أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس














المزيد.....

وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3729 - 2012 / 5 / 16 - 06:05
المحور: الادب والفن
    


أكتُبُ وأنا أعلمُ جازِماً أنَّ كلمتي قاتِلتي، أنَّ الموتَ يُعاصِرُ كُلَّ الطاوِلاتِ التي يفترِشُها مشروع انفجارٍ مكتوب، مُتجاهِلاً أنّ كُلَّ طاوِلَةٍ عاشرناها قدْ ادمنتْ اختِلاس النظرِ إلى خيباتِنا المُتوارية، كُلّ المقاعِد المسكونة بأزيزِ الجُمَلِ الملغومة التي أشعر ُ اليومَ أنها هي التي كانت تستَرخي عليَ لِتؤرّخ وقائِع موتي الغير مُعلَنة، كُلَ الفناجينِ الموبوءةِ بِبقايا قهوةٍ سوداء مُرّة وطالِعٍ استعصى على غجريتي الشَرِسة، كُلَّ مِنفَضَةٍ عاكسَتها أعقابُ سجائِري التي لِفرط شرودي لم أوفيها حقّها منْ قُبلِ النيكوتين المُتراكِم في نِهاياتِ اعصابيَ القَلِقة.
موتُ الكاتِبِ قدْ يسكُنُ المسافة بينَ نَصل الدواةِ وبياض الورقة، لأنّه مُعرضٌ دائِماً كُلَّ ذاتِ قُنوطٍ ومساءٍ حزينٍ لأعراضِ السأمِ المُفاجئِ مِن إيقاعِ رَقّاصِ الحياة وَرتابَةِ التَنفُس المُمِلّة، فيُسارِعُ إلى إلقاءِ حِملِهِ الأخيرِ مِن مِسوداتٍ غيرِ مُنجَزة - كأيِ بَغلٍ مُهذّبٍ نبيل – ليقتَحِمَ التاريخِ والجحيمَ عبر التصرّف الجبانِ الوحيد الذي يُخلّد صاحِبه، أن يُلقي بِنفسِهِ من أعلى شُرفَةٍ للخيبة، يُحطّم على ارصِفة اليأس راساً يستمرُّ بعد تهشُّمِهِ في إثارة التساؤل والحيرة، أهو الحَلُّ أم المُشكِلة؟ رَغبةُ كَبتَها إدمانُنا المرَضيُّ على الفشل، ولكمْ هو مُفجِعٌ وفظيعٌ أنْ نُدمِن إخفاقاتِنا المُتكدّسةِ على بواباتِ أعمارِنا بآثارها الإنسحابيّة المُدمّرة عِند كُلّ محُاولةٍ خائِرة في الإقلاع، كُلُّ انتكاسَةٍ في برنامج العلاج هذا تعني شراهةً مُتزايدةً لِجُرعةِ فَشلٍ أكبر!!
الكاتبُ هو الوحيد على وجه البسيطة الذي لا يُجيدُ دور النَذْل، لا لأنهُ غيرُ مُستعدٍ لهكذا انحدارٍ مُروّعٍ في الأخلاق، بل لأنّ غيره استهلكوا هذا الدور واستنفذوه حتى آخر قطرة لؤمٍ وحقارة، قدْ يكونُ ماجِناً، خليعاً، مُتهتكاً، مُمتطياً صهوة أوطأ نزوةٍ عابرِة، لكنّهُ وهو المطعونُ كثيرانِ الماتادور بألفِ رُمحٍ وبِضعةِ ميتاتٍ غيرِ مُنفّذة، لا يستطيعُ التنكُرَ لِقدرهِ المشؤومِ ككاتِبٍ حلّتْ عليه لعنَةُ الشهادةِ على الواقعِ، بِعيونٍ تُخاصِم الإغماض.
رُبما يُضطرُّ إلى قطع معصمِ قلمِهِ، إلى نحرِ محبَرَتِهِ كيما يُطلِق في دروبِ الحياةِ ما يستحقُّ محاولة الانتحارِ هذِه، فأنتَ ولكي تسمح لخيوطِ الشمسِ أنْ تطأ رقبة الظلام الصامِتِ الذي راحَ يُغلّفُ الكون بِما يُشبِهُ الشرانِقَ اللزِجةَ الباعِثةَ على الغثيان، عليك أنْ تُقدّمَ طمأنينتكَ الذاتيّة قُرباناً على مذبح الصخب المُشاكِس وتصنع أثناء تعبُدِكَ ثورةً، ثورتانِ، او رَبيعاً مِن الثورات.
والقبضُ على كاتبٍ هو اسهلُ بكثيرٍ منْ اصطيادِ فَرَاشة، فليس ثمّةَ داعٍ لِتعثُرَ عليهِم بل ستتعَثّرُ بِهم، في المُنعَطفات الجائِعة والأرصِفة المُترِبة ونواصي المَقاهي ومتاهاتِ البؤس والحِرمان والعدم، مُحلّقينَ مبثوثين تكادُ العينُ لا تُخطِئُهُم، تكفي مؤامرةٌ صغيرةٌ يحيكُ خُيوطَها الحمقاءَ صعاليكٌ من الخط ما بعد العاشِرِ لآلة القمع والخَلع في أيّ عاصِمةِ رُعبٍ عربيّة، وبرشامةً او اثنتينِ لحفنةِ ماجورين عاطلينَ عن الفضيلة لِتُجرجِرَ في ظرفِ دقائِق نصف دزينةٍ منَ الكُتّاب الذين سمحوا يوماً لأحداقِنا أن تتَسِعَ مذهولَةٍ بالكلمةِ حين تخترقُ جِدار الجمال، تقتادُهم مخفورين لأقربِ سردابٍ يُخاصِمُ الضياء والنور مُنذُ خُلِق، وهُناك، حيثُ الفظائِعُ مكرَمةُ الوطن لأبنائهِ باسم الدواعي الأمنيّة، وحيثُ الحياةُ في رِبقةِ سوطٍ وسجّانٍ، تستطيعُ ممارسَةَ ما وراءَ قناع البشريّةِ من تدحرُجٍ ورُخصٍ وانحِطاط، تستطيعُ أن تُطلِق لساديتِكَ العَنان، لكن تأكد أنّكَ لن تنتَزِعَ من كاتِبٍ أكثرَ من اعتِرافٍ بِدناءتِك!!
الكتابةُ في أزِقّة الخوف العربيّ هي بِحقٍ عملٌ قِتالي بِمعناهُ الحَرفي، "عملُ انقلابي" كما قالَ احدُ الكُتّاب المغضوِبِ عليهم، عملٌ ينطوي على مستوى مُجازفةٍ لا يَقِلُّ عن الهلاكِ، عملٌ يَترُكُكَ مُحتاراً بينَ أن تقضي بِرصاصةٍ مكتومة الغَدر، او شُحنةٍ ناسِفةٍ لقّنوها فُنون الالتصاقِ وبرمجوها لتحتَضِن الغافِلينَ من عُشّاق الكَلِمة المُتمرّدة، أن تكون كاتِباً معناهُ أن تكونَ جُثّةً مؤجّلةَ الموتِ أو موتاً اضاع جُثّته، أن تسرِقَ من وقتِ موتِكَ الضائِع بُرهةً تسقي فيها الكلمات التي أزهرتْ خِلسةً تحتَ شُرفةِ الإرهاب والمُطاردة ومنع التجوال المُزمِن، وفيما يتسَلّحُ سِواكَ بِالقَدّ والقَديد والأشواكِ والرَصاصِ والحَديد، تَقِفُ انتَ تواجِهُ قَسوة الفولاذِ بِهشاشة الكلِمة، وفي نِزالٍ كهذا يرفُضُ فيه التكافؤُ أن يُشارَ لأسمِهِ ولو تلميحاً، عادةً ما تُطِلُّ المفاجآتُ بِرؤوسِها، حين تَدومُ الكلِمة الشُجاعةُ باغتيال ابيها، مُبدِعِها وكاتِبِها... ويزولُ الطُغاة مُثقلين بِخطيئةِ دَمِه.



ليث العبدويس – بغداد – [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوري.. نوزاد.. وحُلُم الأكراد
- قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس