|
ما معنى أن تكون وزيرا سابقا بالمغرب ؟
عبد الرحيم العطري
الحوار المتمدن-العدد: 1214 - 2005 / 5 / 31 - 08:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
عبد الرحيم العطري أسباب النزول في الأيام القليلة الماضية تلقيت دعوة من أحد الوزراء السابقين ، و ذلك على إثر صدور مقالي لي حول انتخابات 2007 ، إنه يريد التعرف أكثر على ما يمكن أن يأتي به هذا الموعد القادم في ضوء التحولات و التحالفات و الصراعات التي يجيش بها المشهد الحزبي بالمغرب ، و لهذا فهو يحرص هذه الأيام على استجماع مختلف الآراء ، ربما هي الرغبة في العودة إلى الواجهة و بأسلوب جديد. المهم أننا ضربنا موعدا للقاء بشقته الكائنة بحي الرياض ، قلت مع نفسي هل السادة الوزراء يقطنون مثلنا في الشقق وسط ضجيج الجيران و واجبات السانديك ومتاعب حارس العمارة و عاملة النظافة ؟ هل يقبلون فعلا بثقافة الملكية المشتركة التي لم تتبلور بعد في مجتمع الإسمنت الذي يسرق من مدننا خضرتها و بهاءها ؟ تركت أسئلتي البلهاء و توجهت نحو الشقة إياها التي لم تكن غير مكتب فقط يمارس فيه وزيرنا السابق ترفه الفكري ، و يصرف فيه جزءا مما تبقى لديه من سلطته الوزارية المنطفئة ، إنه يصر على المحافظة على كل طقوس هذه السلطة المنتهية ، هناك قاعة الانتظار التي تختص في تعذيب المنتظر و تذكيره بأن من سيدخل إليه يستوجب الجلوس و الوقوف لأكثر من ثلاث ساعات بعد الموعد المحدد سلفا ، فهذا ما يحدث في أغلب قاعات الانتظار العالية الكعب ، و من حسن حظي أنني لم أكن في وضع كهذا . هناك قاعة الاجتماعات الفاخرة التي يتوسطها كرسي مميز هو للوزير من غير شك ، و هناك أيضا المكتب الفاخر و الكرسي المتعالي الذي لا يمكن التفريط فيه بأي حال من الأحوال ، لقد بدا " معالي " الوزير السابق أكثر تفاؤلا بالمستقبل و أكثر انشغالا بالتوزيع الممكن لكعكة المخزن بعد الموعد الانتخابي المقبل ، تحدث في كل شيء و لم يترك أي مجال إلا أبدى فيه رأيه ، و كانت لازمة الحديث هي " عندما كنت في الوزارة ...لو كنت في الوزارة " . بعد أزيد من ساعتين حاول فيها الاتصال أمامي بالعديد من الوزراء و كبار مسؤولي الدولة و أصر فيها على مناداة كاتبته المسكينة لتمكينه من أكثر من فنجان قهوة ، كان علي أن أودع معالي الوزير السابق ، و أغرق في التساؤل عن معنى أن تكون وزيرا سابقا في المغرب ؟ هذه أسباب النزول إذن التي أنتجت هذه الورقة . صفعة النهاية تكون نهاية الخدمة بالنسبة للوزير في المغرب بمثابة صفعة قاسية ، لا يستطيع تجرعها بسهولة ، و لهذا يكون الانكفاء على الذات و الدخول في إضراب عن الكلام و ملاقاة الناس مصير الكثير من السادة الوزراء الذين تذوقوا لزمن طويل أو قليل كعكة المخزن ، و تمكنوا بالتالي من تجريب الدخول إلى دائرة صناعة القرار السياسي أو على الأقل الاقتراب من صانعيه المباشرين ، فبعد الإعفاء ينطق معالي الوزير المحترم في بحث شاذ عن حبة فهم ، يقلب الأمور على جميع الوجوه ، يضرب الأخماس في الأسداس ، يمكن أن يلجأ إلى قراء الطالع لفهم ما حدث، يستحضر كل الذكريات التي رافقته منذ وصوله إلى كرسي الوزارة ، يستقريء جميع الأحداث و الأخطاء، و في الأخير لا يستبعد أن تكون نهايته من صنع السحرة و المشعوذين أو الحساد و الناقمين ، ففرضية المؤامرة تظل هي الأقرب إلى تفسير السقوط و نهاية اللعبة ، و هكذا ينبري سعادة الوزير السابق إلى تخمين مختلف السيناريوهات التي عجلت برحيله ، واضعا بذلك احتمالات دخول أطراف منافسة على طول الخط ، مع جزمه بأن ذات الأطراف استعانت بالتمائم و وصفات العطارين و التجأت أيضا إلى خبرات الوشاة و الكائدين من أجل الإطاحة به . و الواقع أن ما يذهب إليه خيال السيد الوزير يجد كثيرا من المعقولية و الصحة في مغرب مفتوح على جدل التقليد و الحديث ، يميل إلى الشخصنة و الولاءات في إنتاج النخب و إعادة إنتاجها . الصمت حكمة و بالطبع فالكثيرون ممن انتهت صلاحيتهم الوزارية و ودعوا المقاعد الوثيرة و السيارة ذات الرقم 99 الأسطوري لا يجدون بدا من إدمان الصمت و الانتهاء من كل ما له علاقة بالشأن العام ، بحيث يغوصون في صمتهم البهيم لعدم استساغتهم بعد لحجم الصدمة أو لغضبهم على ما حدث لهم أو ببساطة لعدم قدرتهم على قول المزيد ، ما دام كلامهم في وقت سابق لم يضمن لهم الاستمرار طويلا على كرسي الوزارة ، فما معنى أن يستمروا في تلويك كلام لم يجنبهم مصائر التعديل الحكومي ؟ و ما معنى أن يعملوا على تسويق أنفسهم من جديد ، و قد تم التخلي عن خدماتهم ؟ هؤلاء الوزراء الذين قد تكون صفعة النهاية قد" وصلت فيهم للعظم" كما يقول المثل الشعبي الدارج ، يرون بأنه لا فائدة من الكلام ، فما وقع قد وقع و لا سبيل إلى تحصيل الفائت ، و الصمت يظل حكمة بليغة في مطلق الأحوال، و بذلك يكون الخروج من دواليب الوزارة بمثابة موت سياسي لأنصار هذا المبدأ ، لأنهم ينسحبون من دائرة الضوء في اتجاه رطوبة الظل التي ترادف النسيان ، و عليه فقد غاب عن المشهد العام و ربما حتى عن الذاكرة السياسية كثير من الوزراء السابقين الذين لم يعمروا طويلا و لم يستطيعوا تقوية أسهمهم و رأسمالهم السياسي في سوق النخب ، الذي لا تستقيم معه حكمة الصمت بل تؤطره حكمة الضجيج و استعراض العضلات السياسية و لو كانت عديمة الجدوى . المغازلة السياسية و بمقابل خيار الصمت و العزلة يختار صنف آخر من السادة الوزراء السابقين بالمغرب أسلوب المغازلة السياسية تجاه صانعي القرار السياسي ، حتى يتم تذكرهم من جديد في أي تقسيم مستقبلي للعمل داخل دوائر السلطة ، و بذلك ترى هؤلاء المتخصصون في الغزل السياسي يصرون في كل حين على إرسال الإشارات الدالة و السريعة في اتجاه القصر و محيطه مباشرة ، فهم لا يضيعون أية مناسبة أو مبادرة للركوب عليها و الإسهاب في الحديث عن عبقريتها و فلسفتها النادرة خصوصا إذا كانت المبادرة قادمة من القصر ، بحيث يصيرون محللين و شارحين لمضامين الخطب الملكية ، و مسهبين أيضا في التغني بالإنجازات و الخير و النماء ، مع العلم أن الملك محمد السادس يعتبر أكثر انحيازا للمقاربة الواقعية ، و يقر في أكثر من مناسبة بفداحة المعضلة الاجتماعية كما حدث مؤخرا عند تقديمه للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية . المهم أن السادة الوزراء السابقون لا يتركون أية فرصة للتأكيد على أن صلاحيتهم ككائنات سياسية لم تنته بعد ، و أن في مقدورهم المساهمة في إغناء النقاش الوطني و تقديم البدائل الممكنة للأزمة المجتمعية التي ربما كانوا السبب في إنتاجها في يوم من الأيام ، و لهذا تجدهم يحلمون دوما بالعودة إلى بقع الأضواء و لو في صيغة أو طبعة منقحة أو مزيدة كسفير أو مندوب سام أو مدير عام ...و لهم الحق في ذلك فالكرسي الوثير يغري بالرجوع ، و يدعو إلى التفنن في الغزل السياسي . على كل الواجهات و دائما في إطار هذا الحلم المشروع طبعا بالرجوع ، يراهن عدد من أصحاب المعالي و السعادة السادة الوزراء السابقين على الاشتغال في مختلف الواجهات التي تقود إلى إظهارهم في المشهد العام و تحديدا في المرآة العاكسة لمربع السلطة ، و لهذا تراهم في الأحزاب السياسية يمارسون بطولات مجددة و يبحثون عن مواقع جديرة بتاريخهم الوزاري ، أو في الجمعيات و المنظمات الحقوقية و النسائية و الثقافية و الاقتصادية و حتى الرياضية يحتلون المقاعد الأولى و يدلون بدلوهم في الجاري من الأوضاع ، بالرغم من كونهم لم يتشبعوا بفكرة المجتمع المدني و لا عانقوا قبلا أي فعل حقوقي أثناء تحملهم المسؤولية ، و هكذا يطل علينا هؤلاء الوزراء السابقين من كل الواجهات ، يداهمون صبحنا و مساءنا البائس لتذكيرنا و ربما لقرع أسماعنا قويا بأنهم يحوزون كل الأسباب لتجديد الثقة فيهم و إعادة تعيينهم في مواقع جديدة ، و الواقع أن نسبة هامة منهم تستطيع بلوغ مبتغاها عبر استثمار كافة علاقاتها و رساميلها في تسويق صورتها المختلفة عن السابق و الكشف عن إمكانيات جديدة في التعاطي مع الشأن العام ، بل إن أصحاب هذا الخيار كثيرا ما يهرعون إلى تجاوز أخطاء ماضيهم الوزاري عبر تمتين العلاقات مع صناع القرار الحقيقيين ، و التخلي عن آخر ذرات المعارضة التي ربما يكونون قد جبلوا عليها في وقت سابق . عزلة المثقف صنف آخر من الوزراء السابقين و هو محدود للأسف الشديد يجد ضالته بعد انتهاء المهام الوزارية في الارتكان إلى الفكر و الإبداع ، و يمثل هذا الاختيار الراحل قاسم الزهيري بامتياز ، كما يجسده آنا الأساتذة محمد سعيد السعدي و عبد الله ساعف و محمد العربي المساري و قلة أخرى من الأشخاص الذين جاؤوا إلى دوائر السلطة ، قادمين إليها من دوائر الفكر و الإعلام و الثقافة ، فهاجسهم النقدي و سؤالهم المعرفي ، يظل مستيقظا فيهم بالرغم من كل إغراءات الكرسي الوزاري ، و لهذا فهم لا يفرطون في تواضعهم و بساطتهم ، و لهذا يلحون على تسجيل حضورهم المتجدد من خلال النقد و المساءلة ، و في ذلك انتصار كبير للثقافي فيهم على السياسي الذي انتهت صلاحيته التأثيرية ربما مع توديع الحقيبة الوزارية، فالرجوع إلى دوائر التحليل العلمي و الإبداع الثقافي يكون بلسما لجراح التجربة الوزارية و إحباطاتها أيضا ، و لهذا يكون هذا الاختيار دليلا أكبر على أن الثقافي ما زالت أمامه سنوات طويلة لكي يقود التغيير و يصنع القرار فعلا ، و لعل المفيد في تجربة هذا الصنف من الوزراء السابقين ، هو أن كرسي الوزارة لم يسرق منهم قلمهم و هاجسهم النقدي كما حدث مع آخرين من زملائهم ، فسرعان ما عقدوا الصلح