أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الفخري - الثابت و المتغيّر















المزيد.....

الثابت و المتغيّر


خليل الفخري

الحوار المتمدن-العدد: 3884 - 2012 / 10 / 18 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


الثابت و المتغيّر
للدين كما للقيم الأنسانية الأخرى قواعد و أصول و مرتكزات هي في عداد الثوابت ، يقابلها في الجانب الآخر واقع الحياة و ظروفها و القوانين الطبيعية التي تفسّر بموجبها معظم ظواهر الكون ، فأنها ، أي ظروف الحياة هي التي تتغيّر وفقا لمنظور التطور و دور الأفراد في صناعة التغيير أحيانا . وفي حالة اجراء مقارنة بين الثابت و المتغير ، فلا بدّ وذلك أمر حتميّ أن يحدث شيئ من عدم التطابق وهو ما نسميه بالتضاد او المخالفة . اي ان يحدث العكس تماما . اي ان يتغيّر الثابت تبعا لضرورة الحياة و تطورها ، او يثبت المتغير ، ولأن تثبيت واقع الحياة المتغير اصلا هو امر مستحيل ، فقد كانت الأمور تنتهي دائما وفي معظم الحالات الى تغيير الثوابت الدينية . ونحن ازاء هذا القول لا نأتي بجديد من عندنا ، فقد حدث هذا دائما منذ ابتداء حكم الراشدين او ما نسمّيه الخلافة الراشدة و حتى نهايتها .
ان تغيير الثوابت في حالة كهذه هو ما نسميه بالأجنهاد . والأجتهاد في معظم حالاته نسبي و ليس مطلقا ، فليس في الحياة ما هو مطلق ، لذلك فأمكانية التغيير امر وارد و ممكن حصوله في ظل المتغيرات اليومية .
مادامت الحياة في تطور مستمر ، فلابد من ظهور تعقيدات تحاول تأزيم المشهد ، وقد تفرض هذه التعقيدات احيانا نوعا من عدم الأنسيابية وما يمكن ان نسميه بالتشظّي او المخالفات الحادة ليس فيها مما نسميه تناغم الأجتهاد في ربطه بين الأسباب والنتائج لتبرير فعل معين او لغرض تأهيل حكم بعينه فتصبح بموجبها المخالفة صريحة و واضحة لا يمكن تبريرها بالأجتهاد لأفتقاد أسبابه ، كما تغلق بموجبها نافذة التأويل و تؤكد بأن عدم المخالفة مستحيل , او في افضل الحالات غير ممكن ، و لنا في أحداث الخلافة الراشدة ما يعين .فبعد مقتل عمر بن الخطاب انطلق ابنه عبدالله بن عمر و قتل ثلاثة كانت شكوكه تحوم حولهم ، وكان الهرمزان الذي أسلم و صحّ اسلامه أحدهم ، ولكن لم يثبت ذلك في حق أحدهم . وقد واجه عثمان بن عفان هذا الموقف و مستجداته وما ترتب عليه من تبعات بروح انسانية لا تميل الى الدموية وان كان العكس هو الصحيح .فقد كان رأي الدين واضحا والموقف من الحادثة لا يختلف حوله اثنان حسبما جاء به القرآن الكريم في اكثر من موضع ( ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب ), ( العين بالعين والسن بالسن ...)وهو موقف أصرّ عليه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو أن يقتل عبد الله بدم من قتلهم ، لكن عثمان لم يملك الاّ المخالفة بدواعي انسانية ، حيث قيل وقتها : ألا يكفي آل عمر قتل عمر ؟
حاول عثمان التخلص من المأزق وما قد يجرّه عليه من متاعب ومن تبعات بدفع ديّة الهرمزان من ماله الخاص ، ولم يتحمّل القاتل عبد الله بن عمر وزر القتل او حتى ديّة القتلى ، وهو ما رفضه جملة و تفصيلا الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي ظلّ يتوعد عبد الله كلما لقيه ، بأنه اذا تولّى فسوف يقتله بدم الهرمزان . وما ان تولّى علي عليه السلام الخلافة حتى هرب عبد الله الى جيش معاوية ، و حارب عليا الى ان قتل في معركة صفّين .
وفي العودة كما يرى البعض الى ضرورة تطبيق الشريعة الأسلامية وقد تضمّنت نصوصا تتناغم مع كل عصر و تصلح كأساس للعمل ، فنقول ان نوعا من هذا و تطبيقا له ، و بعبارة ادق و اوضح ان تطبيق الشريعة الأسلامية لا يكفي البتة ، وهو لا يمثل لوحده جوهر الأسلام ، ولن يكون التطبيق هو المعوّل عليه لما فيه من ثغرات .فقد طبّقت الشريعة و حدث ما جدث من انكسارات اضرّت كثيرا بالقيم السائدة آنذاك و خلقت بركا من الدماء سمحت للأعداء و المترددين و المتربصين للأسلام ان يرفعوها شعارات تختفي وراءها رغبات الأيقاع بالبسطاء و تفكيك التلاحم الأنساني الذي جاء به الدين الحنيف .ويرى كثير من الدارسين ان الأخطر في تطبيق الشريعة من وجهة نظر هؤلاء هو وضع اسس و قواعد الحكم العادل المنسجم مع روح الأسلام ,فقد كانت الشريعة مطبّقة و الحاكم كان صالحا والرعية مؤمنة و حدثت تلك الهزّات المؤلمة و الأنكسارات التي أضرّت كثيرا بمركز و هيبة الخلافة لغياب ما غاب ، و أظنّه لايزال .
وان عدم تطبيق الشريعة بدواعي الضرورة او الأنسانية لا يعني الخروج على جوهر روح الأسلام او المروق عليه .وفي حادثة أوقف فيها عمر بن الخطاب اقامة الحد على السارق ، وهذا اجتهاد جديد في اقامة الحد اجتهد عمر ألاّ يقيمه الاّ بعد معرفة اسباب السرقة ، فلعل الجوع كان وراءها كما اكتشف ذلك بنفسه قبل تنفيذ العقوبة . وقد جاء على لسان مالك في الموطأ وفي باب السرقة ان رقيقا لحاطب بن ابي بلتعه سرقوا ناقة لرجل من مزينة ، فانتحروها ، فأمر عمر بقطع ايديهم ثم أوقف القطع لمعرفة الدوافع وراء السرقة والأسباب ؟ فقد تكون وراءها علّة , وحين جاء حاطب عمرا يشكوهم اليه ، قال له عمر : انكم تستعملونهم و تجيعونهم ، والله لأغرّمنّك غرامة توجعك ، و فرض عليه ضعف ثمنها ، و أعفى السارقين من القطع لجوعهم و حاجتهم .
كما انه اوقف الحدّ و العمل به سنوات المجاعة التي ضربت الجزيرة حتى بات رجال مكة و اثرياؤها مسنتون من الجوع ,فلم تقطع يد أحد لسرقته بسبب الجوع . و بهذا لم يقف عمر عند ظاهر النص جامدا ، بل ابتعد كثيرا ما وراء النص ، و رأى عن قراءة متأنية للأسباب انه لا يقام حدّحين يكون السارق في حاجة تلجئه الى السرقة . و عمر بهذا وضع اساسا لعدم تطبيق الحد على السارق ، وهي وجهة نظر جديدة ..( والسارق والسارقة ,,,) راعى عمر في ذلك علّة القطع و ظروفه و دار مع العلّة و أدّى به ذلك الى ترك ظاهر النص .
ارتفع عمر بنفسه و بالمسلمين الى اصل وجوهر العقيدة فأسبغ على المسلمين شيئا من السعادة ، وارتقى بهم الى عالم تتحكم في مفاصله القوانين والأنضباط ، فصلح حال الدولة على ايامه والرعية ، كما انه ترك لمن جاء بعده برنامجا و منهجا هو اشبه الى الدستور لا يختلف اثنان حوله .
في منظور التطبيق وما هو سائد على الأرض ان العدل لا يتحقق مطلقا بصلاح الحاكم و وعيه ، ولن يسود اصلاح البتة حتى وان صلحت الرعية او حتى لو طبقت الشريعة ، اي شريعة على الأرض , وانما الذي يختزل كل هذا و يعمل على تحقيقه و جعله قانونا و شريعة هو ما نسميه نظام الحكم ، وهي تلك الضوابط التي يقف الحاكم ازاءها محتسبا عدم التجاوز لأنه في حالة التجاوز سوف يحاسب عليه ، فهي تمنعه من الأمتداد كيفما يريد ، وانه سيضع في حسابه ان الرعية ستعزله لو خرج على صالحها ، وقد تكون هذه الضوابط احيانا داخلية تنبع من ضمير الحاكم و وجدانه ، كما حدث في عهد عمر ، وهذا نادر الحدوث ولا يمكن اعتباره قاعدة ، والأصح ان تكون الأمور مؤطرة بنظم و قوانين. فقد واجه قادة المسلمين عثمان بن عفان بخروجه على قواعد العدل و احيانا على صحيح جوهر الاسلام ولم يعمل على تغيير سياسته و بحثوا عن سوابق في الحكم لمعالجة ذلك فلم تسعفهم سابقة وعن قواعد تسيير الدولة فلم يجدوا قاعدة ، فحاصروه و طلبوا منه ان يعتزل . وحين خيّروه بين ثلاث ، اما الأقادة منه ، اي الأعتراف بأخطائه و يتقبّل العقاب ، او ان يتبرّأ من الأمارة ، اي العزل . او ان يعتزل بأمر الرعية . والقصة معروفة للجميع وما آلت اليه الأمور بعدها
ازاء كل هذا السياق الذي تقدّم ، يجب ان نفرّق بين الهروب و المواجهة ، وبين النكوص على الأعقاب وبين الأقدام الذي ربما يدفع الى الهلاك ، و بين المظهرية و الجوهر ، فالمجتمع لن يتغير ، و المسلمون يراوحون في اماكنهم لن يتقدموا بمجرد اطالة اللحى و حلق الشارب . والاسلام لن يتجدى العصر بأمكانيات التقدم واللحاق بركب الشعوب التي جاءت بعدنا و تركتنا وراءها نحبو بمجرد ان يلبس شبابنا الزي الباكستاني ، و استخدام المسواك بديلا عن فرشة الأسنان ، واستعمال اليد في الطعام بدل الملعقة ، والجدل السافر والعقيم و التهالك المنافق عن ميقات ظهور المهدي المنتظر عليه السلام و مكان ظهور المسيح الدّجال , فكل هذه قشور ، وهذه ما يشغل اذهان الشباب بأكثر مما يشغلهم جوهر الدين و حقيقته وهو جوهر لا يتناقض مع التقدم بحال وهي حقيقفة لا تتوقف امام هذه الامور الصغيرة .

الناصريه - خليل الفخري



#خليل_الفخري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مظفر النواب ، نجم على عاتق الليل يضيئ !!!!!
- انك لا تجني من الشوك العنب !!!
- دور الضيافة الحكومية, وفنادق الدرجة الأولى
- من اين نبدأ !!! واي اصلاح يريد شعبنا ؟
- في اغتيال ثورة 14 تموز دروس ،فاتّعظوا ايها الحكام !!!
- تجريف بساتين النخيل في كربلاء: اغتيال للبيئة والأنسان ..!!!
- بلا عنوان ... !!!
- سقوط الأحزاب الدينية سبب الأزمات رهن بيد الناخب ليس غير !!
- ثورة 14 تموز ألق في عيون الشعب وعمى بعيون الحكام
- وهب الأمير بما لا يملك !!!!!
- عبد الكريم قاسم , حرر العراق فأطلقنا الرصاص على صدره .
- وزيرة المرأة: رجل في ثياب امرأة!!!
- أيّةُ ثقافة نريد ؟؟؟
- كفى نقيقاً ايها الضفادع !!!
- تراجيدية جسر الناصرية الخشبي
- المقاومة ...! لا الحداد
- لكي لا نحرث في البحر .!
- لم يعد التاريخ مطيّة نركبها !!!
- أيها الجهلةُ والاميون ! أعيدوا للعراق وجهه الحضاري
- الشهيد عبدالكريم قاسم حضور دائم في الذاكرة وفي الضمير


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الفخري - الثابت و المتغيّر