أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم الجنابي - الشعر والشاعر وإشكالية الحرية















المزيد.....

الشعر والشاعر وإشكالية الحرية


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1065 - 2005 / 1 / 1 - 07:39
المحور: الادب والفن
    


إن مسيرة الشاعر هي سيرة وجدانه الفردي والاجتماعي والقومي. وعلى مقدار وعمق وجدانه تتوقف سيرته شعره بوصفه وجدانا فرديا - اجتماعيا- قوميا. وهي الحالة التي عانت منها المشاعر العربية الناتئة في أول تحسس "لمصيرها التاريخي" في آخر مراحل الانحطاط التام للعثمانية (التركية) وبداية عنفوان وهيمنة الكولونيالية (الأوربية). وقد أثارت هذه الحالة مسألة ماهية الشعر، التي لم تكن آنذاك سوى المسألة المترتبة على تعمق الشعور الذاتي العربي في مواجهة "مصيره التاريخي" الجديد. فقد كانت هذه الماهية بالنسبة لسيرة الشاعر تقوم في "ماهية الشاعر"؟ وبالنسبة لسيرة الشعر في "ماهية الشعر"؟
وهو الأمر الذي يفسر سبب اهتمام الفكر العربي الأدبي والنقدي والتاريخي المتعلق بالشعر أولا بالشاعر وليس بالشعر. وفي وقت لاحق يجري الاهتمام بالشعر وليس بالشاعر. وفيما بعد بوحدتهما، التي استلزمها بالضرورة ارتقاء المشاعر إلى شعر ومنها إلى فكرة. فالاهتمام بالشاعر هو اهتمام بالشعراء، أي بالتنوع. أما الاهتمام بالشعر فهو اهتمام بالوحدة الملموسة، باعتبارها مقدمة الفكرة المجردة. لهذا اصبح تحديد ماهية الشاعر ومن هو الشاعر وجهين لحقيقة واحدة هي الشعور الصادق والإخلاص فيه. فنرى احمد شوقي يحتج على حصر منزلة الشعر بالمدح، واعتبرها "تجزئة يجلّ عنها ويتبرأ الشعراء منها". ومن هذه المقدمة استمد تحديده للشاعر باعتباره "من وقف بين الثريا والثرى يقلبّ إحدى عينه في الذرّ ويجيل أخرى في الذرى. يأسر الطير ويطلقه ويكلم الجماد وينطقه". فهو العيون التي تنظر في السماوات والأرض، والكيان القادر على جذب الكائنات الحية وتحريرها واستنطاق الجماد. وليست هذه الصيغة الشاعرية سوى التعبير الأول عن إدراك قيمة الشاعر في تحسسه للمادي والمعنوي وقدرته على سبر أغوارها والنفاذ من خلالها إلى الثرى والثريا. إذ أن وجوده فيهما هو توليف وحلقة ربط للمختلفات. وهي فكرة تلمسها عبد الرحمن شكري عندما حصر وظيفة الشاعر في "الإبانة عن الصلات التي تربط أعضاء الوجود ومظاهره". بحيث ارجع الشعر إلى ما اسماه بطبيعة "التأليف بين الحقائق". ومن ثم فان الشاعر الحقيقي هو ذاك الذي يولف هذه الحقائق في "قصيدة أبدية". لان الشاعر هو من يميز "معاني الحياة التي يوحي إليه بها الأبد". إذ كل شئ في الوجود قصيدة من قصائد الله. والشاعر ابلغ قصائده. وليس المقصود بان الشاعر ابلغ قصائد الوجود سوى كونه الصوت المعّبر عن خلجات أعماقها السحيقة، أو ما اسماه عبد الرحمن شكري بنفوس الأمة الكبيرة. فإذا كان الشعر هو مرآة حياة الأمة، فان عظمة الشعر على قدر عظمة نفوسها. فكلما كانت نفوس أفرادها صغيرة كان شعرها ألفاظ مرصوفة ميتة. وهو استنتاج يعكس في الواقع إدراك ماهية الشاعر الواجبة، بوصفه تمثيلا وممثلا للمشاعر في شعر ينطق عن أعماق الحياة وصخبها وفورانها باسم القيم المتسامية و"الأبدية". لهذا اعتبر بأنه لا ينبغي للشاعر أن يكتب للعامة ولا لقرية ولا لامة، وإنما يكتب للعقل البشري ونفس الإنسان أينما كان. يكتب لا ليومه بل لكل يوم وكل دهر. وهذا ليس معناه انه لا يكتب أولا لامته المتأثر بحالتها المتهيئ ببيئتها.
أننا نتلمس في هذه الآراء عن الشاعر ارتقاء الشعور إلى شعر ومنه إلى فكرة. فالشاعر الحقيقي هو الذي يتحرر من قيود الزمان والمكان مع البقاء فيها، بوصفه "قصيدة" الزمن الدائم والتراث القومي. إذ ليست الأبدية في الواقع سوى توليف حقائق الزمن الدائم وتراث الأسلاف في تأمل "معاني الحياة التي يوحي بها الأبد" للشاعر. وهي أفكار سبق وان بلورها المازني بهيئة موقف نقدي أدبي متجانس عندما اعتبر الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها. إذ ليست مزية الشاعر أن يقول لنا ماذا يشبه هذا الشيء، بل أن يقول لنا "ما هو هذا الشيء" ويكشف عن "لبابه وصلة الحياة به". ذلك يعني أن ماهية الشاعر تتطابق مع الشعور بجوهر الأشياء وماهياتها المرتبطة بالحياة. ووضع هذه الفكرة العميقة فيما اسماه بمحك الشعر الذي لا يخطئ في نقده للشعر إلا وهو إرجاعه إلى مصدره. فان كان لا يرجع إلى مصدر اعمق من الحواس فذاك شعر الشعور، وان استطعنا أن نلمح وراء الحواس شعورا فيه وجدانا تعود إليه المحسوسات فذاك شعر الطبع القوي والحقيقة الجوهرية.
وتعمقت فكرة تطابق ماهية الشاعر الحقيقي مع ماهية "الحقيقة الخالدة"، وان الشاعر يعّبر عن تجليها المتنوع وصلتها بالحياة، في الوعي الشعري العربي الحديث من خلال تحويل الشاعر نفسه إلى كيان يحتوي في ذاته على تجليات متنوعة لإدراك ماهية الأشياء وصلتها بالحياة من خلال صوته. وهي فكرة نعثر عليها عند ميخائيل نعيمة، الذي اعتبر الشاعر نبيا وفيلسوفا ومصورا وموسيقيا وكاهنا. فهو نبي، لأنه يرى بعينه الروحية ما لا يراه البشر العاديين، وانه مصور، لأنه يقدر على سكب ما يراه ويسمعه في قوالب جميلة من صور الكلام. وانه موسيقي، لأنه يسمع أصواتا متوازية حيث لا نسمع نحن سوى هدير وجعجعة. وانه كاهن، لأنه يخدم إلها هو الحقيقة والجمال.
أدى تعمق الشعور الذاتي العربي في موقفه من الشاعر إلى تعمق الشعور الذاتي في موقفه من الشعر. ومن الممكن القول، بان مسالة ماهية الشاعر هي نفسها مسالة ماهية الشعر. إلا أن هذا التطابق بينهما هو الصيغة الظاهرية لالتقاء مسيرة الشعراء والشعر العربي الحديث، وفي باطنها هي المعضلة التي كانت تثير الإشكالية الأعقد بالنسبة لوجدان الوعي الذاتي العربي القومي والثقافي. فالوجد من الفقد كما تقول المتصوفة. ووجدان الشعر كان يفترض في البداية فقدان الشعراء لسيرتهم الذاتية والاندماج بالتيار الأوسع لوعي الذات الثقافي آنذاك بوصفه بحثا عن الحرية. وظهر ذلك للمرة الأولى في إثارة قضايا ماهية الشعر وغايته وحقيقته والخيال فيه، ومسالة الشكل والمضمون، والتجديد والتقليد. وبلغ ذروته في قضية تحرير الشعر من القافية و"الشعر الحر".
فقد وجد الشعراء في هذه القضايا مفقودهم، الذي شحذ وجدانهم الفكري والعقائدي. فعندما يبلغ الشعر ذروته وتتنافس مدارسه ونماذجه الكبرى، فان موضوعات الماهية والأسلوب والشكل والمضمون والحرية تصبح قضايا منحلّة في الذوق الجمالي. وتفقد بالتالي مبرر وجودها كمعضلات قائمة بحد ذاتها.
فمن الناحية التاريخية كان ظهور تلك القضايا جزءا من البحث عن الحرية وجزءا من صيرورتها الوجدانية في الوعي العربي الحديث. من هنا تضارب الآراء عن ماهية الشعر وغايته وعلاقته بالحقيقة والخيال، واشتراكهم في نفس الوقت في وضع أسس الحرية باعتبارها الهمّ الدفين لمساعي العقل والوجدان بالنسبة لتعميق الشعور العربي الذاتي. فنرى الشدياق يحدد ماهية الشعر بكونه "ملكة يقتدر بها الإنسان على تصوير معان في ألفاظ مناسبة"،. وهي ملكة تجعل من الشعر "يشبه الجمال في كونه لا يحّد ولا يعّرف ولا يكيّف ولا يوصف". لقد جعل الشدياق من ماهية الشعر سرا، لا يعني هنا سوى الكيان المحرر من القيود. فعدم تحديده وتقييده وتكييفه وتعريفه هو حريته التامة بوصفه ملكة، أي قوة قادرة على الإبداع الحر.
وقد انتهى القرن التاسع عشر بصيغة واضحة المعالم عن ماهية الشعر، باعتباره الملكة القادرة على إبداع الخيال وتوليف اللفظ والمعنى، وفيما بينهما وجدت الرؤية الشعرية العربية طرفي المعادلة الصعبة للحرية والإبداع. وهي معادلة عمّقت الشعور الذاتي العربي صوب الماضي والمستقبل، وتجاه النفس والآخرين، والتاريخ والفكرة. ولم تعد ماهية الشعر "عبارة عن …"، بل تعبيرا عن سريان له عقده وتعقيداته.
شكلت الحياة والحرية وجهان لحقيقة واحدة هي ضرورة التعبير الصادق عن المشاعر. فمن هذا الصدق تنعكس ملامح الحرية وغايتها، كما تعبر في نفس الوقت عن الحياة في حقائقها الكبرى ومظاهرها المتنوعة. فنرى عبد الرحمن شكري يتوصل إلى فكرة أن "الشعر ليس كذبا، بل منظار الحقائق ومفسر لها". و"ليست حلاوة الشعر في قلب الحقائق، بل في إقامة الحقائق المقلوبة". و"لئن كان بعض الشعر نزهة، فان بعض النزهة فرض. ولئن كان بعض الشعر رحلة، فهي رحلة إلى عالم اجمل واكمل واصدق من هذا العالم". كما وجد حافظ إبراهيم في الشعر "ظرف الحكمة ومسرح الخيال ومعنى الفصاحة ووعاء الحكمة". وارجع مصطفى الرافعي ماهية الشعر إلى "طبع صقلته الحكمة، وفكر جلا صفحته البيان".
إن بلوغ الوعي النقدي الأدبي في الشعر إدراك قيمته الجوهرية بالنسبة للروح الاجتماعي والقومي، يعتبر أولا وقبل كل شئ تمثله وجدان الحقيقة التي بلورها تطور وعي الذات العربي بشكل عام والشعري بشكل خاص. فقد كان المسار العام لهذا الوعي يتجه صوب تثبيت فكرة الحرية عقلا ووجدانا وحدسا، بحيث جعل من هذا الثالوث معيار الحقيقة في الشعر ومحكها في نفس الوقت. وهي نتيجة جعلت البعض يرى مهمة الشعر الكبرى في قدرته على التأثير، أي جعله مرادفا لنبض الحياة نفسها. لكننا نعرف انه ليس كل مثير حقيقة، بينما كل حقيقة مثير. وهي معضلة وقف أمامها الوعي النقدي الشعري العربي عبر محاولته الإجابة على الإشكالية القييمية والمعرفية لها. كما أنها إشكالية تجمعت في مجرى القرن التاسع عشر وتراكمت عقدها العديدة في قضايا الإحساس واللغة، الشعر والحقيقة، الشعر والخيال، الشعر والرمز، الشعر والوزن (الموسيقى) وغيرها.
وهي عقد تراكمت في صيرورة ما أسميته بترسيخ وتعميق الشعور الذاتي العربي، التي حصلت على أجابتها النظرية الرفيعة في مدرسة الديوان وابولو. حيث توصل الوعي الشعري العربي فيها إلى مطابقة الخيال مع الحقيقية وجعلها مرجعية ضرورية في الإبداع انتفاضا وجدانيا على فقدان الحرية، ونتيجة لانحلال العلاقة الجوهرية بالتقاليد العربية – الإسلامية لإبداع الخيال والخيال المبدع.
فقد كان البحث عن الحرية يرسي أسس الحرية نفسها. لأن البحث عنها هو إبداع. وعظمته على قدر تأسيسه لها في العلم والعمل، أي في النظرية الشعرية والشعر نفسه. من هنا بروز مسالة "الأصالة الشعرية"، التي لم تكن بدورها سوى الصيغة الظاهرية لحرية الإبداع ونزوعه المغامر في البحث عن رؤية تعبّر في ميدان الشعر عما حصل في تقاليد الإسلام على تسمية "أنا الحق". وذلك لان حرية الإبداع أصالة. وشأن كل أصالة تفترض فردية فردانية هي نتاج معاناة واعية للإشكاليات الجوهرية الكبرى لتاريخ الأمة وارتباط صميمي بالمرجعيات الثقافية الخاصة، وحدس مخلص بالآفاق المرئية والمجهولة. بهذا المعنى كانت آراء المويحلي دقيقة للغاية عندما أكد في مجرى انتقاده شعر احمد شوقي، من أن الشعر هو ألفاظ ومعاني. وبالتالي فان الرجوع إلى العربية والأخذ عن اصلها واجب من جهة الألفاظ. أما من جهة المعاني فان اطلاعه الكبير على شعر الغربيين أوصله إلى أن باعهم فيه ليس أطول من باع الشرقيين، بل أن الشعر الغربي لحد الآن في المعاني عيال على اليونانيين والفرس والعرب. بينما شدد احمد زكي على أن الشاعر هو رسول قومه. وبهذه الصفة يجب أن يكون بيانه من بيانهم. وبالتالي فخليق به أن يكون أول ناقد لنفسه وان يزن بنفسه حسناته وعيوبه.
وتراكمت في المرحلة الممتدة بين المويلحي ومدرسة ابولو حصيلة الإبداع العربي في بحثه عن الحرية. فقد استعاد احمد زكي في الواقع مضمون الفكرة القرآنية عن أن الله يرسل لكل قوم نبيا بلسانهم. ولكنه طوعها شعريا. وهو تطويع سليم، لان الفكرة القرآنية ذاتها تحتوي في رمزيتها على قدر هائل من الاستعداد للتأويل بسبب تمثلها للمطلق في الموقف مما أسميته بالفردية الفردانية في الإبداع الأصيل، بوصفها معاناة واعية للإشكاليات الجوهرية (الواقعية) للامة وارتباط صميمي بمرجعياتها وحدس لآفاقها. إلا أن هذه الثالوث الذي يمكن أن تبنى عليه أيضا فلسفة الأصالة الشعرية، تراكم بصورة جزئية في مجرى المواجهات الأولية للإبداع الحر مع واقع الشعر وحالته المعنوية.
فقد اثارت حالة الانحطاط شعور النفور عند اغلب الادباء والشعراء العرب منذ بدء عصر النهضة الأدبية المعاصرة. ولم يخلو أي أديب عربي كبير من إشارة أو لمحة أو موقف أو تقييم أو حكم عميق تجاهها. فنرى المويلحي في معرض حديثه عن ديوان احمد شوقي، يشير إلى أن ضعف الانتقاد أو شبه غيابه التام والاهتمام بالمدح هو سبب التقليد وانحطاط الشعر والحالة الشعرية العربية. في حين شدد الزهاوي على ضرورة تجاوز النقد مهمة "تفريغ الأحقاد" وتوجيهه صوب الكشف عن عدم تطابق الشعر مع الواقع أو قلة روعته. بينما وضع المازني مهمة الناقد في أن يرسم صورة صادقة للكاتب ويقدم وزنا عادلا لآثار قلمه ومظاهر نفسه.
فالنقد الأدبي حسب رؤية المازني، ينبغي أن يستند إلى ما في الأدب نفسه والى قواعد خاصة في تقييمه سلبا وإيجابا. أي انه لا قيمة ولا وزن لشهرة الشاعر بحد ذاتها. لان قيمة الأدب والشعر في قيمته الفنية والجمالية (المعنوية). فقد كان الهمّ العميق وراء المواقف والآراء النقدية للأدب والشعر عنده يقوم في محاولته هدم "الأصنام الجديدة". ووضعت في محاولتها "برنامج" عملي يستند "على تفصيل المبادئ الحديثة" و"استردافها بنماذج للأدب الراجح من كل لغة" و"صياغة قواعد كالميزان لأقدارها". إلا أنها لم تجسد سوى جزء من "تحطيم الأصنام الباقية". أي أن ما قدمته ونفذته هو السير في اتجاه تعميق وترسيخ ضرورة الشعور الذاتي العربي تجاه ذاته وموروثه عبر بناء الصيغة الأولية للرؤية النقدية اللاذعة تجاهه. وأبقت مشروع "النماذج الأدبية الراجحة" من مختلف اللغات و"ميزانها" في وزن الإبداع الأدبي والشعري في طي البدائل المقترحة والمرغوب بها. وفي هذا النقص تكمن قيمتها التاريخية بالنسبة للغة الشعور الذاتي العربي المعاصر بوصفها لغة الحرية و"الشعر الحر. فقد كتب المازني في (الشعر وغاياته) عن أن "الشعر يلذ قارئه إذا كان للمعاني التي يثيرها في ذهن القارئ في كل ساعة تجديد وفي كل لحظة توليد". وان "قيمة الشعر ليست فيما حوت أبياته واشتملت عليه شطراته فقط، ولكن قيمته أيضا بما يختلج في نفسك ويقوم في ذهنك عند قراءته. فان الشعر الجيد كالبحر لا يقف عنده الفكر جامدا، وهو كشعاع النور يضئ لك ما في نفسك ويجلو عليك ما في ذهنك". أي أن الشعر الكبير هو الذي يشرك القارئ في معاناته بطريقة تجعله شريكا في الحس والرؤية والفعل، ويدفعه إلى تأمل العالم ونفسه ويضئ في أعماقه نور العقل والوجدان بقدر واحد. فالشعر الحقيقي هو موسيقى الشعور المخلص للحرية.
لقد تمخضت معاناة الرؤية الأدبية بشكل عام والشعرية بشكل خاص منذ بدايات النصف الثاني للقرن التاسع عشر عن ترسيخ وتعميق الشعور الذاتي وتحويله إلى لغة الشعر المتحرر من قيود الماضي وتقليديته الخانقة. وتوصل إلى أن حقيقة الشعر هي الحرية، التي صنعت في وقت لاحق عبارة "الشعر الحر". مع أن حقيقة الشعر هي الحرية. و"تحرير" الشعر من القافية لم يكن ضمانة حريته كما أن تحرر الشعر من قيود الماضي لا يعني انه اصبح "شعرا حرا".
لقد أوصل البحث عن الحرية الرؤية النقدية العربية إلى مفارقة "الشعر الحر" وجعله نموذجا وأسلوبا للإبداع الشعري. "فالشعر الحر" هو ليس معضلة الشعر بحد ذاته، بل معضلة الخلل العميق في مشاعر الأمة وجمود روحها الثقافي. وبالتالي ليس "الشعر الحر" سوى مفارقة لها معناها التاريخي والثقافي فقط. أما جوهرها الفني والجمالي، بوصفه تعبيرا عن الشعور الذاتي للامة، فانه كان وسيبقى القضية الأكثر تعقيدا بالنسبة لتقاليد المنسوخ والممسوخ في الوعي الذاتي العربي وآفاق رؤيته وتحقيقه للحرية الفردية والاجتماعية والقومية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم الجنابي - الشعر والشاعر وإشكالية الحرية