أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)















المزيد.....


ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3720 - 2012 / 5 / 7 - 18:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من هو الماركسي الشيوعي ؟ .. الماركسي هو من يدرك ميكانزم النظام الدولي القائم كما النظام المحلي، ويوصف المرء بالماركسي لأن ماركس كان أول من بيّن كيف يمكن إدراك مثل هذه الميكانزم المعقدة، كيف تعمل ومما تتركب؛ بالطبع ليس ماركسياً من يقصر في إدراك مثل هذه الميكانزم على حقيقتها حتى وإن وصف نفسه بالماركسي، وما أكثر هؤلاء اليوم بصورة خاصة بعد انهيار المشروع اللينيني المتجسد بالاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية. والشيوعي هو الميكانيكي الذي يسهر على عمل هذه الميكانزم وتفعيل إدائها الذي لا بدّ وأن يؤول إلى الشيوعية. ومن هنا يمكن القول أن الشيوعي لا يمكن أن يكون شيوعياً حقيقياً قبل أن يكون ماركسياً حقيقياً.
تعرضنا هنا تحديداً لتعريف كل من الماركسي والشيوعي كي نبيّن بصورة قاطعة كيف يمكن ألاّ يعود الماركسيون الشيوعيون ماركسيين شيوعيين في حالات مختلفة.

ليس ثمة من شك في أن الشاب كارل لو لم ينتقل من دراسة القانون في بون إلى دراسة الفلسفة في برلين لما أصبح الأب المؤسس للعلوم الماركسية كما نعرفها اليوم. في برلين تعرّف الطالب الشاب كارل ماركس على ديالكتيك هيجل وعلى مادية فيورباخ وهو ما أهله لأن يقفز قفزة تاريخية للخروج من دائرة الفلسفة الكلاسيكية التي تقوم على التخمينات (Speculations/Contemplation) إلى دائرة العلوم المحكومة بالقوانين العلمية الفيزيائية المتأصلة جميعها في القانون العام للحركة في الطبيعة، قانون الديالكتيك بصورته المادية المعروفة. العبقري الشاب كارل ماركس استطاع أن يدفن كل الفلسفات القديمة بل كل ما يسمى بالفلسفة لتستبدل بقانون الديالكتيك. ليس هذا فقط بل اكتشف هذا العبقري أن كل الوجود بمختلف تجلياته بما في ذلك الحياة نفسها إنما هو تمظهرات متباينة للديالكتيك. بفعل الديالكتيك الذي لا يسكن للحظة تتطور كافة أشياء الطبيعة وتنتقل من حالة إلى أخرى. على هذا المنوال يتقدم التاريخ وتتطور المجتمعات البشرية، التي تتشكل بعصبة الانتاج (علاقات الانتاج) التي تحفظها في الحياة، بفعل الديالكتيك التبادلي بين أدوات الإنتاج من جهة والإنسان المنتج من جهة أخرى وأن هذا التناقض المتطور باستمرار سينقل المجتمعات الرأسمالية إلى الشيوعية. وهكذا صاغ ماركس ورفيقه إنجلز البيان الشيوعي الشهير (Manifesto) في العام 1848 حين كانت أوروبا الغربية، ألمانيا وفرنسا، حبلى بالثورة.

في العام 1864 شكل ماركس وإنجلز الأممية الأولى بهدف القيام بثورة بروليتارية عالمية مركزها أوروبا الغربية تنقل العالم من المجتمع الرأسمالي الفتي إلى المجتمع الاشتراكي فالشيوعي؛ وكانت تجربتها الأولى في كومونة باريس في العام 1871 حيث كشفت تلك الثورة العمالية عن عيوب خطيرة لدى البروليتاريا الفرنسية والبروليتاريا العالمية بصورة عامة. انتهت كومونة باريس إلى الفشل خلال شهرين بسبب أن قيادتها من البلانكيين والفوضويين لم يكن لديهم من علم الثورة وعلم السياسة ما يكفي لإرشادهم إلى سواء السبيل، أي أنهم لم يكونوا ماركسيين. الدرس الذي تعلمه ماركس من فشل كومونة باريس قاده إلى حل الأممية الأولى بسبب تدني الوعي لدى البروليتاريا واحتشاد الفوضويين والبلانكيين في قيادتها. حل الأممية في العام 1873 ولم يعد المحاولة خلال السنوات العشر التالية قبل أن يرحل.

