أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - على الأرض السلام














المزيد.....

على الأرض السلام


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 4519 - 2014 / 7 / 21 - 08:52
المحور: الادب والفن
    


لو لم أخرج ذلك اليوم بعد حمى أقعدتني فترة في داري، لما جرى الذي جرى، ولما تثبت صورتها في ذهني وهي تنقر على زجاج سيارتي بأصابعها، مرعوبة باكية.
عمل سائق الأجرة أمر ليس هيناً في المدينة هذه الأيام..لارزق واسع ولا أمان، لاوجود لأدوات احتياطية أو زبائن تدفع، الوضع كله جديد وغريب، وليس هناك ضمان أن من يطلع من بيته يرجع اليه كما خرج..تجتازني سيارات مسرعة على متنها مسلحين بسحنات غير مألوفة، أصوات إطلاقات نارية آتية من بعيد، حر متسيّد قبل انتصاف ظهيرة رمضانية خانقة..أحاول احتمالها أملاً في القيام بمشوارين أو ثلاث، أذهب بعدها لتسوق احتياجات أساسية قبل عودتي للبيت.
رايات سوداء ترفرف على أعمدة الكهرباء وفي أعلى البنايات، لافتة مخطوط عليها( قبيلة....تهنئ وتبايع الدولة الاسلامية وتبارك فتوحاتها الكبرى)، ناس تركض في اتجاهات مختلفة لأمر أجهله، حفر حديثة لم تكن على الأرض من قبل، رشقات رصاص قريبة، تجمع قريب ولغط أمام المطرانية الرئيسية على مبعدة أمتار:
- توقف.
يزعق أحدهم من مكبر صوت بدعاء نصر وبسملة، يكمل :
- أما بعد، لم يبق من الزمن سوى ساعة واحدة حتى ننظف دولتنا من الانجاس النصارى وما عليهم سوى اعتناق الاسلام أو دفع الجزية ( عهد الذمة)، والاّ فسيكون السيف بيننا وبينهم..وللّـه العزة ولرسوله والمؤمنين..عن ديوان القضاء في ولاية نينوى
- تكبير..اللـه أكبر
يندفع رجال مدججون بأسلحة الى داخل المطرانية، يتسلق آخرون بنايتها، ينزلون الصليب، يرمونه من فوق مع التكبيرات، يخرج الذين دخلوا الى الكنيسة محمّلين بتماثيل للمسيح وللعذراء، يحطمونها مواصلين التكبيرات، تلتهم النار المبنى قبل أن يُخرجوا المطران مكبّل اليدين، نازفاً من فمه..يركض بعضهم نحو سيارات تنتظرهم حاملين أيقونات فضية وأشياء أخرى لايمكن معرفتها لاختلاط الراكضين وتصاعد الغبار لدى تحريكهم مركباتهم بسرعة جنونية.
أواصل السير بعد انتهاء (الحفل)، عند ناصية شارع محاذٍ، ألمح جماعة من الشباب خارجة من بيت مخطوط على جداره الخارجي حرف (ن) كبير بالخط الأحمر، يحمل هؤلاء ماتيسّر لهم من مقتنيات أسرة غادرت الدار، يجري كل واحد باتجاه، يخلّف بعضهم ورائه بعض من ملابس أطفال وملاعق وأدوات مطبخ تسقط من صندوق يحمله.
أغمض عيني ولا يغمض جفن صور في مخيلتي، أنه الـ (فرهود) عينه، فرهود اليهود، فرهود المحمرّة، فرهود (التبعيين)، فرهود الكويت..كل شي مباح ومبررّ اسلامياً وشرعياً ومنطقياً، دولة الفرهود الكبيرة تصلب أبناء بلدها من جديد على يد أبنائها، يتأسف البعض على قوافل إغاثة غير مسموح لها دخول الحدود، يضحك آخرون: شعرفنا؟، هؤلاء أهل الموصل، أهل تاريخ مخزٍ، أهل السحل والدماء، عديمي غيرة..يتساءل مخالفون، وماذا عن البقية، ماذا عن نهب البلد كله على يد أهل المسابح والحملدراية وعلامات التقوى على الجُبن وجماعة أنت شيعي وأنت سنّي؟ هاهم يفعلون مايفعلونه، لنترضي بتقسيم البلد.
- يامريمانة! يايسوع! يا محمد! يا أديان..إلام؟
أشعر بدوار وصداع قاهرين، تعود لي الحمى مجدداً، أسلك طريقاً مختصراً للرجوع الى البيت، لكن رغبة في التقيؤ تضطرني الى إيقاف سيارتي وإفراغ ما في معدتي عبر النافذة..ألمحها بالمرآة، تقف عند النافذة الخلفية طالبة مني فتح باب السيارة..تهوي على المقعد بجسد متعب وعينين وجلتين مرعوبتين..تشكرني وهي تلم تجاعيد سنين على فم متيبس..أعلم من زيها ومن صليب ترتديه بأنها راهبة..وما أن أهمّ بالحديث اليها، حتى أسمع صوتاً آمراً:
- توقف..لتنزل تلك النصرانية النجسة من السيارة.
عبثاً أشرح لهم بأنني أحصل على رزقي من راكبين أي كانت ديانتهم، وأنها إمرأة طاعنة في السن وعاجزة..غير أنهم سرعان ما يمدّون أيديهم نحوها ويسحبونها من شعرها الأبيض خارج السيارة.
تنتابني حمى لاسعة كلما يتراءى لي السيف الذي يهوي على رقبة الراهبة العجوز، وصورة المسيح وهو يُصلب من جديد اليوم ليقف السلام باكياً على حدودك ياوطن.



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا خازر (من أوراق نازحة)
- عائلة الياسمين والمسرح
- - خبال - علمي
- إمرأة للدهشة
- كراسي في استراحة
- أحزان الدم
- شيء من ذلك
- هل تنحصر -الانسانية- في مهرجان؟
- (حمار وثلاث جمهوريات) من يروي ومن يرى؟*
- تفاحة الذاكرة
- فصل
- 1979
- جهشات الفراشات
- في الطريق
- مسرحية (ليالي عربية) بسماء ثورية
- عاتم أنوار
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - على الأرض السلام