أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خليل الفخري - تراجيدية جسر الناصرية الخشبي














المزيد.....

تراجيدية جسر الناصرية الخشبي


خليل الفخري

الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 00:56
المحور: كتابات ساخرة
    


تراجيدية جسر الناصرية الخشبي
كان العبور الى الضفة الاخرى من الفرات , وهو يشطر المدينة شطرين امراً مكلفاً , يكون غايةً في الصعوبة عند موسم الفيضان , اذ تغطي المياه قاعدة جسرها الخشبي , وهو يستقر فوق حاوياتٍ حديدية ثُبتت الى الارض بأسلاك متينةٍ اشبه ما تكون بالحبال , تقيّد حركته, وتمنع الامواج العاتية من جرفه مع تقلباتها .
تَعَوّد اهل المدينة على جسرهم هذا , منذ وضع ناصر باشا اول لبنةٍ في معمار المدينة التي اخذت اسمها منه قبل قرن ونصف من الزمن . وكثيرة هي المرات التي استفاق فيها اهل المدينة صباحاً ولم يجدوا الجسر فقد عاف مكانه الاصلي , وألقى مراسيه على مبعدة سبعة عشر كيلومتراً , في قضاء سوق الشيوخ , ومنها يُعاد مخفوراً الى حيث يقيم.
كما اعتاد صبيةُ المدينة وشبابها السباحة قريبا منه والقفز الى الماء من فوق العوامات , او اصطياد السمك وقت تكاثره . وحين ازدادت شكاوى الناس منه على مدى العقود الاربعة الاخيرة منذ قيام الحكم الملكي سنة 1920 , أن فكرت الحكومة بضرورة بناء جسر حديدي للمدينة مكان موقع جسرها الخشبي الحالي. أنيط العمل بشركة اجنبية هي (دورمن لونج ) ولاسباب غير واضحة تعثر العمل فيه , وتباطأت وتائر انجازه قبل أن تتوقف بشكل نهائي تماماً , الا أن العمل تواصل فيه بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز التي يعود لها الفضل في انجازه بسرعة حسبما هو مرسوم له ومخطط.
وضمن الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الثانية للثورة وصل الناصرية من ينوب عن الزعيم عبدالكريم قاسم لافتتاح الجسر .
رُحّل جسر الناصرية الخشبي الى قضاء سوق الشيوخ . وبواسطته صارت حركة الانتقال والسفر اكثر سهولة مما كانت عليه في السابق عبر العوامات التي ارتبطت حركتها والانتقال الى جهة النهر الاخرى والعودة منها بجدول يحدد مواعيد حركتها .
كان هذا النظام القسري مرهقاً لسكان المدينة ومتعباً فهو يتطلب من العابرين الحضور ضمن الاوقات المحددة .
اعتادت مدارس الناصرية القيام برحلات ترفيهية لطلابها وطالباتها الى البساتين الكثيرة الموزعة على ضفتي الفرات وهو ينساب جذلا رقراقا بين النخيل وهي تحتضن دفتيه بحنان ودعةٍ في الربيع . ومن ضمن فعاليات العام 1960 قيام احدى المدارس الابتدائية للبنات في سوق الشيوخ بسفرة . انطلقت السيارة الاولى بطالباتها الستين ومعلماتها وما أن توسطت الجسر الخشبي حتى وجدت السيارة نفسها تغوص الى اعماق النهر بسرعة , لم تفلح معها عمليات الانقاذ في انتشال أحد , حيث ان ابواب السيارة الخشبية كانت قد شُدّت بحبال احترازا وتأمينا وحماية للصغار خشية انفتاح احد الابواب مصادفة وحدوث ما لا تحمدُ عقباه .
ذاع الخبر في ارجاء العراق من اقصاه الى اقصاه وانتشر كحريق في يوم ريح عاصفٍ .
غلّف الحزن حياة الناس ولفّ الجميع بثوبه المقيت وارتسمت على الوجوه علامات حزن كبيرة وانحبس الدمع في عيون الكثيرين .
اعلنت بغداد الحداد الرسمي لثلاثة ايام , ووصل المدينة موفدا من قبل الزعيم عبدالكريم قاسم وفد رسمي لتقديم التعازي لاسر وعوائل الشهداء .
ان ما دفعني للكتابة عن حدث تراجيدي يمتد تاريخه الى خمسة عقود خلت كهذا , ليس الموت المعلن او المفاجئ في كل حالاته وأشكاله, ولا المصاب الذي خطف ارواح اطفال بعمر الزهور . وانما اسلوب المعالجة التي اعقبت الكارثة وترتبت عليها . فلم يكد الاسبوع الاول على الحادث يمرّ حتى بدأت مديريتي الاشغال العامة والطرق والجسور بأجراء المسوحات وتحديد المقتربات لجسر حديدي , وقبل ان تنتهي اربعينية الضحايا بدأ العمل بطاقم يعمل اربعاً وعشرين ساعة في اليوم , وانتهى العمل منه بعد اربعة عشر شهراً .
ذكرتني هذه الحادثة واسلوب معالجتها السريعة دولاب الازمات الذي يطحن المواطن حدّ الانسحاق الان , وبالعوائل التي تفترش الارض وتلتحف السماء , ولا تجد من يستمع لأنينها .
ان ايقاع الشارع يتقاطع كلية مع النهج الذي اختطته الحكومة لنفسها . فالتجاذبات السياسية خلال هذه الاعوام التسعة تمثل شكلا من صراع المصالح والاجندات والتفافاً على القوانين والدستور الذي صاغوا مواده وابوابه , بحيث تفشت السرقة ونهب المال العام واهداره وحماية السراق واللصوص اصبح من مهام الحكومة وسياستها .
متناسية ومتشاغلة عن اوجاع شعب يئن منذ عقود .
رحم الله الزعيم عبدالكريم قاسم فقد كان انتماؤه الى فقراء هذا الشعب . كان يحس بأوجاعهم ويستمع لصراخهم وشكواهم .وكنت قد رأيته مصادفة اكثر من مرة بسيارته العسكرية يخترق شارع الرشيد الذي استحال بفضل السراق واللصوص والاحزاب الدينية واصحاب العمائم الى انقاض وخراب وهي تمر ببطئ , وكان رحمه الله يمد يده عبر نافذة السيارة يجمع بيده العرائض والطلبات التي كان يقدمها المواطنون له يستعرضون فيها احوالهم . فهل عمل المالكي المقيم في المنطقة الخضراء ما عمله الزعيم الذي شارك حزب الدعوة بالتآمر عليه واعدامه
الناصرية - خليل الفخري .






#خليل_الفخري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة ...! لا الحداد
- لكي لا نحرث في البحر .!
- لم يعد التاريخ مطيّة نركبها !!!
- أيها الجهلةُ والاميون ! أعيدوا للعراق وجهه الحضاري
- الشهيد عبدالكريم قاسم حضور دائم في الذاكرة وفي الضمير
- العراق في ظل حكومتي المالكي وعبدالكريم قاسم
- ولاية الفقيه , الوجهُ الاخرُ للاوتوقراطية !
- الحصاد المرّ
- العراق . طواحين الأزمات ما زالت تدور !
- الرهان الخاسر، مَن يلوم مَن !!!


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خليل الفخري - تراجيدية جسر الناصرية الخشبي