أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط















المزيد.....

محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 10:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


محددات السياسة الأميركية في "الشرق الأوسط"
ياسين الحاج صالح
خلافا لما هو الحال بخصوص السياسات الأميركية الداخلية والسياسات الأميركية حيال أوربا وربما المنظمات الدولية فإن السياسات الأميركية حيال "الشرق الأوسط" ضعيفة التاثر بنتائج الانتخابات وتغير الإدارات الأميركية. هذا يرجع إلى أن ثمة ثلاث او اربع محددات لهذه السياسة تكاد تكون منيعة التأثر بتبدل هوية ساكن البيت البيض.
هذه المحددات هي:
1. الحرب ضد الإرهاب؛
2. أمن إسرائيل وتفوقها وحمايتها من القانون الدولي؛
3. البترول؛
4. ضعف الدول العربية وضعف تأثير العرب الأميركيين على الانتخابات الأميركية والسياسات الأميركية بصورة اعم.
العوامل الثلاثة الأولى تكتسب قوة مطلقة نتيجة ضعف الدور التعديلي المحتمل للعامل الرابع. بمعنى آخر لا تواجه السياسات الأميركية باعتراض عربي فعال، قادر على التميّز عن الإرهاب، دون أن يفقد بسبب ذلك فاعليته الاعتراضية. فسمة الحالة العربية في بداية القرن الحداي والعشرين هي التقاء شكل فوق سياسي مع شكل تحت سياسي من أشكال التفاعل مع السيطرة الأميركية. الشكل الأول فوق سياسي في عقيدته المشرعة: الدين أو عقيدة المطلق؛ وفوق سياسي في منهج عمله: العنف المطلق. والشكل دون السياسي الذي تمارسه أنظمة الحكم العربية يتمثل بالاستخذاء واستعداد غير محدود للانضغاط بالضغوط الأميركية. ويتحالف الشكلان على تفريغ العلاقات العربية الأميركية من الصفة السياسية، ما يجعلها مهيئة للامتلاء بمضامين عقيدية ودينية كما سنرى.
دخلت "الحرب ضد الإرهاب" كمحدد اساسي للسياسة الأميركية بعد 11 ايلول. قبل ذلك كانت عنصرا فرعيا يندرج ضمن منظور الولايات المتحدة للصراع العربي الإسرائيلي أو لعلاقاتها مع هذه الدولة العربية أو تلك. وبفعل ديناميات 11 أيلول السياسية والأمنية والنفسية والعسكرية والثقافية لم تلبث "الحرب ضد الإرهاب" أن أضحت المحدد المهيمن للسياسة الأميركية حيال الشرق الأوسط. وضمن هذا يندرج العالم العربي كله، أو قد نقول إنه تم احتواؤه رمزيا واستراتيجيا ضمن مفهوم "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي ولد في غمار "الحرب العالمية الرابعة". وليس أدل من هذا المفهوم وملابسات ولادته على تمحور السياسة الأميركية الشرق أوسطية حول محاربة الإرهاب. يمكن القول إن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" ليس في الواقع غير "خريطة طريق" لللحرب ضد الإرهاب.
ونعني بالمحدد المهيمن ان السياسة الاميركية اعيدت هيكلتها حول الرد على الإرهاب، وأن هذا أخذ يلون التصور الأميركي للمحددات الأخرى ذاتها، وبالخصوص للصراع العربي الإسرائيلي. فما إن اخذ الأميركيون ينظرون إلى الصراع هذا عبر موشور "الحرب ضد الإرهاب" حتى انخفضت مرتبته من مستوى "أزمة الشرق الأوسط" إلى عنصر ثان أو حتى ثانوي فيها. وينبغي لهذا أن يكون أمرا مفهوما مهما أمكن له أن يكون غير عادل: فقضايا الضعفاء قضايا ضعيفة. والقضايا القوية هي قضايا الأقوياء الذين يسمون الأشياء ويكتبون التاريخ.
لم يقتصر تأثير "الحرب ضد الإرهاب" على احتلال موقع المحدد المحوري للسياسة الأميركية بل تسبب في نقلة نوعية في تصور المحددات الأخرى. أعني بذلك التحول الخطر للسياسة الأميركية حيال العالم العربي والإسلامي نحو مستوى غير مسبوق من العقيدية، أو الحضارية في قاموس آخر. كانت أهمية البترول الحيوية قد منحته مكانة فوق اقتصادية في التخطيط السياسي الأميركي، وبالخصوص بعد حرب 1973. ونميل إلى الجزم بأن ثمة عنصر استراتيجي، إن لم نقل عقيدي، في اسعار البترول، وأن إنتاجه وأسعاره لا يحددها العرض والطلب وحدهما. إن "الذهب الأسود"، دم الحضارة الراسمالية، أهم من ان يترك لقوانين السوق الراسمالية. ولا بأس أن نقول إن البترول سلعة استراتيجية بشرط ان نفهم من ذلك أنه ليس سلعة على الإطلاق. ولعل البترول، المنتج للدول والحروب والعقائد، ملفع ب"الأسرار الصوفية والمماحكات الميتافيزيقية" أكثر من السلعة في تحليل ماركس. فلسلعة مؤلف "الرأسمال" قيمة استعمالية وقيمة تبادلية، فيما للبترول ثلاث قيم: استعمالية وتبادلية واستراتيجية. البترول، باختصار، وثن مقدس. ومن هنا، لا شك، كراماته الإنقاذية ومعجزاته التحريرية وطاقاته الديمقراطية، التي لا يسع الأوبك ذاتها الإحاطة بغير جزء يسير منها.
أما العلاقة الأميركية الإسرائيلية فقد انتقلت من مستوى تحالف غير معهود في العلاقات بين الدول إلى التماهي الثقافي إلى ما يشبه اتحادا صوفيا بعد 11 ايلول. بعبارة أخرى انتقلت ركيزة العلاقة بين الطرفين من السياسة إلى الثقافة إلى الدين، ما بات يسوغ التساؤل عن وجود طرفين بالفعل. ويمكن القول إن هذه المستويات الثلاث كانت موجودة على الدوام في الموقف الأميركي من إسرائيل، إلا أنه تمت إعادة ترتيب علاقات القوة والهيمنة بينها لصالح "الاتحاد الصوفي" بعد ضربات 11 ايلول. وقد وجد هذا التحول معادله السياسي الإيديولوجي في صعود المحافظين الجدد إلى سدة صنع القرار السياسي الأميركي حيال الشرق الأوسط. مقابل ذلك احتل العرب موقع الشرير المناسب، الذي يسوغ شره إخراجه من السياسة نحو "الحرب ضد الإرهاب". لقد التقت رضة 11 أيلول مع صعود الاتجاهات المحافظة في المجتمع الأميركي منذ نهاية الحرب الباردة، ومع صعود صنف من الإيديولوجيين المتحمسين لدور رسولي اميركي، ومع مذهب الوضوح الأخلاقي الخاص برئيس مؤمن جعل من المسيح مستشاره الخاص، التقت لتضفي كثافة عقيدية مشؤومة على العلاقة العربية الأميركية وعلى المنظورات الأميركية للمنطقة ككل.
ويسهم الضعف العربي في جعل السياسة الأميركية تسقط سقوطا "حرا" على رؤس السكان والدول في هذا "العالم القديم"، سقوطا يتحدد بعوامل أميركية، لا يكاد يعدلها اعتراض او مقاومة فعالة من جهتنا. فبعض السر في "فرعنة" الأميركيين ان أحدا لا يردهم حين "يتفرعنون"، إن حاكينا المثل الشعبي السوري. هذا الشرط: (آ) يقلل من تأثر السياسة الأميركية حيال المنطقة العربية بتغير الإدارات الأميركية؛ و(ب) يرهن تغيراتها المحتملة بتغيرات أميركية خاضعة لأولويات اميركية حصرا؛ (ج) يرجح وزن العقيدي فيما يخفف وزن السياسي في العلاقة بين الطرفين. فوحده الاعتراض الفعال على اصحاب العقائد يمكن أن يجعلهم سياسيين.
والمشكلة أن الطابع العقيدي المتفاقم هذا يعقم فرص بروز إدراك اكثر واقعية وعلمانية لمشكلات المنطقة. بل إنه يخمد همة كثيرين، في الضفة الأميركية ربما اكثر من الضفة العربية، على اقتراح مقاربات أكثر سياسية وتاريخية وعقلانية، واقل عقيدية وحضارية، للعلاقة بين الضفتين. علمنة العلاقة العربية الأميركية وعلمنة فهمها هي أول خطوة على طريق إصلاح العلاقة بين شعبين قد يكونان الأكثر تدينا في العالم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد ثقافة الضحية
- بين النقد والاتهام
- نقد ذاتي
- معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-
- مفهوم لخط الفقر السياسي
- عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة
- سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
- قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
- المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
- سوريا غير المتطابقة مع ذاتها
- حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب
- أجهزة أمن اكثر = أمن اقل؛ والعكس بالعكس
- موت آخر المحاربين
- مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
- اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2
- أي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 1 من 2
- إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا
- حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
- اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
- الاستقطاب والاختيار: حول مفهوم السياسة 2 من 2


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط