أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أحمد سوكارنو عبد الحافظ - قصة النوبيين مع السلام والعنف والمؤامرة















المزيد.....

قصة النوبيين مع السلام والعنف والمؤامرة


أحمد سوكارنو عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 00:38
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


لعل الحسنة الوحيدة لأحداث أسوان الدامية هى أننى تلقيت مكالمات تليفونية ورسائل من زملاء فى قنا التى قضيت فيها أكثر من ربع قرن قبل الانتقال للعمل فى أسوان. لقد تلقيت مكالمات من الدكتور محمد عبد العزيز والدكتور مصطفى فوزى الأستاذان بقسم الكيمياء بكلية العلوم والدكتور أحمد حسين خليل رئيس قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب والدكتورة وفاء سرور بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب. كما تلقيت رسالة عبر الانترنت من الدكتور حمدى الجابرى رئيس قسم اللغة الانجليزية الأسبق بكلية الآداب بقنا ومن تلميذتى الدكتورة ريهام عمر كرام ومن أصدقاء آخرين. اللافت للنظر أن هؤلاء الزملاء الأفاضل والزميلات الفضليات قد عبروا عن دهشتهم من الدماء التى سالت فى شوارع أسوان. ولم يتوقع أحد—وأنا منهم— أن يأتى رد فعل الدبوديين بهذا العنف. وهذه الدهشة مردها إلى أن النوبيين معروف عنهم الطيبة والسماحة وعدم الميل للعنف. وكانت معظم الأسئلة التى تلقيتها تدور حول الأسباب التى أدت إلى تحول أناس مسالمين نحو استخدام العنف والسعى لتملك الأسلحة. لقد توقفت طويلا للإمعان فى هذه الأسباب، فقررت الخوض فى الجذور التاريخية للنوبيين بغية التعرف على طبيعة حياتهم قبل الهجرة والتهجير إلى المواقع الحالية فى أسوان والمحافظات المتآخمة لها.

لعله من المفيد أن نشير بداية أن النوبيين قبل الهجرة والتهجير كانوا يقيمون فى قرى تمتد لمسافة 350كم على ضفاف النيل حيث كان أهلها يعملون فى مجال الزراعة. وكانت النوبة منطقة معزولة عن المدن المصرية، أى يصعب الوصول إليها برا. وهذه المنطقة المعزولة لم تعرف العنف ولم تشهد قراها أى صراعات دامية. لقد كان النوبيون يتحدثون عن أرضهم ويصفونها ببلد الأمان، أى أرض الأمن والأمان. ويقول روبرت فرنيا استاذ الانثربولوجيا (علم حياة الإنسان) بجامعة تكساس فى كتاب "النوبيون المصريون: شعب مسالم": نحن الغرباء الذين عاشوا فى بلاد النوبة لا نشعر بأية مبالغة فى هذا الوصف للحياة فى النوبة. ولا يستطيع أى امرئ أن يشهد العنف بين الناس فى هذه البلاد. ولا تتسم الحياة فى القرى النوبية بالتحزب والعدوانية كما هو الحال فى حياة القرى الأخرى. والصورة العامة عن النوبة هى أنها لا تعرف الثأر أو النزاعات على المصادر المشتركة فى القرية أو حالات تشرذم أو عنف.

ويستطرد فرنيا: لقد كان أفراد الشرطة المصرية فى عنيبة، التى كانت تمثل المركز الإداري لبلانة فى منطقة الفاديجا يشتكون مر الشكوى من الملل الذى أصابهم فى مواقعهم، فيقولون إن منطقة النوبة لا تعرف الجريمة عدا بعض حالات السرقة. وكان لدى الباحثين فى المنطقة شعور وانطباع مماثل. وحتى لو كانت هناك جرائم عنف قد حدثت فى المنطقة، فإن الغرباء قد لا يعلمون عنها أى شيء وفقاً للمعايير النوبية. لقد كانت هنالك لجان لفض النزاعات حيث تتولى مجموعة من عواقل القبائل إصدار الحكم فى مثل هذه الحالات وكانت كل الأطراف المتنازعة تلتزم وتتقبل الأحكام التى تصدر عن هذه اللجان العرفية. وحتى حالات الطلاق لم تجد طريقها الى المحاكم إلا فى الحالات النادرة إذ كانت تتولاها تلك اللجان التى تضع معايير عامة وثابتة تطبق على جميع الحالات المماثلة. وفى حالة فشل هذه اللجان فى إيجاد حلول للقضايا الأسرية فإن الأطراف المتخاصمة كانت تتجه الى محكمة أبوهور الشرعية أو محكمة الدر الشرعية التى كانت تختص بالنظر فى قضايا الطلاق والنفقة والميراث. وقد بدأت محكمة أبوهور فى النظر فى قضايا الأحوال الشخصية للنوبيين الكنوزعام 1882م بينما بدأت محكمة الدر فى النظر فى قضايا الفاديجا فى عام 1860م.

وبدأ نزوح النوبيين إلى شمال البلاد مع إنشاء خزان أسوان فى شمال الشلال فى عام 1902م. لقد تسببت المياه المحتجزة خلف الخزان والتى بلغ منسوبها 106 مترا فى إغراق بعض أراضى النوبة بما عليها من مساكن ومزروعات وسواقى ونخيل فى عشر قرى مما أضطر أهالى القرى المنكوبة (دابود والقرى الواقعة شمالها) إلى الهجرة إلى مناطق غرب أسوان والشلال والجزيرة وعزبة العسكر وجزيرة أسوان وتنقار وجبل تقوق ونجع المحطة وعزبة المنشية وجزيرة سهيل وغرب سهيل وجزيرة هيسا والبيجه وعزبة الحدود والكرور وأراشكول والمسي تود ومنهم من توجه إلى داخل مدينة أسوان فى مناطق الحصايا وجزيرة عواض والشيخ هارون والسيل والخزان. ثم جاءت التعلية الأولى للخزان عام 1912م ليرتفع منسوب المياه إلى 114 متراً وتغرق ثمانية قرى نوبية هى قورتة والعلاقى والسيالة والمحرقة والمضيق والسبوع ووادى العرب وشاترمة. وفى عام 1933م تمت التعلية الثانية للخزان ليصل منسوب المياه إلى 121 متراً لتغرق للمرة الثالثة حوالى عشرة قرى نوبية أخرى. كان أهالى بعض القرى يضطرون إلى الهجرة إلى الشمال حيث أقاموا مجتمعات فى مدينة قنا وأسنا والأقصر ودراو. ثم قررت الحكومة المصرية إنشاء السد العالى الذى أدى إلى غرق الآراضى النوبية تماما ولذلك تقرر تهجير النوبيين (وعدد قراهم 44 قرية) إلى منطقة كوم أمبو فى عام 1963م-1964م.

ورغم أن خمسين عاما قد مر على التهجير إلا أن أهل النوبة فى منطقة التهجير لم يعرفوا أية حالات عنف ولم ينخرطوا فى جرائم ثأر مع أهالى القرى المجاورة الذين ينحدرون من قبائل الجعافرة أو من قبائل تعود جذورها إلى محافظة قنا. فالنوبيون كانوا ومازالوا يعيشون فى سلام مع جيرانهم. وبعد ثورة 25 يناير 2011م حدثت عدة اعتداءات على أهالى النوبة فى مدينة أسوان وفى منطقة التهجير. ففى عام 2013م حدث هجوم على قرية دابود التى تقع غرب طريق أسوان-القاهرة وتبعد عن كوم أمبو بحوالى 10كم وهذا الهجوم قام به اهالى قرية مجاورة تقع على الجانب الآخر من الطريق. المهم أن الهجوم لم يكن بالحجارة والعصى فحسب بل أيضا بالبنادق الآلية. ولم يستطع أهالى دابود المسالمين الذين لا يملكون أية أسلحة من التصدى لهذا الهجوم مما حدا بهم الاتصال بأجهزة الأمن التى جاءت على الفور وقامت بفض الاشتباك بالقنابل المسيلة للدموع. وحدث هجوم مماثل على منطقة الدبودية فى السيل بأسوان. ونظرا لتكرار هذه الهجمات فإن الشباب النوبى فى هذه المناطق شعروا بالخطر الذى يحيق بهم فقرروا اللجوء إلى كل السبل التى تساهم فى تأمين حياتهم.

من الملاحظ ان حب النوبيين للسلام والأمان يرجع إلى طبيعة الحياة التى كانوا يعيشونها فى النوبة القديمة التى كانت معزولة عن المجتمعات الأخرى التى اعتادت على العنف. الجدير بالذكر أن معظم النوبيين الذين عاشوا فى النوبة القديمة قد انتقلوا إلى رحمة الله. فالطفل الذى ولد فى النوبة الجديدة بعد التهجير يبلغ الآن خمسين عاما ومعظم الشباب فى العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات ولدوا فى الموقع الجديد الذى يتسم بعادات مختلفة وهى فى مجملها عادات لا تعرف التسامح وتميل إلى العنف كلغة أولى للحوار بين أفرادها ومن ثم فإن الشباب النوبى ترعرع فى بيئة مختلفة مفرادتها العنف والانتقام وعدم التسامح. ومما سبق نستطيع أن نقول إننا نتعامل مع نوبيين مختلفين فى الطباع والسلوك عن الأهالى الذين عاشوا فى مناطق ذات طبيعة خلابة حيث كانت الحياة ترتكز حول نهر النيل الذى تبعث رائحته الهدوء والسكينة فى النفوس.

ومع ذلك فإن الأمل مازال يحدونا أن تعود هيبة الدولة عبر الانتخابات الرئاسية القادمة لأن هذا الأمر بات مطلبا ملحا. من المؤكد أن نزع الأسلحة من محافظات المعمورة عامة ومن المحافظات الحدودية على وجه الخصوص سوف يساهم فى بث الطمأنينة فى النفوس المضطربة. وفى ظنى فإن هذا هو السبيل الوحيد الى استقرار البلاد فى أسرع وقت ممكن وإلا سوف نواجه مصيرا مجهولا يهدد كيان الدولة التى تستهدف وحدتها عناصر عديدة فى الداخل والخارج. وفى هذا الصدد يمكن قول إن الأحداث الأخيرة فى أسوان يمكن تفسيرها من خلال نظرية المؤامرة حيث يهدف أصحابها إلى عرقلة خارطة الطريق والانتخابات الرئاسية لأن أصحاب هذه النظرية يعلمون أن الأطراف المتصارعة فى أسوان لديهم جذور فى محافظات ومدن مختلفة: الأقصر وأسنا وقنا والسويس والاسماعيلية والقاهرة والأسكندرية ومن ثم فإن أصحاب هذه المؤامرة أو الفتنة يأملون أن ينتقل الصراع إلى كل هذه المناطق.



#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يوقف نزيف الدماء فى شوارع أسوان؟
- هل سنحترم الدستور الجديد؟
- حقوق الإنسان-الطالب فى الجامعة
- عمداء الكليات فى مصر بين التعيين والاختيار
- المسئول فى مصر بين مطرقة النفاق أو النقد وسندان النسيان
- تجارب ربع قرن فى إدارات الجامعة
- خطط لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط: مشروع الشرق الأوسط الجديد ...
- مقال بلال فضل الممنوع من النشر
- كمل جميلك
- ممكن؟
- قناة الجزيرة وحقوق الإنسان فى قطر
- الخيانة وتأثيرها على الأمن القومى المصرى
- بعض أمنيات المصريين فى عام 2014
- حول تطوير التعليم الجامعى فى مصر
- هل يصوت الشعب المصرى بنعم للدستور الجديد؟
- زيارة شتوية للقاهرة والإسكندرية
- خارطة طريق أخرى فى مصر
- قراءة فى قانون التظاهر المصرى مع مقارنته بالقانون الامريكى و ...
- أخطاء الرئيس السابق محمد مرسى
- تعاطف وانتماء بعض المصريين للإخوان المسلمين


المزيد.....




- الانتخابات الأوروبية في مرمى نيران التدخل الأجنبي المستمر
- أمريكا كانت على علم بالمقترح الذي وافقت عليه حماس.. هل تم -ا ...
- اتحاد القبائل العربية في سيناء.. بيان الاتحاد حول رفح يثير ج ...
- لماذا تشترط واشنطن على الرياض التطبيع مع إسرائيل قبل توقيع م ...
- -الولايات المتحدة تفعل بالضبط ما تطلب من إسرائيل ألا تفعله-- ...
- بعد قرنين.. سيمفونية بيتهوفن التاسعة تعرض بصيغتها الأصلية في ...
- السفارة الروسية: قرار برلين بحظر رفع الأعلام الروسية يومي 8 ...
- قديروف: لا يوجد بديل لبوتين في روسيا
- وزير إسرائيلي يطالب باحتلال رفح والاستحواذ الكامل على محور ف ...
- مسؤول في حماس: محادثات القاهرة -فرصة أخيرة- لإسرائيل لاستعاد ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أحمد سوكارنو عبد الحافظ - قصة النوبيين مع السلام والعنف والمؤامرة