في العام 1889 رأى إنجلز، الرفيق الأمين لماركس، أن أحزابا اشتراكية ديموقراطية كبرى تنتهج النهج الماركسي قد برزت في معظم بلدان غرب أوروبا، مركز العالم آنذاك، فغدا من الممكن تشكيل أممية بروليتارية عالمية تنجز التحضيرات والاستعدادات للثورة الاشتراكية العالمية. تشكل حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي الروسي (RSDLP) ـ الشيوعي فيما بعد ـ في العام 1898 وانضم إلى الأممية الثانية في العام 1903. في اجتماعها العام في شتوتغارت/ألمانيا 1907 اتخذت الأممية الثانية قراراً باقتراح من لينين يقضي بقيام الأحزاب العمالية الاشتراكية الأعضاء في الأممية بثورة والاستيلاء على السلطة حال إعلان الدول الرأسمالية في أوروبا حرباً استعمارية يلوح شبحها في الأفق. وفي اجتماعها في بازل/سويسرا 1912 اتخذت الهيئة العامة للأممية قراراً يقضي بقيام حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي في روسيا بالقيام بالثورة البورجوازية حتى النهاية نيابة عن البورجوازية الروسية الهشة والضعيفة في مواجهة القيصرية والاقطاع؛ كما اتخذت قراراً آخر بدفع من الرئيس كاوتسكي ينسخ قرار شتوتغارت ويسمح للاشتراكيين بالدفاع عن "أوطانهم" في مجرى الحرب وهو ما يعني أن يقتل الاشتراكيون الألمان الاشتراكيين الفرنسيين والروس والعكس صحيح أيضاً. إذاك انسحب البلاشفة من الأممية وتركوا المناشفة فيها. شاركت أحزاب الأممية الثانية في الحرب ففقدت بذلك كل أرضية مشتركة بينها ولذلك قررت حل نفسها في العام 1916. كانت الحرب العالمية الأولى من أصعب الحروب نظراً لتعادل القوتين المتحاربتين وكانت الجبهة الروسية هي الأضعف مما مكن ألمانيا من احتلال أوكرانيا وبلروسيا وباتت جيوشها على أبواب موسكو وبطرسبورغ مما استدعى البورجوازية القيام بثورتها والاستيلاء على السلطة في فبراير شباط 1917 لتحقيق برنامج سياسي يتكون من ثلاثة بنود وهي الانسحاب من الحرب عن طريق عقد صلح مع ألمانيا، والإصلاح الزراعي، واستدعاء جمعية تأسيسية منتخبة تضع الدستور الجمهوري. الحكومة البورجوازية المؤقتة التي استلمت السلطة إذّاك رفضت الانسحاب من الحرب بل تورطت فيها أكثر ولم تنفذ البندين الآخرين في برنامج الثورة وهو ما دفع بالبورجوازية الثورية قبل العمال والفلاحين لأن تطالب البلاشفة بالإطاحة بالحكومة كونهم الحزب الوحيد القادر على ذلك (240000 عضواً) وإنقاذ البلاد من خطر تقسيمها وقد راجت معلومات تقول أن ألمانيا وبريطانيا تجريان اتصالات سرية مستهدفة تقسيم روسيا بين الطرفين ـ وطالما أن الشيء بالشيء يذكر ففي أغسطس آب 1939 إقترح هتلر على ستالين أن يقتسما بريطانيا ومستعمراتها لكن ستالين تظاهر أنه لم يسمع الاقتراح. انتفض البلاشفة واستولوا على السلطة في 7 نوفمبر 1917 وكان لينين على وعي تام بمقتضيات المرحلة وأولها تحقيق كامل بنود الثورة البورجوازية. في صبيحة السابع من نوفمبر طلب لينين من كافة الأحزاب المتواجدة على الأرض حتى حزب الديموقراطيين الدستوريين (الكاديت) المؤيد للرأسمالية الإشتراك في حكومة الثورة وهو ما يدلل بصورة قاطعة على أن البلاشفة لم يكن في واردهم بناء الاشتراكية قبل أن تقوم الطبقة البورجوازية مدعومة بمختلف قوى الرجعية بشن حرب إبادة على الشيوعيين. أما وقد سعت البورجوازية إلى حتفها بظلفها فليس مطلوباً من لينين والبلاشفة خلق طبقة بورجوازية جديدة معادية لهم بعد أن تكبدوا خسائر هائلة في الحرب الأهلية على أيدي تلك الطبقة البائدة.

بعد أن تم الإجهاز على القوى المعادية للبلاشفة لم يبق من خيارات أمام لينين سوى الإنتقال إلى الثورة الاشتراكية فكان أن دعا مختلف المنظمات الإشتراكية في أوروبا والعالم إلى الإجتماع في موسكو في الثاني من مارس آذار 1919 وأعلن أمامها انتفاضة أكتوبر كثورة اشتراكية عالمية تستلزم من الاشتراكيين الشيوعيين في مختلف أرجاء الأرض أن يشكلوا أحزاباً شيوعية تساهم في تحقيق انتصار الاشتراكية على الصعيد العالمي. ولنا هنا أن نسأل أولئك الذين يصفون لينين بالمغامر حيث أعلن الاشتراكية في غير مكانها وزمانها، نسألهم عمّا كانوا سيقترحونه على لينين حينذاك !؟ هل كانوا سيقترحون عليه بناء نظام رأسمالي في روسيا بعد أن حفرت البورجوازية قبرها بظلفها !؟
ليس من شك في أن إعلان لينين عن الثورة الاشتراكية العالمية في مارس آذار 1919 كان في الزمان والمكان الصحيحين. النظام الرأسمالي ترنح للانهيار خلال العقد الأول من القرن العشرين وقد دفعت أزمته الحادة بذهاب الامبراطوريات الاستعمارية الكبرى في العالم إلى الحرب ، ألمانيا والنمسا والاسيتانة ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا. الحرب العالمية الأولى لم تحل الأزمة بل زادت من تفاقمها فكانت ثورة شيوعية في ألمانيا ومثلها في المجر وأخرى في لتوانيا غير أن هذه الثورات لم تقوَ على البقاء نظراً لفقر قادتها في استيعاب الماركسية بكل عمقها كما فهمها لينين شأنهم شأن البلانكيين والفوضويين في كومونة باريس. وفي ايطاليا نشطت المخابرات البريطانية كيلا تسقط السلطة بأيدي الشيوعيين فساعدت عميلها موسوليني على اقتناص السلطة كما فعلت فيما بعد مع هتلر. الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا إنما هما قطع الطريق على الثورة الاشتراكية في البلدين وقد لعبت فيهما المخابرات البريطانية دوراً كبيراً. وفي بريطانيا نفسها حصل انزياح ملموس إلى اليسار فكانت أول وزارة لحزب العمال برئاسة رمزي ماكدونالد التي لم تعمر طويلاً لأن المخابرات البريطانية أخذت تشيع أن وزارة مكدونالد ليست إلا صناعة سوفييتية ـ كل القذارت في تاريخ الرأسمالية وقعت على أيدي إنجليزية.
تطورت أزمة النظام الرأسمالي بصورة حادة فكانت أزمة الكساد الكبير (Great Depression) في العام 1929 التي لم تنتهِ قبل إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية في العام 1939. اشتعال الحرب بين ألمانيا الهتلرية وبريطانيا وفرنسا من جهة ثانية إنما كانت تعبيراً حيّاً عن أنسداد أفق أي تقدم للنظام الرأسمالي حيث برزت كل من برلين وروما تسعيان إلى إعادة العالم خمسة عشر قرناً إلى الخلف لتكون كل منهما روما ما قبل القرن الخامس الميلادي تستعبد العالم وتنهبه على شكل أتاوات وليس كما النهب الرأسمالي الإمبريالي عن طريق مبادلة المصنوعات بالمواد الخام ـ أعلن هتلر مراراً وتكراراً أنه ضد النظام الرأسمالي. كانت نتيجة الحرب تفكك ثلاث إمبراطوريات رأسمالية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
تكشفت الحرب عن بروز قوتين عظميين في العالم هما الاتحاد السوفياتي الاشتراكي والولايات المتحدة الرأسمالية التي ما كانت لتنتصر على اليابان وتصبح دولة عظمى بالنتيجة لولا مساعدة الاتحاد السوفياتي العسكرية وتحطيمة للجيوش اليابانية البرية في منشوريا. بعد كل هذا لا تعدم وجود الكثير من المفلسين يدّعون بكل غباء أن الثورة الاشتراكية حدثت في غير مكانها وزمانها الصحيحين وأن روسيا القيصرية كانت متخلفة، سواد شعبها من الفلاحين وهي أبعد ما تكون عن الاشتراكية. في الخمسينيات كان الاتحاد السوفياتي هو من يقرر مصائر العالم ومع ذلك هناك من يدعي أن سر انهياره المحتوم كامنة فيه. أي سرٍّ هو ذلك السر اللعين !؟ لكن هؤلاء المفلسين لا يعرفون كنه السر!؟ إذاً كيف يقول هؤلاء بالسر الدفين دون أن يعرفوه !؟ يقولون ذلك إمّا لأنهم سعداء بانهيارة أو لآنهم أغبياء. يقولون كل هذا بعيداً عن سر الصراع الطبقي الذي كان آباء الشيوعية ماركس ولينين وستالين قد حذروا منه بكل اهتمام. ينكر هؤلاء الأعداء سر الصراع الطبقي لأن ذلك يعني بالضرورة أن الاشتراكية ما زالت واردة على أجندة العالم.

الإشكال الأكبر في العمل الشيوعي اليوم هو " الماركسيون " الذين لا يعرفون أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي. كيف لهم ألا يعرفوا أسباب انهيار دولتهم، ليس دولتهم فقط بل دولتهم وسبب وجودهم أيضاً، دولة العمال الأولى في تاريخ البشرية، ويدّعون مع ذلك بأنهم ماركسيون !!؟ يفاجؤنا معظمهم بالقول أن أنهيار الاتحاد السوفياتي لم يكن بغير بيروقراطية الفئة الحاكمة ويعزون البيروقراطية في أساسها إلى ستالين وهو ما يتناسب مع الدعاية البورجوازية والتروتسكية التي تنسب كل العيوب المزعومة في الاشتراكية السوفياتية إلى ستالين. لو كان مثل هذا القول صحيحاً لانهارت بيروقراطية الحزب الشيوعي لتخْلفها دولة العمال غير البيروقراطية طالما أن العمال هم الطبقة السائدة في المجتمع السوفياتي، كما تفترض حجة البيروقراطية، علماً بأن خروشتشوف اعترف في مذكراته أن العمال لم يعودوا الطبقة السائدة أثناء ولايته 1954 ـ 1964 حيث انتهت بتصفيته على يد العسكر كونه " الشيوعي " الأخير في قيادة الحزب، غير أن من خلفها هم قادة الحزب أنفسهم وقد تحاصصوا الجهوريات السوفياتية وأعلن جميعهم تبنيهم للنظام البورجوازي الرأسمالي