أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء















المزيد.....

أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 19:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غالباً ما يثار السؤال: هل هناك علاقة تكافؤ بين السياسي والمثقف؟ أي هل هي علاقة ندّية أم علاقة تبعية؟ ولماذا يحتاج السياسي إلى المثقف؟ هل لترويج خطابه؟ أو لتسويق أفكاره؟ أو للحديث نيابة عنه للجمهور؟ أو لاستخدامه في صراعه مع خصومه؟ أو لاستثماره في نزاعاته الداخلية الحزبية والحكومية؟ أو للاستفادة منه كجزء مكمّل للصورة المرسومة التي تقضي أن يكون السياسي جليساً للمثقفين ونديماً للشعراء والأدباء، أو أن يكونوا هم من ندمائه، لاسيّما عندما يكون هذا السياسي حاكماً؟

وقد يكون الجواب: ما العيب إذا اقترن اسم المثقف بالسياسي أو الحاكم، لاسيّما إذا كان الانسجام والتوافق الفكري بينهما موجوداً، وتوافرت بينهما فسحة من الحرية المانعة للحواجز والقيود على الفكر والثقافة؟ في الوقت ذاته كيف يمكن للمثقف وضع مسافة فاصلة بينه وبين الحاكم، باعتباره غير ملحق به، ولا يستطيع الحاكم الاستغناء عنه أو تجاهله كلياً لأنه بحاجة إليه، وإنْ كان مطيعاً ومنفّذاً لتطلعاته أو مزوّقاً أطروحاته . لكن المثقف أحياناً يفكّر في أنه بدلاً من إقصائه أو تهميشه، قد تؤمن له تلك العلاقة الحماية والاستقلالية، باعتباره كياناً آخر وليس جزءاً من حاشية الحاكم؟ وهو الأمر الذي يثير الكثير من الالتباس وربما الارتياب .

ولكن السؤال غالباً ما يثور: وهل يُسمح للمثقف بمثل هذا الهامش؟ ثم هل يتقبّل الحاكم من خلال سلطته، أن يكون المثقف ندّاً له، وليس واحداً من أتباعه؟ وإنْ رفض المثقف ذلك فإنه سيخسر السياسي، وإن ارتضى فإنه سيخسر نفسه .

هناك درجات قاسية في معادلة الثقافي السياسي، حسب طبيعة الحاكم وتوجهاته ومتطلباته، مثلما هي طبيعة المثقف واستعداداته وتمسّكه بحريته وثقافته وإبداعه .

لقد جالس السياسيون والحكّام على وجه الخصوص المثقفين، وأحاطوا أنفسهم بهم لإدراكهم أن الثقافة سلطة أخرى موازية للسلطة السياسية والعسكرية والبوليسية، وحسب فرانسيس بيكون، فإن المعرفة سلطة، أي إن سلطة المثقف هي معرفته ووسيلته الإبداعية لنشر ثقافته وبسط سلطانه، وكما يقال المعرفة: قوة أو سلطة Knowledge is power، إلاّ أن سلطة المعرفة تختلف عن السلطة السياسية والعسكرية من حيث التأثير والسلطان والجبروت، إذْ إن الأخيرة تمتلك أدوات القمع وبإمكانها تسخير الأدوات المعرفية والثقافية لفرض سلطتها القمعية .

وقد استخدمت الكثير من الأنظمة على نحو مترابط القمع السياسي البوليسي مترافقاً مع القمع الإيديولوجي الثقافي، خصوصاً بتطويع وتوظيف بعض المثقفين لتبرير سياساتها بما فيها القمعية، فضلاً عن ترويج خطابها، الأمر الذي انخرط فيه مثقفون غير قليلين تحت مبررات مختلفة تارة طبقية وأخرى قومية وثالثة دينية، وهكذا، الأمر الذي يتطلب من المثقف إذا ما أراد احترام نفسه أن يحترم ثقافته وسيلته الإبداعية، نائياً بنفسه عن الاستخدام التوظيفي لثقافته من جانب السلطات لإضفاء مشروعية على القمع السياسي، فالمثقف الذي لا يخدم معرفته وثقافته لا يحترم سلطته، أو إنه يتنازل عنها بثمن بخس، والمسألة لا تعني أن عليه اختيار العزلة أو الاعتكاف أو عدم الاختلاط بالحكام، لكن المهم أن يُبقي المثقف يده على الزناد، كما يقال، لإطلاق كلمة الحق، كلّما شعر بضرورة ذلك، وكلما كان الأمر واجباً، فلا ينبغي له والحال هذه الاستقالة من دوره أو التخلي عنه .

تعود حاجة الحاكم إلى المثقف لأمرين أساسيين:

الأول: الظهور أمام الرأي العام كصاحب مشروع فكري- ثقافي، خصوصاً إذا كان للمثقف صدقية وضميرية، لأن ذلك يسبغ إيجابية على الحاكم وخطابه، وإذا حظي الحاكم بدعم المثقف، وخصوصاً بعض الرموز المهمّة، فإنه سيحظى بدعم شعبي .

والثاني: يريد الحاكم التظلل بمظلة الثقافي مبعداً “سلطويته” عن التصوّر السائد، لإدراكه أهمية إظهار جوانبه الإنسانية ذات البُعد الأخلاقي، مستخدماً التأثير النفسي (Psychology) في كسب تأييد المجتمع له .

كان بعض الحكام تاريخياً يغدقون على الأدباء والشعراء الموالين الذين يقومون بالترويج والدعاية الإيديولوجية، ويعاقبون من يمتنع عن ذلك، بالتهميش والعزل والسجن أحياناً، أو بالتصفية الجسدية، لأنهم يدركون أهمية سلطة الثقافة، وقد أثرت في كتابي “الجواهري- جدل الشعر والحياة” بطبعته الأولى، عن دار الكنوز الأدبية، بيروت، ،1997 التباس علاقة الجواهري بالزعيم عبد الكريم قاسم، فالأول: زعيم السلطة الثقافية، والأدبية، والإعلامية، لكونه رئيس اتحاد الأدباء العراقيين ونقيب الصحفيين، أما الثاني: فهو زعيم السلطتين العسكرية والتنفيذية، أي القائد العام للقوات المسلحة، وفي الوقت نفسه رئيس الوزراء .

وبالرغم من أن عبدالكريم قاسم زار بيت الجواهري كأول بيت يزوره بعد ثورة 14 يوليو/تموز ،1958 وقال عنه: هذا البيت هو الذي أنجب الثورة، فإنه عاد وتنكّر لذلك بسبب خصومة كنت قد رويتها تتعلق بما كتبه الجواهري في جريدته “الرأي العام”، ولاسيّما مقالة بعنوان “ماذا يجري في الميمونة؟”، وهي قرية في محافظة ميسان (العمارة) جنوبي العراق، وذلك بعد تدهور الوضع السياسي في العراق واستدارة الحكم باتجاه الهيمنة الفردية، الأمر الذي قلّص هوامش الحريات التي جاءت بها الثورة، وخاصة عندما ضاق صدر الزعيم إزاء أي رأي آخر . وكنت قد أضفت فقرة جديدة في طبعة الكتاب الثانية، الصادرة عن دار الآداب، في بيروت، ،2009 بعنوان “الجواهري حيال السلطة والسياسة” وهي دراسة نُشرت في مجلة “أبواب” العدد (16- 1998) وهي تتعلق بصميم علاقة المثقف بالسلطة .

أسوق هذه المعلومات ليقيني بمدى أهمية وحساسية علاقة المثقف بالحاكم، التي قد تثمر إيجاباً أو قد تُستثمر سلباً، لاسيّما إذا أدركنا اشتباك هذه العلاّقة وتعقيداتها، ولي أن أتساءل مرّة أخرى: ما الذي أراده فيديل كاسترو من صداقته مع غابرييل غارسيا ماركيز الذي ظل يحرص على لقائه؟ كما يمكنني القول: ما الذي أراده الأخير من كاسترو؟ ويمكن سحب السؤال على علاقة عبدالفتاح إسماعيل بأدونيس على الرغم من أنها لم ترتق إلى مستوى علاقة كاسترو بماركيز، وهي علاقات مزدوجة ومركّبة، وهو ما حاولت إضاءته في كتابي “كوبا الحلم الغامض”، خصوصاً المعادلة القاسية بين الثقافة والسياسة .

إن صورة المثقف لا تزال تثير جدلاً واسعاً، ليس على صعيد النُخب الفكرية والثقافية فحسب، بل على الصعيد السياسي والاجتماعي، فكثيرون يعتقدون أن المثقف منزّه وأن عليه ألاّ يخطئ، وإذا أخطأ وغيّر رأيه، سيعدّ ذلك تراجعاً، وإذا أقام علاقة مع مسؤول أو حاكم، لاحقته الشبهة والاتهامات، وإذا بادر وتخلّى بالنقد عن بعض وجهات النظر أو خالف السائد من الآراء، اعتبر مارقاً، في حين أنه بواقع الأمر إنسان كغيره من الناس، يخطئ ويصيب ويغيّر رأيه ويتراجع وينقلب ويصحح، خصوصاً إذا توافّرت لديه معطيات جديدة ومعلومات مختلفة .

صحيح أن مسؤولية المثقف أكبر بكثير من مسؤولية الفرد العادي، لاسيّما إذا كان صميمياً، فهو تحت الأضواء أكثر من غيره ورأيه موثق، في حين أن الكثير من الناس لا يغيّرون آراءهم فحسب، بل ينتقلون من ضفة إلى أخرى، ويصدرون أحكاماً قاطعة وجازمة، ثم يعودون ليتراجعوا عنها، بل يناقضونها ولا أحد يحسب ذلك عليهم، أما المثقف فكل أمر محسوب عليه وموثق، لذلك عليه أن يتوخّى الدقة ويلاحظ حساسية موقعه .

يذهب بعضهم إلى تشبيه علاقة المثقف بالحاكم بحالة اختلاط الزيت بالماء، فهما عنصران غير قابلين للمزج والخلط حتى إن وضعا معاً لفترة طويلة، فإنهما سيعودان كل إلى أصله، لا يندمجان ليشكلا عنصراً واحداً يملك الصفتين، ولذلك تظل العلاقة بين المثقف والحاكم ملتبسة بالرغم من كل ما يرافقها أحياناً من مظاهر التوافق والتفاعل، وسيكون الخاسر الأكبر هو المثقف في غالب الأحيان، لاختلال موازين القوى، وخير مثال على ذلك ما انتهت إليه العلاقة الحميمة بين المتنبي وسيف الدولة من الجفاء والعداء والهجاء .

وقد توجد ثمة استثناءات، لكنه بالرغم من ذلك لا يمكننا القول إنها علاقات متكافئة، فلم يكن ممكناً لماركيز كمثقف كبير هاجسه الحرية والحقيقة والجمال، الحديث عن شحّ الحريات وغياب التعددية والرأي الآخر، وتلك الرسالة تشكل جوهر وظيفته الإبداعية باعتباره ناقداً اجتماعياً حسب ماركس ومثقفاً عضوياً حسب غرامشي، وأياً كان الحاكم تقدمياً أو رجعياً، علمانياً، أو متديناً، يمينيأً أو يسارياً، فهو حريص على علاقة خاصة بالمثقفين .

كما لم يكن بإمكان غوبلز وزير الإعلام وهيوس رئيس مسارح الرايخ سوى تلميع صورة أدولف هتلر وخطابه وحركاته . كما كان “جدانوف” مبرراً كل شيء لستالين باسم “الواقعية الاشتراكية” بما فيها ملاحقة المثقفين، وكان أندريه مارلو قريباً من شارل ديغول، مثلما كان محمد حسنين هيكل لصيقاً بجمال عبدالناصر، وكان الكاتب حسن العلوي قد أسهم في تهيئة الأجواء عشية تسلّم صدام حسين قيادة الحزب والدولة في أواخر السبعينات، وذلك خلال مرافقته في رحلته المثيرة مع “السيد النائب” إلى جنوبي العراق التي أعطاها عنواناً “مئة ساعة مع السيد النائب” ونشرها في مجلة “ألف باء” في حينها، وكما يقول عنها، كانت المقابلات التي نشرها بمنزلة برنامج سياسي ل “السيد النائب”، على الرغم من أن طموح صدام حسين كان أكبر بكثير، وهو الأمر الذي التقطه أمير إسكندر حين أصدر كتابه المثير “صدام حسين مفكراً ومناضلاً وإنساناً” . والأمر ينطبق على حسني مبارك وزين العابدين بن علي والقذافي والأسد والبشير وعلي عبدالله صالح وغيرهم، ولعل هذا ديدن علاقة المثقف بالحاكم .

لعل أسئلة الثقافة والسلطة تبقى مفتوحة، لأنها أسئلة الحياة وتشتبك فيها أحياناً القيم والمبادئ بالمصالح والامتيازات، الأمر الذي يحتاج إلى نوع من فك الارتباط الهادئ والواضح بحيث لا نخسر المثقف، لاسيما بخسران ثقافته التي تبدأ من حريته في الفكر والإبداع والجمال والخيال .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثروات العراق: عقود ملتبسة ومستقبل غامض!!
- إرهابيون أشرار وإرهابيون أخيار!
- في وداع عبد الرحمن النعيمي : حين يجتمع العقل والحكمة والصدق
- الدبلوماسية العالمية: مفارقات وحيرة
- ليبيا: احتلال بالتعاقد أم الأمن الناعم؟
- مصر التي في خاطري
- البوعزيزي وسيدي بوزيد وبحر الزيتون
- التزوير «القانوني» وكاتم الصوت العراقي
- ما بعد كركوك.. هل جنوب السودان نموذج؟!
- صالح جبر وسعد صالح : التاريخ وصداقة الأضداد
- دولة فلسطين واعتراف الأمم المتحدة
- الربيع العربي واستنساخ التجارب!
- القوى المخلوعة والمحافظة تهدد الثورة .. وحذار من التصدع!
- في نظرية التفكيك العراقية!
- سياسيون بلا سياسة في العراق!
- الربيع العربي والهواجس المراوغة
- الشباب وفن الانتفاضة: خريف الآيديولوجيا وربيع السياسة!
- شروط أوباما الفلسطينية
- إقليم السنّة العراقي: التباس التاريخ
- ديناميكية مغربية


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء