!
إن قلوب جميع الذين لم يمت فيهم الإنسان الذي تساءل عن موته نيتشه ذات مرة, لتعتصر ألما وحزنا على أحداث البيضاء التي فرضت اليتم والترمل والضياع على كثير من الأبرياء، لكن هذا الحزن الباذخ، وهذه الجراح التي نعلقها بمزيد من الألم، وهذا الحنق المحتمل على الفاعلين المباشرين وغير المباشرين، كلها انفعالات مشروعة لا ينبغي أن تذهب بنا إلى صب الزيت فوق النار ومداواة الجرح بالأملاح المعدنية! فمبدأ احترام الاختلاف, نبذ منطق الإقصاء والاستئصال يجب أن يظل فوق كل اعتبار, لأن رياح الإقصاء تحديدا والتي يؤججها آنا الفاعلون في الحقل الحزبي المعتوه قد تلهب نارا تحت الرماد, فكل عنف يستتبعه عنف مضاد, والإقصاء ينطوي على عنف متقدم في النوع والدرجة فماذا نتوقع من اعتماده كأسلوب للاشتغال في التعاطي مع جراح البيضاء؟!
جميل جدا أن نخرج جميعا لمناهضة الإرهاب والدفاع عن الأمن المجتمعي والتسامح الإنساني، ولكن الأجمل من ذلك ألا نحيد عن المنهجية الديمقراطية وأن نرتكن إلى الهاجس الحقوقي اتصالا باحترام الاختلاف والقطع مع ثقافة المحو والاستئصال, حتى لا نعيد إنتاج نفس الأوضاع التي أدت إلى تفريخ الكاميكاز، فبعيدا عن حزننا وألمنا، هل من مبررات مقبولة لهذا التلاسن الحزبي الرخيص، وهذا التراشق الإعلامي الوضيع؟ هل الحزن وحده هو ما يدعو إلى اتهام العدالة والتنمية بتشجيع الإرهاب ومجابهتها صراحة بأنه ليس في القنافد أملس؟ هل وحدها تداعيات السادس عشر من ماي هي التي جعلت الإعلام التلفزي يغض الطرف عن موقف هذا الحزب الذي يعد القوة السياسية الثالثة في البلاد اعتبارا لما حازه من مقاعد برلمانية؟ أم أن حسابات شتنبر القادم تستوجب إعمال سياسة الطوق والدخول بالتالي، ومن اللحظة في حملة سابقة الأوان؟
 إقصاء حزب
لن يكون عسيرا إذن على المتتبع للإعلام التلفزي المغربي أن يكتشف بأن الأحزاب التي تستفيق من سباتها العميق خلال الانتخابات فقط قد أخذت حصتها كاملة لإبداء الرأي في أحداث البيضاء، وهكذا فقد بتنا نستمع في كل لحظة لزعماء أحزاب على الورق، وجدوها مناسبة لتأكيد الحضور ونفض الغبار عن دكاكينهم السياسية, لكن في مقابل هذه "التبوديرة الإعلامية" لم تحرص لا القناة الأولى ولا شقيقتها الثانية على منح فرصة ولو قصيرة لرأي حزب العدالة والتنمية المحسوب على الجناح الإسلامي المعتدل، والذي هو قبلا منخرط في اللعبة السياسية ومحقق للمفاجأة في انتخابات شتنبر الفارط!!
وبموازاة هذا الجفاء الإعلامي الذي قوبل به هذا الحزب رفعت الصحافة الاتحادية وغيرها من مستوى حملتها المفتوحة ضده، محملة إياه بشكل أو بآخر مسؤولية ما حدث, ومثيرة إلى أنه لا فرق بين العدالة والتنمية والهجرة والتفكير والصراط المستقيم بدعوى أنه ليس في القنافد أملس، كما جاء في إحدى افتتاحيات جريدة الاتحاد الاشتراكي.
وعلى نفس الخط استمرت جريدة الأحداث المغربية اللسان الآخر للجسم الاتحادي في الإشارة إلى أعضاء العدالة والتنمية بالمهربين الجدد للدين, دون أن تدفع عنهم مسؤولية الإرهاب!وهو ما جعل الأمر يبدو كمهاترات صحفية تصبو إلى تصفية الحساب واستعداء الآخر بدون موجب حق!
