أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - السقوف الايدلوجية الايرانية وثورات الربيع العربى















المزيد.....



السقوف الايدلوجية الايرانية وثورات الربيع العربى


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 00:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع تدهور الاحوال الاقتصادية في إيران وانهيار سعر العملة إلى مستوى قياسي وتضييق الخناق على النظام نتيجة للعقوبات الدولية التي ازدادت حدتها في الفترة الاخيرة كثر الحديث عن ثورات ومظاهرات ستهز إيران قريبا تطيح بنظام "ولاية الفقية" الشيعي الذي سيطر على البلاد منذ ثورة الخميني...وكان أحد قادة الحرس الثوري قد حذر من ثورة تعم البلاد بسبب الاوضاع التي تشهدها المنطقة خصوصا في سوريا والاوضاع المعيشية المتدهورة... كما رفض المرشد الاعلى علي خامنئي أن يتم استجواب الرئيس أحمدي نجاد في البرلمان بخصوص الاوضاع الافتصادية التي تمر بها البلاد... رغم الخلافات المعروفة بين معسكريهما وذلك خوفا من فتح الابواب أمام قضايا الفساد الخفية والتي يمكن أن تثير غضب الشعب على الحكومة والنظام....وليس خافيا على أحد أن الفساد وتدهور الاوضاع المعيشية بالإضافة للاستبداد والقمع هي الأسباب الأساسية لقيام ثورات الربيع العربي....

من ناحية اخرى تناولت بعض الصحف الأمريكية أثر العقوبات الدولية المفروضة على اقتصاد إيران، وقالت إن العقوبات بدأت تترك تداعياتها السلبية على حياة المواطنين الإيرانيين، بل تتسبب بتفاقم الأزمة الاقتصادية وتثير جدلا سياسيا في البلاد؛ فقد أشارت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور إلى تداعيات العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران، وقالت إن الإيرانيين باتوا يلقون باللائمة على الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في التسبب في تدهور اقتصاد بلادهم الغنية بالنفط والطاقة.... وأوضحت الصحيفة أن العقوبات الدولية تركت تداعياتها السلبية على نمط عيش الإيرانيين، وأن بعض المواطنين صاروا يتاجرون بالبضائع الصينية الرخيصة ويحاولون بيعها لركاب مترو الأنفاق، وذلك كوسيلة لتكسب الرزق في البلاد....وأشارت ساينس مونيتور إلى المعاناة التي يعيشها بعض الإيرانيين في ظل العقوبات الدولية القاسية، موضحة أن امرأة إيرانية شابة صرخت في وجه ضابط الشرطة الذي حاول منعها بيع بعض الحلي في إحدى محطات مترو الأنفاق، بدعوى أنها تجارة غير شرعية....وأضافت الصحيفة أن المواطنة الإيرانية سألت الضابط عما يمكنها فعله في سبيل كسب لقمة عيشها، وعما إذا كان يتوجب عليها بيع جسدها للحصول على المال لشراء لقمة الخبز، مما تسبب للضابط بالشعور بالحرج، وبالتالي سماحه لها بمواصلة عملها كبائعة متجولة...

وأفادت الصحيفة بأن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فرضت مجموعة كبيرة من العقوبات التي استهدفت صادرات النفط والنظام المصرفي الإيراني، وإلى أن تلك العقوبات تسببت في خنق اقتصاد البلاد، وذلك في ظل أزمة البرنامج النووي الإيراني...وأوضحت ساينس مونيتور أن العقوبات تسببت في انخفاض سعر الريال الإيراني بمعدل 40% مطلع الشهر الجاري، وأن معدل التضخم بلغ قرابة 24%، مضيفة أن خبراء يقولون إن البيانات الحقيقية على أرض الواقع قد تكون ضعف هذه النسب المعلنة أو أكثر...وأوضحت بيانات جديدة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية (آي إي أي) أن العقوبات أدت إلى خفض صادرات إيران النفطية بما يزيد على مليون برميل يوميا، مضيفة أن صادرات البلاد من النفط قد انخفضت بمقدار الثلث تقريبا في الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما يمثل خسارة كبيرة للدخل بالنسبة للحكومة...كما أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أثر العقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني، وعلى حياة المواطنين العادية، وقالت إن انهيار سعر العملة الإيرانية وازدياد معدل التضخم جعل الناس يحملون قطعا ورقية نقدية كثيرة من أجل شراء السلع اليومية...وقالت إن العقوبات قد تسببت بالمصاعب والتعقيدات للسلطات المصرفية الإيرانية، والتي قد لا تكون قادرة على طباعة مزيد من الأوراق النقدية لتفادي نقصها في البلاد، في ظل انخفاض قيمتها بشكل كبير...

يأتي ذلك في وقت تزداد الاوضاع في سوريا تدهورا مع تصاعد قوة المعارضة لنظام الأسد وشعور طهران بقرب انهياره ومخاوفها من فقدان حليف استراتيجي مهم في المنطقة مما يجعلها تزيد من دعمها له ماليا وعسكريا الأمر الذي يشكل عبئا كبيرا على اقتصادها في هذا الوقت الحرج...إيران شهدت حركة معارضة قوية في وقت سابق واحتجاجات عنيفة بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد والاتهامات التي وجهت للنظام بالتزوير, ولكنها كانت معزولة نوعا ما عن قطاع عريض من الشعب الذي بدأ الآن يشعر بالضيق وقمع السلطات وسوء إدارة أزمات البلاد...فرحت طهران بالربيع العربي في بعض البلدان لتصورها أنه سيأتي لمصلحتها إلا أنها لم تكن تتخيل أنها ستكوى بناره عن قريب!!! لذلك تراقب إيران بدقة وحذر التداعيات المحتملة التي يمكن أن تنتجها الثورات والاحتجاجات التي تجتاح العديد من الدول العربية في الوقت الحالي علي مصالحها وطموحاتها في الإقليم.... وفي الواقع فإنه رغم أن إيران كانت من أوائل القوي الإقليمية التي رحبت بما يمكن تسميته "الموجات الأولي" لهذه الثورات، فإن هذا الموقف تغير تدريجيا عندما امتدت إلي حلفاءها في الإقليم، للدرجة التي لا يمكن الحديث معها عن موقف إيراني واحد بل مواقف متعددة ومتناقضة في بعض الأحيان...فقد اعتبرت إيران أن التداعيات الأولية لهذه التطورات الإقليمية تصب في مصلحتها علي أساس أنها تقدم مؤشرا علي فشل الجهود الأمريكية، التي تلقي دعما من بعض القوي الإقليمية، لكبح طموحاتها النووية والإقليمية، خصوصا أن النظامين التونسي والمصري اللذين سقطا بفعل هذه الموجات الثورية كانا من أهم حلفاء واشنطن .... ومن هنا لم تكتف إيران بمباركة الثورتين التونسية والمصرية حيث اعتبرتهما "بوادر يقظة إسلامية في العالم مستوحاة من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979"، علي حد قول المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية علي خامنئي في خطبة الجمعة يوم 4 فبراير 2011، بل إنها سعت إلي استثمار تزامن نجاح الثورة المصرية في الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك مع حلول الذكري الثانية والثلاثين لنجاح الثورة الإسلامية في 11 فبراير 2011، للدلالة علي قوة تأثير الثورة الإيرانية في محيطها الإقليمي...


فضلا عن ذلك، رأت إيران أن هذه التطورات الإقليمية وضعت خصومها الإقليميين أمام "بدائل ضيقة" علي غرار إسرائيل التي فقدت أحد أهم حلفائها الإقليميين وهو نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي اعتبرته "كنزا استراتيجيا" بسبب حرصه علي التوافق مع سياساتها لاسيما إزاء التعامل مع القضية الفلسطينية وخصوصا ما يتعلق بحصار قطاع غزة، وهو ما يمكن، في رؤية إيران، أن يكسبها مساحات إقليمية جديدة علي حساب خصومها، وبالتالي تقليص قدرتهم علي السعي من أجل تقليص قدرتها علي أن تصبح رقما مهما في معظم الملفات الإقليمية إن لم يكن مجملها...كما تمثلت إحدي انعكاسات الموجات الثورية التي تجتاح العديد من الدول العربية في ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ بعد أن امتدت إلي دول نفطية مثل ليبيا، التي توقف إنتاجها النفطي البالغ 1.6 مليون برميل يوميا، وبعد أن ظهرت توقعات باحتمال امتدادها إلي دول نفطية أخري في المنطقة.... وقد أدي توقف النفط الليبي، الذي لم يعد حتي الآن إلي مستوياته الطبيعية، إلي تجاوز أسعار النفط حاجز المائة دولار للبرميل.... وبالطبع فإن ذلك يصب في صالح الدول النفطية مثل إيران التي تعتمد علي عوائد تصدير النفط كمصدر أساسي في دخلها القومي...وعندما وصلت موجة الاحتجاجات إلي البحرين تصورت إيران أنه بتدخلها يمكن أن تمتلك ورقة إقليمية قوية تستطيع التلويح بها أمام قوي إقليمية رافضة لطموحاتها النووية والإقليمية وعلي رأسها السعودية.... كما أن نشوب خلاف بين الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية حول أزمة البحرين تحديدا بسبب الانتقادات التي وجهتها الإدارة الأمريكية للسياسة التي انتهجتها الرياض في التعامل معها، دفعها إلي عدم مسايرة الجهود الأمريكية في بعض الملفات الإقليمية الأخري وعلي رأسها الملف السوري، الذي أصبحت قطر هي عنوانه الرئيسي بالتعاون مع كل من تركيا وفرنسا...إذ بدا أن ثمة حرصا من جانب السعودية علي عدم الدخول علي خط الأزمة السورية وقيادة الضغوط الدولية والإقليمية علي نظام الرئيس السوري بشار الأسد من أجل التنحي، واقتصر تدخلها علي الموقف البارز الذي اتخذه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته التي وجهها إلي "الشعب السوري" في 7 أغسطس 2011 وطالب فيها بوقف أعمال العنف والقمع التي تشهدها البلاد، معلنا استدعاء السفير السعودي من دمشق للتشاور...

هذا الموقف السعودي من أزمة سوريا يعود إلي اعتبارين: أولهما، الموقف الإيجابي الذي اتخذته سوريا تجاه التدخل الخليجي في الأزمة البحرينية حيث اعتبرت إرسال قوات "درع الجزيرة" إلي البحرين "خطوة شرعية"، رغم الموقف الرافض الذي تبنته حليفتها الرئيسية إيران تجاه الأزمة والذي أدي إلي توتير العلاقات مع دول المجلس. وثانيهما، رغبتها في عدم تصدر المشهد الإقليمي ريثما تضع الموجات الثورية الحالية أوزارها وتتضح بعدها معالم التوازنات الإقليمية وموقع السعودية منها...كما بدا أن ثمة ارتياحا إيرانيا ملحوظا تجاه الصعود الملحوظ لقوي الإسلام السياسي التي كانت الفائز الأكبر في المعارك الانتخابية التي شهدتها دول الثورات العربية مثل تونس ومصر، حيث وصلت إلي الحكم للمرة الأولي في هاتين الدولتين من خلال حصولها علي الأغلبية في الانتخابات التشريعية التي أجريت فيهما...وقد دفع ذلك قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري العميد قاسم سليماني إلي القول: "إن الحمية الثورية التي تجتاح مصر وغيرها من البلدان العربية تتمخض عن إيرانات جديدة يجمعها العداء للولايات المتحدة الأمريكية"، وأضاف أن "المنطقة تمخضت اليوم عن عدد من الإيرانات الكبرى الجديدة، فمصر إيران جديدة، سواء أردتم أم لم تريدوا".... وزاد المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي علي ذلك بقوله في خطبة الجمعة التي ألقاها باللغة العربية في 3 فبراير 2012 بمناسبة حلول الذكري 33 للثورة الإيرانية، أن "الثورة الإسلامية التي نجحت في إسقاط أكبر ديكتاتور علماني في إيران قد عمت الدول العربية، وأن انتخابات مصر وتونس وتطلعات الشعوب في البحرين واليمن تدل على أنهم يريدون أن يكونوا مسلمين معاصرين دون إفراط وتفريط"....

لكن بعد بزوغ شمس التداعيات الأولية للثورات العربية، بدأ الموقف الإيراني يتغير تدريجيا، فتحول الترحيب بالموجات الثورية الأولي إلي ارتباك وتردد خصوصا أنها لم تصل فقط إلي حلفائها في الإقليم وخصوصا سوريا، بل إن أصداءها بدأت تنعكس داخل إيران التي تعاني من أزمة سياسة حادة أثارها الاعتراض علي نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009 وأسفرت عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية....فعلي الصعيد الداخلي ساهمت الثورات والاحتجاجات العربية في بلورة تطورين: الأول، تنشيط الدعوات الداخلية لتفعيل مطالب حركة الاعتراض علي نتائج الانتخابات الرئاسية، مستغلة في ذلك التأييد الإيراني للاحتجاجات والثورات العربية التي رفعت تقريبا الشعارات نفسها التي تبنتها الحركة وعلي رأسها تداول السلطة ومحاربة الفساد والرشوة وتفعيل الحريات العامة والقضاء علي الفقر وتقليص معدلات التضخم والبطالة ومواجهة انتشار الجريمة والإرهاب...لكن النظام الإيراني أدرك خطورة تجديد حركة الاعتراض علي نتائج الانتخابات الرئاسية نشاطها مرة أخري، خصوصا لجهة احتمال استقطابها دعما دوليا وإقليميا، في ظل تطلع الخارج إلى إمكانية حدوث تغيير للنظام من الداخل وبالتالي إعفاءه من الأثمان التي يمكن أن يدفعها في حالة إقدامه على محاولة تغييره بوسائل أخرى.... ومن ثم اتجه إلي تبني سياسة متشددة في التعامل مع الدعوات التي أطلقتها الحركة لتجديد التظاهر من جديد، بدءا من استعمال القمع في مواجهة المتظاهرين، مرورا بفرض قيود شديدة علي وسائل الاتصال الحديثة التي مثلت عنوانا رئيسيا في الثورات العربية والأزمة السياسية الإيرانية علي غرار "فيس بوك" و"تويتر"، وانتهاءً بفرض الإقامة الجبرية علي زعيمي الحركة مير حسين موسوي ومهدي كروبي....


نجح النظام الإيراني إلي حد ما في تقليص قوة حركة الاعتراض وإجهاض طموحاتها في استغلال التطورات في الخارج لتصعيد ضغوطها في الداخل، ليس فقط بسبب السياسة القمعية التي انتهجها في التعامل معها، ولكن أيضا بسبب افتقاد هذه التحركات لقوة دفع داخلية لاسيما أنها بدت "انتهازية"، إذ أن أجندتها قومية بامتياز بدليل الانتقادات العديدة التي وجهتها إلي النظام الإيراني بسبب دعمه لبعض التنظيمات الخارجية مثل "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية، فضلا عن رفعها شعار "لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران" خلال التظاهرات التي نظمتها في إيران والمدن الرئيسية الأخري في خضم الأزمة السياسية التي واجهتها إيران خلال عام 2009.... أي أنها كانت تحاول استغلال التطورات في الخارج لفرض أجندتها في الداخل وهو ما لم تنجح فيه....والثاني، أنها أنضجت معالم استقطاب سياسي جديد بدأت تتشكل ملامحه داخل مراكز صنع القرار في إيران، وبالتحديد بين الفريق الذي يقوده المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي ورجال الدين، والتيار الذي يتزعمه الرئيس أحمدي نجاد والذي بات يوصف في إيران بـ"تيار الانحراف"..... هذا الاستقطاب تأسس علي عاملين: أولهما، تطلع الرئيس أحمدي نجاد والتيار الذي يقوده لتفعيل صلاحيات رئيس الجمهورية، باعتباره ممثل السلطة التنفيذية في النظام السياسي، وبدا ذلك جليا في محاولات الرئيس الانفراد بإدارة شئون الدولة والإطاحة بحلفاء منافسيه من داخل السلطة حتي لو كانوا من المقربين من المرشد علي خامنئي مثل وزير الاستخبارات حيدر مصلحي الذي دارت حوله معركة حامية بين الرئيس والمرشد في أبريل 2011، بسبب قيام الأخير بإلغاء القرار الذي اتخذه الأول بإقالة الوزير، وهو ما دفع الرئيس إلي الاعتكاف في منزله عشرة أيام اضطر بعدها إلي العودة لمزاولة مهام منصبه بعد إدراكه أن معركته مع المرشد خاسرة بكل المقاييس بسبب ميل توازن القوي داخل النظام لصالح المرشد الأعلي للجمهورية....وثانيهما، تبني هذا التيار توجهات ليبرالية وقومية تخصم من أدوار وصلاحيات مؤسسة المرشد ورجال الدين بصفة عامة، حيث يطرح تفسيرا "فارسيا" ضيقا للإسلام وينادي بالانفتاح علي الغرب وعلي رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ويدعو إلي عدم الاعتماد كلية علي التحالف مع النظام السوري، مشيرا إلي أن سقوط الأخير لا يمثل ضربة قاضية بالنسبة لإيران التي يمكنها أن تتعاطي مع هذه التطورات بشكل يحفظ مصالحها أولا ويدرأ عنها المخاطر ثانيا، لاسيما أن التحالف مع هذا النظام لم يكن تحالفا استراتيجيا بالمعني الشامل للكلمة، أي أنه كان "تحالفا مفتوحا" لم يلزم طرفيه بسقوف استراتيجية محددة، وهو ما يبدو جليا في مؤشرات عديدة كان آخرها، وربما أهمها، تأييد سوريا لموقف دول مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع الأزمة البحرينية لاسيما إرسال قوات "درع الجزيرة" إلي البحرين، رغم أن هذه الخطوات الخليجية صعدت من حدة التوتر والاحتقان في العلاقات بين إيران ودول المجلس...


هنا تكتسب ارتدادات الثورات والاحتجاجات العربية علي الداخل الإيراني وجاهتها وزخمها لاسيما أنها ألقت مزيدا من الأضواء علي مساعي السلطة الوضعية الدنيوية التي يمثلها رئيس الجمهورية والتي تضفي جانبا مؤسسيا عصريا علي النظام السياسي الإيراني لانتزاع صلاحياتها واستقلال إرادتها عن السلطة الدينية ممثلة في مؤسسة المرشد التي تكرس طابعا ثيوقراطيا له.....ورغم أن هذه السلطة الدنيوية تضفي، للمفارقة، جانبا روحيا علي مساعيها لامتلاك صلاحياتها التنفيذية، وهو ما ينعكس في التصريحات المتكررة للرئيس أحمدي نجاد بأن المهمة الرئيسية لحكومته هي تمهيد العودة لـ"الإمام المهدي" بل وتجاوزه ذلك بادعائه أن تلك "العودة باتت قريبة"، فإنه يبدو علي الأرجح اتجاها براجماتيا تنزع عنه رداءه الديني حقيقة أن هذا التيار يحاول من خلال ذلك إضافة محور جديد للصراع مع المرشد وفريقه، لاسيما أن هذا الطرح معناه انتفاء الحاجة لوجود المرشد الذي يمثل "همزة الوصل" بين الإمام وجمهور الشيعة، وهو تحرك واجهه المرشد بالتلميح إلي إمكانية الانتقال إلي العمل بالنظام البرلماني، أي إلغاء منصب رئيس الجمهورية في المستقبل....

أما علي المستوي الإقليمي، فإن ثمة تداعيات عديدة بدأت تفرضها الموجات الثورية في الدول العربية علي موقع إيران ومصالحها أهمها بالطبع وصولها إلي حلفاءها وعلي رأسهم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.... فقد رفع الدعم الإيراني الملحوظ للنظام السوري الغطاء عن الإطار الذي حاولت إيران منذ البداية إسقاطه علي مواقفها تجاه الثورات العربية وهو "نصرة المستضعفين" و"محاربة الاستكبار"، والذي بدا جليا في تعاملها مع الثورات والاحتجاجات في كل من تونس ومصر والبحرين واليمن، وأوضح بكل جلاء أن إيران تنتهج سياسة نفعية تسعي إلي حماية مصالحها الاستراتيجية في الإقليم ولا تلتزم في هذا السياق بالسقوف الأيدلوجية التي تفرضها الثورة الإسلامية....وربما يمكن القول إن معظم السيناريوهات التي يمكن أن تنتهي إليها الأزمة في سوريا، إن لم يكن مجملها، لا تبدو مريحة لإيران.... ففضلا عن التداعيات السلبية العديدة التي يمكن أن ينتجها سقوط النظام السوري علي مصالح إيران وعلاقاتها مع حلفاءها في لبنان وفلسطين، خصوصا أن هذا النظام يمثل "جسر التواصل" الرئيس بين الطرفين، فإن بقاء النظام لا يضمن بالضرورة هذه المصالح أيضا لأسباب متعددة أهمها أن هذا السيناريو مرتبط بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وهو المطلب الذي بات العنوان الرئيس للتعاطي الدولي مع الأزمة، وهو ما بدا جليا في الدعم الملحوظ من جانب المجتمع الدولي للمبادرة التي طرحتها الجامعة العربية والتي تقوم علي إجراء حوار بين المعارضة والنظام لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على إجراء انتخابات وتسليم الرئيس بشار الأسد صلاحياته إلى نائبه...وبالطبع فإن ذلك لا يصب في مصلحة إيران، لأن تنحي الرئيس وإجراء حوار مع المعارضة معناه تقليص حضور إيران في سوريا، سواء لجهة خسارتها حليفا مهما في النظام السوري بحجم الرئيس بشار الأسد، أو لجهة صعوبة الإبقاء علي هذا النفوذ بعد إجراء الحوار مع قوي المعارضة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، خصوصا في ظل التوتر والاحتقان الذي يسم علاقاتها مع هذه القوي.... فضلا عن أن إجراء انتخابات حرة بعد ذلك، ووفقا للمبادرة، ربما يكون كفيلا بانهيار النظام بأكمله وهو احتمال لم تستطع إيران حتي الآن التوصل إلي بدائل وخيارات متعددة للتعامل معه...

وإلي جانب ذلك، فقد بدا واضحا التغير الملحوظ في مواقف الحلفاء الآخرين علي ضوء المفاعيل السياسية للثورات العربية وبالتحديد الأزمة التي يواجهها النظام السوري... ففضلا عن حالة الارتباك والتردد التي تبدو جلية في مواقف "حزب الله" انتظارا لما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا تحديدا، فإن الرسائل المتعددة التي وجهتها حركة "حماس" لا تبدو مريحة لإيران، سواء لجهة تلميحات خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة عزوفه عن الترشح لانتخابات المكتب لفترة جديدة وهو الذي يعرف بـ"مهندس العلاقات المتميزة بين إيران وحماس"، أو لجهة المرونة الملحوظة التي أبدتها الحركة إزاء الوساطة المصرية في صفقة "تبادل الأسري" مع إسرائيل التي قضت بمبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بـ1027 أسيرا فلسطينيا وعربيا لدي إسرائيل، وفي المصالحة مع حركة "فتح" التي توجت بتوقيع اتفاق "إعلان الدوحة" في 6 فبراير 2012، والذي قضي بتشكيل حكومة توافق وطني من التكنوقراط يقودها الرئيس محمود عباس (أبو مازن) تعمل على إعادة إعمار غزة وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في القطاع والضفة الغربية وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، أو لجهة فتح قنوات تواصل جديدة مع قوي عديدة في الإقليم مثل قطر وتركيا اللتين تنتهجان سياسات لا تتوافق مع مصالح إيران خصوصا إزاء الأزمة في سوريا....وفضلا عن أن موقف إيران من الأزمة البحرينية أنتج موقفا خليجيا ضدها، ربما للمرة الأولي منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، فإن جهود إيران لتطوير العلاقات مع مصر، علي أساس أن ذلك ربما يمثل تعويضا عن خسائرها المحتملة علي ضوء المفاعيل السياسية للثورات العربية خصوصا في ظل المكانة الإقليمية التي تحظي بها الأخيرة، ما زالت تواجه أجواءً غامضة ولا يمكن التكهن بما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل لاسيما في ظل تفضيل القاهرة إرجاء اتخاذ موقف واضح إزاء العلاقات مع إيران إلي حين اشعار اخر...

كما أن وصول قوي الإسلام السياسي إلي الحكم في العديد من الدول التي شهدت ثورات علي أنظمتها السياسية لا يضيف كثيرا إلي رصيد إيران الإقليمي، حيث أنه لا يوجد مؤشر علي وجود علاقات قوية تربط بين إيران وهذه القوي، بما يعني أن طموحها في تأسيس تحالفات مع الأخيرة ربما لا يعد مهمة سهلة.... وقد كانت هذه القوي في بداية الثورات حريصة علي إعطاء انطباع للداخل والخارج بأنها بعيدة عن الأجندة الإيرانية، مثلما حدث عندما صرح المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بأن "الثورات العربية تستلهم روح ونموذج الثورة الإسلامية في إيران وبالتالي فهي استمرار لها" وذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها في 4 فبراير 2011، حيث قالت حركة "الإخوان المسلمين" المصرية أن "الثورة المصرية ثورة شعبية مصرية خالصة ولا يستطيع أحد أن ينسب الفضل لنفسه في القيام بها"....

كذلك، فإن الانطباع الإيراني الأولي الذي اعتمد علي إمكانية تحقيق أكبر قدر من التقدم في برنامجها النووي في ظل الانشغال الغربي بما يحدث في الدول العربية، لا يتسامح مع المعطيات الموجودة علي الأرض... فقد بدا واضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد الخروج من العراق دون أن تمتلك أوراق ضغط في مواجهة إيران التي تعد نفسها لتكون "الفائز الأكبر" من ذلك الانسحاب، ومن ثم كان استثمارها للتوتر في العلاقات بين إيران ودول الجوار وعلي رأسها السعودية علي خلفية الاتهام الأمريكي لإيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي لدي واشنطن عادل الجبير، والذي دفع الرياض إلي رعاية مشروع قرار في مجلس الأمن لإدانة محاولات اغتيال الدبلوماسيين، فضلا عن استمرار الخلاف حول أزمة الاحتجاجات البحرينية، إلي جانب التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر 2011 والذي أشار إلي وجود جانب عسكري في برنامجها النووي، من أجل فرض مزيد من العزلة والعقوبات الدولية عليها....لكن التطور الأهم في هذا السياق هو نجاح الجهود الأمريكية نسبيا في رفع مستوي هذه العقوبات إلي المجال النفطي والمالي، حيث توصل الاتحاد الأوروبي إلي اتفاق مبدئي لفرض حظر نفطي علي إيران بدءا من يوليو 2012، كما بدأت بعض الدول، مثل بريطانيا وكندا، في فرض حظر علي التعاملات مع البنك المركزي الإيراني....واشنطن لم تكتف بذلك، بل سعت لدي المستوردين الرئيسيين للنفط الإيراني، لاسيما الصين واليابان، لإقناعهم بالمشاركة في الجهود الدولية لفرض عزلة دولية محكمة علي إيران، أو علي الأقل تقليل استيرادهم للنفط الإيراني والبحث عن خيارات نفطية أخري خصوصا لدي دول مجلس التعاون الخليجي....إيران بدت مدركة إلي أن جهود واشنطن لفرض مزيد من العقوبات عليها ليس هدفه البرنامج النووي فقط، بل وربما يكون ذلك هو الأهم، إجبارها علي الجلوس إلي طاولة المفاوضات الثنائية لمساعدتها علي تأمين وجودها في العراق وأفغانستان، والذين باتا هدفين مؤثرين في الصراع بين الطرفين، خصوصا لجهة اقتناع واشنطن بأن طهران قادرة علي إرباك حساباتها وخلط أوراقها في كابول وبغداد...

ومن هنا لم يقتصر رد إيران علي تهديد الغرب بأن منعها من تصدير نفطها إلي الخارج يعني توقف الآخرين عن تصدير نفطهم أيضا من خلال إغلاق مضيق هرمز الذي يعبر منه 40% من النفط العالمي يوميا، بل سعت إلي توسيع هامش المناورة المتاح أمامها بالتلويح بإمكانية تحريك ملفات أخري في وجه واشنطن في الوقت الذي ما زالت فيه تلملم أوراقها وسياساتها المرتبكة بعد انسحابها من العراق دون انتزاع تعهدات من الحكومة العراقية بمنح حصانة لجنودها أو مستشاريها في العراق، وبعد سقوط بعض أهم حلفاءها الإقليميين بفعل موجات التحول الديمقراطي التي تجتاح العديد من الدول العربية في الوقت الحالي....وفي هذا الإطار يمكن تفسير تصريح قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري العميد قاسم سليماني خلال ندوة "الشباب والصحوة الإسلامية" التي نظمت بإيران في 18 يناير 2012، والذي قال فيه أن "إيران حاضرة في الجنوب اللبناني والعراق"، وأن "هذين البلدين يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها"، مشيرا إلي أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإمكانها تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بغية مكافحة الاستكبار"...قاسم سليماني لم يكتف بذلك بل ألمح إلي إمكانية تحريك الموقف في الأردن إذا تطلب الأمر ذلك، حيث أشار إلي أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإمكانها التحكم في هذه الثورات لتوجهها نحو العدو، وأن هذه الإمكانية متوافرة في الأردن"....

تصريحات سليماني وغيره من المسئولين الإيرانيين التي أثارت ردود فعل متباينة في العراق ولبنان تشير إلي أن طهران تلوح بأوراقها من أجل التفاوض، لكنها لن تتفاوض علي ملفات فردية بل ملفات جماعية، أي أن إيران تريد استغلال نقاط قوتها في الملفات الإقليمية المختلفة لمساومة الغرب حول ملفها النووي الذي تواجه فيه صعوبات متعددة سواء لجهة المشكلات التكنولوجية التي أنتجها انتشار فيروس "ستوكسنت" الذي دمر أكثر من ألف جهاز طرد مركزي، أو بسبب سلسلة الاغتيالات المتتالية التي طالت أربعة من علمائها النوويين خلال عامين آخرهم الدكتور مصطفي أحمد روشن الذي كان يعمل نائبا للمدير التجاري في منشأة "ناتانز" في 11 يناير 2012، أو لجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها التي ربما تنتج تأثيرات مهمة علي الداخل في حالة وصولها إلي مستوي فرض حظر علي صادراتها النفطية وتعاملاتها المالية.....مما لاشك فيه ان هناك اعتبارات متداخلة واستحقاقات مؤجلة كلها في انتظار ما ستؤول إليه توازنات القوي في منطقة الشرق الأوسط بعد انتهاء الثورات والاحتجاجات التي تجتاح العديد من الدول العربية في الوقت الحالي....

أما فيما يتعلق بمصر وتطلعاتها لاستعادة دور إقليمى جديد عبر بوابة الأزمة السورية وعلاقة ذلك الدور بالقوى الإقليمية ومصالحها، فيأتى الحديث عن "إشكاليات" تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية ودخول الأزمة السورية كرقم مهم على معادلة تلك العلاقات عبر "الاغراءات" التى تحاول القيادة المصرية التلويح بها لإيران لحملها على إبداء مرونة أكبر تجاه حل واقعى وممكن للأزمة، ومنها إقامة مصر علاقات سياسية واقتصادية كاملة معها مقابل تخليها عن دعم نظام بشار الأسد وضمان خروج آمن له ولأسرته.... إلا أن مثل هذه الخطوة لابد وأن تكون "محسوبة" بحسابات الربح والخسارة بالنسبة لمصر حال عودة العلاقات مع إيران؛ فما هى الضمانات التى يمكن أن تقدمها إيران لمصر بشأن القضايا التى تمثل للأخيرة أولوية فى سياستها العربية كأمن دول الخليج أو تلك المتعلقة بالموقف من العراق، وكذلك ما هى ضمانات منع التمدد الشيعى فى المنطقة، أو استغلال العلاقات المستقبلية بين البلدين فى أى مواجهة بينها وبين إسرائيل... وعلى الجانب المقابل ماذا ستقدم مصر لطهران لحملها على التخلى عن حليفها الاستراتيجى بشار الأسد ولماذا تصر طهران على التقارب مع مصر خلال الفترة الراهنة؟!...للإجابة على تلك التساؤلات يمكن القول أنه وفى إطار حسابات المصلحة الاستراتيجية بين الطرفين ورغبة إيران فى عودة العلاقات سريعا مع مصر جاء التمسك الشديد من ناحيتها بالمبادرة المصرية، لا من باب اعتبارها الحل الأمثل لتسوية الأزمة السورية ولكن من باب كونها توفر حلقة اتصال مباشرة مع القيادة المصرية الجديدة لأول مرة فى تاريخ العلاقات بين البلدين منذ حوالى ثلاثة وثلاثين عاما، وهو أمر على الرغم من محدوديته إلا أنه يمثل بالنسبة لإيران نقلة نوعية مهمة فى مسار تفاعلاتها الإقليمية خلال المرحلة الراهنة، ما قد يفتح المجال لخلق حد أدنى من التفاهم الثنائى حول القضايا الإقليمية المهمة لاسيما الأزمة السورية...

فإذا كانت مصر ترغب فى تقديم طرح عودة العلاقات مع إيران كحافز لها لإبداء مرونة فى الأزمة السورية تصل إلى حد التخلى عن حليفها بشار الأسد، سواء كان عبر تطبيع كامل أو عبر علاقات باردة على غرار العلاقات مع إسرائيل، فسيتحتم عليها دراسة مدى ونوعية التأثير الذى ستتعرض له علاقاتها بدول الخليج العربي من ناحية، ورد الفعل الأمريكى من ناحية ثانية، ومخاطر نشر المذهب الشيعى وموقف القوى السياسية منه لاسيما السلفيين من ناحية ثالثة..... فعلى مستوى العلاقات مع دول الخليج ومستقبلها حال عودة العلاقات المصرية الإيرانية تجدر الإشارة هنا إلى تخوفات خليجية عديدة من إيران على خلفية السياسة العدائية التى تمارسها عبر التأثير على أمن دول الخليج السنية برمتها ومحاولاتها نشر الفوضى وتصدير الثورة لتلك الدول بتأليب امتداداتها المذهبية الشيعية فيها، إلا أن المفارقة الغريبة فى الأمر هى طبيعة العلاقات الاقتصادية القوية التى تربط بين إيران ومعظم دول الخليج لاسيما الإمارات حيث تعد إمارة دبى بمثابة الرئة الاقتصادية التى تتنفس عبرها إيران اقتصاديا وتعد البوابة التى تجتاز إيران عبرها الآثار الاقتصادية السلبية للعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، وكذلك دولة الكويت، وسلطنة عمان، فى الوقت الذى تُحرِم فيه تلك الدول على مصر أى نوع من التقارب حتى ولو كان مجرد تقارب اقتصادى، بل وصل الأمر إلى حد إعلان مجلس الأعمال المصرى السعودى فى الأسبوع الثانى من شهر سبتمبر المنصرم أن اتجاه طهران لضخ مزيد من استثماراتها فى مصر خلال الشهور القادمة يقلل بالضرورة من فرص الاستثمارات الخليجية فى العديد من المجالات، هذا التصريح فى واقع الأمر يحمل تحذيرا ضمنيا للحكومة المصرية من أن التفاعل الإيجابى مع طهران سيقلل بالضرورة من فرص تعاون دول الخليج مع مصر على الأقل من الناحية الاقتصادية.... أما على الجانب السياسى فلا تزال دول الخليج وفى مقدمتها السعودية قلقة من تقارب ممكن بين مصر وإيران على الرغم من إعلان القيادة المصرية بوضوح عن موقفها من نظام بشار الأسد عبر العديد من المحافل الدولية.... وربما يكون لرغبة مصر فى تفعيل الحوار مع إيران وضمان استمراريته خلال الفترة القادمة ما يبرره باعتبار أن إيران هى المتحكم الرئيس فى الأزمة السورية وأنها جزء أصيل من الحل، بينما الأمر نفسه تراه السعودية غير ذا جدوى وترجمت ذلك بالفعل فى مقاطعتها لأعمال اللجنة الرباعية التى عقدت على مستوى وزراء الخارجية فى القاهرة فى السابع عشر من سبتمبر المنصرم لأن الرياض لا تريد لإيران أى دور فى الأزمة حيث تراها سببا لها ومعوقا رئيسا لأية حلول ممكنة، وربما يكون بروز الدور المصرى عبر هذه المبادرة مثيرا لمخاوف الزعامة الإسلامية والعربية التى احتكرتها السعودية خلال السنوات الماضية فى ظل انتكاس الدور العربى والإسلامى لمصر....

وعلى مستوى الحسابات المصرية لرد الفعل الأمريكى على التقارب المصرى الإيرانى من المتوقع أن تشهد العلاقات المصرية الأمريكية توترا ملحوظا بشأن التقارب المصرى مع إيران حتى ولو كان بدافع إيجاد حل لأزمة مستعصية كالأزمة السورية، لاسيما وأن ذلك التقارب تزامن مع توتر ملموس فى العلاقات المصرية الإسرائيلية مؤخرا، فواشنطن ترى أن تقاربا ما بين مصر وإيران يمكن الأخيرة من كسر عزلتها الدولية، وهو ما يخفف بالتالى من حدة العقوبات المفروضة عليها لذلك فهى تعى مدى خطورة عودة العلاقات بين الطرفين وتأثيراتها على إسرائيل، خاصة إذا أضفنا إلى ذلك التأثير وجود تركيا التى تعانى علاقتها بإسرائيل أيضا من توترات على خلفية أزمة سفينة مافى مرمرة التركية - مايو 2010- فى سياق محاولات كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وبالتالى فواشنطن ترى أن التقارب الثلاثى المصرى الإيرانى التركى لن يقتصر تأثيره عند حد البحث عن حلول ممكنة للأزمة السورية، بل يتعدى ذلك - على الأقل بالنسبة للعلاقات المصرية التركية الحالية- إلى مرحلة التعاون الاستراتيجى خاصة بعد أن أعلنت تركيا رغبتها فى رفع درجة التعاون مع مصر إلى درجة التحالف عبر تشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجى بين البلدين، وهو ما تتخوف منه إسرائيل وتراه تقاربا ثلاثيا إن لم يكن يستهدفها بالدرجة الأولى فإنه على الأقل سيوفر لمصر الجديدة حرية حركة إقليمية تمكنها من تحييد علاقتها بالولايات المتحدة ومن ثم بإسرائيل. لذلك بدا أن البديل بالنسبة لإسرائيل هو الاستماتة فى الضغط على مصر عبر واشنطن وتهديدها لإبقاء العلاقات المصرية الإيرانية فى أضيق الحدود، إما بقطع المساعدات العسكرية وتحجيم الاستثمارات الاقتصادية تارة، أو بتهديدات متكررة من جانب إسرائيل بشأن سيناء تارة أخرى وهو ما حدث خلال الفترة القليلة الماضية....

من ناحية أخرى فإن مخاطر نشر المذهب الشيعى فى مصر حال تطبيع العلاقات مع ايران يمثل هاجسا رئيسا بالنسبة للمجتمع المصرى، وتخشى بشدة منه كل من مؤسسة الأزهر الشريف والتيارات السلفية، بل وكثيرا ما استخدم كفزاعة ردا على أية محاولات للتقارب بين البلدين، بل رأى البعض فى تحليلاته أن توسع التواجد الشيعى فى مصر سيؤدى حتما إلى التصادم بين الأزهر الشريف كمؤسسة سنية وبين المد الشيعى المتوقع فى حالة عودة العلاقات المصرية الإيرانية، ناهيك عن الرفض التام الذى تبديه التيارات السلفية للتواجد الشيعى المتزايد خلال السنوات القليلة الماضية على خلفية أن عودة العلاقات تعنى فتح البلاد أمام قدر لا بأس به من السائحين الإيرانيين الراغبين فى زيارة أضرحة آل البيت وإقامة شعائرهم الدينية دون أن تتوافر الآلية التى يمكن بها منعهم من نشر مذهبهم خلال تلك الزيارات....تبدو التخوفات السابقة إذن كابحة لمسار تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية، لكن فى الوقت نفسه هناك من يرى أن فتح المجال أمام عودة العلاقات من شأنه أن يحقق مكاسب "استراتيجية" للطرفين !!!..

مما لاشك فيه انه يمكننا القول أن المكاسب المصرية من التقارب مع إيران تنحصر فى أمرين: الأول مكاسب اقتصادية "محتملة"، والثانى مكسب سياسى يتعلق بالقدرة على المناورة الإقليمية.... بالنسبة للمكاسب الاقتصادية يمكن معرفة أهميتها إذا ما علمنا أن إيران دولة تمتلك العديد من الموارد الاقتصادية لاسيما النفط والغاز وتعتبر منتجة لمعظم احتياجتها الاقتصادية لدرجة أن البعض رأى فى تعاون اقتصادى مصرى إيرانى محتمل "خروجا" من عباءة التبعية للاقتصاد الأمريكى الأوروبى وما يفرضه من التزامات سياسية على المستويين الداخلى والخارجى، ووسيلة لتنويع مصادر التعاون الاقتصادى وجذب مزيد من الفرص الاستثمارية التى تراجعت بشدة طوال عامى الثورة بما يخدم مصلحة مصر، وفى الوقت نفسه لا يضر بمصالحها المشتركة مع غيرها من الفاعليين الدوليين؛ لأن عملية جذب الاستثمارات الأجنبية لا ترتبط بقرارات سياسية وإنما ترتبط بحجم المكاسب التى ستعود على طرفى التعاون الاقتصادى؛ فحجم الاستثمارات الإيرانية فى مصر ضئيل ولا يتجاوز 331 مليون دولار يعمل عبر 12 شركة فى خمسة قطاعات اقتصادية مختلفة.... إلا أن هذا الطموح المستهدف بشأن جذب مزيد من الاستثمارات الإيرانية كمكسب اقتصادى "محتمل" يصطدم على أرض الواقع بوجود مشاكل اقتصادية كبيرة يعانى منها الاقتصاد الإيرانى حاليا جراء العقوبات الاقتصادية التى أدت إلى تراجع معدلات النمو وارتفاع البطالة وزيادة معدلات التضخم، ناهيك عن خضوع رأس المال الإيرانى للرصد والتتبع الدولي، ما يجعل المكاسب المصرية المتوقعة بالنسبة للجانب الاقتصادى مرهونة بحالة الاقتصاد الإيرانى الذى بات حبيسا لعقوبات دولية فرضت قيودا شديدة على إمكانيات نموه...أما المكاسب السياسية وفى ظل التخوفات السابق ذكرها فإن التقارب المتوقع عبر سياسة الحوار الدائم على خلفية لجنة الاتصال الرباعية قد يساهم فى إخراج مصر من دور التابع الذى تنحصر فعاليته فى رد الفعل إلى دور الفاعل الرئيس فى مسرح الأحداث وفى حالات متقدمة من اكتساب الثقة الإقليمية تصبح قادرة على المناورة الإقليمية وما يرتبط بها من مساومات وتبادل مصالح، ما يعنى أن مصر سيمكنها إقامة تحالفات خارجية جديدة مستقبلا مع دول منافسة للولايات المتحدة فى سابقة لم تحدث منذ أكثر من أربعين عاما....

اما مكاسب طهران ستكون سياسية بالأساس وستزيد من إمكانيات الدور الإقليمى الإيرانى، أما مكاسب مصر فستقتصر إلى حد كبير على مكاسب اقتصادية "محتملة" لأنها ستكون محكومة أيضا بقدرات إيران الاقتصادية الخاضعة لحزمة من العقوبات الدولية لان مصر مرشحة لأن تكون رئة اقتصادية جديدة تتنفس عبرها إيران، إلا أن ذلك سيكون محكوما بأن تفى مصر بالتزاماتها فى تطبيق العقوبات الدولية المفروضة على إيران..... وعليه يكون مكسب عودة "الفاعلية الإقليمية" للدور المصرى مرة أخرى بعد طول غياب قسرى فرضته علاقة التبعية المتناهية التى ربطت بين نظام مبارك السابق وبين الولايات المتحدة هو المكسب الوحيد الذى ستحصل عليه مصر عبر الأزمة السورية، لكنه سيظل مرهونا بمدى قبول إيران التضحية ببشار الأسد خلال الفترة القادمة !! الى جانب تعزيز التعاون الإيرانى مع إفريقيا عبر البوابة المصرية خاصة وأن إيران تتمتع بنشاط دبلوماسى واقتصادى كبير فى شرق وغرب القارة على حد سواء، وأن هذا الانتشار فى افريقيا كان يحقق لإيران القدرة على مواجهة التوغل الإسرائيلى فى بلدان القارة عبر تقديم المساعدات التكنولوجية والاقتصادية، وهو الدور الذى كانت تقوم به مصر خلال ستينيات القرن الماضى...من الممكن احتماليا أن تستبدل إيران حليفتها سوريا بمصر كنافذة عربية لها، لكن هذا احتمال ضعيف ولا يتناسب مع مكانة ومحورية الدور المصرى فى المنطقة، حتى وإن تم تغييبه من قبل ولكنها حتما ستستثمر التقارب مع مصر فى تغيير صورتها لدى الدول العربية من دولة عدائية إلى دولة صديقة لاسيما دول الخليج العربى !!... الى جانب الاستفادة من التقارب مع مصر فى التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة، وهو ما تتحسب له واشنطن جيدا لأن أى تقارب مصرى مع إيران يعد بالضرورة خصما من العلاقات الأمريكية المصرية والعلاقات المصرية الإسرائيلية على حد سواء،لأنه سيسمح لمصر بأن تعيد تحديد أولويات أمنها القومى الذى سيبتعد بالضرورة عن ارتباطه بالسياسة الأمريكية فى المنطقة... إلا أن ذلك سيظل بالطبع محكوما بضوابط محددة لكون واشنطن حتى الآن هى مصدر التسليح الأول لمصر والمانح الاقتصادى الأكبر، مما قد يمثل كابحا فى آحيان كثيرة لتوجهات أكثر حدة على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة حاليا...مما لاشك فيه ان ايران تريد الاستفادة من وجود لجنة الاتصال الرباعية الخاصة بالأزمة السورية فى فك العزلة التى تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل إحكامها على إيران على خلفية أزمة البرنامج النووى الإيرانى، وذلك عبر حرصها على استمرار التواصل مع دول الرباعية لاسيما مصر وتركيا...

حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاتتركوا سيناء تذهب لجماعة ضالة لا تؤمن بمعنى كلمة وطن
- ماذا يجرى خلف الستار فى الحرب الخفية بين ايران واسرائيل؟
- تقرير استراتيجى عن الدور الامريكى بعد نجاح اوباما
- الشريعة هى «قميص عثمان» الذي يتم استخدامه لتبرير العنف الدين ...
- الشذوذ السياسى هو مشروع الصرف الصحى الاخوانى
- الفن والابداع فى زمن الاخوان
- شبكة التوريث والمصالح العائلية الاخوانية تحكم مصر
- واحد عضنا
- حروب المنطقة واضطراباتها وتغييراتها بدأت بميلاد قناة الجزيرة
- الجزيرة والرقص مع جماعة الخرفان المسلمين
- الخيانة اخوانية
- مصطلح التغيير هو (الأخونة) مخطئ من ظن يوما أن للاخوان دينا
- أنت متحرش ... اذا أنت حيوان
- هل تنتبه القوى السياسية المصرية لما يجري على حدودنا؟
- الدستور باطل وغير شرعي ومصيره الحتمي السقوط
- 17سبب تجعلنى ارفض الدستور الجديد
- مرسى والاخوان اوجعتهم الحقيقة
- يسألونك عن الثورة( قل : الوطن او الموت)
- الافعى الاخوانية تسعى لكى تنهار الدولة مدنيا وتقوى اخوانيا
- روسيا وسوريا خير مثال على ان الطبيعة هى التى تحكم


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - السقوف الايدلوجية الايرانية وثورات الربيع العربى