أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب















المزيد.....

رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 17:06
المحور: حقوق الانسان
    


اختفى المعارض الليبي البارز منصور الكيخيا قسرياً من فندق السفير في القاهرة منذ مساء 10 كانون الأول (ديسمبر) العام 1993، وكان الكيخيا يُشارك في المؤتمر الثالث للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بدعوة رسمية، حيث كان عضواً في مجلس أمناء المنظمة وأحد مؤسسيها. كرّس الكيخيا السنوات الأخيرة من حياته وقبيل اختفائه لمتابعة قضية الحريات وحقوق الإنسان، بعد استقالته من منصبه كممثل دائم لليبيا في الأمم المتحدة في نيويورك.
يومها حامت الشبهات حول تواطؤ مصري - ليبي، خصوصاً بين الأجهزة الأمنية، وكان الرئيس المصري السابق حسني مبارك والذي يعرف الكيخيا جيداً، وسبق له أن استقبله كرمز معارض في العام 1989، يوم كانت العلاقات المصرية - الليبية متوتّرة، قد قال عنه عقب اختفائه ردّاً على سؤال أحد الصحافيين: ومن يكون منصور الكيخيا؟.. أهو سوري؟ وفي الوقت ذاته، وبعد اختفاء الكيخيا بيومين فقط، أصدرت السلطات الليبية بياناً أعلنت فيه عن هدر دم المعارضة، وأطلقت عبارة «الكلاب الضالة» على المعارضين.
من وحي هذه المناسبة الحزينة، نشر كاتب هذه السطور مقالة بمناسبة الذكرى الأولى لاختفاء الكيخيا، وهي عبارة عن رسالة افتراضية من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب، وعلى الرغم من مضي أكثر من سبعة عشر عاماً على تلك الرسالة، فإن ما ورد فيها يصلح نشره بالنص استذكاراً وعِبرَةً، وفي الوقت نفسه فإن استعادة المقالة هي تحية للشعبين المصري والليبي ولشباب الانتفاضتين، فحين تمجّد الضحية بوضح النهار بنقاء، يتهاوى الجاني أو المتستر عليه مُضرَّجاً بما فعلته يداه في الخفاء.
لعل كلمة «ثقافة» هي الأكثر استفزازاً وإزعاجاً للحكام الطغاة على مرّ العهود. وغالباً ما حاول هؤلاء، وتحت ذرائع مختلفة، تطويع المثقف سواء بكسر شوكته أو ترويض وسيلته الإبداعية بتسويغ خطاب السلطة و«أدلجة» وجودها وتبرير أعمالها، أو باستخدام مقصّ الرقيب والمحاربة بالرزق مروراً بالنفي والسجن، بل والتغييب!
وسلطة الاستبداد دائماً، سواء باسم «القومية» أو «الطبقية» أو «الدين» أو تمثيل الشعب «كل الشعب» تريد اصطياد المثقف، إنْ لم يكن بالإقناع فلا بدّ من اقتناصه بالاقتلاع، بكأس ثاليوم أو بكاتم صوت أو بالاختطاف أو الاختفاء القسري.. أي مصادرة الحياة بعد مصادرة الرأي وحق التعبير وإضفاء الواحدية والإطلاقية والشمولية على فكر المجتمع، أكان ذلك عبر كتاب «كفاحي» أو «الكتاب الأحمر» أو «الكتاب الأخضر» أو عبر أي قالب ووصفة جاهزة. ولمّا كانت الثقافة بطبيعتها متنوّعة ومنفتحة ومتعدّدة المشارب والأذواق ومختلفة المنابع والمصادر، فقد ناصبها الحكّام المستبدّون، أيّاً كان لونهم وجنسهم وعقيدتهم، العداء، فشعور الذعر والهلع الدائم هو هاجسهم المستمرّ.
ولهذا تُستنفر قوى الجهل والظلام للخلاص من المثقفين متوهّمةً بأن فرض سيادة الصوت الواحد واللون الواحد، بالكرباج أو الجزمة أو بالوعد أو بالمال، لإسكات الضحية أو تطويعها أو تحويلها إلى مهرّج لا تعرف غير التسبيح بحمد «السلطة» وفي نمط الفن والكتابة والشعر، لا يمتّ إلى الإبداع بوشيجة، بل لتكريس مجد «القائد» وحكمته.
هذا ما أجبر غاليليو على تجرّع كأس السم، ومع ذلك ظلّت الأرض تدور! وكان غوبلز وزير الدعاية النازي يدرك قيمة الكلمة الحرة، لذلك ظلّ يمارس الكذب ثم الكذب لكي يقنع نفسه بتضليل الآخرين، وكان مدير مسارح الريخشتاغ هانز يوست يقول: «كلما سمعت كلمة ثقافة فإنني أتحسّس مسدسي»! ومع ذلك كان بريخت يردد: «ربما يصبح الحديث عن الشجر جناية، فكيف إذا كان السكوت عن جرائم كثيرة»... وعلى الرغم من محاولات «التدجين» و«الترويض» و«الاقتلاع» لم تُنكّس راية الثقافة في حين هوت النازية وأُلقيت أرضاً.
يوم سقط حسين مروة مضرّجاً بدمائه وقف مهدي عامل مودّعاً زميله أمام ضريح السيدة زينب في دمشق مخاطباً المثقفين بالقول: «إذا لم توحّدنا الثقافة بوجه الظلام والتخلّف وكاتم الصوت فماذا سيوحّدنا بعد؟» لم يدر بخلده أنه سيكون الضحية التالية، بعد مروّة بثلاثة أشهر. وسبقه خليل نعوس وسهيل طويلة ولم يكن الأخير بالطبع. وستظل أسماء مثل غسان كنفاني وكمال عدوان وكمال ناصر وماجد أبو شرار وناجي العلي وراغب حرب وفرج فودة والطاهر جعوط ويوسف فتح الله وخوجلي العثمان وعشرات غيرهم دليلاً على ذعر سلطات الاستبداد وقوى التطرّف من أصحاب الرأي ومن الثقافة والمثقفين، حتى وصل الأمر إلى أن تمتد سكين حاقدة إلى رقبة الأديب الكبير نجيب محفوظ.
كان أقطاب 8 شباط (فبراير) 1963 يتنزّهون في «قصر النهاية» السيئ الصيت، يبحثون عن ذلك الشيطان القابع في أعماق عدد من المعتقلين، عن تلك الكلمة اللعينة «الثقافة» التي يعرفون خطرها، ولذا فهم يناصبونها «العداء» وينزعون روحها وأرواح حامليها. فهؤلاء شعراء لا يجلبون سوى النكد والثورة، وأولئك كتّاب وصحافيون يعرفون كيف ينتقدون وكيف يحرّضون. أما الفنانون فإنهم لا بدّ أن يستخدموا السخرية وسيلة للمقاومة. لا بدّ إذن، من تصفية الحساب... هكذا قُتل عبد الرحيم شريف وعبد الجبار وهبي «أبو سعيد» ومحمد حسين أبو العيس وحسن عوينة وعدنان البراك وعشرات آخرون. وأُرغمت كوكبة لامعة من خيرة المثقفين على توقيع صكوك إذعان هي أكثر عاراً على الجلادين أنفسهم وشهادة براءة للضحية التي لا تزال تؤشر بإصبع الاتهام.
وعندما اعتلى أحمد حسن البكر السلطة العام 1968 استحكم صدام حسين في غرفة العمليات ولم تكن سوى «مكتب الثقافة والإعلام» و«مكتب العلاقات العامة»، أي سلطة الأيديولوجيا وسلطة القمع، فقد كان يدرك حقاً أهمية ترافق القمع الأيديولوجي المنظّم والتخريب النفسي والروحي وشراء الذمم، مع القمع البوليسي الفاشي، وإذلال الخصم وإكراهه للتخلي عن معتقده والإقرار بالفكر الوحيد الممكن الجدير «فكر السلطة». أما استخدام مبدأ الوعد والوعيد، العقاب والثواب، فتلك النظرية ظلّ الحكم مغرماً بها متخطياً نطاق العراق، إلى النطاق العربي والعالمي، فظهرت الصحف والمجلات بل المؤسسات ومراكز الأبحاث، وكلها كانت تُدار من جانب أشخاص ليسوا بعيدين عن أجهزة القمع الرسمية.
ويوم تسلّم الموقع الأول في الحزب والدولة، كما يحلو له أن يقول، ارتفع عدد ضحايا الثقافة... وهكذا اختفى الدكتور صفاء الحافظ والدكتور صباح الدرة، وبعدهما اختفى الإمام محمد باقر الصدر، وأخته بنت الهدى، ولحق بهم عايدة ياسين وأسعد الشبيبي ودارا توفيق وغيرهم عشرات، بينما ذاق الآلاف من المثقفين مرارة التعذيب والسجن والنفي.
بشر بلا قلوب أو قلوب بلا رحمة... دماء وسكاكين ودموع... الجلاد واحد وإن تعدّدت الوجوه وإن تنوّعت الضحايا واتّسعت قائمة المخطوفين والمختفين... هكذا ذُوّب جسد فرج الله الحلو ومات تحت التعذيب في زنازين مظلمة شهدي عطية الشافعي وصعد إلى المشنقة فهد وعبد الخالق محجوب، واختفى إلى يومنا هذا منذ ثلاثة عقود المهدي بن بركة وضاع أثر الإمام موسى الصدر، ولم تكشف التحقيقات عن مصير عزت المقريف وجاب الله مطر، وما زالت القوات الإسرائيلية «تصطاد» كلما رغبت في صيد ثمين من جنوب لبنان وكان آخر صيد لها هو مصطفى الديراني.
وإذا كان الدور قد وصل إلى منصور الكيخيا، فذلك لأن أصواتكم بل أصواتنا جميعاً لم تصل لتشق عنان الصمت وتمزّق الخنوع!
أتصوره، يخاطبنا من مكان اختفاء لا أحد يعرفه، بكل رقّة وحياء، قائلاً: «لا أدعوكم للدفاع عنّي، بل للدفاع عن حقوقكم في التعبير عن الرأي والمعتقد والتنظيم وحقكم في المشاركة السياسية بإدارة شؤون بلدكم».
أيها المثقفون العرب أدعوكم للدفاع عن حقوقكم الأساسية كبشر أولاً، لكم الحق في الحياة والعيش بسلام وحرية، وعن حقكم في ضمان مستقبل أطفالكم في التعليم والصحة والتمتع بمباهج الطفولة... عن حقكم في حياة خالية من الخوف والعسف والتعذيب.
أدعوكم لاستخدام سلاح الثقافة الماضي وشحذ الفكر للدفاع عن سلطتكم... إنها رمز قوتكم وعنصر ضعف السلطات الحاكمة، إن سلطتكم تتجسّد في معرفتكم، في ثقافتكم ، وإذا ما تخلّيتم عنها ستقعون صرعى إمّا بسهم جلاد، سيقطّع لحمكم وأوصالكم أو سكين شايلوك أو كيس نقوده... ومن يتخلّ عن وسيلته الإبداعية، عن سلطته، لكي يبرّر أو يزوّق أو يسوّق خطاب الطاغية يتخلّ عن ثقافته.
أدعوكم أيها الزملاء لتصونوا سلطتكم، لتكونوا جديرين باسم الثقافة، باسمكم كحالمين، كمشروع تغيير وتجديد، لكم تحياتي وقبلاتي وباقة ورد حمراء حتى نلتقي! (12/12/1994).
أظن أن رسالة الكيخيا قد وصلت إلى الشباب الحالم الجميل ليس في ليبيا فحسب، بل إلى تونس ومصر والجزائر والعراق واليمن والبحرين والأردن وبالطبع إلى فلسطين، ولعل بعض صداها تحوّل إلى شعارات للحرية والحقوق والعدل، في انتفاضات سلمية ضد الاستبداد والإرهاب والاحتلال والفقر والفساد، فعسى أن يدخل عالمنا العربي الذي وحدتّه انتفاضات الشباب، إلى فضاء الحداثة والمعرفة!!
.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -اشكالية الهوية والمواطنة في العراق-
- مستقبل الحوار العربي- الصيني!
- لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!
- تونس- مصر: أسئلة ما بعد الانتفاضة!
- ثقافة السلام
- كوابح المجتمع المدني
- عواصف التغيير الديمقراطي: أي خريطة طريق؟
- أخشى من إجهاض الانتفاضة التونسية
- العولمة: ربّ ضارة نافعة!
- خطاب القوة والتطرف معكوساً
- منولوج جو بايدن!
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية
- قراءة تأويلية عن حضارة وادي الرافدين لكتاب متميّز
- ماذا بعد استهداف مسيحيي العراق؟
- صورة تونس النمطية: مقايضة السياسة بالاقتصاد!
- مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!
- حقوق الانسان في الوطن العربي:المنظمة العربية لحقوق الانسان ف ...
- الأمن الغذائي .. الحق في الطعام!


المزيد.....




- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب