أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - ديناميكية مغربية















المزيد.....

ديناميكية مغربية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3419 - 2011 / 7 / 7 - 21:18
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


عشية التغييرات الكبيرة التي حدثت في دول أوروبا الشرقية وبُعيدها أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، باشر الملك الحسن الثاني بإطلاق مبادرة للتقريب بين الحكم والمعارضة، فقد استشعر بحسّه أن المراوحة في أساليب الحكم السابقة ستعود على المغرب بالضرر، لاسيما وقد آن الأوان للتغيير في ظل بيئة عالمية مشجعة وظروف داخلية ضاغطة، خصوصاً للدور الذي أداه المجتمع المدني ومؤسساته وتنظيماته، بما فيها جمعيات حقوق الإنسان، فضلاً عن القوى السياسية المعارضة بجميع تياراتها وألوانها .

لقد أدرك الملك أن التغيير أصبح قاب قوسين أو أدنى، فإن لم يأتِ تراكمياً، تدرجياً، فإنه سيأتي عاصفاً ومدوياً، وإن لم يكن داخلياً، فسيكون للخارج دور غير قليل، وإن لم يحدث في ظروف انفراج، فسيكون في حال احتدام، وإن لم يكن توافقياً، فسيكون تناحرياً، لهذا أقدم على مبادرة جريئة بوضع دستور عام 1996 الذي تضمن أسساً صالحة للتعاون الوطني بين الحكومة والمعارضة، واختار بعد أول انتخابات المناضل الوطني المعارض عبدالرحمن اليوسفي ليصبح الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وكانت تلك المبادرة قد وضعت حداً لسنوات من التسلطية وملاحقة وقمع المعارضة وكبت الحريات .

في حديث جمعني في كازابلانكا (الدار البيضاء) عام 1999 مع عبدالرحمن اليوسفي وكان حينها قد تولّى رئاسة الوزراء (الوزير الأول) كما يسمّى في المغرب العربي بعد أن كنت قد تعرفت إليه عندما كان رئيساً لحزب الاتحاد الاشتراكي، وهو من الشخصيات الحقوقية المؤثرة، حيث عمل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان وفي اتحاد الحقوقيين العرب، ثم قبل تكليفاً ملكياً بتولي رئاسة الوزراء، وكان اليوسفي قد طلب اللقاء مع نخبة من زملائه العاملين في الإطارين ذاتهما، على دعوة عشاء نظمها عبدالعزيز البنّاني في بيته، يومها تحرّك فيّ الهاجس الصحفي لسببين، الأول هو كيف يمكن لمعارض وطني قضى أكثر من ثلاثة عقود في المنفى أن يتبوأ رئاسة وزارة في عهد لا زال مستمراً، وكان من أشد المعارضين له، بل داعياً لإلغائه؟ والثاني كيف يفهم السياسي الوطني معارضته من خلال هيكل الدولة وكيف يمكن التعامل معها؟

بادرت حينها إلى إثارة النقاش بسؤال الوزير الأول: ألا تشعر أحياناً بالغربة أو الاغتراب، يا “دولة” سي عبدالرحمن وأنت في هذا الموقع؟ وكان جوابه، نعم وإلى حدود غير قليلة، لكن شفيعي أن جزءاً من خطابي لا زال معارضاً، وهو ما كنت ألمسه في أحاديثه وخطبه التي تابعتها لأكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، بما فيها عندما استقبل عدداً محدوداً من الذين يرتبطون بعلاقة أو معرفة معه في منزله، الذي رفض البقاء فيه رغم طلب الملك نفسه، لكنه عاد إلى شقته التي كان يسكنها قبل توليه الوزارة، وبعدها أردف اليوسفي قائلاً: لقد كنّا نعارض الدولة من خارجها وربما بعض معارضتنا الآن من داخلها، وهي تجربة اخترناها بالأغلبية رغم تحفظ بعض الأصوات، وعلينا اجتيازها، ونأمل بأن تكون مفيدة وناجحة، وهي تجربة مفتوحة للزمن للمناقشة والتقييم .

وقال اليوسفي كنّا نعتقد أن بعض الملفات يمكن أن نفتحها بيُسر وسهولة وإذا بها مغلقة أمامنا، وبعضها اعتقدنا بصعوبة فتحها، وإذا بها مفتوحة أمامنا، بل أننا استطعنا المضي فيها إلى حدود كبيرة، بما فيها ملفات التعذيب والمساءلة وجبر الضرر والتعويض، فضلاً عن إعادة النظر ببعض القوانين وتشريع قوانين جديدة .

استعدت تلك الديناميكية والحيوية المغربية لدى المعارضة والسلطة في المغرب وأنا أتابع ما يحدث فيه منذ سنوات طوال، لاسيما في ظل موجة الاحتجاجات والتظاهرات الأخيرة، ففي هذه المرة حاولت المؤسسة الملكية، استباق الأحداث واللحاق بعجلة التغيير، قبل أن تسبقها أو تبعد عنها بمسافات لا يمكن ردمها أو الوصول إليها، فأقدم الملك محمد السادس على طائفة من التغييرات، لعل أهمها هو إجراء تعديلات مهمة على دستور عام ،1996 وسواءً قبل بها البعض واعتبرها خطوة إيجابية باتجاه الملكية الدستورية، أو رفضها البعض واعتبرها محاولة لإجهاض التطور نحو ملكية دستورية حقيقية، فإنها في جميع الأحوال تعتبر تطوراً دستورياً للمغرب قياساً بالمؤسسة الملكية وصلاحياتها المعروفة تاريخياً، بما فيها تلك التي قننت في دستور عام 1996 .

