أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - حبات من تمر قصة قصيرة














المزيد.....

حبات من تمر قصة قصيرة


محمد عبد الله دالي

الحوار المتمدن-العدد: 4454 - 2014 / 5 / 15 - 23:02
المحور: الادب والفن
    



كانا صغيرين يلعبان سويةً،منذُ نعومة أظفارهما ، شاء القدرُ ان يكونا جيرانا ، لايفصل بين أرضيهما ،إلا جدول صغيرٌ لا يتجاوز المترين عرضاٌ ، يمتلأ بالماء وينحسر تبعا لظاهرة المد والجزر، كانا يقفان على جانبي الجدول ، ويجتذبان الحديث طويلاً ، يجدا من الماء متعة للمزاح والمشاكسة ، وكانت الضحكة لا تفارق شفتيهما الطريتين .يشعرا بسعادة غامرة حين تتعالى ضحكاتهما وهما يصدان رشقه ماء من كفيهما الصغيرين ، وفي صباحِ يوم ندي خرجَ إلى المزرعةِ ، صاحَ بأعلى صوته ، شذى .. اليوم سيأخذني أبي إلى المدرسةِ :ــ
ــ وكذلك إنا ، سأراك هناك
أحسَ بالزهو والفرح الغامر ، يملأ كيانه . قال لها :ــ
ــ سترافقيني في الطريق إلى المدرسة ... لا يفصل بيننا سوى شارع صغير .. حملته أحلامه الطفولية على بساط وردي ، أكمل إستعدادة لصباحِ اليوم الموعود ، وضع ، حذاءه الجديد وملابسه المدرسية تحت رأسه وهو يحلم بيومِ متميز ،كأنه يستقبل احد صباحات العيد ، ولأول مرة تتشابك أيديهما ويجمعهما طريق المدرسة . ومرت الأيام بسرعة وآمال كبار ، تملأ قلبيهما . وفي ذات يوم غائم، اتفقا أن يزرعا فسيلتي نخيل ،كل ٌ في الضفة التي يسكن ، وقع اختيارهما على فسيلة البرحي ... غرس صفاء فسيلته ، وكذلك شذى ، ابتسما لبعضهما اخذ دلوه وسقى برحيته أولا وهو يصفق ــ هيه ..هيه ،ستثمر قبل برحيتكَ ، وهو في نشوة الفرح ، بدأت السماء تنثر رذاذاً بارداً يدعب تقاطيع وجهيهما البريئين ، ويزدهما فرحاً أغنية شعبية مشهورة
مطر ــمطر حلبي عبر بنات الجلبي
مطر ـمطر شاشا عبر بنات الباشا
وأخذ يدور حول نخلته ، ودارت هي في الجانب الأخر .. وأنشدت معه .. واستمرا والضحكة لاتفارق شفتيهما الورديتين واستمر المطر ... سمعا صوتا من البيت
شذى ،ادخلي .. الهواء بارد ... وقفا لحظة ، نظر أحدهما إلى الآخر ، التصقت ثيابهما على جسديهما الطريين ، بانت تقاسيم جسديهما ، هرولا مسرعين إلى البيت ، وهما يتسابقان ، ويلوحان بيديهما....!!
كبرا... وكَبُرَتْ البر حيتان ، وفي كل مساء ، يأخذ كتابه ويتسلل إلى المزرعة ، ويجلس تحت نخلته ، التي ارتفعت عن الأرض .. بقدر طوله ، كان يستظل بذوائبها الجميلة ، ينتظر بلهفة ... شذى عطرهِ وعمرهِ ورفيقة صباه ، يقفز قلبه من مكانه ، يريد أن يستقبلها قبل صاحبه ، تتهادى في مشيتها ،كنخلة هزتها ريح الربيع شمالا وجنوبا .. تتلفت مرة وتنحني مرة أخرى تتفادى أغصان أشجار البرتقال وسعف النخيل خوفا أن يراها احد.. إنها طقوس اللقاء ، كادت تكون يوميه ، يساعدها على عبور الجدول ،أحياناً .. يجلسان تحت ( برحيته) يهمسُ في إذنها لا عليك أنها سعيدة مثلنا ، تقول له ــ أخاف برحيتي تزعل ــ ويستمر اللقاء اليومي ، بالأمل والمستقبل المشرق ، وعند اصفرار الشمس ينسحبان بهدوء إلى البيت وفي لحظات الفراق ، يقفان بصمت تتبادل العيون لغتها ،يتنهد ويدلف كل منهما إلى بيته ... كان يدندن ــ مطر ــ مطر حلبي عبر بنات الجلبي ــ
وأشرقت شمس يوم جديد ، سمع صوت شذى وهي تصيح مرتفع ــ ما ما ــ البر حية ( طَلعتْ ) حملت ( عثقين ) وهي تقفز فرحاً وزهوا بعنفوان الشباب ، خرج مسرعاً ، متجها نحو برحيته .. ليتأكد بدوره منها ... سمع صوتا ناعما ـ صفاء ــ برحيني حَمَلَتْ قبل برحيتك ـ ها ــ ها ــ قال وهو يحادثها نفسه :ــ
:ــ قالوا البنات تكبر قبل الأولاد وصدقوا .. حتى البر حي
:ــ أجابته ، ولايهمك ، طلعةٌ لك و طلعة لي ، اتفقنا
:ــ وهل سنختلف يوما يا شذى حياتي
:ـــ قالَ أتدرين؟ تمر البرحي أطيب وأجود النمور ،وإن شاء الله نأكل سوّيًة ، تمرة لك وتمرة لي ... كان يوما من أجمل الأيام .
ذهب كل إلى مدرسته ، كم تمنى أن تكون معه على نفس مقعد الدراسة يحسُ بأنفاسها ، يسمعُ صوتها وهي تضحك وتهمس في إذنيه كلمات لها وقع خاص في نفسه ..وفجأة قطعَ سلسلة أحلامه صوت المدرس ، يا أولاد، الكل يأخذ
كتبه ويعود إلى بيته ، سيكون خطرُ عليكم البقاء في المدرسة بُلِغنا بأخذ الِحيطة والحذر ... انتاب الطلاب شيء من الخوف والتساؤل !! ماذا حدثَ ؟ ما الأمر !؟دفع به الخوف للتفكير بشذى ، كيف سمعت الخبر ..هرول مسرعا نحو مدرسة البنات ، عبر الشارع ، وقف جانباً رآها مسرعة نحوه .. تبين إنهم أبلغوهم نفس الخبر ، أوصلها إلى البيت ، ودلف إلى المزرعة ، حيث جهاز الراديو .. فوجئ بالمذيع يقول إن قواتنا قامت بالرد على العدوان .بالمثل ومازالت قواتنا البطلة تشتبك مع العدو على الحدود . انتابه حزن شديد أحسن بقلبه ينقبض ،مَرَ عليه ليلا حزينا .. قاتل الله السلاطين وإطماعهم ، إنها الحرب التي ولا تذر اختلط صوت الرعد ، والبرق .. بصوت ووميض المدافع وأزيز الطائرات .
وعندما تنفس الصباح ومع صوت العصافير والبلابل .. سمع العجلات العسكرية ، وصوت رخيم ينادي ، أهل البيت .. خرج والدي مذعورا وقف وجها لوجه ،ليستمع إلى الضابط ،المحاط بحماية يأمر بإخلاء المنطقة فوراً صوت الشفلات غطى على همس أحلامه التي ليس لها حدود ،كانت الآليات ،تسحق الأخضر واليابس :وبصوت متغطرس أجاب العسكري ــ نبني ساتراً ترابياً .. رأى صفاء وشذى نخلتيهما ، تقتلعهما الجزارات العسكرية وتطرحهما أرضا ،وحبات التمر تتناثر ، فتختلط بدموع عينيهما المحمرتين من الألم والحزن ،ضاعت آمالهما وتحطمت تحت عجلات المتحاربين علا صوت الضابط مرة أخرى .. اخلوا المنطقة ، وبدون تأخير ــ هذا أمر ـ وجودكم سيعرضكم للخطر ..هيا أسرعوا .!
غادر الجميع وهم يحملون ما يقدرون على إلى جهات أكثر أمننا في ارض الله الواسعة ..صاح صفاء وبأعلى صوته ، سأرجع يا شذى وأزرع ( برحية ) سأرجع يا شذى وأزرع برحية ودعته بدمعة حائرة من عينيها المتطلعتين إلى المستقبل المجهول

قصة / محمد عبد الله دالي / في 1982



#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزائر الصغير قصة قصيرة
- احلام ربيعيه قصة قصيرة
- الحجاب قصة قصيرة
- عربة الاسعاف قصة قصيره
- داعش وتدعيات الوضع الامني في العراق
- قصة قصيره الكتابة على الرصيف
- الاصرار على الحريه قصة قصيره
- الطبقه العامله ونضالها ضد الظلم والاستبداد
- في المزاد العلني
- المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة
- ربيع أمرأة في السبعبن قصة قصيرة
- لا يأس مع الحياة قصة قصيرة
- مشاركة القوى اليساريه في الانتخابات ما بعد ثورات وانتفاضات ا ...
- صاحب الحديد قصة قصيرة جداً
- وجع السنين قصة قصيرة
- دور القوى اليساريه التقدميه ،ومكانتها في ثورات الربيع العربي
- انتم ربحتم المليون ونحن ربحنا
- اليتيمان قصة قصيره
- دموع الصمت قصة قصيرة
- الليالي البيض قصة قصيرة


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - حبات من تمر قصة قصيرة