أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (2)














المزيد.....

بوح امرأة (2)


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 3838 - 2012 / 9 / 2 - 23:25
المحور: الادب والفن
    


أدركت أن رائحة السجائر تلاحقني، بل أكثر من هذا، رائحة الخمر أيضا، علي أن أزيل هذه الروائح النتنة، قبل الوصول عند إخوتي، علي أن أتطهر من الجريمة التي اقترفتها هذه الليلة، نعلت أمينة، و الخمارين، و الحانة، و ما يأتي منهم، لكني عندما تذكرت بأن أخي علي، غاب عن البيت، مدة طويلة، و عندما استفسرنا عن غيابه، و صلتنا أخبار كثيرة عنه، و من بينها، أنه غرق في البحر، نتيجة ركوبه ما يسمى بقوارب الموت، أراد أن يفر، أن ينجو مثلي، فوقع ما وقع، و من يدري أن أختي عائشة، وقع لها نفس الشيء؟!، نحن ننقرض واحدا تلو الآخر، هل سأنقرض بهذا الشكل؟ و هل أنتظر حتى تنقرض عائلتي كلها؟ هذا حل جزئي، أعتبره انقراض من أجل استمرار حياة الآخرين، خصوصا أختي فاطمة، لا أريدها أن تضيع، عليها أن تستمر طاهرة، و شريفة، إنها حرب مندلعة منذ فترة، يموت البعض من أجل يستمر البعض الآخر، توسط التاكسي الشارع فقلت:
- أنزلني هنا سيدي
ناولته أجرته، وهبطت مسرعة، أريد أن أصل في الوقت المناسب، كان الشارع لا يزال مكتظا بالمارة، و الحوانيت مفتوحة، تستقبل زوارها، مرسلة موسيقاها المختلفة، و كان علي أن أدخل إلى أول دكان، لأقتني عطرا، أزيل به تلك الرائحة النتنة التي علقت بي في الحانة أو الخمارة، توجهت بعد ذلك إلى إحدى المقاهي التي كانت تطهي اللحم، طلبت كيلو كفتة، ثم شواها إلي، و ضعها في كيس أبيض، بعدما تم تغليفها، بالألمنيوم، وفي نفس المكان، اقتنيت قليل من الزيتون الأحمر، و الأسود، و البطاطس المقلية، و الخبز، و مرق الطماطم، و بنفس الطريقة التي توجهت بها من الحانة،امتطيت إحدى التاكسيات، وقلت له:
- إلى درب الكلب
فرد بسرعة:
- إنه حي يصعب الدخول إليه، في هذا الليل، نظرا لعدم صلاحية سبله، سأنزلك في الشارع الكبير المحاذي له، أليس كذلك ؟
قلت:
- حسنا، أنا أيضا أريد أن أنزل هناك
انطلق التاكسي، و انطلقت معه أفكاري تجوب كل الاحتمالات: رد فعل العائلة، و ماذا سأفعل بعد ذلك؟ وهل أستمر في ذلك العمل المخزي، الذي يدل الإنسان إلى درجة التفاهة؟ أتذكر الفتيات الصغيرات اللواتي دخلن الحانة، و قمن بما قمت به أنا أيضا، شربن، و ضحكن، و اقتنين أجرتهن، و انصرفن، تماثلت معهن و قلت في خاطري:
- لست وحدي ، من يمثل هذا الدور
و بينما أسبح في همومي، توقف التاكسي
و قال السائق:
- هذا هو الشارع، إنه أقرب منطقة للحي
قلت له:
- شكرا
و قدمت له أجرته، و هبطت مسرعة إلى البيت، فتحت الباب، فوجدت أخوتي، و أختي، و كأنهم ينتظرونني بلهفة، غمغم عمر بصوت مرتفع كله حقد، و كراهية، و كأنه استعد لمعركة:
- ما هذا الوقت يا أنيسة؟ أين كنت؟
أجبت لأطفئ نار الغضب، الذي بدا لي من خلال وجوههم الكئيبة:
- وجدت عملا في أحد الفنادق، هل أكلتم شيئا؟ أحضرت لكم العشاء، هيا يا فاطمة أحضري الصحن لأضعه فيه
و بسرعة نهضت فاطمة من مكانها، عانقتني، و ارتمت على خدودي بصفعات حارة،و كأنها لم تراني منذ زمان، و هي تقول:
- مبروك .. مبروك
في حين بقي مصطفى في مكانه، و لم يجبني، لاحظت أن عينيه تميل إلى الحمرة، و أدركت أنه مخمور، لا جدوى من الحديث معه، في حين قال عمر:
- شغل، عمل، فندق ..أرينا ماذا أحضرت؟
سلمت الكيس لفاطمة، و انزويت في ركن من البيت، لأغير ملابسي، لأن الرائحة لم تنته بعد، لو لم تكن رائحة الخمر المتصاعدة من فم مصطفى، لأنكشف أمري، أما رائحة السجائر فهي تنتشر في الحجرة قبل مجيئي، ربما أن أحدا من إخوتي، أشعل سيجارته المعتادة، دون مراعاة لمن يتواجد معه، و أطفأ رمادها في كوب ما، التي تعودنا على تنظيفها من شظايا و رماد السجائر دائما، وضعت فاطمة الصحن، و رمت فيه الكفتة، ثم باقي المأكولات الأخرى، و جلس الكل فوق لحاف رث، ممزق من كل النواحي، كما جلس الصحن في الوسط، و انهال عليه الكل، و كأنهم يخطفون كنزا ظهر لأول مرة، جلست بجانب فاطمة، مضغت مضغتين، و انسحبت، و أنا أقول:
- أريد أن أنام، إني جد متعبة .



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبهامات لفقرات متقطعة (8)
- بوح امرأة (1)
- إبهامات لفقرات متقطعة (7)
- إبهامات لفقرات متقطعة (6)
- إبهامات لفقرات متقطعة (5)
- إبهامات لفقرات متقطعة (4)
- إبهامات لفقرات متقطعة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (1)
- صور من واقع مضى ! الصورة : 10
- اشتراكية العالم العربي أم ليبراليته؟
- صور من واقع مضى ! الصورة : 9
- صور من واقع مضى ! الصورة : 8
- صور لواقع مضى ! الصورة: 7
- صور من واقع مضى ! الصورة: 6
- صور من واقع مضى ! الصورة: 5
- صور من واقع مضى ! الصورة: 4
- صور من واقع مضى ! الصورة:3
- صور من واقع مضى ! الصورة:2
- قشرتا موز


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (2)