أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - الفكر المصري ودورهُ التاريخي(10)















المزيد.....

الفكر المصري ودورهُ التاريخي(10)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 09:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الأفكار المهمة الجديدة التي يطرحها المفكر سلامة موسى كانت ذات أثر كبير في تطور الشباب خاصة وهي تقدم أحياناً كمقالات مطولة وقصيرة في أغلب الأحيان، وتتجه إلى عرض الفكرة والترويج لها، بدون تحليلات معمقة. وكثيراً ما تقوده هذه الأفكار الشعارية إلى الاصطدام مع القوة الاجتماعية المحافظة.
علينا أن نعتبر فكرته بضرورة تغييب الرابطة العربية والإسلامية من تطور مصر الحضاري المنتظر، هو خطأ فكري مزدوج، فهو خطأ في قراءة سيرورة مصر، المتكونة بشكلٍ عربي وإسلامي ومسيحي في العصر الوسيط، حيث حدثت نهضةٌ كبيرةٌ بفضل هذه المرحلة، ولكن النظام الذي هيمن غيّب تلك الإنجازات، فيبدو التطور العربي الإسلامي عند سلامة موسى كفعلٍ سلبي فحسب، فهو يغفلُ العناصرَ الديمقراطيةَ والنهضوية في هذا السياق، مركزاً على الأشكال التي سيطر بها الإقطاعُ الديني على المسلمين والمسيحيين، معتبراً هذه الأشكال هي كل ما أنتجه العرب والمسلمون.
ولا شك أن فرز هذه العناصر المتضادة يحتاج إلى دراسات معمقة، وتحليلات في البنية الاجتماعية ومستوياتها، وهي أمور لم يقم بها سلامة موسى، فيجد أمامه الثقافة العربية الإسلامية كثقافة محافظة يجب الإطاحة بها، وحتى هذه الإطاحة تبقى غير مبلورة، بل هي شعارات موجهة ضد لغة عربية عتيقة وعادات متكلسة، وهو أمر صحيح، وقد أسهم هو في زحزحة هذه اللغة المقعرة الجامدة، بلغته الرشيقة السهلة الواضحة. ولكن مسائل إزاحة الجمود والتخلف في ثقافة هي غير إلغائها، بل هي في درسها والجدل معها، وفرز ما هو سلبي وإيجابي فيها، ويبقى وعي سلامة موسى غير قادر على كشف هذه اللوحة المعقدة والمركبة للثقافة العربية والإسلامية.
ليس لأنه يأتي إليهما من الخارج، بل لأنه لم يدرسهما بشكل عميق، وأغلب قراءاته هي للنتاج الغربي عموماً، وهو يريد إدخال شعارات هذا الغربي المتطور إلى عالم يرفضه ويريده أن يتغير من خارجه.
إن رغبته في تشكيل مصر بالصورة التي يريدها، حيث لم يقم بالكتابة عن أي بلد عربي آخر، ودوره في هذه الكتابة الطويلة وخلق القراء، لا تؤدي إلى نتائج كبيرة في الواقع والمناخ الثقافي الفكري، وعلى العكس فإن المناخ يتجه إلى نقيض أفكاره، وجهده في خلق تنوير يُستبدل برواج الاتجاهات السلبية والمحافظة.
وهذا المصير الفكري والاجتماعي هو غير مسئول عنه، ولكن هذا المصير يحدد كيف تضيع سنوات من العمل الفكري وتتدمر بذور التنويريين، لكنها تحقق انتصارات مع موجة الثورة الجديدة.
كان التطور الاجتماعي والفكري في مصر يتجه بخلاف آراء سلامة موسى القائلة بضرورة اعتماد التدرج الاشتراكي في عمليات الإصلاح، فالمدينة الإقطاعية التي أسستها السلالة الملكية كانت تتجه إلى الانفجار، والتحولات الرأسمالية على مدى قرن كامل، لم تستطع تشكيل تحول رأسمالي جذري، على صعيد تشكيل سلطة ديمقراطية أو على أساس نمو تحديثي في كل مستويات البنية، فبدأت المدنُ تتضخم سكانياً من جراء تطورات رأسمالية متضادة، وبدأ الريف يضغط، ونستطيع أن نعتبر سيطرة الضباط الأحرار هو انتصار للفلاحين المتوسطين بثقافتهم الدينية والحديثة المتداخلة، بحيث حافظوا على التعايش بين النظام الإقطاعي وجوانب من التطور الرأسمالي، وعبر سيطرتهم على رأسمالية الدولة، انتقلوا إلى صفوف الأغنياء، وأدى هذا التطور العسكري، إلى استنفار القوى المحافظة وعودتها بعدئذٍ إلى الهيمنة بشكل أقوى من السابق.
إن سلامة موسى ناضل من أجل نمو التحديث والليبرالية والإصلاحات الاجتماعية التي يسميها الاشتراكية، ولكن ما حدث هو نمو الاتجاهات الشمولية، ولم يسهم في رصد هذا الصعود بسبب أدوات تحليله المبسطة، أي أنه لم يقرأ البنية الاجتماعية وبالتالي لم يشكل تياراً يقاوم هذا الاكتساح المستقبلي، رغم اهتمامه الشديد بالمستقبل، وذلك عبر عدم جمعه بين العروبة والإسلام والمسيحية والتحديث، بين العلمانية وتحليل الجذور التاريخية للأمة، بين الانتماء إلى الشرق والانفتاح على ثمار الأمم النهضوية، وبين الدفاع عن الديمقراطية وتقدم الأغلبية الشعبية.
هذه التركيبة الجدلية كانت تستدعي دراسات على مستويات الماضي والحاضر، الشرق والغرب، وهذه الإمكانية التوليفية لم تكن ممكنة لجيل كامل من النهضويين، تقاطع وعيهم بين قطبين، قطب الشرق والتراث وقطب الغرب والمعاصرة، وهو أمر يعكس هيمنة الفئات الوسطى غير الصناعية والمستوردة، التي تستورد الموديلات الجاهزة من الماضي أو من الحاضر الغربي، وليست قادرة على التصنيع وهدم النظام الإقطاعي - المذهبي، وهو أمر يتطلب تغيير المواد الخام التراثية والراهنة، تبعاً لتطور مصالح الأغلبية من الشعب والأمة.
إن الشعارات السهلة والتنويرية لا تقود إلى محصول كبير، فمن السهل المطالبة بزوال الأزهر كمؤسسة دينية ولكن من الصعب دراسة هذه المؤسسة وتيارات الوعي فيها، وطرح اجتهادات في الخطاب الديني نفسه، وهذا ما أخذت التيارات النهضوية العربية الجديدة تعيد النظر فيه، وبدأت دراسات علمية في هذه الجوانب.
والدراسة العميقة تؤدي إلى غياب الشعارية والتسييس الُمبسّط والخطر وتقترب من رصد الحالة الموضوعية للتطور، واحتمالاتها المختلفة، وبالتالي تغدو أكثر تبصراً على صعيد التأثير اليومي.
بطبيعة الحال أسهم سلامة موسى في نشر ثقافة تنويرية ونهضوية في حدود معينة، وهناك أجيالٌ من الشباب تدين له بالفضل بسبب دعواته للعلم والثقافة والتمدن، وقد شرح العديد من النظريات ببساطة، ولكن يبقى أن يؤخذ تراثه بقراءة جديدة وبحذر علمي كبير.
وهناك دراسات كبيرة كتبت عنه، ولكنها إما أن تمدحه بإفراط وإما ترفضه بتعصب شديد، ولهذا فإن دراسة موضوعية عنه، وتجميع كتبه في طبعات جديدة كاملة، هي أمور ضرورية لاكتشاف وعينا العربي المعاصر بشتى جوانبه.
لقد كتب عنه الباحث المغربي عبدالله العروي في تقييم أقرب إلى الدقة حين وصفه بأنه نموذج لسبنسر، وهو المؤلف البريطاني الذي مزج بين الداروينية البيولوجية والحياة الاجتماعية.
سنأخذ مثالاً ملموساً أخيراً على رؤيته:
في مقدمة كتابه (هؤلاء علموني) يشيد سلامة موسى بالتجربة الحضارية الديمقراطية الغربية: (رأيتُ شعوباً لكل منها الكلمة العليا التي تتضحُ في الانتخابات البرلمانية. ورأيت مشاكل الشعب تدرس في البرلمان الذي له وحده حق تعيين الوزارات وإسقاطها).
تتشكل لدى سلامة موسى لغة عاطفية مثالية، فهنا الديمقراطية تغدو لا طبقية، حيث (الشعب) هو الذي يحكم، كذلك نجد نظرية التطور تتحول إلى ما يشبه الدين لديه (وتحملتُ بهذه المعرفة مسئولية وأحسست ديناً. ولم ينقص من هذا الدين أنني وقفت على مئات الخرافات التي وقع فيها الإنسان).
وتتحول الأفكار لديه إلى نشاط ثقافي مفصول عن البناء الاجتماعي وقوة مفارقةً: (ولكن الدنيا تغيرت بالكتب، وعندنا على ذلك المثل الأكبر، فإن كتب الدين قد غيرت النفس البشرية إذ عينت لنشاطها اتجاهاً وأكسبتها أهدافاً لم تكن تعرفها من قبل).
