أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الرحيم العطري - المهنة الأكثر انتشارا في المغرب : قراءة الطالع السياسي















المزيد.....

المهنة الأكثر انتشارا في المغرب : قراءة الطالع السياسي


عبد الرحيم العطري

الحوار المتمدن-العدد: 1210 - 2005 / 5 / 27 - 12:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


المهنة الأكثر انتشارا بالمغرب
قـــراءة الـــطــالــع اـلسيــاســي
عبد الرحيم العطري*
ها قد ضاق المشهد المغربي بقراء الطالع السياسي الذين لا يترددون في التلويح بتوقعاتهم و نبوءاتهم في كل حين ، و لا يجدون أدنى حرج في التذكير بأن قراءاتهم للأحداث تحوز جانبا مهما من المصداقية بحكم انبنائها على معطيات موضوعية ، و أن مصادرهم أيضا التي يعتمدون عليها في صياغة السيناريوهات المحتملة هي شديدة الاطلاع و فائقة الموثوقية التي تبعدها عن دائرة الشكوك . فما يكاد ينقضي شهر أو أقل حتى يطلع علينا هؤلاء العرافون الجدد بتحليلاتهم و توقعاتهم المثيرة ، لينطلق معهم الحديث عن تعديل حكومي وشيك الوقوع و قطف أكيد لرؤوس العديد من كبار مسؤولي الدولة و تنظيم انتخابات سابقة لأوانها و ترتيب جديد للبيت الداخلي للأحزاب و النقابات ، بل إن تحليلاتهم تذهب بعيدا إلى حدود تخمين النهايات الممكنة لكل المشاريع و القضايا التي يجيش بها النسق السوسيوسياسي العام ، فما من قضية صغيرة كانت أو كبيرة إلا و تحـظى باهتمام هـؤلاء" القراء" الذين يطلقون على أنفسهم أسماء عديدة تتأرجح بين المحللين السياسيين و المراقبين و المتخصصين ، المهم أنهم يتوفرون على ملكات استثنائية تتيح لهم إمكانية استشراف المستقبل السياسي بالدرجة الأولى ، و الحسم على وجه الخصوص في اختيار الوزير الأول و ارتقاب التعديلات الحكومية .
لكن السؤال الذي يجد لنفسه أكثر من مبرر للطرح ، فهو متصل بالأساس بالأسباب الكامنة وراء انتشار هؤلاء العرافين السياسيين و احتلالهم لمواقع مركزية على مستوى النقاش الوطني ، فهم حاضرون في كل المنابر و المنتديات ، و إليهم تتوجه الأنظار و الميكروفونات و الكاميرات ، فقط لأنهم يمتلكون قدرات عالية الكعب في المناورة و التكييف السريع للحقائق وفق ما يخدم مصالح كل الأطراف ، إنهم كتاب و محللون تحت الطلب يقدمون لكل مؤسسة و لكل شخص النتيجة التي تناسب و لا تسبب أي تأزيم محتمل . و الواقع أن قراءة الطالع السياسي هي ممارسة كهنوتية تقليدية تؤشر على الأزمة التي تعصف بمجموع النسق السياسي ، ذلك أن المراهنة على مثل هذه الممارسات في استشراف المستقبل و صياغة الغد الممكن يدل من غير شك على احتدام مشكل الثقة في ذات النسق ، كما يدل أيضا على الاختلال و الجنوح . فالانتشار المهول لقراءة الطالع السياسي بالمغرب مضافا إليه التداول الكثيف للإشارات السياسية لا يؤشر دوما على السواء المجتمعي ، إنه يعني أن النسق يعيش على إيقاع مختلف يحتمل أبعادا فادحة الخطورة ، و أن علاقاته من الهشاشة بمكان و أنه لم يستطع إقناع مكوناته البشرية و المؤسسية و في ذلك دلالة قصوى على الأزمة و اللافعل أيضا، فعندما يغيب الفعل المجدي تنتعش بالتبعية أزهار اللاثقة و تتحرك آلة إنتاج السيناريوهات التغييرية .
فأن تصير قراءة الكف السوسيوسياسي المهنة رقم واحد في المجتمع ، و أن تصير ممتهنة من قبل الجميع ، فذلك يعني أن الأزمة همت مختلف تضاريس الحياة المجتمعية ، و أن الانشغال المركزي بالتغيير و الأمل في بناء غد أفضل صار القاسم المشترك للجميع ، و هذا يحدث عندما يغدو الإفلاس السياسي عنوان المرحلة بامتياز، فالاقتصاد التبعي المريض و الأمراض الاجتماعية الفادحة الخطورة و البوار الحزبي و التشوه المدني و الاستقالة الكارثية للنخب المثقفة كلها مؤشرات موضوعية تكشف الوضع المأزوم الذي يجعل الكل مصرا على ممارسة " العرافة " السياسية لاكتشاف ملامح القادم من الأيام .
و لعل أبرز مكان لممارسة هذه المهنة بالمغرب هو المقهى كفضاء اجتماعي لتزجية الوقت أو " قتله " بالمفهوم المغربي ، ففي هذا الفضاء تنتعش هذه المهنة و يصير الجميع عرافا سياسيا يعين هذا الوزير و يقيل آخر و يحدث مؤسسة و يشغل آلاف الشباب و يقسم بأغلظ الأيمان أن نبوءاته ستتحقق خلال أيام معدودة ، فعلى طول أغلب المقاهي المغربية المنتشرة كالفطر البري يتواصل التحليل السياسي العفوي للقضايا الشائكة التي تتحدد إجمالا في العجز الحكومي و الخذلان الحزبي و الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تنفضح في قوارب الموت و تنامي الاحتجاجات الاجتماعية و استفحال الإجرام و اتساع دوائر الفقر و الفاقة .
فهل يمكن القول ببراءة هذه الأشكال الاجتماعية للتفكير و التواصل ؟ أم أن الأمر يستلزم فعلا شحذا متواصلا لآليات الفهم من أجل موضعة الظاهرة في سياقها الحقيقي لاكتشاف أسبابها الرئيسية و الإفادة بالتالي من دروسها . لأنه في مقابل الغياب الكلي لمراكز الرصد العلمي و الاستشراف المستقبلي نجد ما لا يعد و لا يحصى من الدكاكين السياسية المتخصصة في قراءة الطالع السياسي ، و هذا معطى باثولوجي يدل على أن النسق يميل في اشتغاله إلى اعتماد مقاربات تقليدية و لا علمية في مطلق الأحوال ، فالأحزاب مثلا تعتمد في صياغة مواقفها و اتجاهات فعلها بدرجة عليا على ما ينتجه قراء الكف السياسي ، و لم يثبت لحد الآن أن حزبا معينا قد طلب من إحدى المؤسسات العلمية أن تنجز له دراسة أو استطلاعا علميا حول قضية من القضايا التي تشغل نخبه و قواعده أو ترهن مستقبله العام .
إن الاعتماد الكلي على قراءة الطالع السياسي سواء من قبل مسيري الحقول المجتمعية أو من قبل الذين هم تحت ممن لا تتوفر لهم إمكانية امتلاك وسائل الإنتاج و الإكراه ، يشير بالضرورة إلى الامتداد التقليدي من جهة و الحضور القوي للإشاعة من جهة ثانية ، و هو ما يعني إجمالا انتفاء الثقة و شيوع الأزمة ، فانتعاش هذه المهنة داخل أي نسق يؤكد الاختلال لا التوازن و يدعو فعلا إلى النقد و المساءلة ، ذلك أن مثل هذه المهن الكهنوتية المغرقة في الأسطورية لا تسجل حضورها إلا في المياه العكرة التي تختل فيها العلاقات المؤسسية و يغيب فيها التعاقد المجتمعي و تتعطل فيها الآلة المؤسساتية ، ففي ظل هكذا وضع يظهر الكهنة و المشعوذون الذين تكمن صلاحيتهم فقط في إنتاج و تكريس التضليل السياسي و حيازة أكبر قدر ممكن من الطاعة لصالح مالكي وسائل الإنتاج بما يضمن مزيدا من الاستمرار و الحضور المتجدد.
ما يميز قراءة الطالع السياسي بالمغرب أنها مهنة لا تمنح كثيرا من التفاؤل لطالبي نتائجها ، فهي تجنح في قراءاتها في غالب الأحيان إلى أحلك النهايات و أفظع التوقعات ، و هذا يوضح أنها " فعلة " لمحاكمة الوقت المغربي و للاقتصاص من صانعيه و لو في شكل إشاعة أو توقع يجد طريقه سريعا إلى التداول على أعمدة الجرائد وأمواج الإذاعة و شاشات التلفزيون، لكن إلى متى سيبقى الإنسان المغربي في حاجة أبدية إلى هذه المهنة لفهم مجريات الأحداث المندلقة بلا انقطاع و نحو ما لا يخدم مصالحه أساسا ؟ و إلى متى ستظل ذات المهنة أكثر حضورا في النسق السياسي المغربي بما يعني ذلك من امتداد أزموي و ارتكاس تقليدي ؟
*كاتب و باحث مغربي



#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حوار مع المحلل النفسي الدكتور محمد نبيل غزوان
- حوار مع المفكر المغربي الدكتور محمد سبيلا
- في الحاجة إلى علم الاجتماع القروي : العالم القروي بالمغرب بي ...
- الضبط المخزني للمجال بالمغرب : مزيدا من التقسيم من أجل مزيد ...
- الشباب العربي و السلطة الأبوية : عمليات التدجين و إرهاصات ال ...
- حقوق الإنسان الموقوفة التنفيذ : المهاجرون مواطنون من الدرجة ...
- جينيالوجيا العقاب السجني : تاريخ التطويع القمعي للإنسان
- المشهد الحزبي المغربي و مآزق الإفلاس
- دار الشباب المغربية :إشكالية التأطير و هاجس الفرملة
- ظاهرة الهجرة السرية : قطران الوطن أم عسل الضفة الأخرى
- السجون المغربية : إعادة الإدماج أم إعادة إنتاج الجنوح
- انتخابات 2007 بالمغرب: المخزن و القبائل الحزبية أمام الامتحا ...
- المؤسسة العقابية و إعادة إنتاج الجنوح
- المجتمع المدني بالمغرب : جنينية المفهوم و تشوهات الفعل
- اعتصامات المعطلين بالمغرب : نجاح الحركات الاحتجاجية أم إفلاس ...
- الشباب المغربي و المؤسسة الحزبية : جدل التهميش و الإدماج
- الشباب و المؤسسة الحزبية : جدل التهميش و الإدماج


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الرحيم العطري - المهنة الأكثر انتشارا في المغرب : قراءة الطالع السياسي