وتم تشكيل لجنة مؤلفة من 18 عضواً برئاسة د . عبداللطيف المانوني ضمّت ألوان الطيف السياسي والنوع الاجتماعي والاختصاص القانوني والأكاديمي، إضافة إلى نشطاء من المجتمع المدني ومن قوى يسارية، مع أن هناك من لاحظ غياب التيار الإسلامي وهو تيار مؤثر وفاعل، معتبراً ذلك نقصاً في تركيب اللجنة وتوجهها إلاّ أن التمثيل الواسع وإن لم يكن شاملاً فهو إيجابي مع الإشارة إلى نقص تمثيل بعض الاتجاهات . وقامت اللجنة باستطلاع رأي القوى والأحزاب والمنظمات بشأن مسوّدات مشروعها، الأمر الذي أيّده البعض وعارضه البعض الآخر، لاسيما طريقة استطلاع الرأي والوقت المخصص والأسلوب الشفاهي الذي تم فيه من دون وجود نص مكتوب بهدف مناقشته وإبداء الملاحظات عليه، لكن ذلك بحد ذاته يعكس حراكاً اجتماعياً وسياسياً وفكرياً .

وإذا كانت التعديلات الدستورية قد ألزمت الملك باختيار الوزير الأول (رئيس الحكومة) من الحزب الذي يحصل على الأغلبية البرلمانية ومنحه صلاحيات واسعة قياساً لما سبق، لكن ذلك لم يغيّر من صلاحيات الملك واختصاصاته الأساسية، التي ظلّت ذات طبيعة تنفيذية وتشريعية وقضائية بصفته “أميراً للمؤمنين”، الأمر الذي أعطاه حصانة وحرمة وأعفاه من أي مساءلة، فضلاً عن ذلك فإن وجود نصوص من هذا القبيل تشكل عائقاً أمام تحوّل النظام الملكي المغربي إلى نظام برلماني يتمتع فيه رئيس الوزراء (الوزير الأول) بالصلاحيات الكاملة باستثناء اختصاصات الملك المحدودة والمحدّدة .

واحتوى الدستور المغربي على تعديلات دستورية مهمة تدخل في صلب حقوق الإنسان، فتوّسع في ما يتعلق بحرية التعبير والحق في الإبداع الثقافي (الفن والأدب) وأكد مبادئ الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، والحماية من الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري ونبذ العنصرية ومظاهر الكراهية والعنف وشمل الحقوق السياسية في التصويت والترشيح وحقوق المغتربين وغيرها وتكاد بعض هذه الحقوق تقترب من المعايير الدولية .

ولعل جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية، واستحداث مجلس وطني للغات واللهجات المغربية، كان من الأمور المهمة التي تضمنتها التعديلات الدستورية، انسجاماً مع إعلان حقوق الأقليات الصادر عن الأمم المتحدة عام 1992 .

وفي خضم فوضى الفتاوى بادرت التعديلات الدستورية إلى تنظيم ذلك بحصرها بالمجلس العلمي الأعلى الذي هو برئاسة الملك، وذلك منعاً من التلاعب بها أو توظيفها لأغراض خاصة من جانب قوى الإسلام السياسية .

وبتقديري فإن هذه التعديلات مهمة في إطار النظام الملكي القائم، لكنها قد لا ترتقي إلى تحويل المغرب إلى ملكية دستورية برلمانية، إذ إن فلسفة المشرّع قامت على اعتبار نظام الحكم في المغرب مع اعتباره “ملكية، دستورية، ديمقراطية، برلمانية، اجتماعية” أي أن الملكية هي الجوهر الثابت بسياقات الحكم، ضمن اختصاصاتها التي أشرنا اليها، لكنها بكل تأكيد اتفاقاً أو اختلافاً ستترك ديناميكية جديدة وهو ما تشهده الحياة السياسية المغربية منذ نحو عقد ونصف العقد من الزمان .

باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تصبح العدالة ميداناً للصراع الدولي!
- منهج ماركس لا يزال صحيحاً لكنه لا يصلح لنا الآن
- الربيع العربي وحرية التعبير
- التسامح والرمز
- هل تتقطّع خيوط واشنطن في بغداد؟ التعويضات ومعسكر أشرف
- ثلاثة ألغام أمريكية جديدة في العراق
- عبد الكريم الأزري: المشكلة والاستعصاء في التاريخ العراقي
- السلام يُصنع في العقول
- كوبا الحلم الغامض- كتاب جديد
- فقه التجديد والاجتهاد في النص الديني
- الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر
- قانون التغيير وتغيير القانون
- في العقول يبنى السلام وفي العقول يتم القضاء على العنف
- فصل جديد من الدبلوماسية الأمريكية
- سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب
- إمبابة وأخواتها
- التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
- لغز الانسحاب الأميركي من العراق!
- التعذيب والحوار العربي - الأوروبي
- تحية لمظفر النواب: شاعر التجديد والتمرد والإبداع


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - ديناميكية مغربية