أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر















المزيد.....

الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3392 - 2011 / 6 / 10 - 18:53
المحور: الادب والفن
    



نشأ الشاعر أحمد الصافي في بيئة دينية - ثقافية مفتوحة وأجواء أدبية - علمية جدلية، لا سيما وقد بدأ شبابه الأول دارساً في الحوزة العلمية الدينية في النجف، تلك التي غالباً ما يطلق عليها تعبير مدرسة أو معهد أو جامعة أو أكاديمية، وهي وإن اختلفت في بعض المواصفات والدرجات العلمية المعروفة اليوم، إلا أن المقصود بها ونحن نتحدث عن الحوزة، هو ما يتم اعتماده من مراتب وسلّم تدرّجي واعتراف من الأساتذة بالتقدم في اجتياز المنهج الدراسي، الأمر الذي يقرّبها من الجامعات والكليات الحديثة.
وتضاهي المدرسة النجفية مدارس أو جامعات الأزهر (القاهرة) والزيتونة (تونس) والقرويين (فاس)، وتعتبر امتداداً لمدرسة الكوفة الشهيرة، وبحسب ابن الأثير فإن الدراسة فيها بدأت في القرن الثالث الهجري، وتذهب بعض الدراسات المعاصرة إلى اعتبار جامعة النجف من أقدم وأعرق الجامعات العلمية، فجامعة بولونيا في إيطاليا، وهي من أشهر جامعات أوروبا، تأسست عام 1119م، في حين التحق الإمام الطوسي بجامعة النجف التي كانت قائمة آنذاك في عام 1107 المصادف 448 - 449 هجرية، أي أنها وفقاً لبعض المؤرخين تأسست نحو عام 250 هـ، وقد تأسس الأزهر الشريف في 359 هـ.
وكان لدراسة الصافي، في الحوزة العلمية أثرها الكبير في ثقافته وسعة أفقه وتعزيز وصقل موهبته الشعرية، لا سيما اختلاطه بالدارسين من أمم وقوميات وشعوب أخرى، خصوصاً وكان يقصدها ولا يزال الطلبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي ويتخرج منها العشرات، بل المئات سنوياً.
ولد أحمد الصافي وهو من السادة آل الصافي من آرومة عربية معروفة عام 1897، وأخذ يُلقّب خلال منافيه بالنجفي، ومثلما بدأ في الدراسة الدينية مبكّراً، فإنه بدأ بالتمرد والشعر في الوقت ذاته. وعندما اندلعت ثورة العشرين وعلى أثر فشلها غادر العراق إلى إيران، وهناك درس الفارسية وترجم رباعيات الخيام، حيث تعتبر ترجمته من أحسن الترجمات.
عاش حياته مشرّداً ومغترباً في إيران وسورية ولبنان نحو نصف قرن، وظل طوال حياته يعشق الحرية ويتغنّى بها، حتى وإن كانت حريته أقرب إلى الفوضى أحياناً، عاش مُعدماً ووحيداً، ولم يتزوج أو يقترن بامرأة، فلم يُعرف عنه ذلك، وقد لازمته الوحدة والاغتراب والشعر طيلة حياته.
خلال الحرب الأهلية في لبنان اخترقت جسده النحيل شظيتان واضطّر على أثرها إلى العودة إلى العراق بعد منفاه الاختياري، وكان متاعه الوحيد هو الشعر، حيث حمل معه عشرة دواوين مطبوعة وقصائد كثيرة غير منشورة. وقد طبعت وزارة الثقافة العراقية المجموعة الكاملة لأشعاره عام 1977، وهو العام ذاته الذي وافاه الأجل بعد عودته إلى العراق. وقد أشرف على طبعها وكتب مقدمة لها الدكتور جلال الخياط.
بدأ شبابه الأول بالشعر مثلما بدأه بالتمرد أيضاً، واختار مع ثلة من أصحابه الدارسين طريق التميّز والتحرر، فأسسوا صومعة أطلقوا عليها "معقل الأحرار"، وهي ملتقى ثقافي - فكري تجديدي بلغة الثقافة، ووكر سري معارض ومنتقد للتيارات التقليدية وللسلطات البريطانية بلغة السياسة، ولا سيما وقد ترافق ذلك قبيل وبُعيد ثورة النجف عام 1918 وعشية اندلاع ثورة العشرين 1920 التي شارك فيها العراقيون المتمردون الأربعة من أعضاء المعقل، وهم: سعد صالح، سعيد كمال الدين، وبعد فشل الثورة هربا إلى الكويت، مثلما هرب عباس الخليلي وأحمد الصافي النجفي إلى إيران، وإذا كان سعد صالح وسعيد كمال الدين قد عادا إلى العراق بعد أشهر عديدة بتوسّط من طالب النقيب فقد مكث الصافي والخليلي في إيران لعدة سنوات، حيث تجاوزت الثماني سنوات بالنسبة للصافي.
أما الدارس الآخر معهم ومن أعضاء الشلّة، فهو علي الدشتي، إيراني الأصل، وقد عاد إلى إيران وأصبح له شأن سياسي وثقافي، حيث توفي مطلع الثمانينيات وهو مؤلف لكتاب شهير صدرت ترجمته قبل سنوات بعنوان: "23 عاماً دراسة في السيرة النبوية المحمدية".
ربطت سعد صالح بالصافي صداقة مديدة وكلاهما نظم الشعر منذ شبابه وقد أورد سعد صالح قصيدة يذكر فيها صديقه أحمد الصافي، وكان كلاهما على الرغم من التقاليد والعادات الثقيلة وأجواء المدينة المحافظة، يحملان فكراً منفتحاً وميلاً نحو التجديد، ولا سيما في القضايا الاجتماعية، الأمر الذي جعلهما أقرب إلى بيئة التمرد والرفض، مثلما كانت بيئة الشعر وصداقته هي حبل الوصل السحري بينهما.
وإذا كان سعد صالح قد اختار الدراسة الأكاديمية لاحقاً، حيث تخرّج من دار المعلمين، ثم التحق بكلية الحقوق وتخرج منها، وفيما بعد اختار الوظيفة العامة طريقة للعيش والخدمة والعمل وتدرّج في المناصب الإدارية وأصبح وزيراً للداخلية، فإن الصافي عاش حياته كلّها مشرّداً وصعلوكاً وبوهيمياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
ولعلّي كلما تذكّرت الصافي أستذكر معه الشاعر عبد الأمير الحصيري، الذي نشأ في البيئة ذاتها، في أجواء مفعمة بالشعر والجدل، وكان الصافي والحصيري قد انصرفا إلى الشعر والتمرد والاغتراب، حيث عاشا اغتراباً مزدوجاً اجتماعياً وفكرياً، كما عاش الصافي اغتراباً فيزيولوجياً أي جسدياً بابتعاده نحو خمسة عقود عن العراق. وظلّ كلاهما وفيّين للشعر، وله وحده، لا يعرفان سواه، وإذا كان الصافي زاهداً بكل شيء باستثناء الشعر، فإن نؤاسية الحصيري لازمته وكأنها مكمّلاً للشعر الذي أعطاه كل حياته.
أتذكّر أنني التقيت الصافي عدّة مرات، حيث كنت أزوره في الستينيات من القرن الماضي وما بعدها في مقهى أبو عجاج في دمشق "الشام" وفي مقهى البحرين في بيروت (قرب ساحة البرج) وأعرف أن له علاقة وطيدة مع جدي (والد والدتي) الحاج حمود شعبان، الذي كان يلتقيه سنوياً في الشام أو بيروت أو بحمدون، لحين وفاته عام 1963، وظلّ الصافي في بيروت حتى عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية فعاد إلى بغداد، لكنه توفي إثر إصابته بشظيتين ظل يعاني منها إضافة إلى أمراضه وتدهور حالته الصحية.
وأتذكّر أنه عندما كان يحتسي فنجان الشاي كان يردد:
إذا كان غيري بالمدامة مولعاً
فقد ولعت نفسي بشاي معطّر
الصافي راح ضحية ارتباك فهم شرطه التاريخي، ولا سيما عندما حوّل الشعر إلى الحياة، أو هكذا أصبح الشعر لديه كل منطق الحياة الذي يطمح له، وعندما تتحول الحياة كلها إلى شعر، فالشاعر سيكون أول الخاسرين في معادلة الحياة القاسية، ولا سيما إذا عاش الحياة شعراً وأصرّ عليها، وإذا كان سعد صالح إدارياً وسياسياً واقعياً ومشروع مفكر وناقد، فقد كان الصافي حلاجياً وتصوّفياً أقرب إلى الصعلكة كجزء من فهمه لكينونة الحياة، فبعد نصف قرن من الطواف والحرية والتشرّد والفوضى والمنفى الاختياري، عاد الصافي محمّلاً بالقصائد محتشداً بالشعر وبكل ما هو مثير من تجارب وذكريات واغتراب، وظلّ يحن إلى الوطن المنبع الأول، الذي جمع أشعاره وربما أشلاءه بعد أن هزل جسده النحيل خصوصاً عندما استقرت به شظيتان. ظلّ الصافي يتغنّى:
يا عودة للدار ما أقساها
أسمعُ بغداد ولا أراها
وفي جلسة استذكار كان الصافي يستعيد بيتين من الشعر نظمهما في طهران عندما هرب إليها ولم أعثر على البيتين إلاّ بعد نشر المجموعة الكاملة لديوان الصافي في بغداد عشية رحيله عام 1977، وهي الطبعة التي قدّم لها وأشرف عليها الدكتور جلال الخياط كما أشرت.
وهنا اكتشفت المفاجأة حين قرأت عن أحد اللقاءات الذي ضمّ الصافي والشيخ علي أحد علماء الطائفة الجعفرية في طرابلس، والشريف حسن من أشراف مكة المقيم في اللاذقية، والسيد عباس الخوئي نجل العلاّمة الخوئي، وعندما استعاد الصافي ذكرياته في إيران التي مكث فيها عدة سنوات، سأله السيد الخوئي وهل نظمت شعراً هناك: فأجابه نعم نظمت بالفارسية، وحين ذكر له بيتين نظمهما عام 1924، فأجابه الخوئي إذاً هذا شعرك، فقال الصافي نعم، إنهما من شعري، فقال له إن البيتين وأبيات أخرى من القصيدة تغنيهما في طهران "أم كلثوم الفرس" المسماة "حميراء"، وقد تأكّدت من ذلك من السيد الخوئي، وكان الخياط قد قام بنشر البيتين بلغتهما الفارسية مع ترجمة بالعربية.
على الرغم من اعتزاز أحمد الصافي بالنجف، إلا أنه كغيره من النجفيين، لا سيما الأدباء والشعراء كانوا يتندّرون أحياناً بدعابات يخالها السامع هجاءً، ولعلها صورة من صور المزاج والمزاح عند شعراء النجف، فالنجف التي على طرف الصحراء ليس فيها أنهار، فالخضرة شحيحة والمزارع قليلة ومناخها بارد قارس في الشتاء وحار جاف في الصيف، وهو الذي دفع أحمد الصافي لأن يصفها مزاحاً:
صدق الذي سمّاك في وادي طوى
يا دار بل وادي طوى وعراء
جلستْ على الأنهار بلدان الورى
فعلامَ أنت جلستِ في الصحراء
وهو القائل:
وواردات بلدتي جنائز
وصادرات بلدتي عمائم
وذلك إشارة رمزية لمقبرة الغري (وادي السلام) التي تعتبر من أكبر مقابر العالم مثلما هي إشارة إلى المدينة المصدِّرة للعمائم، حيث كان يتخرّج من حوزتها العشرات من الدارسين سنوياً والذين ينتشرون في مختلف البلدان الإسلامية.
واستذكاراً بذلك كان الشاعر الشيخ علي الشرقي يقول في وصف المدينة:
بلدي رؤوس كلّها
أرأيت مزرعة البصل؟
وذلك في مقاربة لمرتديي العمائم الذي كان الشرقي منهم!!
عاش الصافي للشعر وأخلص له وكان الشعر بيته وحياته التي لم تتوقف إلاّ عندما توقف قلبه.


صحيفة الاقتصادية السعودية العدد رقم 6451 ، الجمعة، 10/6/2011



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون التغيير وتغيير القانون
- في العقول يبنى السلام وفي العقول يتم القضاء على العنف
- فصل جديد من الدبلوماسية الأمريكية
- سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب
- إمبابة وأخواتها
- التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
- لغز الانسحاب الأميركي من العراق!
- التعذيب والحوار العربي - الأوروبي
- تحية لمظفر النواب: شاعر التجديد والتمرد والإبداع
- مَنْ يعوّض مَنْ؟
- الساسة العراقيون يتصرفون وكأنهم لا يزالون في المعارضة
- أيهدم بيت الشعر في العراق!
- بعد 50 عاماً على اعلان تصفية الكولونيالية
- دور المجتمع المدني بعد انتفاضات الشباب
- السمات العشر للانتفاضات العربية
- المواطنة بضدها
- الجنادرية والتويجري والأسئلة
- جاذبية التغيير
- الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
- مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر