|
سياسة أميركا
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 1207 - 2005 / 5 / 24 - 11:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان مبدأ التشاور و التوافق هو أساس السياسة الأميركية طيلة سنوات الحرب الباردة، حيث كانت الدولة الأميركية تسعى لتكتيل كل الدول الرأسمالية في تحالف متين ضد " الخطر الشيوعي ". و بالتالي كانت مبادئ العلاقات بين تلك الدول، و طبيعة حسم النزاعات، و تقاسم العالم، كلها مسائل متوافق عليها و خاضعة للحوار فيما بينها، بما في ذلك تعزيز القدرة العسكرية الأميركية في مواجهة " الخطر السوفييتي "، و خضوع الحلف الأطلسي للسيطرة الأميركية. بمعنى أن الصراع ضد الإشتراكية كان يفرض وحدة " المعسكر الرأسمالي "، و بالتالي يفرض التوافق على كل المسائل التي تثير إختلافات فيما بين أطرافه. حتى الدول التابعة في " العالم الثالث " غدت لديها " الإستقلالية " التي تسمح لها التصرّف ك " ند "، و أن يكون الحوار هو أساس العلاقة بين أميركا و كل تلك الدول، و بالتالي أن يكون التفاوض و تقديم التنازلات المتبادلة أساساً في العلاقات في إطار التحالف العالمي المناهض ل " الخطر الشيوعي " و ل " الخطر السوفييتي ". إذن، كان التفاوض، و كانت المرونة و الوصول إلى تفاهمات، هي أساس الدبلوماسية الأميركية حينها، في العلاقة مع الدول الرأسمالية ذاتها، كما في العلاقة مع الدول التابعة و أن بدرجة أقل. لكن إنهيار المنظومة الإشتراكية و تحوّل أميركا إلى " القوّة العظمى الوحيدة "، قاد إلى تحوّل في الدبلوماسية الأميركية، عميق و خطر. حيث بدأت تميل إلى التفرُّد و تغليب مصالحها و سياساتها، و جرّ الآخرين لمواقعها، دون إعتبار لمصالح الآخرين، و لأوضاعهم و ظروفهم. لكنها منذ رئاسة بوش الأولى، و مستغلّة أحداث الحادي عشر من أيلول، قرّرت سياسة جديدة. فقد حدّد بوش السياسة بطريقة بسيطة تقوم على الفكرة الساذجة القائلة: إما معنا أو ضدنا. و بتحديد أدقّ: إما معنا و تلتزم ما نقرِّر، أو ضدنا و تتحمّل نتائج ذلك. مستتبعاً هذه المسألة بإقرار " نظرية الحروب الإستباقية " المؤسسة على خوض الحرب ضد كل من يمكن أن يشكِّل خطراً في يومٍ ما، أو من تعتقد الإدارة الأميركية أنه يمكن أن يشكّل خطراً بطريقة أو بأخرى. و بالتالي راسماً خريطة العالم في صيغة محدّدة إنطلاقاً من ذلك، و مؤكِّداً أنها هي الصيغة التي يجب أن تسود، دون حوار مع الآخرين، سواء الدول الرأسمالية الأخرى أو الأتباع، و مهدِّداً بإجتثاث " الدول المارقة ". لهذا إنتقلت الإدارة الأميركية من سياسة التفاوض و التفاهم و الحلول الوسط ، إلى سياسة الإملاء. حيث بدت دبلوماسيتها و كأنها تهدف إلى " تنفيذ أجندة " مقرَّرة سلفاً في أروقة الإدارة و البنتاجون. و " إكتشاف " من يوافق علي الإنخراط فيها و فق الحدود التي تريدها الإدارة ذاتها، أو يتمنّع عن ذلك، إذا ما إستطاع، و بالتالي يوضع ضمن الخانة المعدّة لقلب الأنظمة في الأجندة ذاتها. بمعنى أن الإدارة الأميركية باتت هي وحدها التي تخطّط و تقرِّر، و على الآخرين إختيار دورهم في تنفيذ كل ذلك و في إنجاحه، أو التحوّل إلى عدو يجب سحقه. هذه السياسة هي التي تُفرض على العالم منذ الحادي عشر من أيلول سنة 2001. أنها سياسة القوّة " مطلقة التفوّق " كما تتمظهر في المجال الدبلوماسي، و كما يجري تنفيذها بالقوّة السافرة في مختلف مناطق العالم، خصوصاً و أوّلاً في " الشرق الأوسط الكبير "، و تقود إلى تغيير الأنظمة بالقوّة و تفضي إلى إحتلال الدول الأخرى، و نشر مئات آلاف الجنود في العالم. إن القوّة " مطلقة التفوّق " تفضي إلى عودة " المنطق الإمبراطوري "، منطق الإملاء و العقاب، و الإحتلال ، و الحروب المستمرّة. لقد إنتهى عصر التفاوض و الدبلوماسية، و أذِن عصر القوّة و الحروب ، و هو ما بتنا نعيشه منذ الألفية الجديدة.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ورقة عن الحرب الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية
-
الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن
-
مسار الخصخصة في سوريا
-
عودة الى الطبقة العاملة
-
الحركات الشعبية و دور أميركا
-
التغيير التائه بين الداخل و الخارج
-
ديمقراطية الطوائف
-
أميركا و الأصولية
-
منزلقات الأصولية
-
الإصلاح ليس ضرورة
-
الى الأستاذ حسقيل قوجمان
-
نداء إلى كل الماركسيين في الوطن العربي
-
غيبوبة السياسة السورية
-
بوش في أوروبا، هل يمكن تحقيق التوافق؟
-
طبيعة المقاومة العراقية
-
الماركسيون و الليبرالية، حول أوهام نقد الليبرالية
-
بصدد الماركسية، حول الأيديولوجيا و التنظيم
-
الجغرافيا السياسية للمشرق العربي بعد إحتلال العراق، ما يمكن
...
-
عفوية الجماهير و دور الحركة الثورية في الوطن العربي
-
في مواجهة إقتصاد السوق
المزيد.....
-
أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي
...
-
كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير
...
-
جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
-
الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
-
الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
-
احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
-
شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي
...
-
نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
-
تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
-
الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|