أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ثامر جهاد - جندي أمريكي .. جندي عراقي














المزيد.....

جندي أمريكي .. جندي عراقي


احمد ثامر جهاد

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 10:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في طريق عودتي من زيارة أخيرة إلى بغداد وعلى مشارف مدينة الكوت تحديدا ، توقفت المركبة الصغيرة التي تقلنا جنوبا إلى الناصرية ، عند إحدى نقاط التفتيش . كانت سيطرة مشتركة بين جنود من قوات التحالف وعناصر من الشرطة والجيش العراقي الوليد . بفضول طبيعي أدرت وجهي صوب النافذة لأرى كم من الوقت سنبقى عالقين هنا مع سرب فوضوي من مركبات عدة ، متباينة الألوان والأحجام والمهام . لم اكن متفاجئا وأنا أشاهد جنديا عراقيا هزيل البنية ، وجه اسمر حرقته الشمس ، يعلوه تعب حقيقي ، إرهاق دفين تفضحه العيون الزائغة يمينا وشمالا بحثا عما هو مثير اكثر من بزة جديدة ترهلت على عود جسد مسكين . إلى جوار جندينا المتعب ، ثمة قامة طويلة مشدودة لجندي أشقر ، لم أتبين هويته بالضبط ، بدا بنظارته السوداء متأهبا وهو يتأبط سلاحا حديثا كالذي نراه في أفلام ستالون أو شوازنيغر . ليست المسافة بين صورة هذين الجنديين هي ما شغل تفكيري حينها ، ولا هي مقصد القول هنا ، إنما السؤال الخجول الذي تناهى إلى أسماعي بعد أن أنزلت النافذة قليلا تجنبا لهواء فاسد وحرارة لاسعة أحاطت بنا . كان الجندي العراقي يسأل رفيقه الغربي بكلمات متلعثمة وصوت منخفض :
- مستر هل أفتش هذه السيارة أم …!! ؟؟ لم يكن يقصد سيارتنا بالطبع .
للحظة خاطفة صدمت نظراتي الفضولية نظرات الجندي العراقي الحزينة ، فارتبك أحدنا وشاه ببصره بعيدا صوب ناحية أخرى . بدا لي أن صاحبنا لا يعرف ماذا يفعل هناك وكأنه حشر عنوة ، ليس بسبب صغر سنه أو لاحتمال انه في جولته الأولى ، بل لانه يعرف انه وبقية زملائه لم يكونوا أحرارا فيما يقررون . فثمة رقيب أو شريك أساسي يتولى تحديد ما يجب فعله وكيفية القيام به. تساءلت مع نفسي هل هذا أحد أسباب تردي أوضاعنا الأمنية يا ترى ، طالما إن الأمر ليس بأيدنا تماما ؟
ربما لسنا جاهزين بعد ، أو لسنا مجهزين كفاية أو أننا محدودي الخبرة أو غير مخلصين لوطننا. فكرت بغرابة القول إننا قليلي خبرة ، خاصة ونحن ودعنا للتو اعنف أجهزة أمنية لأبشع دكتاتورية عرفها العالم .
بقدر ما أحزنني منظر هذا الجندي حينما رايته للوهلة الأولى ، شعرت بوخز اشد من الإحباط واليأس الذي سببه هذا المشهد الواقعي اليومي ، أزعجني غياب الحس الأمني المبادر لدى جندينا المحروق دمه - كما يقال - الذي لصرامة ما يتلقاه من زميله الغربي من أوامر ونواهي ، فقد حسه الخاص في تحديد إشارات الخطر الواجب معرفته وتطويقه إذا لزم الأمر . قبل ذلك كنت أحاول الاقتناع بأفضلية تسليم الملف الأمني إلى العراقيين لتدارك تدهور الأوضاع الأمنية في سائر المدن العراقية ، ولكني أيقنت إن الشراكة القائمة في إدارة هذا الملف الشائك والحساس ، رغم أهميتها الراهنة في نواحي تلقي الخبرة والمهارة ، خلقت نوعا من الاتكالية ونزعت – إن لم نقل عرقلت - إلى حد ما روح المبادرة في تقيم الموقف واتخاذ اللازم أمام حالات واوضاع وأحداث مختلفة قد تفوح منها رائحة خطر ما . تصورت أن أداء الجندي العراقي سيكون افضل لو كان مع زملائه العراقيين من دون سلطة أخرى توجه وتحدد وتترك له عملية التنفيذ فقط . هذه حياتنا ونحن اجدر بها .
غادرت مركبتنا الصغيرة من دون أن تخضع للتفتيش ، أغلقتُ النافذة بهدوء ، وأرخيت جسدي على المقعد الساخن ، بقيت أفكر بابتسامة صديقي الجندي وهو يلوح لنا بإشارة المرور دون توقف . سيعود الجندي إلى بيته حتما ، يودع ضجره اليومي ، ويحلم بإمساك سيارة مفخخة ذات يوم ، تحبط المؤامرة الدنيئة وتوفر على العراقيين دما بريئا يسيل هنا وهناك ، بلا رحمة .



#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة في الأهوار العراقية
- بابلو بيكاسو
- استبطان الذات بلقطة قريبة
- الآخر في الخطاب السينمائي
- نصف ظلام ، نصف حياة
- فرانكشتاين...صورة عن الواقع والخيال
- في ورشة غابرييل غارسيا ماركيز
- تراجيديا انتخابات الجمعية الوطنية
- مَن أذلَّ الجواهري في كردستان !؟
- مارتن سكورسيزي
- بعيدا عن دائرة الحياة
- متاهات بورخس والكتابة بالذاكرة
- جوزيف كونراد سينمائيا
- حصار هوليود ووعي الآخر
- عودة كازانوفا
- أفلام وأوهام وواقع افتراضي
- بوابة رومان بولانسكي عالم من الأسرار والمتاهات
- أفكار حول خطاب الثقافة العراقية وحسن قراءة العالم
- حوار مع الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد
- جحر الإمبراطور


المزيد.....




- عدسة مصوّر ترصد درب التبانة من إحدى أحلك بقاع المملكة المتحد ...
- مصر.. ما قد لا تعلمه عن -الحزام الشمسي السحري- وحل مشكلة انق ...
- عامي أيالون لـCNN: لا أستطيع تبرير ولا الدفاع عما نفعله في غ ...
- -أين أنظمة السلامة؟-: حريق الكوت يثير الغضب في العراق
- ماذا نعرف عن أسرار شوارع دبي القديمة التي تتحدى لهيب الصيف؟ ...
- دمشق تتهم مقاتلي السويداء بخرق الهدنة وتستعد لإعادة الانتشار ...
- الاتحاد الأوروبي يفرض -أقوى- عقوبات ضد روسيا وفرنسا تتطلع لإ ...
- الانسحاب من السويداء بين الهزيمة وتجنب الفوضى
- ترامب يوقف الضربة على إيران: ضربة مؤجلة أم معركة مؤطرة؟
- ألمانيا.. سلطات اللجوء تعاود البت بالطلبات المقدمة من غزة


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ثامر جهاد - جندي أمريكي .. جندي عراقي