أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود شاهين - المسيح الصوفي والبطل التراجيدي (2)















المزيد.....

المسيح الصوفي والبطل التراجيدي (2)


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 00:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


* المسيح الصوفي .
( 2)
لا حظنا في المقالة السابقة أنني اعتبرت المسيح بطلا تراجيديا رغم أنه لم يحاول الهروب من قدره كالأبطال التراجيديين الذين يسعون للهروب من قدرهم الذي رسمته لهم الآلهة ، ولا ينجحون . ( اوديب مثلا ) فالمسيح واجه قدره واحتمله بشجاعة منقطعة النظير وسار فيه إلى نهايته .
تحليل شخصية المسيح مسألة ليست سهلة على الإطلاق للنسيج الميثولوجي الذي نسج حول قصته كحمل من عذراء دون زوج بكلمة من الله ، وهو حمل يشبه حمل إيزيس بحورس دون زوج ، رغم الإختلافات في الروايات التاريخية في قصة حمل إيزيس بحورس. كما أنه ابن إله
وإله مثل حورس ..وإذا ما أخذنا بالروايات الأخرى كالرواية الإسلامية التي تقول أن المسيح نبي وليس إلها أو ابنا لله ، وأنه لم يصلب ولم يقتل بل شبه لهم به . والروايات التي تدعي التاريخية التي تقول أن المسيح إنسان عادي حاول استعادة ملك داود ، سنجد أنفسنا أمام متاهة . لذا ليس أمامنا إلا التعامل مع النص الذي بين أيدينا كما أسلفنا، ونغض الطرف عن كل ما نسج حوله أو قيل عنه. وهذا دون شك هو منهجنا . التعامل مع النص من داخله وليس من خارجه . وخارجه هذه لا نقترب منها إلا بما يخدم منهجنا ، كتساؤلنا من قبل أن في مقدور الخالق أن يأتي بمعجزات وظواهر خارقة جدا تجعل ليس الرومان واليهود والكنعانيين يؤمنون به ،بل والبشرية كلها ،وخلال لحظات ، كأن يحلق في الفضاء مثلا . ويشفي المرضى من الفضاء . ويدلي برسالته إلى البشرية من الفضاء .ولو كنت أنا إلها وأردت البشرية حاليا أن تؤمن بي لجمدت الحركة في العالم جوا وبرا وبحرا، وسيطرت بكلمة مني على كافة أجهزة البث الفضائي والأرضي وكل ما له علاقة بالإتصالات ، وبثثت رسالتي للبشرية بكافة لغات العالم ،وعلى لسان حوريات وملائكيات يخلب جمالهن العقول ، ولأريت البشرية صورا لجنتي وناري ، هذا إذا أردت أن يكون لدي جنة ونار ، بل ولربما جعلتهما يحلقان في الفضاء لتراهما البشرية .وأتحدى بعد ذلك أن يبقى واحد في الكون لن يؤمن بي، وربما يصلي لي في اليوم عشر مرات ، مع أنني لو كنت إلها لما طلبت من أحد أن يصلي لي ، ولما عاقبت أحدا على الإطلاق ! فالحساب والعقاب تشريعات مناطة بالبشر وليس بآلهة ... لكن يبدو أن الله وفي كل الأزمنة السابقة ولغاية اليوم ، لم يكن قادرا على صنع معجزات خارقة كخلق الكون والكائنات في ستة أيام ، وهي المعجزة التي لم يقتنع بها إلا من آمن بالديانات السماوية والغيبيات . لذلك تجنبت كل ما هو ميثولوجي في ملحمة المسيح وتعاملت مع الجانب الإنساني فيها . فعبر الكتابة يمكن لمؤلف أن يتخيل إلها خلق كونا بكلمه ودمره بكلمه ، وثمة بشر يمكنهم أن يصدقوا ذلك ، ويعبدوا هذا الإله رغم أنهم لم يروا فعله ، بل قرأوه فقط أو سمعوا عنه بعد أجيال ، أو سمعوا حكيما أو نبيا يتحدث عنه كحقيقة مطلقة . وهكذا يتناقل الدين بالوراثة ، فحتى الابن الذي يولد
في أسرة تعبد الشيطان سيجد نفسه تلقائيا تابعا لهذا الدين ، معتبرا إياه حقيقة مطلقة ليست قابلة للشك ، مع أنه لم ير الشيطان في حياته ولن يراه . ولا تختلف الديانات السماوية في فهمها وتوارث دينها عن هذا الفهم ، وكم من إنسان دمره تخيل وجود الجن والشياطين في حياته اليومية . وإلى أن تدرك البشرية أنها ترتكب جرائم فظيعة بحشو عقول الأبناء بالشياطين والجن وعذاب جهنم الفظيع يكون ملايين قد قضوا نتيجة لهذا المعتقد .
تأمُّل الوجود الذي قاد إلى الدين فالتصوف بدأ منذ بدء الخليقة إلى أن ترسخ وتأصل في ديانات الهند والصين في حدود القرن الخامس ق.م. وقد لا تخلو ديانات بابل وأشوروكنعان ومصر القديمة من شكل ما من أشكال التصوف . وليس غريبا على شخص كيسوع المسيح ينحدر من أسرة مقدسة وينتسب إليها أن ينهج نهجا صوفيا بعد تأمل عميق في الوجود ، والإطلاع على كتب العهد القديم والتبحر فيها ، والتعرف على سير المسحاء السابقين .،.والعبادات الكنعانية التي كانت سائدة في عصره .. إلى أن قاده تأمله للتقرب من الله ، ليرى نفسه في نهاية الأمر
متحدا معه ، فشرع في إعلان رسالته ونشرها بعزيمة وشجاعة المؤمن الحق .
انطلاقا من وجهة النظر هذه ( الإتحاد بالذات الإلهية ) يمكن تفهم ما يشير من أحاديث المسيح إلى أنه الله أو ابن الله ، دون أن يقول ذلك بشكل مباشر وصريح كأن يقول ( أنا الله ) أو ( أنا هو الله ) كما أنه كان يرى البشر جميعا أبناء لله وليس هو فحسب حتى أن ترتيلة الصلاة التي أمر بها تبدأ بالإشارة إلى أبوة الله للبشرجميعا ،وهذا يعني أنهم جميعا أخوة ،وأن المسيح نفسه أخوهم :
9 فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك
10 ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض
11 خبزنا كفافنا أعطنا اليوم
12 واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا
13 ولا تدخلنا في تجربة ، لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك، والقوة، والمجد، إلى الأبد. آمين
لا شك أن التعبير يحمل قدرا ما من المجازية ولا يقصد به المعنى الحرفي المباشر ، ومع ذلك لا يمكن تجاهله ، كون البشر لا يحملون هذا القدر من الإتحاد بالذات الإلهية ، الذي يتمتع به المسيح .
كان المسيح يحب أبويه ويجلهما ولم ينكر أبوتهما على الإطلاق حتى بعد أن أشهر رسالته للملأ .
وفيما لو تناولنا الأمر من زاوية الخلق ، كون البشر من خلق الله كما هو المسيح ، فإن تقبل مسألة أخوة البشر وابوة الله لهم مسألة واقعية جدا .وإذا ما تناولنا الأمر من منطلق مذهبي وجودي واحد ، حسب مذهب ابن عربي في وحدة الوجود ، وكون الوجود الحقيقي هو لله وحده ،وما البشر والوجود كله إلا تمظهرا للذات الإلهية ، فإنه يمكن اعتبار الجميع ألله وليس المسيح وحده !!!!
وحسب هذا الفهم يمكننا أن نفهم قول المسيح :
26 وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز، وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا. هذا هو جسدي
27 وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا: اشربوا منها كلكم
28 لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا
( متى 26)
فالخبز والنبيذ هنا ليسا خارج التمظهر الإلهي ، عدا أنهما كمواد يشتركان مع جسد المسيح والبشر جميعا في المواد التي وجدا منها .
وقد يتساءل أحد ما : هل كان المسيح يحمل هذه الرؤية الفلسفية للوجود ،وأن وجوده لا ينفصل عن أي وجود آخر حتى لو كان في المريخ أو في الأكوان غير المنظورة للبشرية ؟ أقول : ولماذا لا طالما أن الخلق كله لخالق واحد ،وهذا ما لم يكن صعبا على المسيح أن يدركه ، ولو بحدود نسبية مقبولة .
وهنا نقترب أو حتى نصل إلى ما هو أعقد ، لماذا تألم المسيح على الصليب ولماذا صرخ صراخا عظيما ،ولماذا بدا وكأنه يلوم الله ويعاتبه متسائلا ، لماذا تركه وتخلى عنه ؟ فهل خرجت الألوهة منه كما يقول بعض رجال الكنيسة ،لكي يحس بالألم البشري ،ويكون فداؤه حقيقيا ! ؟!
بالتأكيد لا .. وهنا لا بد من العودة إلى ما تقوم عليه فلسفتي وهي أن الخالق العظيم ،ورغم كل عظمته ،وعظمة خلقه ، لم يبلغ الكمال المطلق في الخلق حتى الآن ، وما تزال عملية الخلق عنده مستمرة لبلوغ هذا الكمال المطلق ، والقدرة على الفعل المطلق ، الذي تخيله العقل البشري منذ البدء بأن الله قادر على أن يقول لأمر ما (كن) فيكون !!
هذه الحقيقة التي لا يستطيع العقل البشري مجرد تصورها فكيف أن يتقبلها ، لاعتقاده أن الله قادر على كل شيء مهما كان . فلا يجد غير الله يستنجد به في المحن التي يواجهها ، كما كان الشباب السوريون يهتفون له في أوج محنتهم ( يا الله ما إلنا غيرك يا الله ) دون أن يدركوا أن الله بدوره قد يكون يتمزق ألما لفجيعة السوريين ، ليس لأنهم سوريون وينزفون دما فحسب ، بل لأن الدماء التي تنزف هي دماء الله ، والأجساد التي تنتهك وتذبح هي أجساد الله ، والله غير قادر أن يتدخل بشكل مباشر لإنقاذهم أو إنقاذ نفسه بتعبير أدق ، وكان يأمل من الآخرين الأقوياء أن يتدخلوا لإنقاذهم ، أو لإنقاذ الله ، أبينا الذي في السموات الذي يذبح في سوريا على أيدي القتلة .
يتبع . لم ننته بعد .
***************************



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الألوهة الذبيحة في المسيح الإله (3)
- قلق قلق قلق !!
- المسيح الصوفي والبطل التراجيدي (1)
- مسيحية غير يهوائية ومسيح نقيض موسى !!( ألوهية يسوع المسيح تا ...
- طفولة المسيح وألوهيته ( ألوهية يسوع المسيح تاريخيا)
- شاهينيات ( في الخلق وفناء المادة )!!
- ألوهية يسوع المسيح تاريخيا .
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة (5)
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 4)
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 3)
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 2)
- ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة (1)
- شاهينيات : في الخلق والخالق مرة أخرى!
- آه على وطن !
- التحالف بين يهوه ( الله ) والشيطان على أيوب !
- لو أن المثقف راقصة !!* ( برسم السلطة الفلسطينية واتحاد الكتا ...
- شاهينيات في الخلق والخالق ( وإن شئتم في المادة والطاقة )!!
- تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة !!
- محمود شاهين يوقع أبناء الشيطان
- شاهينيات : في الخلق والخالق والعقل البشري


المزيد.....




- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود شاهين - المسيح الصوفي والبطل التراجيدي (2)