غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 3972 - 2013 / 1 / 14 - 23:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ســوريا.. يا ســوريا.. إلى أيــن؟؟؟!!!...
أقرأ يوميا عشرات المقالات والتحليلات والتنبؤات والتقديرات.. وحتى التأكيدات التي تعلن أنها من مصادر موثوقة أمريكية ـ روسية ـ ناتوية ـ اتحاد أوروبية ـ جامعة عربية ـ أمم متحدية, يقلم كاتب موثوق, خبير عسكري, خبير سياسي, خبير بالشؤون الإسلامية, خبير بالشؤون الشرق أوسطية, خبير بالشؤون السورية...أو صحفي اختصاصي على الأرض مباشرة كأنه شاهد عيان.. وأخيرا بيانات سانا ووزارة الإعلام السورية...
منذ بداية الأحداث والاضطرابات على الأرض السورية, من سنتين. صحف, إذاعات, قضائيات تلفزيونية أمريكية, فرنسية, انكليزية وطبعا عربية. تأسيسات إضافية مكلفة جدا حتى أتمكن من بتابعة الأحداث بشكل مباشر. ما عدا لدى انقطاع إمكانية كبت المحطات السورية, بسبب الأمبارغو, واللجوء إلى مساعدة الأنترنيت وتفرعاته. غالب هذه الوسائل الإعلامية التي كانت دوما في الخطوط الأولى, كانت تعلمنا بأشكال تأكيدية مختلفة.. أن نظام الرئيس بشار الأسد قد انتهى.. أو تبقى له يومان أو ثلاثة... بالإضافة أن الإعلام السوري كان يؤكد لنا أن عمليات التمشيط والتنظيف ستنتهي بعد يومين أو ثلاثة. وأن حماة الديار حريصون على أمن البلد وأمانه... وأن كل شيء تمام تمام يا ست حليمة!!!...
وصار المشط والتمشيط يكبر يوما عن يوم... وبدأ الشعر الأبيض والأسود والرمادي يعطل مرور المياه في المجاري. يعني بدأت الجثث بالمئات.. بل بالآلاف تملأ شوارع المدن والقرى... بأعداد رهيبة متكافئة, ما بين رجال الأمن والجيش وما يـسـمـى القوات المسلحة النظامية, وبين أنصار المعارضات المختلفة وقياداتها المتلونة المختلفة التي تمركزت في أفخم صالونات الفنادق المشهورة في العواصم التركية والقطرية والسعودية, وخاصة في العاصمة الأمريكية وبقية العواصم الأوروبية... وبدأ المتطوعون والمقاتلون المرتزقة, بالإضافة إلى الجهاديين الإسلاميين, يتوافدون للقتال ضد السلطة, عبر الحدود التركية واللبنانية والأردنية.. بداية بالمئات...يوميا... حتى تجاوزوا أحيانا الآلاف يوميا. حسب الحاجة.. والإيمان.. والدفع نقدا.. وخاصة قدوما من المناطق الأوروبية أو العربية المشهورة بانتشار الفقر والبطالة...حتى رأينا عدة مرات على بث الأنترنيت مقاتلين شقراويين من محترفي القتال في أفريقيا الجنوبية, أيام الأبارتايد, أو من الذين اعتنقوا الإسلام السلفي, الذين أختاروا القتال على الأرض السورية, أقصر الطرق للوصول إلى جنة الخلد, وما تحمل من وعود مغرية ســاحـرة!!!...
سنتان مرا على هذا البلد الحزين الذي تدمر أكثر من نصف بنيته التحتية والفوقية ومصافي بتروله ومخزونات غازه وجميع مواسمه الزراعية, وتوقفت جميع برامجه الدراسية وتجمدت كل مشاريعه الاقتصادية, وتعطلت كليا جميع وسائله الاتصالية.. وطرقه أصبحت معطلة خطرة كليا, كأيام ســفـر برلك أو زمن الــشــتا (قطاع الطرق)... خراب كامل محزن يائس... بالإضافة إلى ملايين المهجرين داخل المدن, وإلى الدول المجاورة.. أو إلى استراليا وكندا وأوروبا, لمن لديه إمكانية شراء فــيــزا, التي أصبحت تباع في السوق السوداء التي انتفخت مافياتها ببيع الأسلحة والخضار والمازوت والغاز والمعلومات والأمان والخطف.. والفيزا...........
