|
عالم السينما الفسيح
احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 856 - 2004 / 6 / 6 - 09:49
المحور:
الادب والفن
[ مع السينما فإن العالم هو الذي يغدو صورته الخاصة ، وليس صورة تغدو هي العالم ]*
منذ طفولتنا و " الصورة " تُثير فينا ما تُثير من إرتعاشات دفينة وأحاسيس . فنتساءل مندهشين : كيف يمكن للأشياء الموصوفة أن تغدوَ صورا وكلمات أو كيف يمكن للكلمات أن تغدوَ أشياءً موصوفة ؟ لنرى بعد حين إن ما بين ( ألبومِنا الشخصي ) و ( اللقطة السينمائية ) يمتدُ فضاء التداعيات في الصورة ، إلى درجة يُصبح فيها كل ما هو مؤهل لأثارة حواسنا – بشكل من الأشكال – مركزا لاهتمامنا الخاص . لكن الفيلم السينمائي تخطى ذلك الاهتمام لخصوصية في تأثيره وسعة في انتشاره ، جعلته إلى يومنا هذا ، غير متخل عن جماهيريته لقرن من الزمان واكثر ، محتفظا ببهائه وسيادته الاستثنائية على آخرِ ما نفكر به في ليل تُوشك ( عقولنا / صحوتنا ) فيه مغادرة " الشاشة السحرية " نحو سحر الأحلام .. أحلام الشاشة . وللعجب الشديد ما عادَ الفيلم مَثلَهُ سابقا ، بل كاد حاضره أن يكون حقلا عنيفا، يُفزعنا ويصيب حواسنا البريئة بتشويشه المتعمد ، فيوقعنا في فخاخه مبددا بهاءه ذاك . ومن مشهد إلى آخر هيمنت على سينما اليوم مختلف صور القتل والعنف والبشاعة ، حتى نَدُر " الجمال " فيها . لكنها " الحقيقة " آخر من انزاح عن الصورة الفيلمية وأول من تأثر بها . فصعب علينا بعدها استمرار البقاء في نزاهة أدبيتنا تلك ، لأن الأشياء الظاهرة غير الزاهية ما عـادت بحاجـة إلـى 1 اكتشاف ، ولأن إيقاع الحياة أيضا لا يأبه لعالم فسيح تمنينا الحفاظ عليه والاتصال الحميم به .وبأدوات مرئية هي الأخرى ، فقدنا ما يشبه السعادة نحو مشقة في التأويل وحذر من الخطاب . وهكذا دائما00يتردد حديث العصر بين حرارة " الآيديولوجيا "وجليد" العولمة " ! إنما بحاجتنا الموضوعية فقط ، نحاول تجاوز ذلك التردي الحاصل الذي ينطوي عليه زمننا . وبما يجعل الفيلم يمتاز بسحره المعتاد ، سنختار له افضل التعابير، دون أن نُفقدهُ حقه في استخدام لغة شفيفة ، ينأى عنها كل ما يقع خارجها . على أية حال ، ليس ذنبنا أن لا نستطيع تصور السينما إلا بوصفها عمل الواقع والخيال معاً ، ممزوجاً بقابلية الشعور الإنساني على الإبداع . فقد [ تُمثل السينما ، في الحقيقة ، المولود الأخير لهذه السلالة من أوهام الحركة … ]* التي تطور حاجتها الدائمة للتفسير ، من دون أن تعلــن " الصورة " غالباً عن مصادر رؤيتها مثلما يُعلن الكتاب الساكن عن مصادره . حيث لا يُفسر فيلم كـ ( ولِدوا قتلة ) بعيداً عن معرفة بنية الأسرة الهامشية في المجتمع الرأسمالي ، كما أن استشراف التكنولوجيا بعمل الخيال أو فلسفته هو ما يُضيء لنا أبعاد فيلم مركـب كـ (ماتريكس ) . من زاوية تلك التغييرات الهامة التي طرأت على الصورة الفيلمية ومستوياتها الفنية، أصبحت حاجتنا مُلحّة لتعريض الفيلم السينمائي إلى حوارٍ ممكن ، يكشف عن حقائقه ويُعبر عنها بوضوحٍ يدرأ التغامض المحايث له . علماً أن لا خيار إمامنا ( كمتلقين ) سوى التحدث بلغةٍ رديفة للفيلم تعتمد تسلسلاً منظماً من الكلمات وتستوعب ما أمكن من الأفعال وردود الأفعال . 2 وقد لا يعني الاحتراز الفكري للمُشاهد أو الناقد إن أفلام اليوم خَلَت من الجمال أو القيمة المضمونية ، إنما يؤشر فقط إلى حالة شاملة يُعبّر خلالها بصيغ مختلفة عن مستوىٍ متقارب من الخلل الوجودي والتاريخي لحضارةٍ إنسانية واحدة . وكما في كل إشكال الفن ، تفرض جدارة " المعنى السينمائي " لبعض الأفلام على مُتَلقيها ضرورة إقامة حوار معها ، يتنوّع دائماً بتنوّع أسلوبها ومحتواها . بحيث لا يَسعنا – بحال من الأحوال – اعتماد أسلوب متشابه لتحليلها أو الحكم عليها . وأستعيد هنا ما قاله (بابلو بيكاسو) : " لا يمكن لنا فرض أسلوب واحد لِتلقي لوحتين." وعلى مستوى الفيلم الواحد تتعدد أحيانا طرائق القراءة . فبينما يشغلنا المعطى الجمالي في فيلم ما ، يُقنعنا آخر بقوة معالجته وبراعة أسلوبه ، أو يذهب بنا – مرةَ أخرى – للبحث في تداخل أنماطه السردية مع الرواية ( نصه المكتوب ) . فليست قراءاتنا السينمائية مجتمعة سوى مسرات المُشاهدة منظوراً إليها بوعيٍ ممكن . الأمر الذي لا يجعلنا نُوّفق على الدوام في إنجاز تغطية وافية لعناصر الفيلم كافة عند تحليلها . مع إن الحديث المُفصّل عن البناء أو الأسلوب أو الصورة ، يُدخلنا – لاريب – في دائرة التخصص السينمائي . وإذا كان الكثير من الجمهور لا يَعي السينما إلا بوصفها متعةً عابرة ، فهل يمكن لتلك القراءات إن تتوجه لإظهار حقيقة أن السينما رافدٌ مهم من روافد الثقافة المعاصرة ؟ من هنا ستكون مهمة النقد السينمائي شاقة وإبداعية ، تحاول أن تتخطى حدود المُشاهَدة الحيادية نحو إغناءٍ للذائقة وتثقيف للحواس وإشباع للرؤية، يُبعدهـا 3 عن التعليقات السريعة أو الجاهزة ، وعن التَحكّم بتذوّق الجمهور للسينما ، ويُبقيها في الوقت نفسه في حقل التأكيد على اكتشاف ما فاتَه ، بُغية تحقيق إدراك كافٍ لعمل الفيلم . كذلك لا يُخفي تناول مجموعة من الأفلام للحديث عنها ، قصدية ما، تحاول استباق العرض السينمائي باسقاطاتها الشخصية ، بل قد يتَحَددَ اختيارها أحيانا بما يتهيأ للمتلقي من فرصة للتمعن فيها ، مع فارق الانسجام بين سياقاتها . ولعدم الاتفاق مع فكرة مهيمنة للكتابة في السينما ، لاسيما بتلك المجانية التي تعاملت بها بعض الكتابات مع الفيلم السينمائي – واسع الدلالة – نجدُ من الأنسب أن تتصف القراءة النقدية بما هو أوسع من فكرتها الخاصة ، طموحاً في أن يكون لمحاولتها تلك ، حَقها في فتحِ نافذة أخرى لِتلقي الفيلم السينمائي على غناه المضموني وتنوعه الجمالي . وقد يكون من غير المناسب هنا القول : إن على الصورة السينمائية التحدث بنفسها عن نفسها . لأننا نتساءل أساساً : من قال إننا سنتحدث نيابة عنها ؟ أو أن كلامنا الوسيط سيُغني عن الاتصال بها. فالسينما في نهاية الأمر ( عالمنا الفسيح ) .
* جيل دولوز : فلسفة الصورة . ت : حسن عودة . دمشق - 1997 4
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد الحب ومنفى البلاد العربية
-
حول إشكالية التلقي بين الرواية والفيلم
-
أجهزة الدولة العراقيةإإإ والولاء المزدوج
-
بوضوح شديد ..تعددت السلطات والهم واحد
-
بوضوح شديد الاعلام العربي...سلوك النعامةإإإ
-
ماذا تبقى من البعث؟سؤال عراقي
-
عن السؤال الثقافي والقراءة الواهمة إشارات في المتغيَّر العرا
...
المزيد.....
-
-زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب
...
-
اصدار جديد لجميل السلحوت
-
من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي
...
-
انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
-
الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
-
الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي
...
-
مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|