إن الحركات الاجتماعية تغدو كتباً، فتنفصل الأفكار عن صراع الطبقات، وتتحول الأفكار لديه إلى ما يشبه القوة الدينية فكأنها تمتلك من ذاتها إمكانية النمو والتغيير، (وهناك كتبٌ قد غيرت نفوسنا كما لو كانت ديانات جديدة)، وتصير نظرية التطور شكلاً من الوعي الصوفي(فهي إحساس وشهوة تنبضُ بهما عروقنا وتخفق بهما قلوبنا) (أحس بتلك الوحدة الوجودية حتى لأقول كما يقول ذلك القديس المسيحي: أخي الطير وأخي الشجر وأخي الوحش).
وكما يتشكل التجريد للمجتمع الرأسمالي الحديث فيتشكل التجريد للتطور التاريخي فهناك مجتمع زراعي راكد وهناك مجتمع صناعي متحرك، وهذه التعميمات تمنع سلامة موسى من مغادرة هذه التنميطات غير العلمية بالدخول إلى علاقات الإنتاج المختلفة ودرسها في البنى المختلفة.
وهذه التنميطات العامة المجردة تتواصل إلى كل المدارس والشخصيات التاريخية فهذا يكون داعية التجربة وهذا ديكارت داعية العقل.
وقد ظل أربعين سنة- كما يقول- غير قادر على حسم موضوع أساس التطور المقدس لديه، فهل هو الوسط أم تنازع البقاء؟. وهذا التنازع الذي ظل في نفسه يوضح صراعه بين المثالية والمادية، فحين يعطي لعناصر تنازع البقاء الدور الأساسي في تشكيل التطور، فهو ينحاز هنا إلى جوانب فكرية إيديولوجية معاصرة مُسقطة على فهم التطور الموضوعي للأجناس والأنواع، في حين أن فكرة الدور الأساسي للوسط في تشكيل هذه الأنواع كانت فكرة متأخرة لديه، مما يعبر عن انتصار الفكرة الموضوعية أخيراً عنده، ولكن بعد عدة عقود، وهو أمرٌ يشكلُ عدم قدرة على الحفر العميق في نظرية التطور، التي اتخذت طابعاً بيولوجياً أكثر منه اجتماعياً، ثم حين تحولت إلى طابع اجتماعي اقتصرت على فهم مثالي تبشيري، ومن هنا كان ذلك العجز عن الحفر في تاريخ المنطقة ليس الاجتماعي فحسب، وهو أمر مركب، بل تاريخها السياسي كذلك، ومن هنا نجد معلميه الغربيين، فلا يشير إلى أنبياء المنطقة أو مفكريها وفلاسفتها ودورهم التحويلي النهضوي، إلا عبر مفردات عامة عن الإسلام والمسيحية واليهودية وأدوارها المهمة.
وحدث ذلك أيضاً مع فكرة كبرى لعبت في حياته دوراً مماثلاً لنظرية التطور، وهي مشتقةٌ منها، هي أفكار الفيلسوف الألماني نيتشه، ونظرية السوبرمان، وهنا تداخلت الروح الدينية الصوفية لدى سلامة موسى بالفكر الأوروبي، لكن الفاشي هذه المرة، يقول:
(وقد عرفتُ نيتشه في 1909 وكنتُ منغمساً في نظرية التطور) ص81، (وهبط عليّ كما لو كان وحياً أو كشفاً) وبعد ذلك بعقود استطاع سلامة موسى أن يفهم الأبعاد الفاشية للسوبرمان، مما يجعل من إمكانية التحليل الاجتماعي الموضوعي وبالتالي ظهور استخلاصات فلسفية علمية لديه أمراً غير ممكن.
النهضة بصورة مُبسطة، في وقتٍ افتقد العالم العربي مثل هذه العروض لفترة طويلة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (9)
- كلام في الهواء
- الانقسامُ الطائفيُّ المشرقي
- الهندُ والخليج.. علاقةٌ مستمرةٌ
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي(8)
- الفكر المصري ودوره التاريخي (7)
- الفكرُ المصريُّ ودورُهُ التاريخي (6)
- الفكرُ المصريُّ ودورُهُ التاريخي (5-6)
- المثقفون العاميون
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (4-4)
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (3-4)
- الفكرُ المصري ودورهُ التاريخي (2)
- الفكرُ المصري ودوره التاريخي (1-2)
- عامياتٌ وعامياتٌ
- عناصرُ التحديث الفكرية لدى النهضويين (2-2)
- عناصرُ التحديثِ الفكرية لدى النهضويين (1-2)
- تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
- جذورُ الطائفيةِ الفكريةِ
- مخاطرُ الجملةِ الثوريةِ الزائفةِ
- أزمةُ الأريافِ العربية بين عصرين


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - الفكر المصري ودورهُ التاريخي(10)