أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية















المزيد.....

ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1113 - 2005 / 2 / 18 - 12:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نزعم أن أخطر أدواء الخطاب السائد في منطقتنا، والذي يرجمنا به المتصدرون لأبواق الإعلام ومواقع السلطان، هو الربط بالترادف بين الواقعية والانهزامية، فهؤلاء ومنذ عنتريات ناصر الشهيرة، ومن ساروا على نهجه، من بعثيين وأصوليين - وإن كان الأخيرون قد تفوقوا بالخروج تماماً على المنطق والتاريخ - يدفعوننا إلى الصدام مع حقائق الواقع، لنندفع نحو ضرب رؤوسنا في الحائط، فنبكي ونولول من ظلم قوى القهر والاستكبار، وإذ نجبن عن مواجهة الواقع، ونعجز عن المراجعة النقدية واستخلاص العبر مما لحق ويلحق بنا، نلعق جراحاً لم تندمل من فرط ما تقيحت، ونعد أنفسنا بمزيد من الجراح والفشل، حين نؤكد أننا على الدرب سائرون، ويتمادى البعض في حماسه، ليؤكد أننا سنناضل إلى آخر قطرة دم في شريان آخر رجل منا!!
ولكي نبرر لأنفسنا هذا الغباء منقطع النظير، والذي حرمت من مثيله الحيوانات، تلك التي وسيلتها الوحيدة للتعلم هو التجربة والخطأ، فلا تقرب طعاماً أو طريقاً سبق وآذاها، اخترعنا ما نستند إليه في تخشبنا وتحجرنا، فكان أن صككنا ما سميناه بثوابت الأمة، تلك الثوابت التي تقيأتها قريحتنا ونجرسيتنا، في غيبة أزلية للقدرة على استقراء الواقع منطقياً، غير مستندين إلا لأكثر تفسيرات التراث والتاريخ تحجراً ولا عقلانية، دون حتى أن نعطي أنفسنا فرصة لنتأمل، ماذا سنجني من بعض ثوابتنا هذه، وإن كانت ستعود علينا بالخير أمر الشر المستطير!!
فلنتوقف قليلاً عند مسألة "ثوابت الأمة"، قبل أن نتعرض لما نتج عن التشبث بها، من ربط لا منطقي بين الواقعية والانهزامية، فالثوابت المعنية يفهم منها أنها الحد الأدنى المقبول من الأمة، والتي لا تستطيع الحياة أو الاستمرار بدونه، وإلا فقدت كيانها الأدبي، وربما المادي أيضاً، ومن المفروض والأمر هكذا، أن تكون هذه الثوابت ضمن نطاق المستطاع الواقعي، وإلا يكون الإصرار عليها من قبيل الانتحار، ذلك أن من المفهوم – ولو إلى حين – أن يكون لفرد أو لأمة طموحات عليا، قد يراها البعض غير واقعية، وهذه يمكن مع الأيام والجهد إدراكها، أو الانصراف عنها دون غضاضة، مادامت تندرج ضمن الحدود العليا للطموح، بمعنى أنها ليست شرطاً ضرورياً لبقاء الفرد أو الأمة بقاء أدبياً أو مادياً، أما الثوابت المدعاة فلابد (لا محيص!!) من أن تكون واقعية، وإلا فهو الفناء مصير حتمي.
إذا كان من حق، بل وواجب كل فرد أو أمة، تحديد " حداً أدني " لما يقبل به ويصر على تحققه، في علاقاته الداخلية والخارجية، فهل يتفق هذا المفهوم مع مفهوم " ثوابت الأمة "، بمعنى هل من المقبول الحديث عن " ثوابت "، في عالم – أو كون – لا يعرف الثبات، فالأرض تحت أقدامنا متحركة، والأجرام في سماواتنا حالما ترصدها عيوننا تكون قد غيرت موضعها قبلها بسنوات، فعن أي ثبات نتحدث، وأني لنا دون سائر الخليقة من جماد وأحياء، تحقيق هذا الثبات المنشود؟!!
لنتفق إذن أن هنالك في حياة الأمم والأفراد "حداً أدنى" لا يجوز التنازل عنه، على ألا يأخذ شكل الثوابت الأبدية، المفارقة لصيرورة التاريخ، إذ يتحتم مراجعتها دورياً، للتأكد من ارتباطها بالمرحلة الحضارية الراهنة، لا أن تكون مرساة تنتزعنا من قطار الحضارة المسرع في طريقه.
الأمر إذن لا يتعلق فقط بمدى إمكانية المحافظة على هذه الثوابت من عدمه، وإنما بالدرجة الأولى بالتحقق مما ستجلبه علينا لو نجحنا في تحقيقها.
ورغم مغادرتنا للعالم البطلمي الساكن، والذي تدور فيه الشمس وسائر الأجرام حول أرضنا الثابتة، إلى عالم كوبرنيكوس المتحرك إلا أن ما يمد فكرة الثبات بالدماء المتجددة عبر العصور، هو الفهم الجامد للأيديولوجيات والعقائد الدينية، وأصحاب مثل هذا الفهم هم المسئولين – تجاه أنفسهم بالدرجة الأولى – عن الموائمة بين ما يعتقدون من صلاحية لعقائدهم لكل زمان ومكان، وما يرونه حولهم من عالم مؤسس على التغير لا الثبات، فالمفترض في المعتقدات، سواء كانت علمانية أو مقدسة، أنها مناهج لتأسيس علاقات ونمط حياة، يحقق السعادة والنجاح للإنسان، أي إنها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، فالخلط بين الوسيلة والغاية خطيئة متكررة للإنسان، فإذا رأيت أن وسيلتي (عقيدتي التي أؤمن بصحتها المطلقة) لا تحقق النتائج المرجوة منها عند التطبيق الواقعي، علي أن أرجع لتفسيراتي لمرجعياتي النصية، لفهمها فهماً جديداً يتواكب مع روح العصر، ليس من باب التراجع أمام المستجدات، وإن كان مشروعاً، ولكن احتراماً وتحقيقاً للمقاصد العليا لهذه العقائد، أو ما نسميه النتائج التي وُجدت هذه الوسائل (العقائد) لتحقيقها.
نأتي الآن إلى ما رصدناه من خلط بين مفهوم الواقعية ومفهوم الانهزامية، إذا فهمنا الواقعية بأنها استسلام للأمر الواقع، والكف عن السعي لتغييره، لتحقيق واقع أفضل يحقق لنا ما نصبو إليه، فإنها فعلاً انهزامية بائسة، لو أخذ بها الإنسان ما تقدم خطوة واحدة في مسيرة تحضره، أليست الأحلام والإصرار على تحقيقها هي المنارة التي هدت الإنسان طوال تاريخه، نحو تحقيق أهدافه والسيطرة على مقدراته، وتسخير كل ما تصل إليه يداه، لتحقيق سعادته وغاياته؟!
إذا كان ذلك كذلك، على إطلاقه وعلاته، فإن المنادين بالواقعية الآن في عالمنا العربي هم مجموعة من الخونة والعملاء، يريدون تركيع الأمة أمام أعدائها، ومنعها من تحقيق ذاتها، لحساب من يعملون لصالحهم من قوى إمبريالية وصهيونية!!
هذا ما يقول به أحباؤنا الأشاوس والصناديد، سواء الجالسون على كراسي الحكم، أو الممسكون بأبواق الإعلام، وأقلام التزييف والتضليل الغوغائية!!
الواقعية لا تعني الاستسلام للأمر الواقع، ولو كان المنادون بالواقعية يعنون ذلك، للزم منطقياً أن يستسلموا هم للواقع المتردي في منطقتنا الآن، ويقبلوا حالة التخلف واللاعقلانية والعداء للآخر المتفشية في شرقنا الكبير!!
