جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4153 - 2013 / 7 / 14 - 18:47
المحور:
كتابات ساخرة
اللي مخه بشتغل ليل ونهار نجده متعبا طوال الوقت ومهدودٌ حيله ويا دوب يقدر يلتقط أنفاسه,اللي مخه بشتغل ليل ونهار يكون متعبا أكثر من أولئك الذين يحملون على ظهورهم وأكتافهم الأخشاب والحجارة والرمال,ونجدهم متعبون أكثر من الذين يشقون الجبال الصخرية بالفؤوس....وبصريح العبارة,العمل مقسوم إلى قسمين:عضلي وذهني,والذهني أصعب من العضلي,فما رأيكم دام فضلكم؟.
وأنا متعبٌ جدا ,ومشغول جدا,رغم أني لا أقوم بأي عمل أو جهد عضلي في هذه الأيام,ولكن فكري وقلبي وأعصابي هما المتعبون جدا من كثرة التفكير,فالتفكير يا أصدقائي أصعب بكثير من حمل الصخور على الأكتاف وأهون من حمل الأخشاب والحديد والباطون على الأكتاف.
نهضت من النوم بعد عدة محاولات لإيقاظي من سباتي الطويل,وصلت إلى المغسلة وغسلت وجهي 3 مرات ومن ثم صنعت لنفسي كوبا من القهوة من دون سكر وبعدها دخلت الحمام وأخذت حماما سريعا وخرجت مسرعا جدا من الحمام وحين وصلت إلى غرفة النوم توقفتُ قليلا وقلت لنفسي:لماذا أنا مسرع؟هل لدي عمل لأقوم به؟..لا,ليس هنالك من عمل,وعلى كل حال واصلت المسير وطلب مني الأولاد أن أنجز لهم بعض الأعمال,ولكني اعتذرت لهم كوني مشغول جدا ووصل هذا النبأ إلى جدتهم وإلى أمهم فتم استدعائي إلى غرفة أمي واستجوابي ووجهت لي عدة تهمٍ وأسئلة أهمها:شو مالك؟...من شو تعبان؟ سمعنا من أولادك إنك تعبان ,مع إنك من أسبوعين لم تعمل ولم تخرج خارج المنزل فما الذي أتعبك كل هذا التعب!!!؟...فساد الصمت... ولم أنطق بتاتا,ثم قالت لي أمي:شو خير إنشاء الله !!!فقلت: والله أنا تعبان جدا...,عندها جُن جنون أمي وصاحت:من شو تعبان يا خيو؟وين الشغل اللي متعبك؟فقلت أنا تعبان عن جد من التفكير,جربوا أن تقلقوا ساعة واحدة..أو أن تخافوا يوما أو ساعة واحدة...طوال عمري وأنا أعيش في الخوف وفي القلق وعدم الشعور بالأمن والأمان....ومن ثم جربوا أن تقرؤوا كتابا أو مقالةً...وجربوا أن تفكروا ساعة من الزمن,صدقوني لو تفكرون بما أفكر به ستموتون من أول يوم,أنا متعب جدا من كثرة التفكير ومن كثرة القلق والاكتئاب المزمن المصاحب للقلق,فما رأيكم دام فضلكم؟.
(أسندت أمي ظهرها للخزانة التي تجلس دوما بجوارها وقالت):
-من التفكير؟؟؟عيد على شان أنا سمعي قليل...عيد الذي قلته...سمعني مليح!!.
0ف(ابتلعت أنفاسي وأخذت نفسا عميقا وأخرجته بسرعة وأنا أقول):
-والله يا يمه(أمي) إني تعبان إكثير....أنا أفكر بالماضي وبالحاضر وبمستقبل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وقلق على الحاضر والماضي....
- شرق شو هو هاظا اللي إنت خايف عليه؟؟شو هاللهجه؟إنشاللله الشرق كله يروح حرق وينحرق من أوله لآخره ...شرق شو يا أبو شرق,روح صليلك ركعتين شكر لله وبعدين تعال وسولفلي عن الشرق وعن المرق.
- عن جد أنا متعب ومش ناقص سخرية,أنا متعبٌ من كل شيء.
-طيب ما اختلفناش انك تعبان,بس(لكن) اشرحلنا من شو تعبان حضرتك؟هل حصدت؟هل زرعت؟هل قلعت؟.
-أنا متعب من التفكير...أنا أفكر بمصير الملايين من الناس والبشر..أنا أحاول أن أحمل عن الآخرين أحمالهم الثقيلة,وبحاجة أيضا لمن يحملُ عني.
ثم جاءت زوجتي مسرعة مثل الريح,وطلبت مني بعض الواجبات المنزلية ولكني اعتذرت كوني متعب جدا وأريد أن أنام قليلا لآخذ قسطا من الراحة,فقالت مستغربة وبصوتٍ عالي:
-شو من شو تعبان؟لا عندك شغل ولا عندك مشغلة..شو خير إنشاء الله؟
-يا بنت الحلال,والله إني تعبان أكثير.
-طيب فهمنا من شو تعبان؟هل حملت الحجارة على كتفك؟هل حملت الصخور؟هل حفرت في الجبال؟هل قمت بشق نفق كبير في الجبال؟....هل حفرت بأصابع يديك؟.
-يا جماعة الخير أنا عن جد تعبان,والعمل الذي أقوم به وأنجزه أصعب بكثير من الذي تتحدثون عنه....القراءة وحدها متعبة دون الكتابة,فارحمونا لأني أقرأ كثيرا.
