أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد ثامر جهاد - نصف ظلام ، نصف حياة














المزيد.....

نصف ظلام ، نصف حياة


احمد ثامر جهاد

الحوار المتمدن-العدد: 931 - 2004 / 8 / 20 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


نصف ظلام ، نصف حياة
أمكنة الحكايا
( إن المكان الذي نحيا فيه ، الذي ينتزعنا من أنفسنا ، وفيه يظهر تآكل حياتنا وزمننا وتاريخنا ، المكان الذي ينشب مخالبه فينا ، هو بحد ذاته مكان متغاير الخواص .. ) فوكو

مرة وأخرى تتحايل الأمكنة علينا بملامحها الظاهرة وبما تخفيه من أسرار وقصص . مراوغة فيما تعرضه من هبات أو ما تدخره من محن ، فللمدن غواية في طبيعتها . هي لنا ونحن أبناؤها ، ندخلها مرغمين ، آملين بحياة ، وان كنا نخشى غضبها أو شهوتها أو لامبالاتها .
بين المدن والبشر ، ثمة وصال وثمة جفاء ، تماس متحول ، يكون لنا أن ندخلها بامتلاء ، نحاكيها بعقل يتأمل وحس يتثاقف ، يناظره على الطرف الآخر فضول جارف لمتعة استجلاء ما خفي أو شوه عمدا . حينا تبقى الحكايا والشعر والابوذيه وسليتنا الناجعة لإضفاء مسوغ ما على تجرع رمادية الحياة وسخف الكائنات ، ولفرض صبغة ما مرغوبة على تقلبات الزمن والذاكرة حينا آخر . هكذا تبدو بعض مدننا أثيرة في عيوننا ، وهي تطلق لنفسها عنان الانفلات من سور المسميات وطرائق الهيمنة وقسوة الأزمان وسخافاتها .
ربما وضع أسلافنا لمسة معمارهم فيها ، بوجه من الأوجه ، شخصهم المموقع منها . وجبلنا نحن على ابتكار استبصار حذق يؤول غرائب محليتنا الأليفة . وبما يسمح لفك طوق الغرابة والسحر في أيما مكان من هذا العالم ، باتت الحكاية طقس ممارسة منزوعة الحذر . وحكايتنا كالليل ، مريرة وفاتنة .
حتى وان لم يمنح الرب الجميع هبة كشف الأسرار الكامنة لامكنة الحياة أو الموت ، يثابر بعضنا على انتزاع حقه المقدس في صياغة واقع نعيشه بمنعطفات متلاحقة ، قد لا تمنحنا فرصة أخرى لسرد الحكاية ثانية ، وهي على الدوام لذة الحياة ومعبرها الآمن .
هذه تجاربنا الشاقة وتلك مدننا الأثيرة .
 ضوء اسمر :
حيث أن للأمكنة إيحاء سماوي ، يكون للبصرة تاريخها الذي يوحي أن فيها من العطاء والأصالة ما يجعلها تماثل مدن العالم الجميلة ، مدن الألم العريقة . هذه مدينة سمراء ، تستأنف حكايتها العذبة كلما تصحو من كبوة مريرة ، فتنشر على الناس حبال كلماتها بعراقة متزايدة تواجه فيها أوبئة عصر طارئ ، حروبا ودمارا ، من دون أن تتخلى عن حس أصيل بالعطاء لكل من يدخل شواطئها ، متظللا بنخيلها ، منصتا سمار ألحانها ، حرارة كلماتها ، جمال خرافاتها .. هل سنكون أوفياء حينها ؟
لم يغادرها الجاحظ ، كما لم يرحل اسخيلوس بعيدا عن أثينا ، إذا ما كان هؤلاء ابرز ما يمكن للعين رؤيته في سجل المدن هذه . إلى اليوم ومنذ فجر بدأته بالأماني والخيبات ، كان ولم يزل يمتلك أهميته بأسماء كثر معلومة ، تصدح بالحياة والأمل والشعر ، يطالعنا وجهها على الدوام بمديد الأحلام والتساؤلات . فتؤكد نفسها في سماء الثقافة والفكر والموسيقى ، مساهمة بتلقائية أخاذة ، وان كانت المساهمة ليست إجابة دائمة عن أسى عميق . وفيما أبناؤها السمر يغترفون من ماضيها حكايا جديدة ؛ قصا وشعرا ولحنا راقصا ، تتقن هي لعبة الميل عن دائرة العادي والمبتذل ، فيثبت مبدعوها بذلك عمق هويتهم في مسامعنا الصديقة ، وينجبون أسئلة مؤرقة عن خطى مدن حالمة تغرق في نصف ظلام ، نصف حياة .
ومع الغرائب والأمنيات والفضاء الرحب ، تزفر الذات قلقها المروع ، محاولة اجتياز أعتاب عصر يأتي بجلال غموضه والتباسه .
 رئة الجنوب الحالم :
وأنت تحط فيها عابرا ، قد لا تترك مدينة الجاحظ انطباعا حسنا لديك ، لكنك قد تقرر البقاء فيها لساعات أخر ، طاردا عنك أسطورة ( الماء المالح ) وشبح ( القيظ الصحراوي ) لتنسى جفاف سويعات أمضيتها متلظيا بين حرها ومائها ، ومتجولا بعناد بين ( البصرة القديمة ) بشناشيلها و ( أم البروم ) بصراخ باعتها وزحمة عرباتها الهرمة . ستبحث عن اثر حقيقي يحلق قريبا منك ، يحط في زوايا غير ملحوظة ، طاردا عن هواجسك أشباح قصص سطروها .. حينها لن تتأخر عن الاعتراف : أن في البصرة امتداد مكاني لكل مدن الجنوب ، وإنها ملتقى انهر عذبة اكثر منها مكانا محددا ، إنها متوالية الاندثار – البقاء .
ربما يقال أن ماضيها لا يغادرها ، أو أنها لا تغادر ماضيها ، فتشف ملامحها لتكتشف من جديد على أيدي أجيال تتعاقب . في الحالتين ستفترض تصوراتك طريقة ما لإجابة محتملة تقارب بين ماضي المدينة وحاضرها ، ازدهارها أو انهيارها ، أحزانها وأفراحها .
يصر كهنتها على عدم مغادرتها ، فتصبح بالنسبة لهم مثل خوف أو لعنة أو انتماء ابدي . فثمة اندغام كامل بالمكان / الجذور ، بالإنسان / الذاكرة . لترى بجلاء إن ما تمتلكه البصرة من استحواذ واقعي وإبداعي تضاهي به مدن العالم ، ليس صفة قبلية مطلقة ، ولن يكون كذلك ، لانه محض بناء بشري متراكم . ولأنها أيضا هيمنة مكانية أو وهم مكان أليف ، باتت المدينة مملكة افتراضية أيضا ، توجد بقدر ما نوجد . هكذا تنتقل بنا فناراتها مثل عيون كبيرة لامعة ، تبصر الآخرين ، تحاورهم ، تمسح أحزانهم ، تبتهج لمسراتهم . والى أن يقترب منا خيط الزوال الأخير سنتذكر في أحلامنا سطوة مدينة كبصرياثا .
آنذاك سيظهر فينا يوما من يتقن اكتشاف المدن والناس ثانية ، لكن …. بلا غبار ، بلا خرائط ، بلا ملوك ولا أمراء ، فمدينتنا فعل اكتشاف دائم وإبداع ناجز أصيل .



#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرانكشتاين...صورة عن الواقع والخيال
- في ورشة غابرييل غارسيا ماركيز
- تراجيديا انتخابات الجمعية الوطنية
- مَن أذلَّ الجواهري في كردستان !؟
- مارتن سكورسيزي
- بعيدا عن دائرة الحياة
- متاهات بورخس والكتابة بالذاكرة
- جوزيف كونراد سينمائيا
- حصار هوليود ووعي الآخر
- عودة كازانوفا
- أفلام وأوهام وواقع افتراضي
- بوابة رومان بولانسكي عالم من الأسرار والمتاهات
- أفكار حول خطاب الثقافة العراقية وحسن قراءة العالم
- حوار مع الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد
- جحر الإمبراطور
- سوء استخدام الحرية
- صور الاستبداد من ثقافة الخوف إلى الخوف من الثقافة
- الحرب من الواقع الى الصورة
- عالم السينما الفسيح
- عيد الحب ومنفى البلاد العربية


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد ثامر جهاد - نصف ظلام ، نصف حياة