إن حزب العدالة والتنمية يتعرض اللحظة لعملية تشويش كما جاء على لسان أحد قيادييه، وهي عملية مقصودة قد تتجاوز حدود الحزب والغضب إلى محاولة التأثير على مسار اللعبة الانتخابية المقبلة، حتى لا تتكرر مفاجأة المعركة التشريعية، وما يدعو إلى اعتماد هذه الفرضية يتصل أساسا بدفوعات تأجيل الانتخابات الجماعية والتي لا تحوز درجات المعقولية, فالمحصول الزراعي الوفير ماكان ليمنع الفلاح المغربي المدافع دوما عن العرش كما قال ريمي لوفو, عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، فالجهاز المخزني بالعالم القروي هو من يمتلك سلطة التوجيه وليس الفلاح المغلوب على أمره!
وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد, فإن ما حدث بالبيضاء سيستفيد منه المخزن والأحزاب أيضا في إعادة ترتيب اللعبة السياسية بتضييق الخناق على عدو احتياطي ومنافس قوي هو العدالة والتنمية من غير شك.
 رفض الحوار
لقد اهتدى المخزن بعد زمن طويل من سياسة شد الحبل مع جماعة العدل والإحسان إلى أن العزلة والتهميش والتحييد المباشر من أجندة الحوار والترتيب السياسي من أنجع الطرق لتبخيس هذه الحركة الإسلامية، وهكذا فقد كان قرار إزالة الإقامة الإجبارية عن الشيخ عبد السلام ياسين صفعة مخزنية محكمة جعلت الجماعة تفقد اقوى شماعة تعلق عليها غبنها واستضعافها من طرف النظام، إلا أن أسلوب الإقصاء هذا لم يعد حكرا على المخزن في مقاربته للإشارات الصادرة عن العدل والإحسان، فحتى الأحزاب السياسية وإطاراتها الجمعوية انحازت إلى هذا المنطق وساهمت في فرض العزلة على الجماعة, وقد اتضح هذا الأمر بجلاء في الحوار الذي دعت إليه نادية ياسين والذي تخلفت غالبية الهياكل التي تتبجح في كل حين بالمراهنة على الحوار واحترام صوت الاختلاف.
الكل إذن دخل على الخط الرامي إلى فرض "العزلة الإجبارية" على جماعة العدل والإحسان، فالمخزن عمل قبلا على إخراس صوتها وتهديم أحد أقوى مشاجب نظامها وكمم أفواه رسالة فتوتها، والمجتمع المدني انخرط بدوره في استكمال فصول الإقصاء والعزل التام، لكن ما الذي يمكن أن تقود إليه هذه الممارسات الفادحة؟ ألا تعد سببا آخر لتأجيج الاحتقان السياسي؟ ألا ينتج هذا الطوق الحديدي المضروب حاليا على كل ما له علاقة بالإسلاميين المغاربة مزيدا من العنف؟
ألا يعتبر ما يحدث آنا صبا للزيت فوق النار؟
فما يحدث للعدالة والتنمية وقبلها للعدل والإحسان هو عنف إقصائي سيستتبعه بالضرورة عنف آخر قد يجر على المغرب ويلات أخرى هو في غنى عنها خصوصا في الوقت الراهن! فحذار من تكرار سيناريو الدم الجزائري.
 قانون الإرهاب.
إن أحداث البيضاء لا يجب أن تزيغ بنا عن المنهجية الديمقراطية، كما أنه لا يتوجب اتخاذها كمطية لتبرير القائم من الأوضاع وتمرير ما يعضد الخطاب الأمني الاختزالي.
إن قانون الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه بالإجماع وتم استصداره على عجل وفي نسخته الأصلية غير المنقحة والتي تصدت لها سابقا الجمعيات والمنظمات الحقوقية, لم يكن ليمر بهذه السهولة لولا أحداث البيضاء الدامية, فأين هو الخطاب الذي كانت ترفعه شبكة مناهضة قانون الإرهاب؟ ألم يعد هذا القانون انتكاسة حقوقية؟ ألم تعد هناك من مسوغات حقيقية لرفضه والتنديد بمحتواه؟
ولنذهب بعيدا بسؤالنا الشقي، كيف ستستغل الجهات الأمنية هذا القانون؟ وما انعكاساته المستقبلية على "دولة الحق والقانون"؟!
إن انبناء الحقول المجتمعية يتأسس دوما على الصراع وجني الأرباح والفوائد، ولهذا علينا ألا نستهين بحقل الأزمة المفتوح بطبيعته على الخسارات والانتفاعات، فحتما هناك مستفيدون مما وقع، وبالمقابل هناك الخاسرون الذين يكونون غالبا بعيدا عن دوائر صنع القرار وامتلاك وسائل الإنتاج والإكراه, وهكذا يمكن القول بأن المخزن قد استفاد من إرهاب البيضاء واستطاع بذلك أن يمرر قانون الإرهاب بعيدا عن المتاعب والوقفات الاحتجاجية, ويمكنه أن يضفي مزيدا من الحسابات مع مختلف معارضيه باسم قانون الإرهاب.
