أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - قاسم حسين صالح - سيكولوجيا المنطقة الخضراء!















المزيد.....

سيكولوجيا المنطقة الخضراء!


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 4121 - 2013 / 6 / 12 - 07:38
المحور: كتابات ساخرة
    


سيكولوجيا المنطقة الخضراء!
أ.د.قاسم حسين صالح

تعريف بمعرّف!
المنطقة الخضراء ،مكان مساحته 10كم مربع يقع وسط العاصمة بغداد،يضم مقر الحكومة والبرلمان العراقيين والسفارتين الأمريكية والبريطانية ووكالات حكومية واجنبية،وظهر هذا الأسم عند قيام الحكومة العراقية الانتقالية التي شكلها بريمر بعد غزو قوات الاحتلال الدولية العراق عام 2003.وكانت هذه المنطقة قبل الغزو مقر الحكومة العراقية السابقة وتضم القصر الجمهوري وقصر السلام وقصورا اخرى للرئيس العراقي السابق صدام حسين وولديه،وبيوتا سكنية لعدد من المسؤولين الكبار في النظام السابق،وعددا من الهيئات المرتبطة بديوان رئاسة الجمهورية.وقبله كانت المنطقة تدعى شعبيا (كرادة مريم) ورسميا (حي التشريع) الذي كان حيا سكنيا مثل اي حي سكني آخر يجاوره في منطقة الكرخ.(انتهى التعريف).
يبدو ان الذي اطلق هذه التسمية (المنطقة الخضراء) هو امريكا .وكان لاختيار هذا الأسم دلالاته السيكولوجية.فاللون الأخضر يحمل معاني السلام والنمو والراحة النفسية،وفي امثالنا الشعبية نقول:الماء والخضراء والوجه الحسن،التي يعني توافرها الوصول الى اجمل ما تتمناه من انبساط وانشراح وصفو نفس وراحة بال..ولك ان تتأمل نفسك وانت تعيش هذه الحالة حين تكون في حديقة خضراء او بقعة ارض من العشب الاخضر.
وكان لأمريكا(ربما بمشورة من خبراء سيكولوجيين)قصدان من اطلاق هذا الاسم،الأول:انها جاءت تبشر العراقيين بكل ما هو اخضر..السلام ومتطلبات النمو. فكما الشجرة لا تكون خضراء الا بتوافر الماء والهواء والتربة الجيدة،فان امريكا ارادت ان توحي للعراقيين بأنهم مقبلون على عراق أخضر زاهر آمن..وأنهم سيكونون مدينين لها بهذه الفضائل من النعم.
والثاني:جعل العراقي يعقد،في وعيه ولاوعيه،مقارنة بين منطقة كانت حمراء..يسكنها مارد جبار سفك دماء العراقيين في حروب حمقاء وحوّل حياتهم الى جحيم احمر ،وبؤس اكلوا فيه خبز النخالة ثلاثة عشر عاما،ومنطقة اصبحت الآن خضراء..منحته الخلاص من الرعب والخوف وكل ما يحمله اللون الأحمر من اخطار،وتعده بتحقيق كل ما يحمله اللون الأخضر من دلالات النمو والازدهار والراحة النفسية بعد ثلاثين سنة من المشقات والفواجع.
ومع الشعور بالحيف أن الخلاص من الطاغية كان بفعل قوة اجنبية وليس بفعل عراقي خالص يثير الشعور بالزهو،فان غالبية العراقيين شعروا في نيسان 2003 بأن حلمهم بالعيش مرفهين آمنين في عراق مزدهر ..سيتحقق.
وما حصل ان (المنطقة الخضراء)بالذات..سرقت احلامهم!..وأنها جلبت لهم الفواجع اليومية،وأوصلتهم الى اقسى حالات الجزع والأسى:الترحم على الأيام التي كانت فيها هذه المنطقة حمراء!..وحصول ما هو اوجع من الكارثة..لأن من وعدهم بتحقيق الحلم،وخذلهم ..مناضلون وطنيون ..بينهم من عاش هموم الشعب واوجاعه .
من حالة الخذلان هذه..نشأت سيكولوجيا العزلة..عزلة المنطقة الخضراء..ليس فقط العزلة المكانية بأن احاطت نفسها بالكونكريت والحراسة المشددة،بل انها عزلت نفسها نفسيا عن الناس..فصار عندنا عالمان متناقضان:عالم صغير هو المنطقة الخضراء وعالم كبير هو العراق.
ومن سيكولوجيا العزلة هذه نشأت حالة اخطر هي سيكولوجيا القطيعة النفسية..بدأت من يوم انفرد أهل المنطقة الخضراءبتحويل واقعهم الى حياة خرافية وترك من اوصلهم اليها يعيشون حالة البؤس والخوف والفجع اليومي.وتطورت حالة القطيعة الى حالة الخصومة في اليوم الذي خرج فيه المخذولون(البنفسجيون) بتظاهرات كانت تحمل معاني العتب والتنبيه.وبدل ان تقول لهم المنطقة الخضراء(حقكم علينا)..عزلت نفسها عنهم بحواجز كونكريتية اغلقت الطرق المؤدية اليها وتعاملت معهم كما لو كانوا اعداء..وبها انفصمت العلاقة بين ساكني المنطقة الخضراء وساكني مدن العراق واريافه من غير المرتبطين بها بعلاقة رسمية او سياسية.
ولقد نجم عن هذه الحالة أن نمت لدى الجبهة العريضة من الناس مشاعر الكره والحسد وتمني زوال النعمة والمنصب والجاه لساكني المنطقة الخضراء ،في حالة من التناقض الوجداني بين هذا الكره لهذه المنطقه وحاجة العراقيين لها كونها تمثل نظامهم الديمقراطي الذي لن يفرّطوا فيه وان زادهم الأعداء تضحيات وفواجع !.فيما تمكّن قلق المستقبل من التحكّم بسلوك الكثير من ساكني هذه المنطقة،بأن عدّوا وجودهم فيها فرصة العمر التي يجب ان يستثمروها لتأمين مستقبلهم ومستقبل عوائلهم.
ولقد افضى هذا الحال الى اضعاف الضمير الاخلاقي كي يغلق،بآلية نفسية، باب الشعور بالذنب ليفعل صاحبه ما يشاء وسط آخرين يهونون عليه الأمر برؤيته لهم يتفننون ويتشاطرون في فعل الشيء نفسه.وبضعف الضمير الاخلاقي عند السياسي او موته يكون قد غير سكّته الى حيث الرفاهية الشخصية التي تغريه وتنسيه بؤس الناس وحاجتهم اليه،الى الدرجة التي صار فيها العراقين يصفون أهل المنطقة الخضراء بأنهم (مسحوا آخر قطرة حياء من جباههم)لانشغالهم بمصالحهم وعدم اكتراثهم بالموت اليومي للأبرياء.
وللأسف فان هذا الحال يذكّرنا بمفارقة مريعة.ففي عام 91 يوم حلّت الكارثة بالجيش العراقي المهزوم من الكويت،وكانت الطائرات تلاحق الجنود وتخضّب الشوارع بدماء العراقيين،كنت يومها مارا بمنطقة الجعيفر فرأيت حركة بناء على ضفة نهر دجلة..وحين استفسرت عرفت انه قصر لصدام.وعجبت كيف للمسؤول الأول في الدولة ان يستمر في بناء قصر له وكل بيت به فاجعة..والوطن كله حلّت به كارثة هو صانعها!.والمفارقة ان المسؤولين الكبار من أهل المنطقة الخضراء فعلوا الشيء نفسه بأن بنوا ويبنون لهم فللا وشققا في لندن وباريس وبيروت وعمان ودبي وشرم الشيخ..وكل يوم تحل بالعراقيين فواجع هم سببها الرئيس.وبالمعنى الصريح: لا فرق بين الطاغية واهل القرار في المنطقة الخضراء فيما يخص سبب وجع الناس وكارثة الوطن! .
ان التوصيف هذا لا يشمل بالطبع كلّ ساكني المنطقة الخضراء ولا يصح ان يطلق بصيغة التعميم على كلّ السياسيين فيها،فبينهم من هو في محنة مع شركائه،وبينهم من هو غيور على وطنه وشعبه،وبينهم من يتمتع بحصانة عالية حمى بها ضميره الاخلاقي من ملوثات الفساد واغراءات المال والسلطة،ولكنهم قلّة غير مؤثرة في تغيير حال صارت فيه المنطقة الخضراء منتجة لأزمات اوصلت الناس الى حالة اليأس من أن الحال لن يتغير الا بأن يأتي المنطقة الخضراء من يعمل على ان يجعل العراق كله..أخضر!.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة تربوية(81):الامتحانات بين قلق الأبناء وحرص الآباء
- مبادرة أكاديمية لحلّ الأزمة العراقية
- زيارة..لقصر الملك غازي في الدغارة!
- نتائج انتخابات مجال المحافظات ..من سيكولوجيا السطوة الى سيكو ...
- اللاوعي الجمعي العراقي..مخدّر وخالق أوهام ومثير فتنة (3-3)
- اللاوعي الجمعي العراقي..مخدّر وخالق أوهام ومثير فتنة (2-3)
- اللاوعي الجمعي العراقي..مخدّر وخالق أوهام ومثير فتنة (1-3)
- في ذكرى نهاية الطاغية..هل انتهت صناعة الدكتاتور في العراق؟
- عشرة اعوام على حرب (تحرير)العراق-تحليل سيكوبولتك( 4- 4)
- عشر سنوات على حرب (تحرير) العراق-تحليل سيكوبولتك (3-4)
- عشر سنوات على حرب (تحرير ) العراق_تحليل سيكوبولتك (2-4)
- عشر سنوات على حرب (تحرير ) العراق-تحليل سيكوبولتك
- حذار من الترامادول
- الناخب العراقي..من سيكولوجيا الضحية الى سيكولوجيا التردد(1-3 ...
- حذار من اليأس..سنة خامسة
- الشك بين الأزواج
- التستر على المرض العقلي
- الشخصية الفلوجية
- ثقافة نفسية(75): الشعور بالذنب..والضمير
- العشائر العراقية..قراءة في ازدواجية المواقف


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - قاسم حسين صالح - سيكولوجيا المنطقة الخضراء!