مع شغبهم و انشغالهم بأسئلة تخصصهم المعرفي و الإبداعي . تلكم إذن كانت أبرز المسارات التي ينخرط فيها الوزير السابق مغربيا ، و التي تكاد تنفضح فيها أشياء محتملة من ملامح العطب المغربي ، و من متاهات النخبة السياسية بالمغرب ، و التي تستقيل من ممارسة الفكر لصالح التفرغ للطرق المؤدية نحو قشدة المجتمع ، و بالطبع فذات المسارات التي يتحكم فيها بشكل مهم هاجس العودة و الانتفاع من كعكة المخزن لا تحتمل التعميم و لا التخصيص فهي تظل مجرد استنتاجات أفضى إليها التأمل النقدي في واقع مغربي قرر عدم الارتفاع . ملحوظة أخيرة: لم تكن الشقة إياها التي استقبلني فيها السيد الوزير السابق إلا واحدة من أملاكه العقارية التي تتوزع على ثلاث فيلات بحي السويسي و الرياض و رابعة بمحاذاة ساحل تمارة ، و من الممكن طبعا أن يكون ما جاء في تحصيل أسباب نزول هذه الورقة مجرد أضغاث أحلام ، و لهذا فكل تشابه بين المار ذكره و الواقع هو من صنع الصدف .
#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيبولوجيا المثقف المغربي
-
المثقف المغربي : مجالات الفعل و العطب
-
في رثاء عصرنا : موت المعنى
-
المهنة الأكثر انتشارا في المغرب : قراءة الطالع السياسي
-
في حوار مع المحلل النفسي الدكتور محمد نبيل غزوان
-
حوار مع المفكر المغربي الدكتور محمد سبيلا
-
في الحاجة إلى علم الاجتماع القروي : العالم القروي بالمغرب بي
...
-
الضبط المخزني للمجال بالمغرب : مزيدا من التقسيم من أجل مزيد
...
-
الشباب العربي و السلطة الأبوية : عمليات التدجين و إرهاصات ال
...
-
حقوق الإنسان الموقوفة التنفيذ : المهاجرون مواطنون من الدرجة
...
-
جينيالوجيا العقاب السجني : تاريخ التطويع القمعي للإنسان
-
المشهد الحزبي المغربي و مآزق الإفلاس
-
دار الشباب المغربية :إشكالية التأطير و هاجس الفرملة
-
ظاهرة الهجرة السرية : قطران الوطن أم عسل الضفة الأخرى
-
السجون المغربية : إعادة الإدماج أم إعادة إنتاج الجنوح
-
انتخابات 2007 بالمغرب: المخزن و القبائل الحزبية أمام الامتحا
...
-
المؤسسة العقابية و إعادة إنتاج الجنوح
-
المجتمع المدني بالمغرب : جنينية المفهوم و تشوهات الفعل
-
اعتصامات المعطلين بالمغرب : نجاح الحركات الاحتجاجية أم إفلاس
...
-
الشباب المغربي و المؤسسة الحزبية : جدل التهميش و الإدماج
المزيد.....
-
شاهد عيان: نيران الغارة الإسرائيلية على غزة -التهمت الناس قب
...
-
قاآني ومن قبله.. سر الاختراقات الاستخباراتية -المزمنة- في إي
...
-
عقوبات أوروبية على إيران على خلفية تزويد روسيا بصواريخ بالست
...
-
برلين تطالب إسرائيل بتوضيح ملابسات قصف قوات يونيفيل بلبنان
-
غارة إسرائيلية جديدة تدمر منزلاً في شمال لبنان
-
الإعلام العبري يسلط الضوء على القوات الجوية المصرية
-
الأولى منذ 23 عاما.. الرئيس الجزائري يستقبل رئيسة الهند في ز
...
-
إسرائيل تعلن موعد نشر منظومة -ثاد- الأمريكية
-
وزير الدفاع الروسي: التعاون العسكري بين روسيا والصين عامل ها
...
-
بكين لن تتسامح أبدا مع محاولات تايوان عزل المضيق
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|