أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - آلان كيكاني - الكلمة ووأدها في مهدها














المزيد.....

الكلمة ووأدها في مهدها


آلان كيكاني

الحوار المتمدن-العدد: 4179 - 2013 / 8 / 9 - 04:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الكلمة ووأدها في مهدها

في البدء كانت الكلمة، وفي البدء خلقَ اللهُ القلمَ، وبهما سلكَ الإنسانُ دروبَ رحلته الطويلة من البدائية إلى عصر الفضاء والعولمة، والكلمة قيلت شفاهاً ثم دونها القلم لتهاجر عبر العصور إلى أزمنة لا نهاية لها وأمكنة لا حدود لها، إلا أن طريق الكلمة لم يكن قط أنسيابيا وسلساً بل كان وعراً في كثيره ومحفوفاً بالمخاطر في معظمه وعلى جنباته يقف أعداؤها متربصين بها يريدون وأدها والنيل منها، ولكن النصر كان دائماً حليف الكلمة، فهي استطاعت في الماضي السحيق أن تتسلل من بين ركام التاريخ ببراعة لتنقل لنا قصص الأولين وحياتهم ومعارفهم وعلومهم وآدابهم، كما تمكنت الكلمة في العصور الراهنة من اجتياز حواجز الطغاة وتحطيم متاريس الجهلة مدمني الظلام لتصل إلى عشاقها: آذان الناس.
من الناس من تهزهم الكلمة خوفاً ورعباً ووجلاً، فيضعون العراقيل أمامها اتقاءً لشرها الموهوم وتجنباً لخطرها المزعوم، ومنهم من تهزهم الكلمة طرباً وبهجة وحبوراً وتهبط على قلوبهم مهبط البلسم على الجرح فيفتحون لها الأبواب والشعاب كي تسير بحرية وملاسة. فأما الطائفة الأولى ظلت تاريخياً تراوح مكانها وتعيش على هامش الحضارة والإبداع، وأما الثانية فهي تسارعت في تطورها حتى سبقت الأولى بسنين ضوئية، ذلك أن الصمت عبء ثقيل على الكاهل يرمي بصاحبه في أحضان الخمول والبلادة ويلقي به في غياهب الجهل والتخلف.
والكلمة تنشأ في القلب ولكنها لا تمكث فيه، فإذا ما خرجت من القلب انتعشتْ وأزهرَت وانتعش القلب معها وأزهرَ، وإذا ما بقيتْ محبوسة فيه تفسختْ وأنتنتْ وتفسخَ القلبُ معها وأنتنَ. وفي الطب كثيراً ما تكون الكلمة هي التشخيص وهي العلاج، فمن المرضى من يتم تشخيص مرضه بتعبيره عن شكواه ببضع كلمات، ومنهم من يتم علاجه بلفظة جميلة طيبة من فم الطبيب، بل وثمة من الأمراض ما لا تبرأ إلا بكلمة تزيل الوهم والتشاؤم والسواد من ذهن المريض وتزرع بدلاً منها الارتياح والتفاؤل والاستبشار. وتكثر لدى الشعوب المتخلفة التعابير التي تحارب الكلمة وتدعو إلى السكوت، على نقيض الشعوب الراقية التي قد تخلو لغاتها من العبارات التي تحث على الصمت والسكون أو أن هذه التعابير باتت رمية وأثرية في لغاتها وفقدت معناها ومدلولها اللغوي، ففي العربية، مثلاً ، يقال اسكت، ويقال اصمت، ويقال أخرس، ويقال صه، بينما لا نجد لدى شعوب العالم الأول إلا تعبيراً واحداً بهذا المدلول وعادة ما يستخدم على استحياء ومضض، ذلك أن الأمم المتحضرة لا تدعو أفرادها إلى السكوت، بل تشجعهم على الكلام وعدم الصمت والتشبه بالموتى، بينما تدرب الأقوام المتخلفة أفرادها على السكوت، وترى السكوت فيهم فضيلة تزينهم أو حكمة تميزهم، وهاكم هذه القصة الطازجة حول هذا الموضوع:
لي ابن يبلغ الثامنة من العمر، وفي الصف الثاني من المرحلة الإبتدائية، وقد اعتاد كل يوم على أن يقص علي ما يقص معلمه عليه من قصص القرآن والتراث الإسلامي في الصف، واليوم جاء من المدرسة مزعوجاً، وعند الإلحاح في السؤال عن السبب قال بصوت يميل إلى النشيج والبكاء:
" كان المعلم يقص علينا قصة في الصف، وقد قال أن جماعة من الكفار غزوا مكة بالفيلة يريدون تدمير الكعبة فيها، فغضب الله عليهم، وأرسل عليهم طيوراً تحمل في مناقيرها وفي أقدامها حجارة صغيرة لو أن أحدها سقط على هذه المدرسة لاحترقت المدرسة كلها لشدة لهيبها وحرارتها ".
ثم تابع الطفل قائلاً: "وقد سألت الاستاذ كيف لهذه الطيور أن تحمل هذه الأحجار دون أن تحترق مناقيرها وأقدامها مادامت الحجارة بهذه الحرارة فعنفني قائلاً : اخرس يا ولد".
ثم سألني الصغيرُ عن غاية المعلم من غضبه عليه وعدم رده على سؤاله. فقلت له أطيب خاطره: انتظر يا ولدي ولا تتسرع، ستكبر وستعرف كل شيء. بينما كان قلبي يجيب على سؤاله ويقول له:
الغاية، يا ولدي، هي قتل غريزة حب المعرفة والاستطلاع في قلوب وعقول الأطفال ونهيهم عن التفكير السليم منذ نعومة أظافرهم لضمان تبعيتهم وخضوعهم للساري والمألوف من الدين والعادة والتقليد. فنحن نتسمى زرواً بأمة "أقرأ" تيمناً بأول كلمة نزلت على النبي محمد، والحقيقة أن اللائق بنا أن نتسمى بأمة "أسكت"، والساكت عن الحق عندنا هو ملاكٌ مجنحٌ وليس شيطاناً أخرس كما ندعي.



#آلان_كيكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خفافيش الظلام
- عماة البصيرة
- في تمنيع العقل
- المسلمون وفوضى الحواس
- ثورات الشباب ونصيب الكرد منها
- ثورة تحطيم الأصنام
- اللهم زدني كفراً
- المسلمون مصانع للشهرة
- إلى الأخ آرام في الثوارالبيشمركة
- مرحى للحوار
- والحقد في الصغر كالنقش في الحجر
- مام علي
- أمي
- ملاك الوحي
- ضريبة الزقوم
- كرديستوفر كوردلومبس يكتشف جزيرة كوردسيكا *
- ريح الشمال
- آه يا مصطفى
- أنا وجدي
- حين ينمو الجسد وتتوقف الشخصية عن النمو


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - آلان كيكاني - الكلمة ووأدها في مهدها