والأحلام والرؤى الساعية لتغيير الواقع نحو الأفضل، لا يمكن أن تكون مفارقة للواقع وحقائقه وإمكانياته، وإلا كانت ضياعاً وغيبوبة لا نهاية لها، إلا فناء المصر على التمسك بها على مستوى الفعل، وليس مجرد التسلي أو التلهي بإطلاقها في الفضاء، والانصياع إلى حقائق الواقع في الممارسة العملية، ولكن في تكتم وشعور داخلي بالذنب والتغصب، وهو أيضاً ما لا تحمد عقباه!!
الواقعية تشمل الإقرار بالأمر الواقع والسعي لتغييره معاً، والأحلام والرؤى الصحية (الواقعية) هي التي تستند لمقومات متواجدة في الواقع بالإمكان، وتشمل مقومات مادية (غير موظفة التوظيف الأمثل)، ومقومات أدبية من فكر وإرادة قادرة على التغيير، فلا يدخل في الأحلام الواقعية مثلاً المطالبة بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى مواطنهم الأصلية قبل عام 1948، مستندين في دعوانا إلى مجرد حيثيات قانونية وتاريخية جزئية وتعسفية تماماً، متجاهلين أو ضاربين عرض الحائط بالتغييرات التي حدثت على أرض الواقع بامتداد القرن العشرين عموماً، وفي النصف الثاني منه خصوصاً، ومتجاهلين كذلك اتجاه حركة الواقع العالمي، وموازين قواه، وقيمه المعاصرة، "فواقعية الأحلام والرؤى" تحتم أن تتصف بالاتساق مع اتجاه حركة الواقع الإنساني الآني والمستقبلي، لا أن تكون أحلاماً ارتدادية تضع صاحبها في تصادم مع العالم أجمع، كما هو حادث الآن في شرقنا من تفشي أحلام الدولة الدينية والحروب الدينية، والتعصب القومي الفاشي، الذي حكم عليه التاريخ بالاستئصال.
لا نقول إذن بالواقعية بمعني الاستسلام أو الكف عن الأحلام والسعي لتحقيقها، ولكننا ننادي بأن نراجع ثوابتنا وأهدافنا وأحلامنا، ونقوم بعمليات تعديل وحذف وإضافة، بحيث تتفق وتتناغم مع حقائق الواقع واحتمالاته المستقبلية، وإذا كان من حق البعض أن يصروا على ضرب رؤوسهم في الحائط، فليس من حقهم جر شعوب جعلت منهم رواداً وصفوة لها، إلى الهلاك والاندثار.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستنقع الكذب وضبابه
- فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
- الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
- البعض يريد كليباً حياً
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2
- الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
- المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
- حوار مع صديقي الملحد
- غلب حماري
- خواطر من عرس ابنتي
- ليس رداً على صنديد العروبة عبد الباري عطوان- العراق وفلسطين ...
- هموم مشرقية 2 - تقييم الذات بين الحقيقة والادعاء
- الفتاوي القرضاوية ومصير العقارب
- !شيراك يا سادة يغوص في الوحل، فهل من مغيث؟
- القتل أقصر طريق إلى الجنة
- هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة


المزيد.....




- مصدر لـCNN: مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بش ...
- -من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن-
- بيلاروس تجري اختبارا مفاجئا لحاملات الأسلحة النووية التكتيكي ...
- زاخاروفا: روسيا قد تضرب أهدافا عسكرية بريطانية في أوكرانيا و ...
- بوتين يؤدي اليمين لولاية دستورية جديدة
- تقارير إعلامية تتحدث عن آخر النقاط الخلافية في مفاوضات غزة
- بوتين يتوقف أثناء مراسم تنصيبه ليصافح ضيفا بين الحضور.. فمن ...
- ضابط بريطاني: الأسلحة الروسية مصممة لإسقاط مقاتلات مثل -إف-1 ...
- وزير الدفاع المصري يبحث مع قائد القيادة المركزية الأمريكية ا ...
- وسائل إعلام: الزعماء الأوروبيون يشعرون بالرعب من التصعيد في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية