أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد ثامر جهاد - قيثارة الكابتن كوريللي عزف سينمائي على أوتار الحرب















المزيد.....

قيثارة الكابتن كوريللي عزف سينمائي على أوتار الحرب


احمد ثامر جهاد

الحوار المتمدن-العدد: 1134 - 2005 / 3 / 11 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


إن للحرب خصوصية فريدة لدى بعض الكتاب والسينمائيين ، تدفعهم - بوصفها موضوعة كلية لا تبارى - إلى قراءة إمتداداتها الكونية بنظر فلسفي يكشف عن مسار علائق الإنسان بالمكان والهوية والقيم والآخرين . وإلى جانب طبيعتها الإشكالية تثير الحرب حافز البحث الواقعي والشعري عن مكامن الوجع الإنساني في ذاكرة القصص والإخبار والحكايات اليومية . وقد يذهب بعضهم إلى تتبع حيويتها في طيات السرد التاريخي للأحداث والوقائع إذا ما صح الاعتقاد القائل ، بان التاريخ البشري قص من نوع ما .
في التراث الإنساني نرى ، إضافة إلى التفكير العلمي بواقعية الحرب ، مطالبة دائمة بإلحاق التأويل إلى جسد التاريخانية ، أي الاهتمام بالروح الشاردة خارج إطار السببية . فمن رحم التفكر الأدبي و الفلسفي تولد تقاليد مثل هذه القراءات والروايات ، بحيث يكتسب التنقيب عن جديدها شرعيته ، بغض النظر عن مثالية نشيدها الإنساني . وهنا قد تتخذ الرؤية لنفسها منطقا إبداعيا يوحد اتجاه الشخصيات والوقائع والقصص مع سواها من الموضوعات ، ويعيد إنتاجها في سياقات بلاغية وصور جمالية .
والسينما مثل باقي الفنون الأخرى ليست معنية بتقديم التاريخ من زاوية وثائقية ، إنما تفضل – في حدودها القصوى – محاولة قراءة الزمن الماضي بكل ما يشتمل عليه من اشتباكات مريرة للواقع ، مستخدمة في ذلك ابرع وسائلها التعبيرية لتأمل جوانب الحياة كلها ، من دون التركيز على صدق المروي أو معقوليته . فالخيال نشاط ضروري لتصور الأشياء الممكنة وغير الممكنة إذا ما كان مزيجا من الذاكرة والنسيان مثلما ذهب بورخس .
عندئذ يحق لصانع الفيلم إلقاء بقعة ضوء على المساحة الحياتية التي يختارها مادة لفيلمـــه ، معتمدا لغة سينمائية تتجاوز – على قدر جودتها – دور المفسر للأحداث نحو وظائف فكرية وجمالية أشد تجريدا . فقد يصور بعض المخرجين الحرب بوصفها عنصرا مهما مشاركا في بنية الفيلم أكثر من كونها إطارا للصورة فحسب . ويقوم الإخراج السينمائي بوضع اللمسات الأخيرة للعمل الفني الذي تتوارى خلف صورته جل التباينات بين الواقعي والمتخيل ، كضمانة لترجيح لغة إشارية معبرة .
إن الخيارات التي يطرحها الشريط السينمائي عديدة ومتنوعة بتنوع الأساليب والمعالجات المقترحة ، ويتوقف منحاها - بشكل خاص - على زاوية نظرها الأشياء التي لا يمكن لها إن تنفصل عن موضوعة الفيلم . وهنا لاحظ النقاد إن المخرج الإنكليزي ( جون مادن ) اظهر ولعا شديدا بقصة العواطف الإنسانية منذ فيلمه ( شكسبير العاشق ) الحائز على جوائز الأوسكار الرئيسية عام 1998 . ليعود في فيلمه الجديد ( قيثارة الكابتن كوريللي ) إلى اكتشاف صدق العواطف على خلفية الحرب والموت الواقعيين بلا منازع .
فمأساة ( كوريللي ) تعد توقا عميقا لتمثيل مشاعره رغم التناقضات والنـزاعات المحيطة به أو تلك التي هو جزء منها ، ويعبر سلوكه عن رفض تام لصورة الإنسان متجردا من أسلحته الرومانتيكية . ومثلما توارت ملامح شكسبير الأدبية خلف صورة الغرام المتوهج ، تراجعت القسمات العسكرية الصارمة للكابتن كوريللي لصالح صورة العاشق الملهوف ! وتلك على كل المستويات ميزة الفيلم في أن يكون جماهيريا ومقبولا لدى فئات عدة ، خاصة إذا ما نظرنا إلى جانب الحكاية المحرم في الأخلاقيات الاجتماعية المعهودة ، وهو قصة الغرام بين صاحبة الأرض ( الفتاة ) والجندي المحتل ( كوريللي ) !
يعرض الفيلم مرحلة من مراحل الحرب العالمية الثانية ، قامت القـوات الإيطالية خلالها باحتلال بعض الجزر اليونانية وبمساعدة عسكرية من الألمان . هناك في جزيرة ( كابو لونيا) يعيش الأهالي حياة يسيرة وهادئة تمنحهم شعورا بالرضا والاستقرار . تضطرب تلك الوداعة عند وصول هؤلاء الجنود الغرباء المدججين بالسلاح والعجلات الحربية وهم يأخذون بالسيطرة على أرجاء المكان ، داعين الناس إلى ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي ، وكأن شيئا لم يحصل . إلا أن هرج الإيطاليين وصخبهم الدائم فرض على الأهالي الخشية من تأثر عاداتهم وأخلاقهم المحافظة بسلوك الجنود اللامبالي .
وسط تلك الفوضى المعهودة بالنسبة لجنود يعانون عبث الحرب ، ينفرد الكابتن ( كوريللي) بسلوك عفوي وديع وروح مولعة بالموسيقى . فنرى انه متعلق بقيثارته إلى حد أنها لا تفارقه أينما ذهب ، وما أن يختلي بنفسه حتى يشرع بعزف الألحان الشعبية التي حفظها واحبها وكأنها مهمته الوحيدة في هذه الحرب ! تلك الصفات المميزة لكوريللي هي ما أثار الفتاة اليونانية ودفعها إلى عقد صداقة نقية معه ، تتطور بمرور الوقت لتصبح حبا عنيفا يتخطى افتراق الهوية والمكان والمصير بينهما . أما شكوك الأب وارتيابه فقد تبددت أمام رغبته القوية في معرفة ( الآخر) ومحاورته بعقل متفتح .
إن محدودية مكان الأحداث جعل الاحتكاك مباشرا وروتينيا بين الأهالي وبقية الجنود ، حتى أن اللقاء المتكرر في الاحتفالات الشعبية والمناسبات خلق للأهالي انطباعا عن أن روحا مرحة دخلت مفاصل حياتهم وان كانت أضرت بمصالح بعضهم . لكن الغالبية منهم باتت تفرق بين حيوية الإيطاليين وتواضعهم في مقابل صلافة الألمان وتعاليهم الأجوف .
ربما تكون تلك الصورة النمطية التي يعاد بثها في أفلام غربية عدة ، تعبرعن شيء من حسابات الماضي بالنسبة للأوربيين ، مع أنها بكل الأحوال ليست محورا وحيدا لفيلم المخرج ( جون مادن ) الذي قدم لنا شخصيات إنسانية مقنعة تمتلك وجهة نظرها الخاصة في الحياة ولها أحزانها وأفراحها وقلقها من المجهول !
حاول المخرج إشغال الشاشة بمشاهد درامية وعاطفية مشوقة يتصاعد تأثيرها مع تلاحق الأحداث التي لا تكون مسبوقة بتفسيرات كافية أحيانا . فمحنة كوريللي أصبحت الحفاظ على حبيبته التي تقوده براءتها إلى مناهضة فروض الحرب القاسية ، وتعزز لديه الإحساس بمأساة الأهالي تحت وقع الاحتلال . ولذلك ما يسوغه في اللحظات الحرجة التالية للفيلم ، عندما تصدر أوامر عليا للإيطاليين تقضي بانسحابهم السريع من الجزيرة ، فيما يطلب الألمان منهم ترك أسلحتهم أثناء عملية الانسحاب . ومع المفاجأة التي حملها هذا العرض الألماني ، يأخذ الطرفان بالتفاوض دون جدوى ، مما يضطر الألمان في النهاية إلى استخدام القوة ضد حلفائهم الإيطاليين الذين يقعون صرعى النيران المتواصلة . أسفرت هذه الحادثة عن تل من الجثث ، تكومت فوق جسد الكابتن كوريللي الذي أصيب هو الآخر بجرح خطير افقده الوعي فسقط مع الآخرين ، إلا انه ينجو بأعجوبة وبمساعدة أهالي ( كابولونيا ) الشرفاء الذين يأخذونه بعيدا عن الأخطار المحدقة بالجميع .
حينذاك يدرك كوريللي انه كان محقا في حبه للأهالي وكرهه للألمان الذين غرروا به وبجماعته ، وان لا خيار له الآن سوى العودة إلى الوطن بأية وسيلة ممكنة . وهنا يقوم الأصدقاء بترتيب متطلبات تلك الرحلة ليقف كوريللي حائرا أمام عيون حبيبته التي تدعوه إلى الرحيل بعيدا عن هذا الخراب الذي طال كل شيء ، فما عادت هذه الجزيرة مكانا سحريا لنداءات العشاق . بعدها يرحل كوريللي بقلب منكسر يحمل ذكريات حقيقية عن حب نقي تحدى الموت والعزلة والفراق !
عقب انتهاء الحرب بدا إن أملا دفينا دفع كوريللي إلى العودة إلى كابولونيا في محاولة لنسيان آلام الماضي ومتابعة اجمل لحظات الحياة . وبالتأكيد فان تلك المرأة العاشقة تنتظر بنبل وإرادة ملائكية عودة المطر إلى حدائق الروح بعد طول جفاف .
إن طريقة بلوغ الفيلم ذروته في نهاية رومانتيكية مرسومة بشكل تعبيري ولغة مؤثرة ضمن إطار درامي مشوق ، يقربها من كلاسيكيات الواقعية الإيطالية إلى حد ما . وربما تعد تلك السمة الإخراجية نقطة تحسب لصالح الفيلم ، فليس بيننا من يعتقد أن المخرج ( مادن ) سيكون موفقا لو انه تعامل مع موضوعته بنمطية تضعه في خانة من يبحث عن المفارقات الرخيصة والبطولات الزائفة لتأكيد نزاهة هذا الطرف أو ذاك في حرب تخطت الهزيمة والنصر في لحظة رعب كبرى .
كان الأداء المتميز للنجم ( نيكولاس كيج ) والممثلة الصاعدة ( بينلوبي كروز) عاملا رئيسا في نجاح هذه الدراما السينمائية التي لم تحظ باهتمام كاف وسط حمى المنافسة الهوليودية في أفلام الحرب . ومشكلة تلك الدراما أو ( ميزتها ) أنها حكاية إنسانية ذات منحى أخلاقي تعامل مخرجها بذكاء مدركا أننا بأمس الحاجة إليها في ذروة حروب كثيرة غير مجدية ! وبكل الأحوال لن نذهب بعيدا إذا قلنا أن فيلم ( قيثارة الكابتن كوريللي ) بالنظر إلى موضوعه وأسلوبه وشخصياته حاول أن يسجل لنا عزفا خاصا على أوتار حرب مروعة .



#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بأبتسامة أمل ..سنرسم حاضرا لطفولتنا المؤجلة أبدا
- سؤل المواطن .. ولكن بعد خراب البصرة ؟
- بلاغة التحديث في الخطاب السينمائي
- الاسلام السياسي والغرب
- وقائع مهرجان الحبوبي الابداعي الثاني في الناصرية
- عن الشتاء والمسؤولين وحب المطر
- حمى السلاسل السينمائية
- حول جمالية الفيلم السينمائي
- في سابقة خطيرة تهدد جوهر الديمقراطية
- طفح الكيل في جامعة ذي قار.. والعاقبة اخطر
- للحقول الخضر ينشد لوركا قصائده
- حداثة الرواية السينمائية
- ! إرهاب النفط في وجوه الشيطان
- جندي أمريكي .. جندي عراقي
- الحياة في الأهوار العراقية
- بابلو بيكاسو
- استبطان الذات بلقطة قريبة
- الآخر في الخطاب السينمائي
- نصف ظلام ، نصف حياة
- فرانكشتاين...صورة عن الواقع والخيال


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد ثامر جهاد - قيثارة الكابتن كوريللي عزف سينمائي على أوتار الحرب