أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - جاذبية التغيير















المزيد.....

جاذبية التغيير


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3342 - 2011 / 4 / 20 - 19:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما حصل في تونس والقاهرة وعدد من العواصم والمدن العربية هو وليمة للعقل ومناسبة للتفكير والتدبير في ما آلت وما ستؤول إليه سياسات وأنظمة ومسلّمات، ظل بعضها منذ عهد الحرب الباردة أو ما قبلها مستمرّاً ومن دون شعور بالحاجة إلى التغيير، على الرغم من أن كل شيء من حولنا يتغيّر على نحو جذري وسريع، في ظل الثورة العلمية التقنية وثورة المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والطفرة الرقمية “ الديجيتل” . لكن العالم العربي كلّه انتقل مرّة واحدة إلى دائرة الضوء، لدرجة أن قرى وبلدات ومدناً نائية ومنسيّة أصبحت معروفة عالمياً، في ظل دهشة ومفاجأة لما حدث وكيف حدث؟ ولعل الأمر بحاجة إلى وقفة تأمل .

ليست الثورة رسماً بيانياً أو خارطة هندسية أنيقة تُعرف تضاريسها وحدودها سلفاً، إنها تمرّد وانتفاضة على ما هو قائم، ولا توجد ثورة في التاريخ تركت تأثيراتها من دون أن تترك انقلاباً على النظام القديم، مروراً بفترة انتقالية، قد تطول وقد تقصر وقد تشهد معاناة جديدة باتجاه بناء نظام جديد، بغضّ النظر عن طبيعته، لكنه سيكون نقيضاً لما سبقه . ولعل جميع الثورات صاحبها ورافقها واتّسق بها شيء من الخراب للقديم، باتجاه مرتكزات جديدة ونظام قيمي آخر، بغض النظر عما ستتركه من بعض التأثيرات السلبية أحياناً . وبمراجعة وقراءة للثورات المعاصرة الكبرى سواءً الثورة الفرنسية العام 1789 أو الاكتوبرية الروسية العام ،1917 أو الإيرانية الإسلامية العام ،1979 لم أجد ثورة “نظيفة” في التاريخ، بمعنى ما ينبغي وما لا ينبغي أن تقوم به، لاسيما القوى المشاركة في التغيير أو المتضررة منه .

تأتي الثورة مثل الريح الخفيفة المنعشة التي تسبق المطر، هكذا حصل في تونس ومصر حين لاحت تلك الغيمة الفضية في سمائهما، التي سرعان ما انتقلت من المغرب إلى المشرق ومن المحيط إلى الخليج، الأمر يعتمد على درجة الحراك الشعبي وعلاقة الحاكم بالمحكوم، لاسيما عندما يختار الأخير اللحظة الثورية التي قد تأتي بعد تراكم لعقود من الزمان، ففي تونس كان إحراق البوعزيزي نفسه، إشارة البدء، أو ساعة الصفر لإعلان الانتفاضة التي سرت مثل النار في الهشيم، معلنة وحدة المشترك الإنساني العربي، من دون نسيان الخصوصية والتمايز بكل بلد وبكل حالة .

والتغيير ليس استنساخاً أو عدوى تنتقل على نحو مباشر أو غير مباشر، بقدر ما هو قانون طبيعي للتطور التاريخي للمجتمعات، خصوصاً وقد وصلت أغلبيتها إلى طريق مسدود وهو ما عكسته تقارير التنمية البشرية، لاسيما شحّ الحريات والنقص الفادح في المعارف واستمرار ظاهرة الأمية التي تجاوزت 70 مليون مواطن بما يقارب 20% من سكان العالم العربي، بينهم نحو 13 مليوناً من الشباب في سن 13-24 حسب توصيفات منظمة الاسكوا (اللجنة الاجتماعية الاقتصادية لغربي آسيا)، والحديث هنا عن الأمية الأبجدية وهو لا يشمل التعاطي مع علوم العصر وتقنياته ووسائله الحديثة، حيث لا يزال العالم العربي بقضّه وقضيضه لا تزيد استخداماته للإنترنت على 1 .6% وهي نسبة متدنّية جداً قياساً بالنسب العالمية .

كما أن الموقف من مشاركة المرأة ومساواتها وحقوقها وتمكينها في العالم العربي لا يزال متأخراً قياساً بالتطور العالمي، حيث يعاني نصف المجتمع من تهميش وإقصاء كبيرين، وهو ما ينعكس سلباً على عموم المجتمع، وتعاني المجتمعات العربية من موقف استعلائي من التنوّعات الثقافية الدينية والقومية والإثنية واللغوية والسلالية، لاسيما من طرف القوى المتسيّدة، وهو ما يستخدم مجازاً مفهوم الأغلبية والأقلية .

وإذا كنتُ ميّالاً إلى استخدام مصطلح التنوّع الثقافي والتعددية للمكوّنات المجتمعية، فذلك لشعوري أن مصطلح الأغلبية والأقلية يصلح على الجوانب السياسية أكثر منه للجوانب الدينية أو القومية أو الإثنية أو غيرها، لأنه يفترض أن يتم التعامل مع المكوّنات على أساس المساواة الكاملة والتامة، لأنها مكوّنات مختلفة، مع الأخذ في الاعتبار تميّزها وخصوصيتها وليس إخضاعها لمبدأ الأقلية والأكثرية . وإذا كانت الأمم المتحدة قد استخدمت مصطلح “الأقليات” في إعلانها العام 1992 فقد قصدت المكوّنات المختلفة وحقوقها المتساوية مع التنوّع والاختلاف والخصوصية، وهو إعلان يحتاج إلى تطوير واستكمال وتعميق بما امتازت به خارطة طريق التنوّعات الثقافية والتعددية الكيانية طيلة العقدين الماضيين، لاسيما بعد انتهاء عهد الحرب الباردة . وأظن إن ما طرحته الانتفاضات الشعبية، لاسيما على الصعيد العملي تجاوز عوامل الانقسام التقليدية، عابراً الطوائفيات والأديان، وهو ما حصل في مصر على نحو واضح وجلي .

لعل التغيير الذي حصل في مصر، ليس مصرياً فحسب وإن كان بامتياز قلباً وقالباً، وليس عربياً، وإن كانت الجاذبية المصرية شديدة على العالم العربي، لكنه تغيير عالمي، فمصر، الشجرة التي يمكن أن تتفرع منها أغصان إفريقية وآسيوية كثيرة، مع مراعاة الطقس والتربة والبذور ووقت قطف المحصول، وخصوصاً اليد الشبابية العاملة .

إن مصر تمتلك أهمية استثنائية، فهي وزن سياسي كبير وفاعل ومؤثر، وهي ثقل ثقافي ومعرفي هائل ومستودع لخبرات وطاقات كبيرة، وهي كثافة سكانية وبشرية وقوى عاملة جبّارة بحاجة إلى استثمار، وهي بعد أو قبل كل ذلك تاريخ وحضارة حافلان وأرض متّسعة وشاسعة وخصبة، لاسيما بالنيل “هبة السماء” إلى مصر . ومصر هي جسر الوصل بين الشرق والغرب، وصلة الوصل بين إفريقيا وآسيا، وفي منطقة تحفل بالأديان السماوية الثلاثة، بل إنها موطن: اليهودية والمسيحية والإسلام، حيث المدن المقدسة: بيت لحم والقدس ومكة والمدينة وبعضهم يضيف إليها النجف .

والعالم العربي هو موطن النفط والغاز، وهما عصب الحياة ومحور الصراع الاجتماعي العالمي، ولا يمكن لواشنطن التفكير بمعزل عنهما، ارتباطاً مع حليفها “الإسرائيلي” الاستراتيجي الدائم في المنطقة، فالنفط و”إسرائيل” أساسان لاستراتيجيتها الطويلة منذ عقود من السنين، والمنطقة هي طريق استراتيجي بين القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا . لهذا يكون للجاذبية المصرية بُعداً كونياً، علينا إدراكه .

ولعل الحقيقة الأولى التي ينبغي استيعابها، هو أن التغيير قد بدأ ولا يمكن وقف قطاره حتى إن تعثر أو تأخر، فلم يعد ممكناً العودة إلى الوراء، مهما كانت المبررات، فالإصلاح والدمقرطة والحريات ومكافحة الفساد وتلبية الحقوق الإنسانية، أصبحت استحقاقاً ليس بوسع أي مجتمع التنصل منه، وإذا كان الماضي قد “احتضر”، فالجديد لم يولد بعد حسب تعبير أنطونيو غرامشي .

الحقيقة الثانية توفر البيئة المناسبة داخلياً وخارجياً، موضوعياً وذاتياً، فالتغيير هو فعل داخلي بامتياز وإن كانت البيئة الدولية مشجعة، وسواءً كانت بصدقية أو بتوظيف سياسي، لكن السياسة حسب ابن خلدون هي صناعة الخير العام، وهي أمانة وتفويض ولا مجرى لها الاّ بين تضاريس المحاسبة والتوضيح، فليس لأحد الحق في امتلاك أركانها، باسم استخلاف إلهي أو ما شابه، وإلاّ فستبقى دواوين التاريخ مفتوحة على أخبار قوى التسلط والتحكّم المناقضة لشرائع النقل والعقل، وهو ما تستهدفه التغييرات التي تطمح إليها الشعوب وحركتها الاحتجاجية .

الحقيقة الثالثة إمكانية التغيير بالسلم وباللاعنف، وحتى إن لم تستجب بعض الحكومات للإرادات الشعبية، فإن الشباب سيعيد الكرّة بعد الأخرى حتى يحصل التغيير، سواءً حصل من جانبها مرغمة أو مضطرة أو بتخطيّها وانزياحها .

الحقيقة الرابعة، انكسار حاجز الخوف الذي هو سمة للمحكومين، وسيف مسلط على رقابهم، لاسيما في ظل الأنظمة الاستبدادية، فإن مجرد كسر الحلقة الأولى منه يمكن كسر الحلقات الأخرى تباعاً وعلى جناح السرعة، بل إنه يمكن أن ينتقل إلى الحكام أنفسهم، ولعل هذه اللحظة هي الإيذان، ببدء عملية التغيير، مهما اتّخذت منعرجات واتجاهات، قد تزيد الأمر تعقيداً، لاسيما بالتدخل الخارجي، خصوصاً إذا كان عسكرياً، وحالة ليبيا مثالاً على ذلك، وإذا كانت حماية المدنيين إحدى واجبات المجتمع الدولي، فإنه حتى الآن يتم البطش بهم، بل إن معاناتهم اتّسعت وازدادت .

الحقيقة الخامسة، قيادة الشباب، وإذا كان الشباب في السابق هو الذي يفجّر الانتفاضات وهو وقودها على الدوام، فالأمر قد تغيّر في موجة التغيير الحالية، فقد أصبح هو من يخطط ويقود وينفّذ، بطريقة حضارية ومدنية راقية، متقدماً على الكيانات القائمة، كما أثبت أنه يختزن طاقات لا حدود لها، وكان سياسياً بجدارة وعملانياً بمقدرة وبرغماتياً ببراعة، لاسيما بحيويته وديناميكيته وانفتاحه وشجاعته ورغبته في الجديد والتجديد .

الحقيقة السادسة الوحدة الوطنية، فقد تجاوزت حركة التغيير الانقسامات المجتمعية والاختلافات والآيديولوجيات الدينية والطائفية، فقد أنجزت ما لم تنجزه الحكومات والمعارضات بسرعة مذهلة، الأمر الذي يحتاج إلى الحفاظ عليه وتنميته .

الحقيقة السابعة، ارتفاع رصيد المعرفة والإعلام، اللذين شكّلا خلفية مهمة لنجاح حركة التغيير، فما امتلكه الشباب من معارف، تم توظيفها من خلال الإعلام وتكنولوجيا المعلومات، فقد كان للإعلام دور تعبوي وتنظيمي هائل ولم يعد بإمكان أحد حجبه، فالعالم أصبح قرية صغيرة، وما جرى في سيدي أبو زيد البلدة النائية، أصبح بعد لحظات أمام أنظار العالم كلّه .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
- مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟
- روفائيل بطي.. إرهاص حداثي مبكّر!
- دستور مصر ووصفة السنهوري
- السياسة بوصفها علماً
- الشباب والتنمية!
- العراق من الاحتلال العسكري الى الاحتلال التعاهدي
- النيل وحرب المياه
- العرب وإسرائيل: أي جدل قانوني؟
- حرية التعبير و-حرية- التشهير
- جدلية الضعف والقوة
- - النموذج- العراقي وعدوى التغيير!
- سبع رسائل لاستهداف المسيحيين
- الموجة الثالثة للتغيير
- الانتفاضة العراقية: استعصاءٌ أم استثناء؟
- تناقضات المجتمع المدني ومفارقاته
- رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب
- -اشكالية الهوية والمواطنة في العراق-
- مستقبل الحوار العربي- الصيني!
- لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - جاذبية التغيير