أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - البابا فرانسوا: حتى الله يتطوَّر!















المزيد.....

البابا فرانسوا: حتى الله يتطوَّر!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4325 - 2014 / 1 / 4 - 21:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جواد البشيتي
البابا فرانسوا (الكاردينال الأرجنتيني خوري ماريا برغوليو، والذي خَلَف البابا بنديكتوس السادس عشر) نَسَفَ منظومة كاملة من المعتقدات الراسخة في الديانة الكاثوليكية إذْ قال، على وجه الخصوص، إنَّ جهنَّم لا وجود لها، وإنَّ قصة آدم وحواء أسطورة، وإنَّ الأديان جميعاً صحيحة، وإنَّ "الحقيقة الدينية" تتغيَّر وتتطوَّر، وإنَّ الرَّبَّ نفسه يتغيَّر ويتطوَّر، وإنَّ بعض أجزاء الإنجيل عفى عليها الزمن.
البابا فرانسوا هو الآن، وبشهادة "أقواله الثورية" تلك، يقود ثورة إصلاحية دينية لا تَقِل أهميةً (إنْ لم تَزِدْ) عن ثورة مارتن لوثر وكالفن؛ ولسوف يمتد تأثيرها إلى سائر الأديان السماوية؛ لأنَّ كثيراً من المعتقدات الجوهرية المشترَكَة بين هذه الأديان هو المشمول بالهدم (وإعادة البناء) الذي بدأه البابا.
من أين يستمد البابا فرانسوا "الشرعية الدينية (والسماوية)" لكلامه الديني الثوري الجديد، والذي استهلَّ به ثورته الدينية الإصلاحية؟
أجاب البابا قائلاً: من طريق "البحث الروحي" و"التأمُّل" و"الصلاة".. توصَّلْنا إلى، واكتسبنا، "فَهْماً جديداً لبعض العقائد". وبابا الفاتيكان هو (مع مؤسسته) مرجعية دينية لمئات الملايين من المؤمنين المسيحيين الكاثوليك؛ فـ "القاعدة الشعبية" لا تُجادِل، على وجه العموم، في صواب وصدق ما ينطق به.
البابا مُحِبٌّ لـ "الحقيقة"؛ لكنَّه لا يرى من طريق إليها إلاَّ طريق "المثالية"، بوجهيها الفلسفي والديني؛ فإنَّ سؤالاً من قبيل "لماذا قاد البحث الروحي والتأمُّل.. الآن، وليس من قَبْل، إلى هذه المفاهيم الدينية الجديدة؟" لا يثور، ولا يمكن أنْ يثور، في ذهنه؛ لأنَّ إجابته تُلْزِمه أنْ يَفْهَم ضغوط الواقع الموضوعي على أنَّها مَصْدَر التغيير للأفكار والمعتقدات التي تسري في أدمغة البشر، وفي دماغه هو أيضاً.
ثمَّة مشكلة كبرى أراد البابا حلها؛ فإنَّ كثيراً من المؤمنين الكاثوليك تُرْغمهم (وتُكرههم) مصالحهم الدنيوية الواقعية على العيش بما يُناقِض كثيراً من المفاهيم الأخلاقية المسيحية، وبما يُناقِض، أيضاً، كثيراً من المعتقدات الراسخة في الديانة الكاثوليكية؛ فتضيق بهم، من ثمَّ، الكنيسة، أو يقوى لديهم الميل إلى هجرها، والنأي بأنفسهم عنها.
إنَّهم منغرسون (عن اقتناع أم عن اضطِّرار) في نمط حياة يناقِض كثيراً من المعتقدات الدينية الكاثوليكية؛ فلمَّا باءت بالفشل كل جهود ومساعي المؤسسة الدينية (الفاتيكان) لإعادتهم إلى "الطريق القويم"، استخذت هذه المؤسسة لحقائق الواقع العنيدة، وقرَّرت أنْ تتغيَّر هي فكرياً وعقائدياً بما يجعلها أكثر تصالحاً مع هذه الحقائق وجماهيرها؛ أمَّا الغاية فهي استعادة المؤسسة الدينية ما فقدته من "نفوذ شعبي روحي".
البابا يقول الآن لذوي الميول الجنسية، الملعونة دينياً من قبل، وللمثليين جنسياً، ولمؤيِّدي الإجهاض، وللمحافظين والليبراليين والشيوعيين والملاحدة، ولغيرهم: أبواب الكنيسة مفتوحة لكم على مصاريعها؛ أنتم، وعلى الرغم مما أنتم عليه من أحوال فكرية ومعيشية وسلوكية، ما زلتم مؤمنين مسيحيين؛ وإيَّاكم أنْ تظنُّوا أنَّكم قد غدوتم مارقين من الدين؛ فالمعتقدات الدينية الجديدة والصحيحة تَتَّسِع لكم، وبما أنتم عليه؛ نحن اليوم (أي الفاتيكان) ما عُدْنا قضاة؛ نحن الأب المُحِب لأبنائه جميعاً؛ وهذا الأب لا يدين أبناءه؛ نحن اليوم قومٌ "حداثيون" و"عقلانيون"، "منفتحون" و"نكره التعصُّب".
إنَّها دعوة إلى تحويل "الكنيسة" من "حزب حديدي (صخري في وحدته)" إلى "حزب ليبرالي" يتَّسِع لجمهور أوسع من المسيحيين، فيَتَّسِع، من ثمَّ، نفوذه الروحي الشعبي.
حتى الخوف من "جهنَّم"، ومن "كل عقاب قاسٍ في الآخرة"، نزعه البابا من القلوب، إذ قال إنَّ الرَّب محبَّة، حبه لأبنائه، أو للبشر جميعاً، لا يحده حد؛ وإنَّ "جهنَّم"، من ثمَّ، تُناقِض هذا الجوهر الإلهي؛ فالرَّب ليس قاضياً، ليس جلاَّدا، ليس مُعذِّباً لأبنائه ولو كانوا من القوم الكافرين؛ إنَّه يحنو عليهم، ويحتضنهم، جميعاً.
ولقد اكتشف البابا من طريق "البحث الروحي" و"التأمُّل" و"الصلاة".. أنَّ "جهنَّم" هي كناية عن "الروح المعزولة"، والتي ستتَّحِد، في آخر المطاف، كما النفوس جميعاً، في محبَّة الله.
حتى الملحد رآه البابا مؤمناً بالله؛ فالملحد، على ما اكتشف البابا، يكفي أنْ يعمل الخير حتى يكون مؤمناً بالله، وإنْ أنكر ذلك بقوله ولسانه.
هل من دين باطل، أو غير صحيح؟
البابا فرانسوا يجيب قائلاً: كلاَّ، ليس من دين باطل، أو غير صحيح؛ فكل الأديان "صحيحة، وعلى حق؛ لأنَّها كذلك في قلوب الذين يؤمنون بها".
وهذا إنَّما يعني أنَّ الإسلام (مثلاً) هو، في المعتقد الجديد للبابا، دين صحيح؛ أمَّا السبب فيكمن، بحسب المعتقد نفسه، في كَوْن المسلمين يعتبرونه صحيحاً؛ فـفي "القلب" يستوطن "الرَّب"، ومعه تستوطن "الحقيقة"؛ فإذا آمن قوم بما تعتقده قلوبهم، فهذا الإيمان صحيح.
إنَّ البابا فرانسوا يُوسِّع "نسبية الحقيقة"، بمفهومها الآينشتايني، ليجعلها تشمل أيضاً "الحقائق الدينية"؛ فـ "الحقيقة"، بمفهومها البابوي الجديد، ليست ما يفكِّر فيه موسوليني الآن؛ وإنَّما ما تؤمن به، وتعتقده، "القلوب". قَلْب اليهودي يقول له إنَّ اليهودية هي الدين القويم، وقَلْب المسيحي يقول له إنَّ المسيحية هي الدين القويم، وقَلْب المسلم يقول له إنَّ الإسلام هو الدين القويم؛ أمَّا البابا فرانسوا، وعملاً بمبدأ "نسبية الحقيقة"، فيقول: إنَّكم جميعاً على صواب، وإنَّ الأديان جميعاً صحيحة، وعلى حق.
هل "الحقائق الدينية" ثابتة مُطْلَقة، لا تتغيَّر، ولا تتطوَّر؟
البابا يجيب قائلاً: إنَّها تتغيَّر وتتطوَّر في استمرار. وبعد أنْ يصف الإنجيل بأنَّه "كتاب مقدَّس جميل"، يُعْلِن البابا، وفي جرأة غير عادية، أنَّ بعض أجزاء هذا "الكتاب المقدَّس الجميل" قد عفى عليها الزمن (أي شاخَت، وتقادم عهدها).
وأخيراً، بلغت ثورة البابا فرانسوا منتهاها؛ فهو سرعان ما انتقل من آينشتاين إلى هيجل، قائلاً إنَّ الرَّبَّ نفسه لا يشذ عن ناموس التغيُّر والتطوُّر؛ فهو في تغيُّرٍ وتطوُّرٍ مستمرين.
وعلَّل البابا تطوُّر الرَّب قائلاً: إنَّ الرَّب يسكن فينا، وفي قلوبنا؛ ونحن البشر في تطوُّر مستمر؛ ولا بدَّ للساكن فينا، وفي قلوبنا، من أنْ يتطوَّر بتطوُّرنا.
لقد استنفدت البشرية زمناً طويلاً للتسليم بفكرة التطوُّر التاريخي للإنسان؛ أمَّا البابا فرانسوا، أو هيجل الفاتيكان، فشرع يؤسِّس لفكرة التطوُّر التاريخي للرَّبِّ نفسه؛ لكنَّه لم يُجِبْ بما يكفي من الوضوح عن السؤال الفلسفي العظيم الآتي: هل تطوُّرنا نحن البشر (مع مجتمعاتنا) هو انعكاس لتطوُّر الرَّب الساكن فينا، وفي قلوبنا، أم هل تطوُّر الرَّب نفسه هو انعكاس لتطوُّرنا نحن البشر؟
البابا كاد أنْ يقول: كما تكونوا، يكون الرَّب!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا الدليل البسيط على صواب أو خطأ نظرية -تمدُّد الكون-!
- هذا الإحباط الشعبي الثوري!
- ما وراء -أُفْق الكون-!
- عاصفة من -التَنَبُّؤات الفلكية-!
- عاصفة ثلجية بنكهة سياسية!
- -الدولة المدنية- و-الربيع العربي-
- انحناء المسار بانحناء المكان
- النَّجْم إذا حَفَرَ في الفضاء
- بأيِّ معنى نفهم سرعة الضوء على أنَّها -مُطْلَقَة-؟
- -التركيب- و-التفكيك- عربياً
- كيف تَصِل إلى أبعد نجم في الكون في دقيقة واحدة فحسب؟
- أين -المُطْلَق- في -النسبية-؟
- الجاهلية الإسلامية!
- في -نسبية الحركة-
- قانون يُدْعى -تنظيم الحق في التظاهر-!
- -النقطة- التي منها وُلِدَ الكون!
- مِنْ عملة -الكيميائي السوري- إلى عملة -النووي الإيراني-!
- في قانون التكافؤ بين قوى الجاذبية وقوى التسارع
- -أوباما الإيراني- في -مرجعيته السورية-!
- واشنطن وطهران عندما تُعْلِن كلتاهما النَّصْر على الأخرى!


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد البشيتي - البابا فرانسوا: حتى الله يتطوَّر!