أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ثامر جهاد - جحر الإمبراطور














المزيد.....

جحر الإمبراطور


احمد ثامر جهاد

الحوار المتمدن-العدد: 868 - 2004 / 6 / 18 - 06:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


محاولة في قراءة الصورة الأخيرة
رغم غناه الحكائي والتأويلي ، عجز المخيال الشعبي العراقي عن حياكة صورة أخيرة لمجد حاكمه الدموي . صورة بليغة واحدة يمكنها رسم نهاية فريدة من بين مئات الصور والاحتمالات المشوشة التي يتداولها البيت والشارع والمقهى بانتظار لحظة العرض الأخير . من كان بوسعه ابتكارها ونظمها ، من يجيد صياغتها على نحو مقنع أو جذاب ؟
اشد ما لفت انتباهي في صورة العرض النهائي تلك – قبيل تشغيل إضاءة الصالة التي تبث لشاشات العالم اجمع – ذلك القفاز الطبي الذي غطى بشرة بيضاء لجندي أسطوري يفتش في رأس الإمبراطور متنقلا بين لحيته الكثة وفمه المريض ، قفاز صغير يعبث بجسد كبير أصابه الخلل بعد انهيار مملكته الذهبية . مملكة خرافية تحت إمرة القائد لا يسمح فيها لكائن ما من البشر بملامسة أطراف الإمبراطور قبل إتمام جولات غريبة من فحوص وتدقيق ، حفاظا على سلامته وصحته وجلال مقامه .
واليوم ، وبعد هذا العرض المسائي المؤثر ، وعقب انهيار ( الجسد ) العربي ، بدا الجميع على يقين من خاطرة تفيد : إن أكثرنا علما لن يكون بوسعه معرفة ما الذي كان يجول بعقل الإمبراطور المهيب إن كان له طيف تفكير ، في تلك اللحظة . ربما نتساءل عن : الجسد الهرم المحاصر بهجوم عدسات التصوير الفاضحة ، ما هي لغته ، كيف يحس وماذا يرى ، خاصة مع خداع التظاهر بالصلابة ؟
كانت تلك بالتأكيد عدسات غربية ذكية ، منهمكة بتأدية واجبها المهني بأعلى درجات الحذر ، لا سيما وأنها ساعية بحماس في تأثيث المشهد التلفازي الأخطر في هذا القرن .
كان حاكمنا جلادا أسطوريا بارعا في قمع الجسد ومعاقبته ، وقد حارب بأعنف الوسائل خطاب الناس ؛ كلامهم المسموع وجملهم المكتوبة ، فأجبرَ الذهنية الشعبية المفجوعة ببشاعة جرائمه إلى اختيار حالة التخندق في وهدة المعارضة الشفاهية السرية ، الممارسة التي استمرت في كل مراحل حكمه ، وهي تصرُ على ثلم أطراف مملكته الرهيبة ما أمكنها ذلك ، بأقذع الحكايا وأكثرها مدعاة للسخرية ، محوّلة عبر سبيلها الممكن هذا ، فيوض آلامها الواخزة وجراحها الغائرة ودمائها الغزيرة إلى ذاكرة جمعية زاخرة بالنكات والخيالات . ذاكرة عراقية كانت قد أقسمت مع نفسها وفي سرها ، على أن تواصل حربها الطويلة مع أعداء الحياة إلى أن تشهدَ بيقين ساطع نهاية عصر موتها اليومي في هزيمة الدكتاتور .
جاء اليوم الموعود ، وسقط حاكمنا الإمبراطوري بما يشبه الموت الأبدي ، وانتهت أوهام استبداده وخلوده ، سقط فارس الأمة معزولا عن حب الجماهير ، مجردا من ثياب العزة والفخامة ، قذرا حد أطرافه ، مخذولا بلا أمجاد ، جبانا ، منكسرا ، هزيلا ، مبكيا ، مضحكا ، مثيرا للشفقة ، صامتا كصورة كاريكاتيرية منفذة بريشة فنان مبتدئ .
هكذا فوجئ الإدراك الشعبي العراقي بما حدث لطاغية البلاد الذي قتل العباد وملأ الأرض حروبا ودمارا وأحزان . ومعه يشعر الحس العراقي الجمعي ( الأدبي والسياسي والغيبي ) بأنه لم يكن قادرا يوما ما – رغم امتلاكه ( في القهر ) اشد محفزات الإنتاج الذهني - على رسم ملامح الصورة الأخيرة مع عديد محاولاته . ليس بسبب انه كان ذهنا شعبيا فقيرا غير قادر على التوليد ، إنما لتأخره عن التواصل مع جديد العالم وطاقاته الابتكارية المهولة في مختلف الشؤون . أوهام الإمبراطور وعجزنا المتأصل هما اللذان جعلانا مأخوذين بما جرى لطاغيتنا على أيدي صناع العالم الحديث ، الهادئين والمبتسمين بوثوق غريب .
أليست تلك هي بعض المسافة القائمة بين قدرات أبطال المخيال الشعبي وسادة الصور التلفازية الحديثة ؟
قد يكون بوسعنا أن نرى إن اصطياد الدكتاتور العظيم لم يكن قدرا عظيما مدبرا ، بقدر ما كان اللمسة الهوليودية ( غير الأخيرة ) لسحق طغيان الشرق . لمسة ساحرة يرسمها جيش من الخبراء والتقنيين في كل المجالات ، تعتمد بالأساس على قراءة الوقائع وتقدير الإمكانيات والنتائج بطرق عملية . كانت لمستنا العراقية هذه هي اللمسة نفسها التي جعلت سقوط الكتلة الاشتراكية العملاقة يبدو مثل انهيار قطع الدومينو المتراصة . وهي أيضا لمسة القوة الخفية التي دحرت الجيوش الجرارة في حرب الخليج ومعارك يوغسلافيا وهزمت سحرة أفغانستان بحروب حديثة خاطفة . كان ذلك درسا في أسرار القوة التي تعي ذاتها وتستفيد من نتاجات الآخرين ، وفي تقييم الإرادة التي تخطط وتدير وتقاتل بوحي تقديراتها الخاصة وجبروت خيالها العسكري الفذ ، فيما يبقى الذهن المحلي واقفا أمام تلاحق الأحداث ، مفتونا ببراعة النتائج ، متسائلا عن الكيفيات المدهشة التي تُصنع بها النهايات وترسم الحلول في أرجاء عالمنا البشري .
موت هنا وأمل حياة هناك ، صورتان تواصلان تبادل الأمكنة بحذق ودقة ، داخل شريط سينمائي كوني يحرره مخرج عبقري خَبرَ أحاسيس الجمهور العالمي وأنماط تلقيه .
علينا إدراك أن المخرج الأمريكي الذي رسم ونفذ نهاية حاكمنا العتيق هذا يجيد استخدام وسائله الفنية ويعرف تماما ما يحبه الجمهور وما يكرهه ، بحكم خبراته الهائلة ووسائله العديدة في الصناعة العملاقة ، التي بمستطاعها ابتكار الصور تلو الصور بجاذبية تسحر المتلقيين أينما كانوا وتجعلهم يطالبون بالمزيد من الصور الجميلة ، منشغلين عن تفقه المغزى المحايث للصورة في أحيان كثيرة .
ربما آن الأوان للجميع أن يتعلموا درس الحداثة الجديد ويتركوا عاداتهم القديمة في التفكير والتخيل والتوقع ، فعالمنا اليوم بات ملخصا في صورة … مؤثرة بليغة !!



#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوء استخدام الحرية
- صور الاستبداد من ثقافة الخوف إلى الخوف من الثقافة
- الحرب من الواقع الى الصورة
- عالم السينما الفسيح
- عيد الحب ومنفى البلاد العربية
- حول إشكالية التلقي بين الرواية والفيلم
- أجهزة الدولة العراقيةإإإ والولاء المزدوج
- بوضوح شديد ..تعددت السلطات والهم واحد
- بوضوح شديد الاعلام العربي...سلوك النعامةإإإ
- ماذا تبقى من البعث؟سؤال عراقي
- عن السؤال الثقافي والقراءة الواهمة إشارات في المتغيَّر العرا ...


المزيد.....




- -صليت وسط الأنقاض-.. علي شمخاني مستشار مرشد إيران يكشف ما حد ...
- كيف أحبطت قطر هجوم إيران على -العديد- أكبر قاعدة أمريكية في ...
- سي إن إن: هكذا أحبطت قطر الهجوم الإيراني على قاعدة العديد
- مراسل فرانس24 في طهران في قلب مراسم تشييع قتلى الحرب بين إسر ...
- ترامب: محاكمة نتنياهو تعيق قدرته على التفاوض مع إيران وحماس ...
- موجة حر شديدة تضرب جنوب أوروبا، فهل تغيّر طقس القارة العجوز؟ ...
- Day at the Races 789club – Cu?c ?ua t?c ?? m? màn chu?i th?n ...
- عاجل | وزير الخارجية الفرنسي: نعتزم مع شركائنا الأوروبيين ال ...
- العقوبات تتجدد.. هل تنجح أوروبا في كسر شوكة بوتين؟
- فيديو.. عامل معلق رأسا على عقب في الهواء بعد صدمة مفاجئة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ثامر جهاد - جحر الإمبراطور