هذا بعد سنتين كاملتين من استماعنا أن (الثورة) نجحت وانتصرت... وأن الربيع العربي مــر في سوريا وتزوجها...وأن شهر العسل تــمــام... والصوت المقابل يردد لا يهمكم يا شياب... الوضع مسيطر عليه... وأن أمريكا وروسيا فد اتــفــقــتــا على القسمة... وأن الأمور سـائرة تمام... وأن خطاب المسؤول الأول ومن حوله من ناصحين ومطبلين, يؤكدون لنا هذا بكل ثقة واطمئنان كاملين.
لكننا ما زلنا نسمع أصوات التفجيرات, والقتيلات والقتلى, ونحيب الأطفال والجياع.. وأنين الجرحى بلا مستشفيات أو أي مـأوى في هذا البرد القارس اللعين... واللاجئون من جميع الأطراف.. والمهاجرون.. والجياع.. بلا خبز.. بلا حبة بندورة.. والذين تهدمت بيوتهم.. ما ذنبهم إن كانوا لا يصدقون أحدا من كل هؤلاء الحكام والأمراء والشيوخ والسياسيين وحملة المبادئ والثورات والقنابل...
سنتان يا بائعي الثورات والنظام... سنتان من الألم والقتلى والضياع.. ولم تجدوا وسيلة واحدة كي تتجنبوا كل هذا الأذى لهذا البلد الذي خلق أقدم الحضارات ووزعها قبل فدوم جميع الأديان. يا تجار الثورة.. ماذا فعلتم ببلدكم.. يا أهل النظام لماذا لم تفعلوا أي شـيء لحماية هذا البلد خلال نصف قرن وأكثر لحمياته من أخطار المستقبل وما جاءه من قتلة ومغول وتتر... كلاكما مسؤول كليا عما أصابـه من عذاب وشقاء وحرمان وموت وجهل وجهالة...
وعدتمونا بربيع عربي... وها نحن تغرق من سنتين بتسونامي دموي ـ جاهلي ـ سلفي, وعصابات لا تفهم من مبادئ الثورة سوى القتل والتقتيل والتكبير... وعلى الشط المقابل, عاليا عاليا, فوق جبال نصف آمنة مؤمنة, يصرخون, تعالوا لنشرح لكم.. لا تخافوا من التسونامي ومن الخراب... وكل هؤلاء الغرقى, سوف نعيدهم إلى الحياة, لأننا السلطة.. لا تخافوا... اسبحوا.. قاوموا.. جاهدوا...حتى تصلوا إلينا...سوف يعود الأمان... ولكن التسونامي الهائج, الذي تحركه صرخات التكبير.. لا يرحم.. إنه الموت.. إنه الخراب... لأنه عدو الحياة...
هـرمنا.. تعبنا... تعبنا.. هرمنا.. كما قال رجل عاقل تعب في حينه من الأحداث التونسية... وأظن أن هذا الرجل قد تعب.. من متابعة التعب.. وهرم.. وهرم وتعب!!!...
ونحن السوريون؟؟؟!!!... بعد كل هذا.. ألا تظنون يا سادة اللامتحاورين.. أننا تعبنا.. أننا هرمنا... أننا تعبنا.. من رصاصكم.. من خلافاتكم... من تحكيماتكم.. من ضياع بلدنا وسيادته وكرامته واستقلاله وأمانه ومستقبله, من نزاعكم المصلحي ومصالحكم الأنانية الفردية النزاعية... تغرقون في الوحل وتغرقوننا معكم. لذلك لا نؤمن بكم ولا نتمنى نجاحكم. لأن كل نجاح تعلنون عته وتطبلون وتزمرون لـه, يعني مزيدا من الموت, ومزيدا من الخراب.. ومزيدا من فقدان الأمل بحياة أفضل...
بئس نظامكم.. وبئس يئس ربيعكم العربي وجهادكم وثورتكم... الذي جرف مئات آلاف الجثث, في بحار الدم... ولم ترتووا حتى هذا المساء................
سوف يحاكمكم التاريخ... وسوف تلعنكم الحقيقة الحقيقية...................
بالانتظار.......
للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي ومحبتي وصداقتي واحترامي.. وأصدق تحية مهذبة.. حــزيــنــة.
غـسـان صــابــور ــ ليون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