|
التمثيل التمثيل السردي لصورة البطل مجموعة أرض من عسل مثالاً
مثنى كاظم صادق
الحوار المتمدن-العدد: 4131 - 2013 / 6 / 22 - 22:50
المحور:
الادب والفن
التمثيل التمثيل السردي لصورة البطل مجموعة أرض من عسل مثالاً مثنى كاظم صادق لعل البطل في النص السردي الحديث والمعاصر ، تطور من خلال النص الأسطوري الملحمي ، والحكايات الشعبية القديمة ، بيد أننا نشير ـ هنا ـ أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ، عد البطل دائماً ، هو المثل الأعلى ؛ فذلك يتنافى مع واقعية الفن القصصي الحديث ؛ لأن السرد عموما لا يعتمد فقط على عنصر الصراع بين الثنائيات الضدية المألوفة كالخير والشر أو القوة والضعف ، كما كان سابقاً بل كثيرا ما يعتمد السرد الحديث على الحب والحنان والصراع مع الذات وسوى ذلك ، ولعل شخصية البطل في القصة القصيرة جداً ، ولاسيما العراقية منها قد تميز عمن سواه من الأبطال بموضوعات محدثة نصياً ؛ لأن القاص العراقي يتأثر بطبيعة الحال بما مر به مجتمعه من تجارب جمعية ، كان جزءا فاعلاً فيها ، وقبل أن ندلف إلى من قلده القاص المبدع هيثم بهنام بردى وسام البطولة في نصه السردي ، أجد أنه من الأجدى والمناسب ، أن نشير إلى أن البطل في اللغة (( الشجاع الذي يبطل العظائم بسيفه ، فيبهرجها وتبطل جراحه فلا يكترث لها ولأن الأشداء يبطلون عنده أيضاً سمي بطلاً ))(1) أما من الناحية الاصطلاحية ، فهو الغلبة على الأقران الاعتياديين ، فيملأ ـ بغلبته ـ نفوسهم إجلالاً وإكباراً(2). في مجموعة ((أرض من عسل))(3) القصصية للمبدع هيثم بهنام بردى إنماز البطل فيها بأنه ( بطل إشكالي ) أو ما يمكن أن نصفه ببطل العصر أو البطل المعضل ، الذي يشكل الاستلاب ثيمةً أساسية له ، ويبدو أن ذلك متأتٍ من تبني البطل قيماً تختلف عما يحيط به ، فيقع فريسة الإحباط واليأس؛ مما يجعله يلجأ إلى خلق عالم يوتيبي (مثالي) خاص به من خلال تقانة المنلوج الداخلي أو تيار الوعي أو الحديث النفسي ، كما في قصة حكاية (( آخ آخ ... حرفان حقيران ، هما كل حدود الألم ... لم لا تصرخ الزنزانة : آخ إنها مريضة مصابة بمرض الإهمال .... السرير الذي اضطجع عليه ، تنغرز أسلاكه في ظهري ، والعتمة رفيقة هذه الغرفة الصغيرة منذ ولادتها ، وستبقى ملازمة لها حتى مماتها انظر عبر العتمة إلى جدران الزنزانة ... خربشات على الجدران ، المح شواهد عبارات غير مفهومة ، وشخابيط تحاول أن تشكل كلمة ، أحاول أن أقوم ، لم يتركوا أي شيء في حوزتي)) ص 22 إذ يكون البطل على وفق هذه القصة منشطراً ومتحركاً بحركة باتجاه الوعي واللاوعي ، فهو بطل ضدي مأزوم بالسجن ، وتكبيل الحريات عليه حتى في حرية الانتحار !! (( فقد قال المحقق : لا تتركوا أي شيء في غرفته ، سكاكين ، قضبان ، أحزمة ، حبال لئلا ينتحر ونخسره ، فربما سيعاود نفسه و يعترف و لا تنسوا وهذا الأهم أن تكبلوه بالسلاسل )) ص 22 فالبطل متحول فعلياً بوصف محيطه / الزنزانة ، مرجعية كبرى للاستلاب الذي قد يدس في عقله فكرة الانتحار ، فهذه