دون مواربة. وهو ما يعني أن قادة الحزب الشيوعي كانوا بورجوازيين يقودون الحزب الشيوعي !! هؤلاء لم يكونوا بيروقراطيين ينتمون للطبقة العاملة بل كانوا بورجوازيين فكراً وتربية تسللوا إلى قيادة الحزب الشيوعي من خلال هيمنة القوى العسكرية على الحزب. لم يكونوا بيروقراطيين كما يدعي بعض المفلسين وبعض الخونة لأنهم لو كانوا كذلك لما استطاعت الطبقة البورجوازية الوضيعة أن تهزم البروليتاريا دون حرب مكشوفة خلال فترة قصيرة نسبياً تمتد رسمياً من 1953 ـ 1991 لكنها فعلياً لم تتجاوز الأربع سنوات 1953 ـ 1957 عندما قام المارشال جوكوف بانقلاب عسكري في يونيو حزيران 1957 لصالح خروشتشوف بعد أن سحب المكتب السياسي منه الثقة وكان عليه أن يرحل وفق أصول النظام في الحزب لكنه بدلاً عن ذلك رحّل أكثر من نصف أعضاء المكتب السياسي من خيرة البلاشفة القدماء في الحزب. للمرء أن يسأل هؤلاء الأدعياء بالماركسية كيف لهم أن يتحققوا من بيروقرطية الحزب الشيوعي، وهو أمر يحتاج إلى متابعة من داخل السلطة لم تتوفر لهم فيما لم يتوقفوا للحظة أمام الانقلاب العسكري الذي أطاح بقيادة الحزب في العام 1957 ؟ أم أن هؤلاء قد هووا إلى قاع المستنقع حيث تروتسكي ظل يدعي ببيروقراطية الحزب الشيوعي منذ أن حرمه لينين من أن يكون قائداً للحزب؟ كيف يجروء هولاء الأدعياء أن يتقولوا بأقوال تروتسكي ولم ينبسوا بحرف حول طرد نصف أعضاء المكتب السياسي؟ نسأل هولاء الأدعياء المنافقين عمن طرد مالنكوف، مولوتوف، كاعانوفتش، فورشيلوف، بولغانين وشبيلوف من البريزيديوم وبأية مشروعية يتم طردهم بحجة تآمرهم على قيادة خروشتشوف وكانوا قد سحبوا منه الثقة؟ في حزيران 57 وكنت آنذاك في الحياة السرية لم تأبه الصحافة الشيوعية المحلية وفي المنطقة بالانقلاب ونشرت الخبر نقلاً عن البرافدا يقول أن الأربعة مالنكوف ومولوتوف وكاغانوفتش وشبيلوف اجتمعوا سرياً للتباحث في مشروع خروشتشوف الخاص بإحياء الأراضي البكر والبور ونسقوا فيما بينهم لرفض المشروع ولذا اقتضى طردهم ـ عجيب أن يطرد أعرق البلاشفة لأنهم اجتمعوا فقط دون إذن من " الديموقراطي " خروشتشوف!! وما هو أعجب من العجيب هو أن قادة الأحزاب الشيوعية لم يستعجبوا مثل ذلك العجب!! جرى الاعلان عن أربعة فقط بعد أن اُستبقي فورشيلوف وبولغانين في البريزيديوم وقد استنكرا موقفهما في سحب الثقة من خروشتشوف ـ هذا الخروشتشوف الذي كان قد دق على صدره أمام الهيئة العامة للحزب الشيوعي في التقرير السري في فبراير شباط 56 متعهداً أن يكون عهده ليس كعهد ستالين بل عهد الحرية والديموقراطية لا يخجل من طرد أربعة من البلاشفة القدماء رفاق لينين لأنهم اجتمعوا وتداولوا في جدوى مشروع خروشتشوف حول المسألة الزراعية الذي ألحق كارثة بالاقتصاد السوفياتي كما تبيّن فيما بعد، هذا الأفاق الذي لطخ صورة ستالين المشرقة بدعوى الدكتاتورية الفردية وعدم الديموقراطية !! هنا تحديداً للمرء أن يؤكد أن هؤلاء الذين لم يبالوا بانقلاب عسكري ضد الحزب وتغيير قيادتة ثم خلصوا فيما بعد للإدعاء بأن البيروقراطية هي التي دمرت دولة البروليتاريا المتجسدة بالاتحاد السوفياتي إنما هم أدعياء كذبة بالماركسية، بل هم أعداء حقيقيون للطبقة العاملة.
كل دعيّ بالماركسية لم يقر قراره على الأسباب الحقيقية وراء انهيار الاتحاد السوفياتي إنما هو دعيّ أفّاق يخادع الطبقة العاملة من أجل الحصول على منافع شخصية بورجوازية. وهذا ينطبق تماماً على الأحزاب الشيوعية التي ما زالت قائمة حتى اليوم. كيف لها أن تدعي بالماركسية دون أن تتعرف على أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي فيما أن كارل ماركس علمنا أول ما علمنا كيف تبنى الدول وكيف تنهار؟ حقيقة هذه الأحزاب هي أنها لا تريد أن يتعرّف العامة على أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي لأنها هي من شارك في فعل الانهيار عندما رحبت وهللت لتحريفات خروشتشوف. كيف لها أن تدعي بالشيوعية وهي التي ظلت تنافح عن شيوعية الدولة السوفياتية حتى يومها الأخير ؟ كيف للعامة أن يصدقوا شيوعيتها وأنها ليست مثل شيوعية غورباتشوف ويلتسن وشفرنادزه والآخرون الذين تقاسموا التركة السوفياتية ؟

من ينكر أسباب انهيار المشروع اللينيني يستطيع أن ينكر حقائق بارزة أخرى في التاريخ. النظام الرأسمالي الامبريالي ينهار على أساسه ويغيب نهائياً عن المسرح الدولي في سبعينيات القرن الماضي وفلول الأحزاب الشيوعية في طور التفكك لا تعترف بذلك. معظم أعمال ماركس تركزت في نقد النظام الرأسمالي والتعريف به لكن فلول الأحزاب الشيوعية القائمة لا تعرف النظام الرأسمالي وهي تدعي العلم بالماركسية. قال ماركس أن النظام الرأسمالي هو أول نظام اجتماعي يقوم على الإتجار بقوى العمل البشرية عن طريق تحويلها إلى ثروة بشكل بضاعة تجري مبادلتها في السوق بنقد متجسدا بدورة حددها ماركس ب " نقد ـ بضاعة ـ نقد "، وأضاف أنه بتزايد الثروة (البضاعة) التي لا يجد النظام مصارف لها سينهار النظام مختنقاً بإنتاجه. تحقق هذا في العام 1971 بعد أن انسلخت كافة الدول المحيطية عن مراكز الرأسمالية جرّآ ثورة التحرر الوطني مما اضطر الدول الرأسمالية الكبرى الخمسة (G5) في اجتماع رامبوييه 1975 إلى فتح خزائن أموالها لتغترف منها الدول التي انسلخت عنها ما تشاء من أموال على شكل قروض رخيصة مؤملة أن تعيد الحياة لدورة الإنتاج الرأسمالي لكنها عبثاً فعلت. اليوم يتهدد إعلان الافلاس هذه الدول وهو ما كان سيعلنه الرئيس الأميركي قبل شهرين لولا موافقة الحزب الجمهوري على رفع سقف الدين بمقدار ألفي مليار دولار. لم تعد قوى العمل في شعوب هذه الدول تتحول إلى بضاعة، أي أنها لم تعد رأسمالية.

نعود بأدعياء الماركسية إلى إعلان لينين في مارس آذار 1919 عن الثورة الاشتراكية العالمية وتشكيل الأممية الثالثة التي أخذت على عاتقها تفكيك النظام الرأسمالي العالمي من أجل الانتقال إلى الاشتراكية. الدول الرأسمالية الكبرى لم تحتمل مثل هذا التحدي وأرسلت تسعة عشر جيشاً إمبريالياً كي " تدفن البولشفية في مهدها " كما ظل يؤكد وزير الحرب الريطاني ونستون تشيرتشل. ما حدث كان العكس تماماً إذ تمكن اتلبلاشفة من دفن جيوش الامبريالية في الأرض الروسية. وخلال فترة التصنيع الكثيف السريع جهدت الدول الامبريالية تعاونها عصابات التروتسكيين في تخريب مؤسسات الانتاج السوفياتية وقد فشلت فشلاً ذريعا فكانت الشعوب السوفياتية في العام 1936 تعيش في بلهنية فيما كانت الشعوب الغربية تعيش في طوابير الإعاشة تحت ضغوطات أزمة الكساد الكبير. وكانت المؤامرة الكبرى على الإتحاد السوفياتي في مؤتمر ميونخ 1938 حيث تعهدت بريطانيا برئاسة تشيمبرلن وفرنسا برئاسة دالادييه بالسكوت والرضا عن تحقيق الأطماع الهتلرية في الشرق الأوروبي وللتدليل على ذلك وافقتا على ضم النمسا لألمانيا واحتلال هتلر لمنطقة السوديت التشيكية. الهدف الحقيقي لاتفاق ميونخ كان تحطيم الاتحاد السوفياتي. كانت نتيجة الحرب الهتلرية على عكس ما أمّلت ميونخ. تحطمت الامبراطوريتان الاستعماريتان بريطانيا وفرنسا كما تحطم الرايخ الهتلري. برهنت الدولة السوفياتية، دولة العمال الأولى في التاريخ على أنها أقوى قوى الأرض بالرغم من حداثتها وصغر عمرها. فيما بعد الحرب آلت كل مقاليد الثورة العالمية ضد الرأسمالية الامبريالية في العالم إلى الاتحاد السوفياتي بصورة فعلية. كما آلت من جهة أخرى كل المواريث الرأسمالية الامبريالية إلى الولايات المتحدة الأميركية. آمن ستالين إيماناً راسخاً بأن المنافسة السلمية بين المعسكرين ستكون لصالح الاشتراكية وفي أمد قريب. بالمقابل نشطت الولايات المتحدة بمقاومة حركة التاريخ فكانت تسد بجسمها كل منفذ للحركة الشيوعية. بدأت باليابان في مطالع الخمسينيات وحولتها إلى بلد صناعية من خلال توظيف أموال طائلة وأمنت لها الأسواق على حساب أسواقها. وقامت بنفس الشيء في ألمانيا الغربية في الستينيات ثم في النمور الستة وأخيراً في الصين داخل المعسكر الشيوعي !! ولا ننسى أنها حاربت حرباً كبيرة ضد الشيوعية في كوريا وحرباً أخرى أكبر منها في الستسنيات والسبعينيات ضد الشيوعية في فيتنام.
مر عبر التاريخ طبقات حاكمة اتسمت بالحماقة لكن حماقة الطبقة الرأسمالية الأميركية التي حكمت الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة التالية للحرب تتعدى كل الحدود. سكن الرعب من شبح الشيوعية تلك الطبقة حتى فقدت صوابها وكل منطق في سياساتها، فلا هي ردّت الشيوعية ولا هي كسبت نفسها وأبقت على حياتها. استنفذت الولايات المتحدة نفسها تماماً في مقاومة الشيوعية حتى غدت اليوم جثة هامدة تفترس جثتها غربان المتاجرين بالأموال الأجانب، فهي تدفع لهؤلاء المتمولين لقاء ديونهم حوالي 250 مليار دولار كفائدة سنوية فقط منها أكثر من مائة مليار للصين واليابان.

من هم أكثر حماقة من الطبقة الرأسمالية الأميركية البائدة هم أدعياء الماركسية الذين يملأ زعيقهم الأجواء محذرين ليل نهار من الأخطار الداهمة للولايات المتحدة الأميركية ومشاريعها الاستعمارية في شرق المتوسط. ألم يكن الهدف الأول لمشروع لينين هو تفكيك النظام الرأسمالي العالمي؟ لماذ ينكرون تحقيق المشروع اللينيني لأول أهدافه؟ هؤلاء الحمقى لم يعودوا ماركسيين، وكي يغطوا على انقلابهم إلى ليبراليين لا يجدون ما يغطي خيانتهم سوى الزعيق والتحذير من المشاريع الاستعمارية الأميركية في المنطقة وما الاستعمار إلا في رؤوسهم المفلسة التي باتت تهذي بالديموقراطية الليبرالية وبالتعددية وتداول السلطة ـ نسألهم ما معنى تداول السلطة ؟ ألا يعني تداول السلطة هو أن الشيوعيين ووفق شروط معينة يصبحون غير شرعيين ويتوجب عليهم الرحيل وتسليم السلطة إلى أحزاب بورجوازية !! السؤال الكبير هنا هو .. من يصدق أن هؤلاء المفلسن كانوا ماركسيين يوماً ما !؟ ـ أنا لا أصدق .

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (1)
- محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية
- الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
- شهادة الشيوعيين
- الجمود العقائدي
- لماذا يغير المثقفون قناعتهم
- الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
- لينين باقٍ في التاريخ
- الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
- رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
- شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
- عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
- مواجهة مع أحد المرتدين
- نهاية إقتصاد السوق
- رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي
- ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
- العمل الشيوعي في عالم خارج التاريخ
- في نقد الإشتراكية السوفياتية
- من الديموقراطية إلى الشيوعية


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)