|
صور من واقع مضى ! الصورة:3
محمد هالي
الحوار المتمدن-العدد: 3749 - 2012 / 6 / 5 - 23:04
المحور:
الادب والفن
عشرون سنة، زمن، تاريخ علي هاشم كبهلول، أصبحا في خبر كان، حقبة جعلتني لم أعد أعرف ما أفعل؟ هل أتلذذ بالماضي أم أتلكأ بالحاضر، و أستمر في المسير لأجد حلولا للمستقبل؟ الماضي هو الماضي، أحداث وقعت، ذكريات جميلة و رائعة، على مستوى السيكولوجي تساعدني على حل الكثير من همومي، و مشاكلي، تنفيس لحاضري، أتذكركما، أتذكر كل فرد عاشركما، حقبة لا يمكن الاستهانة بها، ما أصعب أن تعيش حاضرك على حساب ماضيك، لكنه ماض في حاجة إلى الاستحضار، تجربة فريدة و مغرية، لأخذ العبر، ليس من المنظور السلفي، بل بطريقة أخرى، الحاضر لا يستقيم إلا بتجاوز أخطاء الماضي، تجاوز السلبي، و الاحتفاظ بالإيجابي، القطع مع الرديء و المتدني، و الاستمرار بالقوة، لأن كل حقبة قوة وضعف، سلب و إيجاب، تقدم و انتكاس، فلسفة الحاضر استمرار لفلسفة الماضي، الجديد يحمل بصمات الماضي،و يتجاوزه، جدل دياليكتيك الماضي و الحاضر، و المستقبل، الاستفادة من الماضي ضروري، حضوركما كتجربة ضروري أيضا، لا كحاضر بل كحقبة تاريخية، مهمة لنا، دروس و عبر للحاضر و المستقبل. في ذلك الماضي كنا في مكان لا يشبه الأمكنة، قبو، أو زنازين، باسم إقامات، نؤدي ثمنها من منحة لا تطعم ليوم واحد كلب أحد بورجوازيتنا، نتزاحم و كأن الازدحام ملزم لنا، قضينا عدة أيام تساءلنا عن أصل و فصل، هذا المكان، كل واحد منا أبدى موقفه، كونتاكينتي، تحدث بمرارة امتزجت فيها المعاناة، مع سمرة اللون: - جئت من مكان بعيد، لا أملك نقودا كثيرة، لكنني أريد أن أستقر لأستعد للدراسة في ظروف ملائمة، التجأت لهذا المكان بعدما لم أجد بديلا عنه، لازلت أتذكر الكيفية التي دخلت بها، أول شيء أثار انتباهي هو تلك القاعة الزجاجية التي تستقبلك عند الدخول، لم أعرف دورها في تلك اللحظة، إلا بعد أن التقيت بكم، فهمت أنها وضعت لضبط لداخل و الخارج من الثكنة، خصوصا المشاغبين منهم، كما تسميهم الأجهزة المتحكمة في تسيير هذا الملجأ. صمت قليلا، و تابع بصوت مرتفع كالعادة: - ما إن تسلمت الأغطية، و توجهت إلى الرقم المحدد لي في الورقة، أدركت أن المكان لا يليق بالطلبة، صناديق للنوم، محشوة في قاعة كبيرة، توحد أربعة و عشرين نفر، اثنا عشرة فرد معلقة في أسرة في الأعلى، و اثنا عشرة في الأسفل، علي أن أتقبل حظي السيئ، مادمت لم أجد خيارا آخر. تجهم وجه بهلول، كأنه يحمل تاريخا طويلا من الشؤم و الغم، و أبدى وجهة نظره: - هذا المكان وضع خصيصا لنا، نحن أبناء الكادحين، ليضاف إلى مقتنا، لأنه يحمل من البؤس ما تحملناه في واقعنا المزري، حسب علمي الأولي، أن هذا المكان كان عبارة عن ثكنة عسكرية، حول إلى مكان يقطنه الطلبة، لهذا فهو يلعب دورين أساسيين: إنه يغطي الخصاص الذي يستفز الدولة في عدم قدرتها على توفير مكان للطلبة الذين يحتجون مرارا عبر معاركهم لتحقيق هذا المطلب، و من جهة أخرى هو مكان بسيط يعفيهم من الإكراهات المادية التي يتطلبها تشييد إقامة للطلبة في المستوى تليق بالتحصيل العلمي. و بابتسامة كلها سخرية و استهزاء عبرت علي هاشم : - نحن الفقراء يلازمنا الازدحام دائما، هذا هو قدرنا، إننا نشم عطر بعضنا نأكل ما تطبخه أيدينا لا تيأسوا فوجودنا هنا مكسب لنا، لماذا الخوف؟ و القلق؟ نتشبت بالحياة، رغم هذه القسوة الزمن ليس زماننا، ابتسموا، و اضحكوا، و لنتوجه للمستقبل بعيون متفائلة، سننعم بالرخاء، و الازدهار، و تبقى هذه الفوضى مجرد ذكريات تسجل ضمن مآسينا الكثيرة. الثكنة لا تعبر عن خصائص الوجود، الأوساخ، و الروائح الكريهة، تنبعث من كل مكان، أربعة و عشرين فرد يستنشقون هواء بعضهم البعض، روائح أمعاءنا تختلط بروائح جواربنا، و أحذيتنا، تتخللها موسيقى الرفض و النسيان، كل واحد يستمع لموسيقاه، الرديء يعارض الملتزم، صوت مارسيل خليفة و الشيخ إمام يتقاطع مع أصوات ما يعرف آنذاك بالشعبي و الغربي، لكن الجوع هو الجوع، نأكل قوت بعضنا البعض، نتقاسم الماء و الهواء و الفيتامينات، معتقلون بلا محاكمة، زنازين باسم الأجنحة، العوز يسري في كل ذات، نرأف ببعضنا البعض، نتعايش لتستمر الحياة، نتكالب على كل لقمة كم هو ماض كئيب و حزين. أتذكر حدثا طريفا، كنا أكثر من نفر ينهشنا الجوع، في ساحة مملوءة بعناوين نقرأها و نستهزئ، في كثير من الأحيان، "حافظوا على نظافة حيكم" أزلنا بتصوراتنا و تخيلاتنا نقطة من الياء و أصبحنا نقرأها "حافظوا على نظافة حبكم" كنا أوفياء لهذا الشعار، أصبح الحب يسري في عروقنا، نتعاطف مع بعضتا، لأننا نتقاسم نفس الهموم، و المشاكل، أخرجت لنا مجموعة من الطالبات صحن فيه حساء، وضع في مكان ما، ازدحمت أجسادنا و تطاولت أيدينا، في لحظة ما، انتهى الحساء، كأنه لم يكن بعد، فصاح أحدنا: - تأملوا معي هذا الصحن، الفارغ، لو أحضرنا أقوى قط في الشم لا يمكنه أن يعرف ماذا أكلنا؟ ضحكنا جميعا عن هذا التعليق، و تقبلنا الجوع من جديد، التوت أمعاءنا الفارغة المملوءة بالهواء، هذه الأخيرة ستتحول بالتأكيد إلى روائح نستنشقها أتناء النوم، نتعاون أكثر في تلويث بعضنا البعض، أحذية و جوارب و هواء الأمعاء، تتلاقح الأشياء، لتستمر الحياة، إنها قصص و حكايات، تتناثر ، مجموعات تتآكل لتأكل، أواني و صحون تتحرك، نيران تشتعل في أمكنة تتقارب، تعلو روائح الطبخ و تنتشر، في كل بقعة موقد، و بجانب كل سرير تغلي القدر، كل أربعة أسرة تنتظر أكلها، الكل يتمتع بالروائح النتنة، روائح الخضر المسلوقة تلتقي بروائح القطاني، جوع هو يتفشى، و روائح تتمدد بتمدد الأفراد، . القاطنون هم القاطنون، فئات تتعدد بتعدد المشاكل، و الحلول تختلف: منهم من التجأ إلى تناول الخمر و الصراخ، ومنهم من التجأ إلى تشكل فرق للطنطنة و الصياح، عبر ترديد بعض الأغاني السائدة، و منهم من رأى أن هذا الوضع سياسي، و لا يحل إلا عبرها، و بدأت تخطط لكي لا تبقى الفاقة متفشية، و الحلول الفردية هي السائدة، المشكل عام و ينبغي أن يحل بشك جماعي. - ماذا سنفعل؟ لا مناص لنا سوى أن تنتقل تجمعاتنا و ترفض ما هو مفروض علينا، تحتج على وضعنا، وضع لا يطاق، و لا يحتمل، لأنه يلاحقنا أينما وجدنا، الفقر هو الفقر، بأحزانه و مآسيه، و في كل رفض نحاصر و نستفز، لا يعنينا ذلك، الموت يقترب منا، و نحن نردد: - "القمع لا يرهبنا و القتل لا يفنينا...." و نستمر نبحث عن الحياة، من داخل الموت.
#محمد_هالي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صور من واقع مضى ! الصورة:2
-
قشرتا موز
-
صور من واقع مضى ! الصورة:1
-
من سمح لهم بذلك ؟ !
-
سياسة الإعداد أم اعتدال السياسة؟
-
عدالة المساواة، لا عدالة الإنصاف
-
وجهة نظر في -الربيع العربي-
المزيد.....
-
سكان وسط أثينا التاريخية منزعجون من السياحة المفرطة
-
أول روبوت صيني يدرس الدكتوراه في دراسات الدراما والسينما
-
قنصليات بلا أعلام.. كيف تحولت سفارات البلدان في بورسعيد إلى
...
-
بعد 24 ساعة.. فيديو لقاتل الفنانة ديالا الوادي يمثل الجريمة
...
-
-أخت غرناطة-.. مدينة شفشاون المغربية تتزين برداء أندلسي
-
كيف أسقطت غزة الرواية الإسرائيلية؟
-
وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما
-
الدراما العراقية توّدع المخرج مهدي طالب
-
جامعة البصرة تمنح شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية لإحدى
...
-
الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|