أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آلان كيكاني - آه يا مصطفى














المزيد.....

آه يا مصطفى


آلان كيكاني

الحوار المتمدن-العدد: 2818 - 2009 / 11 / 2 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


آه .....
يا لائمي على البكاء .
لو كنت تعرف مصطفى قبل رحيله لما لمتني يوما .
فهل عرفتَ من لا يطفئُ النومُ ابتسامتَه
والموت حضوره ؟

ليتني كنت أعرف من اخترع فلسفة أن " الرجال لا يبكون " .
أنا لست رجل دين لأفتي بقتله .
أو قائدا سياسيا لألاحقه بعسسي وأهلكه .
بل لأثبت له أنه مخطئ .
فأنا الرجل أبكي .
وأبكي كثيرا إن اقتضى الأمر , وما العيب في ذلك ؟

الجوامد والحيوانات هي التي لا تبكي , لأن البكاء فعل إنساني محض .
وبنو البشر هم من احتكروا البكاء والضحك , والحزن والفرح , دون المخلوقات الأخرى .

الرجال يبكون , ويبكون أكثر من النساء أحيانا .
فالغدد الدمعية عند الرجل أكبر من نظيراتها لدى المرأة .
وحاشى الله أن يكون قد فعل ذلك عبثا , فهو خلقنا في أحسن تقويم .

آه.....
لو كنتَ معي , يا مبتكر عبارة " الرجال لا يبكون "
عندما بكيت على مصطفى , لعرفتَ أنك مفترٌ منافقٌ .
وشرقي النزعة , تعتبر البكاء ذلاً وهوانا لا يمارسه الرجل بل هو حكر على المرأة لأنها ضعيفة .

بكيتُ فوجدت في البكاء طهرا للروح ونقاء للنفس وصدقا في الشعور ورهافة في الحس .
بكيتُ في أحضان حبيبتي فتعقم الحب بدموعي واكتسب صفة النقاء والخلود .
وبكيتُ بين ذراعي أمي فالتصقتُ بخصلة من شعرها لا أستطيع الابتعاد عنها .
وبكيتُ على وطني مدرارا حتى انبجست من ترابه أنهر .

ذرفت الدموع فوجدتها تبرّد لهيب الروح وتسكّن ألم النفس وتطفئ لظى القلب .
هو ذا شعرت به وأنا أودع مصطفى .
. . .

قبل عقدين
غرفة بسريرين
وخزانة ومنضدتين
كانت تجمعنا , يا مصطفى , في السكن الجامعي .
نخرج في الصباح الباكر معا ثم يتجه كل منا إلى كليته نتردد بين المخابر وقاعات المحاضرات ودور المطالعة ونعود عند المغيب إلى غرفتنا بعد يوم مضن, منهكين .
أطبخ فتجلي
أغسل فتكوي
والقرعة تحدد من منا يجهز إبريق الشاي .

براعما غضة وطرية كنا , يا مصطفى .
حبلى بالآمال
نجلس وجها لوجه فندردش .
عهدتَ , أيها المهندس
أن تبني قصورا في قريتنا الصغيرة اليتيمة لم يحلم بها إنس ولا جان .
وتحول أرضها الجرداء القاحلة إلى جنان .
ترسم وتخطط وتحدد المواضع وتؤشر بيدك على الورقة قائلا : هذا موقع بيتك , وهذا موقع بيتي .

ننتظر يوم الجمعة بشوق ولهف .
فنلبس أجمل ما عندنا .
نتعطر
ونتوجه صوب الوحدات السكنية للبنات .
ونطوف حولها .
وتطل الرؤوس من النوافذ .
سمراوات وشقراوات وبيضاوات
مثل أزهار الربيع
تلتمع شفاههن الحمراء فتحترق أفئدتنا لوعة .

وتطوف وتطوف
مثل الفراشة حول المصباح .
حتى تسقط في الشباك , وتسهر الليل .
وتسير شارد الذهن فاتر العزيمة كالسكران .
وتجمع في مطمورة صغيرة قريشات تقتطعها من خبزك لتشتري لحبيبتك هدية يوم ميلادها .
وتحتار في مخطط بيتك , كيف تكون غرفتها , وفي أي زاوية منها تضع السرير , وبماذا تفرشها وبمَ تزينها ؟

وتلطم براثن الدهر حبكما
وتوصد الأبواب في طريقكما .
لا الوساطات نفعت ولا الوجاهات فادت .
ولا رحمة الله نزلت على قلبيكما .
ويبدأ البكاء والنحيب .
نواحك يوقظني في الليل فأقوم وأحتضنك وأربت على ظهرك كطفل رضيع .


وتمضي الأيام ويمضي كل منا في سبيله . وتتقطع أوصالنا حينا من الدهر .
. . .

وقبل سنة رأيتك بعد فراق .
لا شعرة في جسمك .
حتى الأهداب سقطت من جفنيك من أثر الدواء الكيمياء .
رأيتك تمارس الموت كل يوم .
وتمارس الألم كل ثانية .
وتتجرع من كؤوس عذاب تنوء بحمله شامخات الجبال .

وقفتُ والعلمُ حائرين عندما سرى السرطانُ في جسمك النحيل وبات يدمر فيه خلية خلية بأسلحته الفتاكة , لم يكتف هذا الوحش الأخرس بأمعائك , فانقض على كبدك وطحالك , ثم رئتيك لتغدو مدنفا جلدا وعظما لا شحما ولحما .

آه يا مصطفى .
عندما تتكلم الأقدار
يسكت الدواء العقار .
ونبحث نحن الأطباء عن زاوية نختبئ فيها .
كما كنا نفعل , أنا وإياك , منذ ثلاثين سنة في القرية عندما نسمع زعيق دراجة مطهر الأولاد فنتبعثر شذر مذر ننشد مكانا نختبئ فيه , وغالبا ما كنا نجد ضالتنا في خممة الدجاج أو خلف أكياس الخيش أو نطمر أنفسنا في غرفة الأعلاف بالتبن .

اجتمعنا عليك .
أطباء وفنيون وممرضون في المستشفى .
وأنت تحتضر وتنازع .
وفي صوتك حشرجة .
وفي وجهك شحوب .
وعلى جبينك عرق بارد .
فلم نستطع فعل أي شيء .
فرفعت سبابتك اليمنى , ونطقت بالشهادة .
ثم أعطى جهاز المرقاب خطا مستقيما ليقول لنا أن قلبك توقف . وأن الروح ودعت مسكنها .

آه يا مصطفى .
حفروا لك , يا عزيزي , قبرا في نفس الأرض التي كنت تحلم بإشادة قصر لك فيه , ووضعوك , أمام عيني , في غوره وغطوك بالتراب ووضعوا شاهداً كتبوا عليه اسمك .

تبا لك أيتها الأرض الخائنة .
كيف تبلعين جسد من كان يكن لك الود
ويسهر ليحولك من جرداء قاحلة إلى فردوس نعيم , كيف ؟!

قهقهت الشاخصة منا , يا مصطفى .
فلا بنيت لي منزلا
ولا بنيت لك صحة .



#آلان_كيكاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا وجدي
- حين ينمو الجسد وتتوقف الشخصية عن النمو
- يوم خجلت كوني طبيباً
- عيشو وجانيت
- حديث شيوخ


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آلان كيكاني - آه يا مصطفى