 نار تحت الرماد.
إن الداعي إلى التحذري من مغبة الاختزال والإقصاء هو الوعي التام بأن التطرف قد نجح في صناعة أوكار وخلايا نائمة له في كثير من هوامش المغرب، فمن المؤكد أن الشبان الأربعة عشر ماهم إلا عينة تمثيلية لمئات أو ربما آلاف من الشباب الذين استشرى في أعماقهم الحقد الأعمى على كل ما له علاقة بالنظام، والذين نجحت ايديولوجيا التعليب وغسل الوعي في الوصول بهم إلى مستوى الكاميكازية.
فالنار ما زالت تحت الرماد ملتهبة ومستعدة للتأجج والإتيان على الأخضر واليابس، مادامت إمكانات الاشتغال حاضرة بقوة, وما دام العلاج المقترح ينأى عن الصواب، فلا قانون الإرهاب ولا سياسة التطويق والعزل والحديد والنار بإمكانه إنهاء فصول هذه الكارثة، فالإنصات إلى صوت المعاناة وتحديدا إلى الساخطين وآهات المسحوقين في أحزمة الفقر والبؤس وإعمال مقتضيات التعبير الديموقراطي وإعادة توزيع الثروة من جديد وتحقيق العدالة والمساواة, كلها حلول ناجعة لتجفيف منابع التطرف والإرهاب، وما دون ذلك ما هو إلا حلول ترقيعية مسكونة بهواجس أمنية ومصالحية ضيقة قد تلهب نيرانا تحت الرماد فحذار من الإقصاء.
إن السوسيولوجيا كانت ولازالت ذلك العلم الذي يمارس الفضح والتعرية، ولهذا وانطلاقا من سؤالنا السوسيولوجي الشقي فإننا نمارس قصدا لعبة التفكير بصوت عال، ونتوجه لكافة الرموز والإشارات التي يحبل بها المشهد المجتمعي آنا بأكثر الأسئلة حرقة وإرباكا على الأقل لمن ينامون في العسل ويستحبون إعادة ترتيب الأوراق وفقا للمصالح والمطامع، إن ما حدث بالبيضاء يستوجب الاحتواء لا الإقصاء فهل استوعبنا الدرس الجزائري؟!
 باحث في السوسيولوجيا



#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صيف حار بالرباط: تعديل حكومي في الأفق .. لا تعديل في الأفق
- ما بعد 16 ماي: الكتابة بالإبر فوق العيون: هل سيتوقف البحث عن ...
- أحداث 16 ماي من زاوية أخرى : حصاد الهشيم أو صناعة الكاميكاز
- الباحث الاجتماعي عبد الرحيم العطري في حديث للأحداث المغربية: ...
- النخبة المثقفة بالمغرب : من سنوات الجمر إلى التدجين و التبخي ...
- حوار مع الوزير المغربي الأسبق في التعليم العالي الدكتور نجيب ...
- حوارمع كاتب الدولة الأسبق في الرعاية الاجتماعية والأسرة والط ...
- سوسيولوجيا الشباب : من الانتفاضة إلى سؤال العلائق
- حوارمع كاتب الدولة الأسبق في التضامن و العمل الإنساني الأستا ...
- العلاقات المغربية الجزائرية : من يجني ثمار تعكير الأجواء ؟
- التعددية السياسية المعطوبة : الانقسام أقصر طريق لتأسيس حزب س ...
- ما معنى أن تكون وزيرا سابقا بالمغرب ؟
- تيبولوجيا المثقف المغربي
- المثقف المغربي : مجالات الفعل و العطب
- في رثاء عصرنا : موت المعنى
- المهنة الأكثر انتشارا في المغرب : قراءة الطالع السياسي
- في حوار مع المحلل النفسي الدكتور محمد نبيل غزوان
- حوار مع المفكر المغربي الدكتور محمد سبيلا
- في الحاجة إلى علم الاجتماع القروي : العالم القروي بالمغرب بي ...
- الضبط المخزني للمجال بالمغرب : مزيدا من التقسيم من أجل مزيد ...


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الرحيم العطري - من يضع الملح فوق جراح البيضاء؟