|
عن الفتنة بالمتنبي !
جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4327 - 2014 / 1 / 6 - 11:30
المحور:
الادب والفن
قد لا يختلف أثنان أبدا في أن المتنبي شاعر كبير وصاحب موهبة شعرية ضخمة ، لعله الشاعر الأكبر علي طول تاريخ الشعر العربي علي الإطلاق ، لكنه كان محدود الثقافة ، يجري تفكيره كله وراء طموح محموم لنيل مراده في المال والجاه ، وفي سبيلهما كان ، دائما ، علي استعداد أن يماري وأن ينافق ويظهر غير ما يبطن ، يلبس الباطل ثوب الحق ولا يبالي ، كان انتهازيا بإمتياز وعنصريا بغيضا إلي أقصي حد و عديم الأخلاق والإنسانية ! " قد كنت فارسا شجاعا ذات يوم حتي أكلت من طعام أعدائي فصرت مقعدا . وكنت شاعرا حكيما ... حتي إذا استطعت أحمل اللفظين معني واحدا ، فقدت حكمتي ... وضاع الشعر مني بددا " ... صدق حجازي . لكن مراوغة المتنبي للحياة وعبثه معها حد أصبح أكثر من شخص في واحد ، لكن لم تفقده شعريته حتي يوم مقتله في دير العاقول وهو في طريقه إلي بغداد عام 965 م ، وهو المولود بالكوفة العام 915 م ، فكان مقتله وهو في الخمسين من عمره ! قصد كافورا وهو يضمر في ثنايا طموحه المحرق هدفا واحدا لا يري غيره ولن يكون إلا فيه ، أن يغدق عليه كافور الهدايا والعطايا والمال والجاه فيوليه إمارة أحدي المقاطعات فيكون واليا عليها ، قصده ، وقد بدل قلبه ورؤاه ، فشرع فور قدومه إليه ينافقه فيمدحه أيما مديح: " قواصد كافور ، توارك غيره ومن قصد البحر أستقل السواقيا " ... لكن ، مثل ذلك المديح المنافق ، لم يكن ليخفي ما وراءه علي فطنة كافور ، كان يعرف مقصده ويعرف أيضا نفاقه الرخيص الذي ينشده في مجلسه دون خجل أو تردد ، لقد كان ضميره نائما ومغطي بذلك الطموح العجيب للجاه والسلطة والمال . لا ، لم تكن بيئة ذلك الزمان تجري في مثل هذه الوجهة في الشعر والشعراء ، فئة منهم ذوات منافع ومصالح انتهازية هي التي كانت تحيط بالسلطان ، تريق ماء وجهها وتبيع لحمه صباح مساء علي اعتاب البلاط هنا أو هناك ! كافور كان أذكي وأعلم منه ، فلم يمنحه درهما واحدا من خزائن مصر ، فهو المؤتمن علي ذلك المال ! لما يئس منه ، وعرف أنه لن ينال شيئا منه أنقلب عليه يهجوه و ... يهرب : " جود الرجال من الأيدي ، وجودهم من اللسان ... فلا كانوا ولا الجود " ! ... كافور كان رقيقا أشتراه محمد بن طفج مؤسس الأسرة الأخشيدية عام 923م كرقيق من الحبشة . كان مخصيا ، أسود اللون ، ذو قلب كبير وحكمة وذكاء ملحوظ ، مما جعل سيده ينتبه إليه ويقربه ، فظهرت إليه مواهبه في الإخلاص والصدق والذكاء ، فأعتقه وأطلق سراحه ، لكنه سرعان ما جعله مشرفا علي تعليم ابنائه ومعلما لهم . وظل يسير من نجاح إلي نجاح ويرتقي سلم المجد ، حتي صار وصيا علي العرش بعد وفاة محمد بن طغج ، فغدا كافور الحاكم الفعلي لمصر منذ العام 964 م ، وعرف عنه أنه كان حاكما حكيما وعادلا ومنتصرا في الحروب . جن جنون المتنبي جراء إهمال كافور له ، وعدم نيله مراده منه ، فدبر هروبه ذات ليلة مظلمة بعد أن نظم هجائياته المقذعة في النيل من كافور وذمه بسواده أبشع الذم وأرخصه ، فشهر به وشاعت أشعاره في العرب حتي يوم الناس هذا ، كتب لها الخلود لأنها تتغذي في بقائها علي منابع العنصرية الكامنة في عقول العرب : " لا تشتري العبد إلا والعصا معه أن العبيد لأنجاس مناكيد " ... " تظن ابتساماتي رجاء وغبطة وما أنا إلا ضاحك من رجائيا وتعجبني رجلاك في النعل ... أنني رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا ! ويذكرني تخييط كعبك شقه ومشيك في ثوب من الزفت عاريا ومثلك يؤتي من بلاد بعيدة ليضحك ربات الحداد البواكيا ! " ... المتنبي ، كان شاعرا كبيرا ، و ... عنصريا كبيرا ، تجري فيه مجري الدم وسيلانه في جسده ، وقد نالت تلك القصائد العنصرية الرضا في بيئة العرب فسارت بها الركبان علي قولهم ، ويبقي السؤال كما أظنه ، تري هل يجوز لنا – والحال كذلك – أن نتخذه ضوءا و قدوة – حين نكتب القصص والروايات والشعر التي تصور حياة وحالات " المهمشين " الفقراء من السود في عالمنا ؟ هذا السؤال هو الذي جرني لهذا الحديث عنه ، فقد رأيت أحد كبار الروائيين من ذوي البشرة السوداء يأتي بمقولته عن الخمر فيثبتها علي صدر روايته التي تدور كلها في تصوير حياة هؤلاء البؤساء ، بل جعل صفة المتنبي العربية للخمر في عنوان الرواية ! في وقت سيأتي سوف أنشر ما كتبته عن الرواية وإشارتي لهذا الخطل الكبير !
#جابر_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
و ... الآن ، يحرقون المكتبات !
-
حين أبكتني الشاعرة فرات أسبر !
-
الحزب الشيوعي السوداني يحيي ذكري استقلال السودان .
-
اتحاد الكتاب السودانيين ينعي سعاد إبراهيم أحمد ...
-
لكنها لا تزال تضئ ليلي !
-
,وداعا سعاد ، الوجه الشيوعي لنساء السودان ...
-
كلام للحلوة ...
-
جنون ...
-
عودة التتار ، تكفير أدونيس وحرق كتبه !
-
جناية سعدي أم هو الشعر ؟
-
في خاطري لوركا ...
-
محطات دكتور كسلا ، لعشاق كرة القدم ومحبي الحياة ...
-
كيف لي أن أصفها ؟
-
و ... كيف ؟
-
في حريقها ...
-
سحر الغريبة ...
-
وداعا نجم ، مرحبا الشيخ إمام ...
-
حديث متأخر مع المكرم ...
-
أنثاي ... !
-
المرأة ، ضرورة في وجود العالم و ... جماله !
المزيد.....
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|