الرؤية التحولية جاءت لتنسجم مع هدف القاص الذي لم يختر البطل من عالم المثال ، بل اختاره من عالم الواقع المأزوم بالمشكلات الاجتماعية ، والنفسية ، والسياسية ، كما في قصة الرسالة (( سمعت صوت لغط الصبيان وهم يرددون مخبل .... مخبل ، ورأيت جسده يحتل الفسحة المحصورة بين خشبتي الباب ، وهو يلتفت إليهم مستقبلاً قطع الحصى الصغيرة ، بيديه ، ووجه مشرق ، وطيف ابتسامة ترف على شفتيه المتيبستين )) ص 40 إذ إن هذا (المخبول) كان في الماضي معلماً ، وأصبح هكذا من جراء انفجار الصاروخ في الملجأ ، وذهبت منه ( نهى ) وبقية تلميذاته ، وتحولن إلى لحم مقدد ، وأشلاء متناثرة فـ (( الظلام ورائحة اللحم المحترق والأضواء الناثة ، من الفتحات التي أولدها الصاروخ ؛ جعلني أصحو تماماً ، تلمست جسدي بأصابع مستوفزة ، ثم أرجعت أناملي أمسح الرماد عن عيوني ، وحدقت رباه ، ما هذا لم دمروا الينابيع ؟!.)) ص 52 فلكل عراقي حكايته ، ولاسيما أن هذا الكل ، قد اشترك مع بعضه ، بتنفسه دخان الحروب ، وفقدان الأحبة ؛ لذا فمن الطبيعي أن يكون لهذا البطل له علاقة بمجتمعه ، وما ينشط في ذلك المجتمع من تفاعل ، قد ترتفع ، وتيرته وقد تنخفض ؛ لكي ينسجم مع تحولات البطل الواقعية ، وبالنتيجة يتحول البطل إلى بطل فني في النص ، بعده انعكاساً أو تصويراً للمجتمع ، وبهذا أضفى القاص صفة البطولة على الإنسان الاعتيادي ، المهزوم المستلب ، فهو بطل لا بطولي بالمعنى المعروف للبطولة ؛ لأنه ينظر إلى المجتمع من خلال مشاكله الخاصة ، عبر أنفاس ذكرياته التي تتحول إلى مشاكل عامة ، بالرسالة التي يتركها بعد وفاته ، فعدم الرضا والقلق والاغتراب ، سماته التي أورثها بعده إلى صديقه الخياط والطبيب ، الذي عالجه فيطلب ضمنياً من المجتمع أن يتغير، بدلاً من أن يتغير هو نفسه كمخبول فــ (( حين يضع إنسان ما كل في قلبه وروحه في عمله دون التفكير بنفسه ، فإنه حتى المهمات الرتيبة الاعتيادية ، تتخذ صفة بطولية ، وهذا على وجه الدقة ما عناه لينين ، ببطولة العمل اليومي ))(4) فهي بطولة تتحدد على وفق الظروف التي يخلق فيها ذلك الإنسان ، وما يتوافر به من أفعال ، ومن هذا التفاعل يبرز البطل ، كما في قصة النبض الأبدي ، الذي يرجع فيه البطل متوحداً مع شجرة التفاح / الأم للعودة من خلال الموت إلى الحياة الأولى (( قالت له الشجرة لا تخف قالت له الأم : تعال يا فلذة كبدي قالت له الشجرة / الأم بحرارة : هلم يا بني توحد بي دخل الحشايا ، وجد طريقه إلى القلب ، استشعر الأمان والدعة ، ودفق الحياة ، وهو يغذ السير في رحلة عجيبة نادرة إلى موطنه الأول ، حتى انه لم يفهم ما معنى الذي يحصل له ويراه بأم عينيه.)) ص 61ـ 62 فيستجيب البطل لهذا النداء بقدرة القاص على ترتيب الأحداث الفنية بأدوات بالغة التأثير ، كاستعماله الصادق للغة بآلية الحوار القصير المكثف ، وتسخير المؤثرات الحسية ، والظواهر الطبيعية الكونية ، فالبطل قد أصبح قطعة من الروح ، وثالوثاً متماهياً في الشجرة ، والأم ، فقد اتكأ هذا المشهد على الوهم الذي هو عقدة النص الدرامي ، وأن البؤرة المؤججة لهذا الوهم هو تبني البطل له داخلياً ، وأصبح مفردةً خارجيةً واقعيةً ، وربما أعطى القاص أبطاله وسام البطولة ؛ لما تمتعوا به من رومانسية الاستبصار ، الذي استحال إلى رثاء ذاتي لا يستطيع به البطل تقبل الخارج ؛ لذا سيطرت على هذا البطل قوى خارجية / ذاتية معاً ، فوقف إزاءه مندهشاً ، ولاسيما أن القاص ، قد نقل بطلاً تراثياً من الشعراء الصعاليك ، وهو عروة بن الورد ؛ إذ جعله يشاهد نافذة اليوم حيث (( اصطلى الجو بأزيز الرصاص ، وصدى انفجارات قريبة تطايرات موجودات الشارع في الفضاء ، باحتفالية نادرة جعلت عروة يفكر في ما يفعله سلاح هذا الزمان من كوارث ودمار ، وحين هدأت الزوبعة ، سأل ولم تحاربون ؟ ومن تحاربون ؟ لم يجد أي جواب ، وحين التفت صوب صاحبه ، وجده ممداً على الأرض ، من دون أطراف ، وهو يسبح ببركة من الدماء ، وقد فتح فاه وكأنه يريد أن يقول شيئاً )) ص 72 ولعل دهشة عروة ، لم تكن بالسلاح الحديث ، وتطوره في القتل فحسب ، وإنما كيف وصل القتل والدمار إلى الإنسان المعاصر ، المدني الفكر والثقافة ، والعيش ؟! إذ إنه بدا بنظر عروة لا يختلف عن سكان الصحراء والغابات البدائيين ؛ فالبطل يراجع تلك القيم ، أما القاص فإنه يحرص على إيصال هذه الثيمة إلى المتلقي ؛ آثر أن يضع عروة ، مفتقاً للنص السردي ، الذي ينفتح على الدلالة السالفة ، فثمة فارق بين ذاته ، والمحيط الجديد / القديم المعاش الذي شعر بأنه مدور زمنياً بين زمنه القديم ، وهذا الزمن المعاصر ، فهو بطل واقعي من الناحية التاريخية ، وهمي من الناحية الفنية ، فقد قدمه القاص في إطار النقد الذاتي ، بتقانة الارتداد الزمني ؛ إذ أضيف إليه الخيال ؛ كي ينسجم مع الواقع المخيب للآمال ، لكنه مزروع بشتلات الأمل ، كما في قصته الأخيرة (أرض من عسل) التي توجت المجموعة ، وتسمت بها ؛ حيث أن البطل غير المحسوس ( الميت ) لم يره أحد ، ولم يحس به أحد منهم ، على الرغم من محاوراته لهم ولمسه إياهم ؛ فما كان منه إلا أن (( انحنى على الأول ، ومسد شعره الأكرت ... لم يعره أي اهتمام ، وفعل ذلك مع الأربعة ، وتلقى ردة الفعل نفسها ، فأيقن أنه غير محسوس )) ص 85 فداهمه شعور بالغصة ، فاعتصر الألم في داخله ، وشعر أنه مشتت ضائع أمام نفسه ، وأمام الآخرين ؛ لكنه في لحظة ما ، يشاهده الأطفال وهم يغنون للعراق ، فــ(( كاد يرقص من الفرح ، وهو يحث الخطى نحو الطفلة ، ويمد كفه ، فمدت كفها اللدنة بكفه ، فسألها بحنو أبوي ، هل ترينني ؟ نعم جدو.. ثم هتف بقية الأطفال بصوت منغم ، ونحن أيضاً نراك )) ص 86 فرح كثيراً ؛ لأنه موجود ومحسوس في عيون هؤلاء الأطفال المنشدون للعراق ، نشيد المحبة فبدأ جسده يرتفع إلى السماء بعيداً بعيداً فــ (( كانت آخر ما احتوته مقلتاه أرض من عسل ، يدرج فيها نحل لا يستكين )) ص 87 إذ يبرز الأمل والحس الوطني في النص ، على الرغم من أن البطل ، وقع بين استلابين استلاب الذات ، واستلاب المجتمع ، إلا أن هذا الاستلاب ، قد تلاشى بفعل رؤية الأطفال له ، فقد كانت رؤية البطل المنوي إنجازه أو المنجز في هذه النصوص ، هو بطل يعيش ثنائية منصبة بين الذات وهمها ؛ لذا ظهر صدى البطل النفسي واضحاً محاولاً الانسجام مع الواقع المخيب ؛ لكن الملاحظ عن البطل في هذه المجموعة أنه غير منحاز إلى مصلحته الشخصية ؛ مما جعلها ذلك تقترب من المتلقي ؛ ليتعاطف معها ، ويتتبع مساراتها الخطية في النص السردي ، الذي ينتهي بهم إلى الابتعاد مكانياً عن جغرافية المكان المحيط ؛ إما بانتهاء البطل مسجونا كما في قصة حكاية أو ميتاً كما في قصة الرسالة أو متوحداً مع الشجرة / الأم بتطاير أشلائه ، كما في قصة النبض الأبدي أو ميتاً مثقباً بالرصاص ، كما في قصة عروة بن الورد أو محلقاً مبتعداً في الفضاء ، كما في القصة الأخيرة أرض من عسل .
الهوامش والمصادر 1. لسان العرب : مادة ( بطل ) ابن منظور / مج 11 دار صادر / بيروت ( د.ت ). 2. البطولة في الشعر العربي : ص 9 شوقي ضيف مصر/ دار المعارف 1970م. 3. أرض من عسل ، مجموعة قصصية ، هيثم بهنام بردى ، دار الحوار للنشر ، سوريا ط1 / 2012م. 4. الوعي والإبداع ص 34ـ 35 ، مجموعة من المؤلفين السوفيت ، ترجمة رضا طاهر، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي 1985م.
#مثنى_كاظم_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخبوء النص وخبيء الناص العراق رائداً للنقد الثقافي
-
خلف المتعارف عليه
-
شمعة الشعر ومصباح النقد
-
الصورة المركبة في قصيدة مشهد نهايته انتحار
-
المتعاليات النصية في قصص ثورة عقارب الساعة
-
مجموعة صاحب الاسمال القصصية المضمر المتخفي
-
المرأة في شعر زهير بردى
-
قصيدة النثر ومعطلات التعبير
-
التحقيب السردي عند القاص حسين رشيد
-
ابراهيم الخياط في جمهورية البرتقال
-
الذي رأى الاعماق كلها
-
الصورة المشهدية في مجموعة مدن وحقائب
-
صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف
-
بانوراما الذات في شعر علياء المالكي طوق الفراشة انموذجا
-
عشاء لملائكة نظرة نحو الوجود وتأسيس الذات
-
مع الجاحظ على بساط الريح سيرة قصصية للفتيان
-
مؤسسة شهداء ديالى صورة للتناغم الابوي
-
تجليات التناص في شعر إبراهيم الخياط
-
الزواج من موظفة حلم الكثيرين
-
هيثم بردى يؤرخ للأدب السرياني
المزيد.....
-
فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
-
شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما
...
-
-نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا
...
-
فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
-
من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت
...
-
تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف
...
-
قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع
...
-
-روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
-
تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
-
الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|