ضحكت أمي وضحكت زوجتي واعتبروا كلامي محض صدفة أو مزاحا واعتبروني غير جاد في كلامي,ولكن عدت وقلت لهم:
-أنا شغلي يوجد فيه تعب أكبر من شق الأنفاق في الجبال وتحت أعماق البحار,أنا أشق وأحفر في القلوب وفي العقول,وهذا أصعب من حمل الصخور على الأكتاف وأصعب من حمل الفأس والحفر في الجبال الصخرية,أنا أقوم بأعمال فكرية كبيرة,أنا أفكر كثيرا وهذه وحدها تعد عملا بطوليا, جربوا يا قوم أن تفكروا ساعة,ومن ثم أناضل وأخاطر بنفسي في سبيل تنويركم وتنوير الأجيال القادمة,الفكر والتفكير أصعب بكثير من النقش في الحجر وحمل التراب والصخور والرمال على الأكتاف.
(أخي دخل على الموضوع من غير لا سلام ولا كلام قائلا):
-لي ما يقرب من 30 دقيقة وأنا واقفٌ على الباب أستمع إليك وإلى تخبيصك وجنونك,هل تعتقد أن التفكير تعب شديد؟وأتعب من حمل الصخور؟أنا رياضي من الدرجة ألأولى وعندي فريق أقوم بتدريبه يوميا على الملاكمة وأركض مع الفريق مسافة 3 كيلو متر وأحيانا خمسة كيلو مترات,كل هذا تعتبره أقل تعبا من التفكير؟.
-يا أخي الذي يفكر يتعب كثيرا...صدقني أنا متعب من التفكير؟أنا لا أستطيع أن أوصف لك كثرة التعب من التفكير...ولو قالوا لي أركض كل يوم 5 كيلو مترات لهوى عندي أخف من أن أحمل فكرة أقوم بتوصيلها إلى الناس,وخصوصا في كل محاولاتي الفاشلة في تفهيم من لا يريد أن يفهم..,الذي يفكر يتعب أكثر أتدري لماذا؟
-ليش...قول يا صقر العرب.
-صقر العرب؟هذا استهزاء...أولا أنا سأدخل الجنة بسببكم جميعا أنت وكل أقربائي وكل جيراني لأنني أذيع عليكم كل يوم وكل شهر نفس الدرس وأنتم تتعمدون عدم القابلية للفهم,أنتم لا تريدون أن تفهموا,وهذا وحده بالنسبة لي متعبٌ جدا,ولكن لا عليك,دعني أشرح لك,الذي يحمل الصخور تتعب عظامه وعضلاته,والذي يحفر في الصخور تتعب عضلاته,والذي يحمل الرمال و(الباطون) على كتفه يعرق وتتعب عضلاته,أليس هذا صحيح؟فما رأيك دام فضلك؟.
-نعم,كلامك صحيح,ولكن إلى ماذا تريد أن تصل.
-أها...أها...أولا:عامل الباطون بمجرد ما يدخل الحمام ويستحم من التعب ترتاح وترتخي كل عضلاته,أما الذي يفكر ومخه مشغول جدا من المستحيل أن ترتاح نفسيته وعقله لمجرد وقوفه تحت حنفية الماء...أريد القول بأن الذي يكتب ويقرأ ويفكر مثلي,تتعب أعصابه أولا,والذي يحفر في الصخور تتعب عضلاته,وبمجرد إنزال الأحمال عن كتفه يرتاح الشخص أو العامل,ولكن أنا أحمالي كبيرة وكثيرة,أنا أفكر كثيرا لذلك أنا تعبان وأحمالي ترفض أن تنزل عن كاهلي أو عن كتفي,الذي يفكر تتعب كل حواسه الخمس أو الست6 أما عامل الباطون أو العامل الذي يحمل الفأس على كتفه ويحفر في الجبال,لا تتعب أعصابه وإنما تتعب عضلاته,أما أنا وأمثالي من المفكرين فإن أعصابنا هي التي تتعب,نحن لا نرتاح من التعب,نحن دوما متعبون من شدة التفكير في الغد وفي المستقبل وفي قراءة الماضي وفي قراءة المستقبل,نحن أكثر تعبا من العمال ولكنك يا أخي لا تدري ولا تعلم عن ذلك كونك لا تفكر مطلقا بالذي أفكر فيه.
-هذا الكلام غير واقعي وهو كلام إنشاء وتعبير ومثله مثل الخواطر الأدبية وبإمكانك أن تلقي هذه الخطبة على مجموعة من الشعراء أصحابك,أما نحن فهذا الكلام غير منطقي بالنسبة لنا,شو التفكير كاين متعب؟أنت طوال النهار إما أن أجدك تقرأ أو تكتب,وتسمي هذا تعبا!!أمرك عجيب.
-طيب روح وشوف وجرب...اقرأ كتاب من الكتب التي عندي وصف لي التعب.
رجع للوراء وأراح رجله اليمنى على اليسرى وحمل بيده فنجان القهوة وقال: بنشوف,بكره بجرب وبقرأ كتابا من كتبك,بس مع كل هذا أنا غير مقتنع بكلامك,من الممكن أن تكون أنت متعبا من الكتابة ومن التفكير ولكنك قد تبالغ ولا يجوز لك أن تقول عن الذي يحمل الفأس ويحفر فيه بأنه أقل تعبا منك.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