أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية















المزيد.....


الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 26 - 00:34
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية

تمهيد

ان كون الموازنة العامة قضية ذات صلة بالشأن السياسي العام , لايعني جعلها جزءاً اساسياً من الجدل السياسي العقيم . ان مناقشة واقرار الموازنة العامة في البرلمان , تمثل فرصة لطرح برامج عمل افضل . ومن خلال هذه المناقشة يمكن البحث في سبل افضل لإعداد الموازنة العامة , بدلاً عن هذا النمط العقيم المعمول به حالياً .
لهذا نجد اننا , وفي كل عام , نعيد اكتشاف العجلة ذاتها , ونختلف فقط حول تفاصيل سعتها , وعدد الراكبين فيها , وحول مظهرها العام , والرسوم الموشومة على عجلاتها .. مع انها اخترعت قبل سبعة الاف عام .
وحتّى في ظروف أفضل من ظروف العراق الحالية .. لاينبغي القبول بهذا العبث " السنوي " . فالموازنة للمواطن أولاً , ويتوقف عليها مصير البلد بأسره حاضراً ومستقبلاً , وليست مناسبة للتهريج , والتسقيط , وأستعراض المهازل , من كل صنف ونوع .
ومشكلة الموازنة العامة في العراق ليست مشكلة جهة تنفيذية معينة . لقد ورثنا هذا الاسلوب العقيم في اعدادها منذ مائة عام . وها نحن الآن لا نجرؤ على تغييره , إلا في أضيق نطاق ممكن , وبتواضع وبطء لا يتناسبان مع حجم الأزمات الأقتصادية والأجتماعية , ومأزق التنمية , الذي ظلّ العراق يعاني من تبعاته وتداعياته طيلة العقود الخمسة الماضية .
لقد اضعنا عقداً كاملاً في التخبط , وأوقفنا .. او ابطأنا , عملية الاصلاح المطلوبة . وكانت لدينا بعد العام 2003 فرصة لا تعوض لتغيير كل شيء . لكننا فرّطنا بهذه الفرصة .. التي يصعب تكرارها , من الناحية التاريخية على الأقل .
ان الموازنة الحالية , كسياسات واجراءات , لا تستنزف الجهد والمال فقط , لكنها تفرّط ايضا بجهد عراقيين نبلاء ومخلصين ؛ كتبوا وبحثوا وناقشوا وقدموا كل ما لديهم من أجل أصلاحها , وفهم دورها , بينما لا يفعل السياسيون شيئاً , غير ان يبخسوا العراقيين اشياءهم دون رحمة .
ان غياب الشفافية , وانعدام الوضوح , وضآلة الجدوى , وعقم الاسلوب ( في الأعداد والتنفيذ ) , هي التي تجعل الموازنة العامة جزءاً من الأزمة العامة في هذا البلد , وليست جزءاً من الحل .
ان بداية عملية الاصلاح الحقيقي في العراق ينبغي ان تبدأ بأصلاح الموازنة العامة إعداداً وتنفيذاً .
فهذه الموازنة التي يعلو الصراخ بشأنها عاما بعد آخر , لا تمنحنا أية فرصة للتقدم في اي مجال , وعلى جميع المستويات . وفي اطارها لايمكن تحقيق أي شيء ذي جدوى : لا تنمية بشرية , ولا نمو حقيقي , بل ولا استثمار , ولا تكامل مع الخطط والستراتيجيات الكثيرة , التي تم اعدادها في اكثر من مجال , لتتحول فيما بعد الى مجرد غبار يغلّف اسماء البنود والتخصيصات وارقامها المبهمة .
انها موازنة " بدائية " , لكنها لا تقدّم الى مجلس الوزراء في ايلول , والى مجلس النواب في تشرين الاول , والى مجلس النواب في تشرين الثاني , ولا تصدر بقانون الا في آذار من العام التالي في افضل الاحوال ( في مخالفة صريحة لقانون الأدارة المالية النافذ ) . ثم تتسابق وحدات الانفاق على استنفاد نفقاتها التشغيلية , بينما لا يتم الاعلان عن مناقصات مشاريعها الاستثمارية الا في حزيران , ولا تحال هذه المناقصات (اذا احيلت) الا في ايلول, الذي هو موعد تقديم الموازنة الجديدة الى مجلس الوزراء . والنتيجة ان نسبة انفاق تخصيصات الموازنة الاستثمارية تتراوح عادة بين 25% في أسوأ الأحوال الى 50% في افضلها , بل ان هناك وحدات انفاق لا تستطيع انفاق حتى تخصيصاتها التشغيلية كاملة خلال السنة المالية للموازنة العامة .
وبهذه التفاصيل فأنها موازنة عامة تجسد اسوأ ما في الحاضر , ولا تعبأ بالمستقبل , ولا تعكس هموماً تنموية,ولا تأبه باستدامة العيش الكريم لمواطنين ذاقوا الامرّين طيلة خمسين عاماً حتى الآن .
لقد قطعت بلدان كثيرة ( ومنها بلدان من العالم المتخلف ) , أشواطاً لا نستطيع استيعابها بهذا الصدد , بينما نراوح نحن في اماكننا (نحن البلد المتخم بأفضل الكفاءات البشرية وأغزر الموارد المالية) , لأسباب معروفة , لا مجال لأستعراض تفاصيلها الآن .
لقد أضاع الحكّام السابقون عقودا ً من التنمية , والحكّام الجدد أضاعوا عقداً أضافيا واحداً حتّى الآن . ولكن خطورة المشكلة تتجسد في ان الحكام السابقين قد " نجحوا " في حشر العراق في زاوية مميتة . وبذلك فان ضياع عقد آخر لن يعني سوى الفوضى , وربما ضياع العراق ذاته . ولا ينبغي ان يكون هذا السلوك اختيارا لأي من الفرقاء السياسيينً , لأنه في محصلته النهائية سيكون انتحاراً يقوّض البناء الاقتصادي والمجتمعي والمعرفي والنفسي لوطن بأسره .

الموازنة العامة : اشكالية العلاقة بين منهج الاعداد , ومنهج المناقشة

ان اشكالية " التوافق السياسي " على قانون الموازنة العامة في العراق ذات شقين :
1) الشق الأول ذو صلة بالمنهج المعتمد في اعداد الموازنة . فهي تعد كموازنة بنود تقليدية في وزارة المالية ، وتناقش في مجلس الوزراء بهذه الصيغة . والفرقاء السياسيون موجودون , و مطلّعون , ويعرفون من خلال ممثليهم / وزرائهم / في مجلس الوزراء , انها موازنة بنود تقليدية .
2) هنا يأتي الشق الثاني من المشكلة , فما ان تعرض الموازنة على مجلس النواب للمصادقة عليها , حتّى تتحول , بقدرة قادر , الى موازنة برامج واهداف , وتحشر فيها كلمة " التنمية " حشرا , من خلال مفاهيم فضفاضة كـ " تنمية الاقاليم " . وهذه المفردة تعني في حقيقتها " تخصيصات المحافظات " او حصتها من " الكعكة الريعية " , ولا شيء آخر .
وتحدث هذه الاشكالية سنويا , لانه لا يمكن الجمع بين المتناقضين : الاعداد وفق منهج معين , والمناقشة ( او المناكفة السياسية ) وفق منهج آخر .
فإذا كنت تبحث عن جدل بيزنطي حقيقي , فلا توجد موازنة في العالم تعكس , او تجسد هذا الجدل العقيم اكثر من الموازنة العامة العراقية , لأنها تجمع منهجين متناقضين : منهج اعداد يقبل الجميع به , ومنهج مناقشة , او اقرار او مصادقة . يختلف عليه الجميع .
ومنذ عشر سنوات لا يحظى العراقيون بصخب سياسي موسمي افضل من هذا الصخب . فالجميع يتحدث ( عندما يحين موسم مناقشة الموازنة في البرلمان ) عن مصالح وآمال وأحتياجات العراقيين غير الملبّاة , وحرمانهم المزمن .
اما المواسم الثلاثة الاخرى فلا يعلو فيها صوت فوق صوت المفخخات , والاعمال الارهابية , والتقصير في تقديم الحد الأدنى من الخدمات العامة , والعجز الفاضح عن عمل شيء ذي قيمة , وذو استدامة , مع بعض الاستثناءات النادرة هنا , وهناك .
واذا كان كل شيء في العراق يتجاوز المهنية والكفاءة والاختصاص ويعمل في الغالب على وفق منطق نظام المحاصصة , فقد كان يفترض بهذا النظام ان يعمل على تسهيل تمرير الموازنة في مجلس النواب لا العكس .
فالموازنة تعد في وزارة المالية , وتوزّع تخصيصاتها هناك . وهي أصلاً تقديرات وحدات الانفاق المستلمة من الوزارات المختلفة , التي يفترض ان الوزير قد ناقشها تفصيلاً مع المسؤولين التنفيذيين في وزارته , قبل ارسالها الى وزارة المالية .
وهؤلاء الوزراء موجودون في مجلس الوزراء , الذي يفترض انه يناقش الموازنة , ويوافق , ويتفق على صيغتها التي ستُرسل الى مجلس النواب للمصادقة عليها .
وأكثر الأسئلة " سذاجة " هنا هو : لماذا لا تمرِّر محاصصة الوزارات , مشروع الموازنة العامة , في مجلس نواب , يقوم على هذه المحاصصة ذاتها ؟
لماذا يتعامل الفرقاء السياسيون في مجلس النواب مع الموازنة وكأن وزراء من " دولة المريخ " هم من قاموا باعدادها , وليس وزراء " محاصصة " و " توافق " إنتدبتهم كتلهم السياسية , ومكوناتهم الأثنيّة , ليمثلونها في مجلس الوزراء ؟
ووفق هذا المنطق , فأن تكرار اعادة مشروع قانون الموازنة العامة من مجلس النواب الى مجلس الوزراء , لأجراء تعديلات جذرية عليها هو مجرد عبث سياسي , لا طائل من وراءه .
فنحن ككتل سياسية .. نعيد الموازنة الى وزرائنا .. ليتفقوا عليها في مجلس الوزراء .. ثم نسترجعها منهم .. لنختلف عليها في مجلس النواب . وهكذا .. نبدد الوقت والجهد .. ونعمّق الخلافات / العميقة اصلاً / ونزرع الشكوك والهواجس .. ونوزّع التهم , ونمارس جميع انواع التسقيط , لمدة خمسة اشهر تقريباً , تمتد من تشرين الاول من العام الماضي لتصل الى آذار من العام اللاحق له .

الموازنة العامة والمشروع الملتبس للدولة العراقية
تعمل الموازنة العامة من خلال منهج اعدادها ومقارباتها القائمة حالياً على تفتيت وتقويض وحدة الهدف / دالة الهدف / في خطة التنمية الوطنية . ويعمل الخلاف السياسي الذي لا يستند الى مشروع محدد للدولة العراقية , أو الى توصيف محدد للنظام الأقتصادي , على تحويل الموازنة العامة , من موازنة " اتحادية " الى موازنة " تقسيمية – تفكيكية " حتى لبنية المجتمع العراقي . ففي غياب الحد الأدنى من قواعد الشفافية في الموازنة العامة , وضعف الوعي المجتمعي بالمفاهيم المالية والمحاسبية المرتبطة بها , فان الشرائح المختلفة في هذا المجتمع , سيتم حشدها وراء ادعاءات ومطالبات من يفترض انه يمثلها في مجلس النواب . وليس امام هذه الشرائح من دور في المساهمة في رسم السياسة الأقتصادية العامة غير الأستماع الى صخب هؤلاء النواب وهم يدَّعون سياسياً / تعبوياً / ( وليس اقتصادياً أو تنموياً ) تمثيلهم لمصالحها واحتياجاتها الاساسية , بينما يقف " الاخرون " / الأعداء / موقفاً معارضاً منها .
وعندما يتم عرض وتوظيف الموقف السياسي بهذه الطريق الفجّة , يتم تحويل بنود وتخصيصات الموازنة العامة الى " مزاد سياسي علني " , تُباع وتُشترى فيه احجام الانفاق القطاعية والمكانية , ويتم رفع وخفض العجز , والتشكيك في مصادر التمويل , والتلاعب بمفاهيم ( هي غير مفهومة اصلا إلا للمختصين ) والتعامل مع هذه المفردات وكأنها مجرد شعارات سياسية وليست موضوع فني – مهني يعكس مصالح اقتصادية وطنية عليها لاينبغي المساس بها تحت اي ظرف كان .
وفي نهاية كل عام تجسد الموازنة العامة خلاف العراقيين المرير حول تفسير بنود الدستور ذات الصلة بالشأن الأقتصادي , وبمشروع الدولة على حد سواء . وبهذا الصدد لم تعد عملية اعداد الموازنة العامة بمثابة " شأن سيادي " يقع في صلب " الاختصاصات الحصرية " للسلطة الاتحادية , شأنها في ذلك شأن التعداد العام للسكان . ويتم جرّ وحدات الانفاق في المحافظات لممارسة سلوك مالي " وتفاوضي " مشابه لسلوك الاقاليم , مما يتطلب اعادة النظر في اساس المشكلة ومقدماتها , وليس في نتائجها غير المنطقية الشاخصة امامنا الآن .
يتضح مما سبق ذكره , أن اشكالية الموازنة العامة في العراق , ليست اشكالية مالية – اقتصادية فحسب, بل هي اشكالية مشروع الدولة العراقية ذاته . انها اشكالية مرتبطة بعدم الاتفاق بين العراقيين على توصيف هذا المشروع , وعلى توصيف النظام الاقتصادي والسياسي المعبّر عنه .
ان الجدل حول مشروع الدولة لم يحسم بعد ( أو لم يبدأ بعد ) . فهل الدولة العراقية " الجديدة " هي دولة مكونات , أم دولة مواطنة ؟ دولة فيدرالية , أم كونفدرالية ؟ دولة ريعية - مركزية , ام دولة اقتصاد السوق ؟ .
أن غياب هذا المشروع , أو تغييبه , وغياب الأجوبة عن الأسئلة المرتبطة به , يجعل الموازنة العامة تفقد اهليتها " الاتحادية " تدريجياً لصالح فيدرالية محافظات " تجزيئية " , بدلا ً من تركيزها على توزيع عادل للدخل والثروة , وعلى صلاحيات التصرف بالموارد بين مواطني هذه المحافظات , الذين هم ابناء وطن واحد في نهاية المطاف . كما ان هذه الموازنة ستفقد اهليتها الاتحادية لصالح مطالب " كونفدرالية " أو " شبه كونفدرالية " متأرجحة بين أن تكون جزءاً من هذه الموازنة الاتحادية في نفقاتها وايرداتها , والسياسات التي تتضمنها , أو ان تكون وحدات تصرّف بموارد الموازنة العامة " إتحاديّاً " , ولكنها في حقيقة المر تكون مستقلة عنها بشكل يكاد يكون كاملاً .
واذا كان مايحدث بهذا الصدد هو جزء من توافق سياسي , بين " مكونات " الدولة العراقية , فأن الموازنة بشكلها الحالي , ومضمونها الحالي أيضا , لا تصلح , بل وليست مهيأة بعد , ولا تستطيع , وليس من مهامها اصلا , أن تعكس او ان تكون التجسيد " المالي " , لا للتوافق السياسي , ولا للخلاف السياسي المزمن المترتب عليه .

الموازنة العامة وأدارة المالية العامة في العراق : الخصائص والسمات الرئيسة

1- أن هناك صلة متعددة الابعاد بين الموازنة والاطار الاقتصادي الكلي . وميزانية البنود الحالية لا تسمح بكشف ابعاد هذه الصلة ولا في تحقيقها . لهذا تتسم ادارة المالية العامة في العراق بكونها مجتزأة , ومقطوعة الصلة , ومستقلة , عن الاطار الاقتصادي الكلي .
2- أن الموازنة العامة قد تشير الى ربط ما مع خطة التنمية واستراتيجيات اخرى , غير أن هذا ليس بديلا عن كونها مرآة للعلاقة بين الموازنة والنمو والتشغيل والميزان الخارجي واستقرار الاسعار , وعدالة توزيع الدخل والثروة . ولا ينبغي رمي هذه المهام على عاتق سياسات اقتصادية اخرى وادارات اخرى . فالعنصر الحاسم في ادارة الدولة للاقتصاد هو الموازنة . والانفاق العام هو العامل الديناميكي الحاسم في كل شئ حالياً , شئنا ذلك أم أبينا .
3- ان هذه الموازنة تركز على النمو المتأتي من زيادة الانتاج والصادرات النفطية مع بقاء اسعار النفط في اعلى معدلاتها . وعلينا مغادرة هذا المنهج . فالعالم لا يقيس , أو لم يعد يعتمد , على نمو الناتج من مورد معين أو قطاع معين لوحده , بل على نمو الانتاجية المرتبط بأنماط تكنولوجية معينة , يعمل القطاع الخاص والعام معا على وفقها . وهذا لايتوقف على حجم الموارد المتاحة للموازنة وانما على التقدم الملموس في " الكفاءة ". وهذه " الكفاءة " وليس غيرها هي التي تتوقف عليها فاعلية المورد المالي في نهاية المطاف .
4- ان هذه المقاربة يجب ان ترتبط بإصلاح اداري جذري للمالية العامة في العراق , يبدأ من قواعد المعلومات وانماط العمل المحاسبي , وينتهي بأنماط التدقيق والرقابة وتقويم الاداء على وفق المعايير الدولية المعتمدة بهذا الصدد .
5- أن الموازنة العامة تتجه سنوياً لزيادة الانفاق . ولا تعمل اي موازنة (بما فيها موازنة العام 2013) على النظر في كيفية الخفض التدريجي لحجم الالتزامات أمام الموازنات القادمة . ومثل هذا التوجه يساعد على توظيف الموارد بفاعلية أعلى لخدمة الاهداف الأساسية للمالية العامة .
وهنا ينبغي التأكيد على أن حجم الانفاق الحكومي بذاته يساهم في تحديد مستوى الرفاه وانماط المعيشة للقطاع العائلي باستقلال عن كفاءة التصرف به . لهذا ينبغي عدم الخلط بين أثر الكفاءة وأثر الحجم للأنفاق الحكزمي . بمعنى أن الخفض العنيف للانفاق الحكومي سيؤدي الى تردي الوضع الاقتصادي , ولذلك لاينبغي السماح به تحت كل الظروف .
6- لا نعرف لماذا هذا الاصرار على تكليف قطاع المقاولات المحلي بإنجاز مشاريع الموازنة الاستثمارية وبرامج الاستثمار الحكومي . أن هذا القطاع فاسد ومتخلف , ومع ذلك فاننا نجعل تنمية البلد بأسرها متوقفة عليه . وبهذا الصدد فقد قدّم العديد من الاقتصاديين العراقيين , الاكفاء والمخلصين , حلولهم البديلة ... فلم يصغ اليهم احد .
7- لا يوجد توجه محدد بصدد الايرادات غير النفطية . فهذه الايرادات تتجاوز كونها أحد مصادر التمويل , الى كونها تسمح بزيادة الانفاق الحكومي دون توسع نقدي . ومع تزايدها يتقلص تدريجيا عدم الانسجام البنيوي بين الانفاق الحكومي والاقتصاد الوطني . ( ومع ذلك فأن نمو الايرادات غير النفطية في موازنة هذا العام ينخفض بنسبة 3.4 % عن السنة السابقة ) .

البديل : موازنة البرامج والاداء
أن اول مهمة عند اعداد الموازنة العامة يجب ان تكون تحديد السياسات والاهداف التي تهدف هذه الموازنة الى تحقيقها . فالموازنة يجب أن تأتي بعد السياسة الاقتصادية العامة وليس العكس . فاذا كان هناك خلل في السياسات فان الموازنة لا يمكن ان تكون فعالة .
وتساعد " موازنة البرامج والاداء " على تحقيق هذه المهمة بالاعتماد على مخرجات الانفاق ( أي على العمل المنجز نفسه ) . وهي الكفيلة بالأجابة عما اذا كانت آلية العمل المنجز تساوي ماانفق فعلا , وهل تتناسب الخدمة المقدمة مع كلفتها , مع التركيز على كفاءة استخدام الموارد .
وبالتالي فان موازنة البرامج ( وهي نتاج المحاولات الاولى لتطوير الموازنة التقليدية ) ستعمل على الحد من الفساد , لانها تفرض رقابة لاحقة على الصرف , وتسمح لديوان الرقابة المالية بتقييم كفاءة اداء وحدات الانفاق . لهذا تعتمد هذه الموازنة على على ثلاثة اسس رئيسة هي :
- تصنيف البرامج والاجراءات الحكومية الى مجموعات اساسية ذات معنى مرتبط بكل وظيفة من الوظائف التي تقوم بها الوحدات الادارية او الاقتصادية .
- قياس الاداء من خلال التكلفة المعتمدة لهذه البرامج .
- أعتماد الادارة العلمية في كيفية استخدام الموارد واستغلالها الاستغلال الامثل .
- ان هذه الموازنة تعد خطوة أولى وأساسية على طريق الأصلاح الأقتصادي المنشود , لأنها تتطلب تطوير النظام المحاسبي , وتغيير جذري لنمط الأدارة المالية , بينما تعمل ميزانية البنود على ترسيخ تخلفه , او أعاقة عملية اصلاحه كلاً أو جزءاً . كما ان موازنة البرامج والاداء تعمل , او تفرض , اعادة النظر بالهيكل التنظيمي للادارة الحكومية بشكل يتناسب مع حسن الاداء في تنفيذ البرامج والانشطة التي تتضمنها مثل هذه الموازنات .
- أنها موازنة تهتم بكفاءة الاداء في مجال التخطيط , وخاصة في الاجل الطويل . ولا تحصر برامج الوزارات بسنة واحدة . كما انها تتسم بالمرونة كونها تسمح بالأعتماد على طرق وحلول بديلة لتنفيذ البرامج والأهداف , في حال تلكؤ أو أخفاق وحدات الأنفاق في تنفيذها على وفق الآليات المصممة لتنفيذها في الأصل .
- ان موازنة البرامج والأداء تشكل المدخل الأساس لنمط أكثر تقدما في اعداد الموازنة العامة . وهذه الموازنة هي " الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي " . وقد طبقت أكثر من خمسين دولة هذا النمط من الموازنات حتّى الآن . وتعد مصر والمغرب من بين أكثر البلدان نجاحا في هذا الصدد .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَذكّرْ الكثيرَ ممّا نسيتْ .. لعلّكَ تَنسى
- مظهر محمد صالح : محنة العقل في بلد ممنوع من الأنتقال إلى وضع ...
- دعوةٌ للصلاة .. من أجل وطنٍ .. مطوّقٍ بالرماد والرمل
- تارا .. لاتُحبّ ُ الجنود
- إلياذة المطر .. في عراق الرماد
- سيناريوهات الخراب .. التي لا يومضُ ضوءٌ عداها .. في وجوه الع ...
- التشغيل والبطالة والأنتاجية في العراق : فضائيّون .. ومقنّعون ...
- ضدّ النَسَق والنظام .. والحزب والثورة
- النفط ُ والدين .. وما أكل َ السبع ُ منه
- ها أنذا .. أبلغ ُ الستّين َ للمرّة ِ الألف ِ .. وأحبو إليها
- قصص قصيرة
- حكاية ُ حمار ٍ يُدعى ( سموك )
- عيوب عاديّة
- جئت ُ كالماء ِ .. و كالريح ِ أمضي
- الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي
- الأكاديمية العراقية لمكافحة الفساد : مقترحات ورؤى أولية حول ...
- ليس َ الآن
- الأقتصاد العراقي : قيود ومحددات صنع السياسة في مرحلة الأنتقا ...
- وقائع ُ الجَمْر ِ .. في بلاد الرماد
- مباديء الأستثمار .. في سوق النخاسة


المزيد.....




- انخفاض أسعار الصرف اليوم…سعر الدولار في السوق السوداء الأربع ...
- الأكبر في العالم.. تفاصيل مشروع قطري جزائري جديد بميزانية ضخ ...
- ما المكتوب على القناع الذهبي للملك المصري توت عنخ آمون؟ وما ...
- وزيرة الخزانة: اقتصاد أميركا قوي والخيارات متاحة للرد على ال ...
- -بلومبرغ-: فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن ال ...
- الاقتصاد الأمريكي ينمو 1.6% في الربع الأول من العام بنسبة أق ...
- ما المكتوب على القناع الذهبي للملك المصري عنخ آمون؟ وما حقيق ...
- أوكرانيا تبيع أصولا مصادرة من شركات تابعة لأحد أكبر البنوك ا ...
- مصر.. قرار جديد من وزارة التموين بشأن ضبط أسعار السكر
- أصول صندوق الاستثمارات العامة السعودي تتجاوز 749 مليار دولار ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية