أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - منولوج جو بايدن!















المزيد.....

منولوج جو بايدن!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3274 - 2011 / 2 / 11 - 17:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعطِ جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي جواباً واضحاً أو قاطعاً على سؤال طرحه على عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس حول احتلال العراق: هل كان الأمر يستحق 4439 قتيلاً في صفوف الجنود الأمريكيين وجرح 32 ألف شخص من بينهم 16 الفاً سيحتاجون للرعاية الدائمة؟ لم يكتفِ جو بايدن بتلك الأسئلة المثيرة والحارقة، بل أشار إلى أن هذا السؤال الذي قد يطرحه بعض منكم، لا تظنّوا أنني لا أطرحه على نفسي أيضاً!
وإذا كان بايدن وهو صاحب مشروع تقسيم العراق بدم بارد وبكل أريحية، يعرب عن تشككه في مآل احتلال العراق، لاسيما من خلال إستدراكه بقراءة ارتجاعية للماضي بالقول: فيما إذا قدّر لنا العودة إلى الوراء ربما ما كنّا فعلنا ذلك! رامياً التقويم النهائي على ذمّة التاريخ "التاريخ وحده يحمل الجواب!"، ولعل في ذلك إجابة بليغة بعد نحو ثماني سنوات من الاحتلال، الذي قرعت له كل الطبول.
حديث بايدن جاء متزامناً مع مثول توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق أمام لجنة من مجلس العموم البريطاني، لمساءلته عن عمليات التضليل والخداع الواسعة النطاق التي مارسها لإقناع الرأي العام بمبررات الغزو خارج نطاق ما يسمى بالشرعية الدولية، ودون تفويض من مجلس الأمن الذي امتَنَعَ عن إصدار قرار "يشرعن" الحرب على العراق، وكان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قد وضع مسألة الإطاحة بالنظام العراقي السابق كإحدى أولوياته بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية، ثم بدأ بالبحث عن الذرائع والمسوّغات خصوصاً وأنه كان قد أصدر الحكم سلفاً.
وحتى الرئيس جورج دبليو بوش- ومعه فريق من الصقور من أمثال ديك تشيني نائب الرئيس ورامسفيلد وزير الدفاع وكونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية لاحقاً وبول وولفتيز وغيرهم - الذي كان من أنصار الحرب بلا حدود، وجد نفسه عشية انتهاء ولايته مضطراً للاعتراف بعد ورطته وخيبته، بأن معلوماته قبيل شن الحرب كانت مضللة، ولو لم تكن كذلك، لما أقدم على شن الحرب.
وبعد احتلال العراق فعلياً سعت واشنطن "لتقنين" احتلالها عبر إصدار قرار من مجلس الأمن يقضي باعتبار العراق "محتلاً" بحكم القانون الدولي واتفاقية جنيف لعام 1949 وملحقيها، وذلك بصدور القرار 1483 في 22 أيار (مايو) 2003، أي بعد أربعين يوماً فقط من احتلال العراق في 9 نيسان (ابريل)، ولعل ذلك جاء بعد تصريح مثير للرئيس بوش في الأول من أيار (مايو) من العام ذاته من على متن السفينة أبراهام لنكولن حين قال "إن المهمة أُنجزت".
لكن هل أُنجزت المهمة فعلاً؟ وهل تحقق النصر الموعود؟!.
مجلة التايم Time الأمريكية الواسعة الانتشار أجابت عن ذلك حين قالت: إن أي نصر لم يتحقق في العراق، وربما لن يكون هناك نصر في المستقبل، لاسيما بعد انسحاب القوات الأمريكية، مشيرة إلى أن محاولات واشنطن لبناء عراق أكثر ملاءمة للمصالح الغربية لن تكون أفضل من تلك المحاولات السابقة، مضيفة أنه حتى لو ساد ما يشبه الأجواء الديمقراطية في بلاد الرافدين، فلن يتذكّر العراقيون الغزو والاحتلال الأمريكي بفخر واعتزاز، بل سينظرون إلى ذلك (أي إلى التطورات اللاحقة) كونه إنجازاً خاصاً بهم، لافتة النظر إلى أن ذلك هو "عين الصواب".
لعل سؤال جو بايدن (السناتور) الذي أيّد شنّ الحرب على العراق في مجلس الشيوخ الأمريكي العام 2002 وتبريراته الحالية لم تأتي من فراغ، خصوصاً بعد وصول الأمور إلى طريق مسدود. يومها اختلق الذرائع والحجج لتبرير شنّ الحرب على العراق وعدم طلب تفويض جديد من مجلس الأمن، بزعم أن قرار 1441 كافياً لمنح واشنطن التفويض المنشود.
والآن ورغم مرور نحو ثماني سنوات فهل أنجزت المهمة بالفعل؟ لم يقل الرئيس أوباما الذي تضمن برنامجه الانتخابي الانسحاب من العراق ذلك، بل قال: إن المهمة القتالية للقوات الأمريكية انتهت؟ ومرّة أخرى هل انتهت المهمة بالفعل؟ وماذا عن بقاء خمسين ألف جندي أمريكي على أهبة الاستعداد فضلاً عن المهمات التدريبية للجيش العراقي؟ أليس في الأمر ثمت التباس أو إبهام؟
ولعل ذلك جاء بعد تساؤل من جانب نائب الرئيس الأمريكي بايدن الذي أكّد الانسحاب من العراق في نهاية العام الجاري 2011، ولكن قد تكون هنالك حاجة لبقاء قوات أمريكية بصيغة اتفاقات سياسية جديدة، لاسيما وأن الاتفاقية العراقية – الأمريكية سينتهي مفعولها، وهو ما صرّح به وزير الخارجية العراقي هوشيار الزيباري، حول الحاجة لاستمرار بقاء القوات الأمريكية بصيغة تعاقد جديد.
وعلى الرغم مما بُذل من جهد وما صُرف من مال فإن الجيش العراقي والقوى الأمنية ما تزال غير مؤهلة لمواجهة التحديات الخارجية، فضلاً عن التحديات الداخلية، فالأمن لم يستتب بالرغم من تحسّنه النسبي منذ العام 2008، فثمت اختراقات كبيرة تحصل بين الفينة والأخرى، كالثغرات الكبيرة التي حصلت خلال وبُعيد الانتخابات النيابية 2010، أما الفساد فما يزال يضرب أطنابه في كل مفاصل الدولة، وقد جاء في تقرير برلماني أمريكي نُشر في مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2010 أن الفساد في العراق ليس مزمناً فحسب، لكنه منهجي أيضاً. وهو ما ذهبت إليه منظمة الشفافية العالمية، التي اعتبرت العراق على مدى السنوات الماضية من أكثر بلدان العالم فساداً (إنه البلد الثالث في العالم من حيث موقعه في سلم البلدان التي تعاني من الفساد).
لقد انحصر سؤال جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي حول ثمن الحرب، في الخسائر البشرية في الجانب الأمريكي فقط، فضلاً عن ثلاثة تريليونات دولار والحرب لم تنتهي، فلم يتحدث عن معاناة العراقيين وخسائرهم البشرية والمادية، فضلاً عن تدمير الدولة العراقية، وسرقة متاحفها ومكتباتها وصروحها وثرواتها الثقافية في ظل فوضى وانفلات لم يسبقه مثيل، ناهيكم عن استشراء العنف والإرهاب والطائفية التي ضربت كيانية الدولة العراقية، خصوصاً بعد نظام المحاصصة الذي أعلى من شأن أمراء الطوائف، بصيغة بول بريمر.
إن إهمال جو بايدن للسؤال عن مصير العراقيين، سبق أن أجابت عنه مادلين أولبرايت وزيرة خارجية واشنطن في عهد الرئيس بيل كلينتون، في أواسط تسعينيات القرن الماضي، ردًّا على سؤال الإعلامية ستانسلي والتي استضافتها في برنامج "ستون دقيقة"، حين سألتها هل يستحق مقتل نحو نصف مليون من العراقيين معظمهم من النساء والأطفال، أن يكون ثمناً مناسباً للحصار؟ أجابت بالإيجاب (نعم إنه يستحق ذلك!!)، وهو ما يفسّر العقلية الأمريكية والغربية عموماً إزاء معاناة الآخرين، وهو ما حاول توني بلير أن يبرره بقوله: إن شنّ الحرب على العراق والإطاحة بنظام صدام حسين إنما هو ثمن مقبول وهو غير نادم عليه. أما مئات الآلاف من الضحايا وتدمير الدولة العراقية، فإنه غير معني بها!!.
هل انتهت المهمة فعلاً أم أن الولايات المتحدة تريد الخلاص من شرنقة هذه الحرب بسبب الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة التي ضربت العالم منذ أواخر العام 2008 وما تزال مستمرة حتى الآن، لاسيما وقد انهارت بسببها بنوك كبرى ومؤسسات تأمين عملاقة وتعرّض اقتصاد واشنطن وعملتها للانهيار أم هو ضغط الرأي العام الأمريكي كذلك، خصوصاً بعد خسارة الرئيس أوباما في الانتخابات النصفية للأغلبية الديمقراطية في الكونغرس وتدنّي شعبيته، وعجزه عن الإيفاء بالتزاماته التي طرحها في الحملة الانتخابية أو خطاب التنصيب، خصوصاً الانسحاب من العراق وإغلاق سجن غوانتانامو؟ ولعل الأرقام المخيفة المعلنة حسب التقديرات الأمريكية، وإن كان الواقع يضاعفها أو يزيد عليها، هي سبب آخر في اضطرار الولايات المتحدة إلى مثل هذه التصريحات الإعلانية.
لقد فشلت واشنطن في حربها ضد العراق ووقعت أسيرة المستنقع العراقي الموحل وهو ما يُذكّر بالوحل الفيتنامي، ولذلك فهي تريد الانسحاب من هذه الورطة التي أوقعت نفسها فيها، فقد شكّل لها احتلال العراق مأزقاً سياسياً وقانونياً وأخلاقياً، وصداعاً مستمراً، لاسيما بانهيار سمعتها.
إن منولوج جو بايدن، سواءً كان داخلياً أو خارجياً، وسواءً جاء على صيغة استفسار وإن كان أقرب الى الاستنكار، فإنه يمثّل إدانة غير مباشرة لإدارة الرئيس بوش ولكنه في الوقت نفسه إعلان صريح عن فشل السياسة الأمريكية، خصوصاً وقد تبخّرت شعارات التحرير، بل وطوي الحديث عن الديمقراطية، والرخاء، والشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد، وأخذ الكلام ينصبّ في الاستقرار والحفاظ على ما هو قائم من عملية سياسية متعثرة.
ولكن من جهة أخرى يمكنني القول أن واشنطن أنجزت المهمة بالفعل، فإذا كان تدمير العراق وزرع الخيبة في صفوفه هو الثمن الذي يستحقه العدوان كمكافأة، فقد تركت البلاد في مرحلة تعويم السيادة بتداخلها إقليمياً ودولياً، تعصف بها المشاكل من كل حدب وصوب، منقسمة على ذاتها، فاقدة الحلم بنظام ديمقراطي ظل العراقيون يطمحون له لسنوات ثلاثين ونيّف من الاستبداد والقمع والحروب والحصار والمآسي التي لا حدّ لها.
انتهت المهمة فعلاً لأن بقاء القوات الأمريكية بحجمها وعدتها وعديدها أصبح عبئاً على واشنطن، فضلاً عن أنه لا يبدّل شيئاً في المعادلات العراقية والإقليمية، مما يدعو إلى إعادة انتشار وبرمجة ومزيد من الديماغوجيا، لكي نقول انتهت المهمة وإن لم تنتهي!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية
- قراءة تأويلية عن حضارة وادي الرافدين لكتاب متميّز
- ماذا بعد استهداف مسيحيي العراق؟
- صورة تونس النمطية: مقايضة السياسة بالاقتصاد!
- مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!
- حقوق الانسان في الوطن العربي:المنظمة العربية لحقوق الانسان ف ...
- الأمن الغذائي .. الحق في الطعام!
- بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟
- ساحل العاج دولة برئيسين
- حرب باردة في خليج ساخن
- الاستفتاء السوداني: بين الديناميكية والسكونية !
- بعد 50 عاماً مصير -حق- تقرير المصير
- العمل العربي المشترك: أي دور للمجتمع المدني؟
- استفتاء أم استثناء؟
- الحداثة وما بعدها !
- رمزية القرار 1514 و«متحفية» الكولونيالية!
- ما وراء تسريبات -ويكيليكس-؟
- المواطنة.. من دولة الحماية إلى دولة الرعاية


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - منولوج جو بايدن!